فؤاد سعيد ورامي مالك.. تحديات تواجه مصريَين للفوز بالأوسكار

أسامة صفار

بين فؤاد سعيد ورامي مالك مشتركات لا تقتصر على أصولهما العربية المصرية، لكنها تتجاوز ذلك إلى التحدي

كان الطفل فؤاد سعيد محروما من أشقائه بعد وفاة والده ثم والدته، واضطر الأهل إلى توزيعهم على مجموعة أسر في العائلة ليكفل كل منها أحد الأطفال اليتامى، وذهب فؤاد إلى شقيق والدته الذي كان مديرا لأستوديو الأهرام في مصر.

هناك صنع فؤاد عالمه الخاص بين آلات التصوير والديكورات، وفي عيد ميلاده الـ12 أهداه خاله كاميرا تصوير فوتوغرافية، وفي الـ16 من عمره أهداه كاميرا تصوير سينمائية صغيرة، وانجذب المراهق اليتيم إلى عالم التصوير تماما، وفي الـ19 من عمره رافق فريق تصوير هوليودي لتصوير تريلر من فيلم “وادي الملوك”، وبعد انتهاء التصوير عاد معهم إلى هوليود.

ولد فؤاد سعيد عام 1933 في القاهرة، وانطلق إلى هوليود عام 1952، وحصل على أول أوسكار في التاريخ العربي عام 1969، وذلك عن اختراعه الذي أحدث ثورة في الإنتاج الهوليودي؛ الأستوديو المتنقل (السيني موبيل).

وبعد عشرة أعوام من حصول سعيد على الأوسكار للتميز في التقنية الفنية، وُلد طفل يدعى رامي لأب وأم مصريين، ونشأ في مدينة لوس أنجلوس في كاليفورنيا، وأصابه هوس السينما رغم معارضة والديه، وصادف التحدي الأهم في بداياته حيث عُرضت عليه أدوار “الإرهابي” فرفضها دون نقاش، ومن ثم حصل على أوسكار أفضل ممثل لعام 2019.

لقطة من فيلم "وادي الملوك" الذي شارك فؤاد سعيد في تصوير التريلر الخاص به

فؤاد ورامي.. مشتركات وتحديات في هوليود

بين فؤاد ورامي مشتركات لا تقتصر على أصولهما العربية المصرية، لكنها تتجاوز ذلك إلى التحدي، فبينما قرر فؤاد أن يحدث ثورة في عالم هوليود؛ قاد رامي ثورته الخاصة على تنميط وحبس الممثل ذي الأصول العربية بدور “الإرهