مايكل مور.. العصب الأمريكي العاري

قاد مور حملة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وقال إنه إذا مُنع المسلمون من دخول البلاد فسيعلن هو ومجموعة كبيرة ممن اتفقوا مع رأيه؛ إسلامهم

وقف المخرج الأمريكي مايكل مور أمام أحد الفنادق التي يملكها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حاملا لافتة كتب عليها “كلنا مسلمون”. ولم يكن الرجل قد أعلن إسلامه بالفعل، لكنه بعث برسالة واضحة إلى ترامب الذي كان يدعو وقتها إلى منع مواطني الدول المسلمة من دخول الولايات المتحدة وتسجيل المواطنين المسلمين فيها بسجل خاص يسمح بالرقابة عليهم.

مايكل مور مؤلف وناشط سياسي ومخرج أمريكي حائز على جائزة الأوسكار، وعلى السعفة الذهبية من مهرجان “كان”

وفي وقت سابق كان مور قد جمع ما يتجاوز مئة ألف دولار أمريكي من التبرعات لصالح بناء مسجد في “الأرض صفر” (Ground zero)، وهي المنطقة التي كان يقع فيها برجا التجارة العالمية قبل تفجيرهما عام 2001. ورغم الهجوم الشديد على فكرة بناء المسجد في المكان الذي شهد تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول من وسائل الإعلام الأمريكية، والعرض الذي قدمه ترامب للإمام فيصل عبد الرؤوف صاحب المبادرة وتضمن مبالغ مالية كبيرة للتخلي عن الفكرة، فإن مور لم يتنازل عن مطالبته بالسماح ببناء المسجد.

مور و”جينيرال موتورز”.. علاقة عائلية

مايكل مور مؤلف وناشط سياسي ومخرج أمريكي حائز على جائزة الأوسكار، وعلى السعفة الذهبية من مهرجان “كان”، وعُرف بصراحته وجرأته ورؤيته الناقدة للعديد من القضايا مثل العولمة وحرب العراق وسيطرة الشركات العملاقة وجماعات العنف المسلحة.

ولد مور في 23 أبريل/نيسان 1954 في فلينت بولاية ميتشغان ونشأ في مدينة ديفيسون. وبحكم سكنه في حي “فلينت” فإنه كان قريبا من مصانع شركة جينيرال موتورز، حيث كانت تعمل والدته سكرتيرة هناك، كما كان كل من والده وجده يعملان هناك أيضا كعمال سيارات، أما عمّه فهو أحد المؤسسين للاتحاد العمالي المشهور بـ”عمال السيارات المتحدون”.

مور.. صانع مشكلات جريء

يجمع مور عددا من المواهب ويقوم بالعديد من الأعمال، فقد بدأ حياته صحفيا وكتب سيناريوهات الأفلام وصنع الأفلام الوثائقية، وقدّم ما يقرب من ثمانية كتب حققت توزيعا جيدا رغم الحصار الذي تضربه عليها دور النشر والتوزيع الأمريكية.

وعبر أكثر من 22 عملا وثائقيا وثمانية كتب لم يتوقف “صانع المشكلات” –كما يُلقب في الإعلام الأمريكي- عن طرح الأسئلة الصادمة، وطرح تناقضات المجتمع الأمريكي خارجيا وداخليا على مائدة الفن السابع، كما لم يتوقف –رغم اقترابه من عامه السبعين– عن الخروج في مظاهرات ضد حكام الولايات المتحدة الأمريكية، وعن انتقاد الرأسمالية في عقر دارها، والدفاع عن الحقوق الاقتصادية للفقراء، والدفاع عن حق الحياة الذي يسلبه حاملو السلاح الأمريكيون.

ولا يختلف مايكل مور الكاتب عن مايكل مور المخرج، فكلاهما صريح وجريء كما يليق بولد نشأ في أسرة من العمال وتبنى قضاياها منذ الصبا عبر الكتابة، فقد ترك الدراسة الجامعية في عامه الأول لينشئ مجلة ناجحة، ومن ثم اختير رئيسا لتحرير مجلة كبرى في ميتشغان، ليدخل أولى معاركه مع مقال مليء بالأكاذيب فُرض عليه نشره فاستقال ليبدأ مشواره مستقلا.

محطات الاشتباك.. الانتصار للعمال

كانت البداية في عام 1989 بعد إغلاق شركة “جينيرال موتورز” مصانعها بمدينة “فلنت”. وبينما استنكر أهالي المدينة قطع أرزاقهم وحاولوا المقاومة، لم يكتف مايكل بالاستنكار، بل بدأ في تصوير فيلمه الوثائقي الأول على نفقته الخاصة، وذلك للإجابة على سؤال “أين يوجد روجر سميث الرئيس والمدير العام لشركة جينيرال موتورز في هذه المرحلة التي أصبحت فيها المدينة منطقة منكوبة؟”.

كان مور في هذا الفيلم الذي اختار له عنوان “روجر وأنا” (Roger and me) وراء الكاميرا وأمامها، إذ نراه وسط أهالي مدينة فلنت التي يعرفها جيدا طالبا من المسؤول الأول عن شركة السيارات أن يأتي إلى عين المكان لكي يشاهد الدمار الذي خلفه إغلاق المعامل. وقد حقق الفيلم نجاحا تجاريا ونقديا، وظهرت ملامح “المخرج”، حيث ظهر كواحد من شخصيات عمله يقاتل للإجابة عن أسئلته ويحاكم الواقع، ولا يكتفي بالحياد أبدا.

قدم مايكل مور في عام 1994 سلسلة من 17 حلقة تسجيلية بعنوان “تلفزة الأمة”

وقدّم الجزء الثاني من هذا الفيلم عام 1992 باسم “حيوانات صغيرة أم لحوم” (Pets or Meats)، ليعيد النظر من خلاله بإيجاز في الانهيار الاقتصادي لـ”فلنت”، والتغييرات التي حدثت في الشخصيات الرئيسية في الأفلام السابقة، وذلك ابتداء من روجر سميث وصولا إلى العمال الذين تم طردهم من بيوتهم لعدم قدرتهم على دفع الإيجار، وذلك نتيجة طردهم من العمل في مصانع جينيرال موتورز وإغلاقها.

“الكبير”.. فضائح وتجاوزات وانتهاكات

قدم مايكل مور في عام 1994 سلسلة من 17 حلقة تسجيلية بعنوان “تلفزة الأمة” (TV Nation)، وهي عبارة عن مجلة مرئية ترصد العمليات التجارية الضخمة وتأثيرها على الفقراء، كما رصدت السلوك السياسي لليمين الأمريكي وآثاره التدميرية على الأمة الأمريكية.

ثم قدم تجربته الروائية الوحيدة عام 1995 تحت اسم “لحم الخنزير المقدد الكندي”، وهو فيلم كوميدي عن انخفاض شعبية الرئيس الأمريكي، واقتراح حل زيادة هذه الشعبية عبر شن حرب باردة ضد كندا، وظهر في الفيلم ممثلا أيضا.

وفي 1997 قدم فيلم “الكبير” (The Big One)، وفضح من خلاله المزيد من الانتهاكات والتجاوزات من قبل الشركات الكبيرة الجشعة والسياسيين القساة في جميع أنحاء أمريكا. وجاء الفيلم بمثابة تحقيق اجتماعي عن الشركات المتعددة الجنسيات وممارساتها التخريبية للحصول على أرباح طائلة من دون أن تضع اعتبارا للبيئة أو البشر، واستعان مور الصحفي المتمرس بالأرقام ليؤكد رؤيته، وطرح التناقض الرئيسي إزاء أرقام الأرباح والنمو المعلنة مقابل فرص العمل القليلة.

مور.. من المحلية إلى العالمية

ويعتبر عام 2002 هو العام الأهم في مشوار مايكل مور، إذ خرج من حدود “محليته” الأمريكية إلى العالمية، وذلك عبر فيلم “بولينغ فور كولومباين” (Bowling for Columbine) ، وناقش الفيلم حادث مأساوي عام 1999 راح ضحيته 13 تلميذا بمدرسة “كولومباين” في ولاية كولورادو، وذلك نتيجة إطلاق أحد زملائهم الرصاص عليهم، وكان سؤال الصدمة المعتاد من المخرج عن “سر انبهار الأمريكيين بالأسلحة النارية”. وفاز الفيلم بجوائز كثيرة وحقق أرباحا، وحصل عنه من مهرجان “كان” السينمائي على جائزة “أفضل فيلم أجنبي”.

مور.. الساسة رعاة البقر البيض الأغبياء

ويكره مايكل مور رجال السياسة، وخاصة أولئك “البيض الأغبياء” كما أطلق عليهم في أحد كتبه، واصفا إياهم بأنهم مثل رعاة البقر الذين يرون أنه يحق لهم أن يفعلوا ما يشاؤون بالضعفاء والفقراء. لكن الزعيم السياسي الذي فاز بأكبر قدر من انتقاد مور هو الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، أما الرئيس الحالي دونالد ترامب فمرشح لكراهية مريعة خاصة في ظل وصف مايكل مور له بـ”هتلر” الأمريكي، ودعوته لتشكيل جبهة مقاومة ضده لخطورته على أمريكا والعالم.

مور خلال إحدى مذكراته يتحدث عن مخاطر رئاسة ترامب، مؤكدا أنه يُعرّض مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية للخطر

كان جورج دبليو بوش هو بطل الفيلم الأشهر لمور وهو “فهرنهايت 9/11” (Fahrenheit 11/9) عام 2004، وقام خلاله المخرج الثائر بعملية تشريح دقيقة لأسوأ ما في إدارة بوش، واعتبرها أسوأ إدارة عرفتها الولايات المتحدة الأمريكية، وكشف خفايا أحداث سبتمبر/أيلول 2001، والحرب التي دمرت العراق عام 2003.

وفاز الفيلم بـ”السعفة الذهبية” بمهرجان “كان” عام 2004، وكان ذلك أول نصر تُحققه السينما الوثائقية عالميا. وفي الفيلم يظهر جورج بوش في مشهد ومور يخاطبه “السيد الرئيس.. أنا مايكل مور”، فيرد بوش ضاحكا “حاول أن تكون مؤدبا”.

“الغزو القادم”.. نهب النظام بدل الثروة

وفي فيلمه “أين الغزو القادم؟” عام 2015 يبحث المُخرج العاشق لبلاده عن الأزمات المزمنة في الولايات المتحدة والعيوب الجوهرية في مؤسساتها، فيقرر “غزو” مجموعة بلاد ونهب “نظام” بدلا من نهب ثرواتها الاقتصادية كما يفعل الغزاة، ويتساءل: ماذا لو قررت أمريكا غزو بلد جديد؛ ولكن هذه المرة ليس لنهب ثرواتها وإنما لتتعلم منها؟ فيختار فنلندا مثالا ويستعرض نظام التعليم فيها، مشيرا إلى أنه الأفضل للولايات المتحدة. ويختار تونس باحثا عن حرية للمرأة توازي ما تستمتع به المرأة التونسية من حرية خاصة بعد ثورة الياسمين، ويختار نظام الإجازات ورعاية العمال والموظفين في ألمانيا.. وهكذا يشكل المخرج ملامح مؤسسات تنتج مجتمعا جيدا.

الرئيس دونالد ترامب مرشح لكراهية مريعة خاصة في ظل وصف مايكل مور له بـ”هتلر” الأمريكي

أما فيلمه لعام 2016 فهو “مايكل مور في ترامب لاند”، وفيه يذهب مور إلى أوهايو (واحدة من أكثر الولايات التي تؤيد الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ترامب)، وذلك لمحاولة فتح العينين أمام جميع أولئك الذين يعيدون التصويت لصالح دونالد ترامب. وخلال إحدى مذكراته يتحدث عن مخاطر رئاسة ترامب، مؤكدا أنه يُعرّض مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية للخطر.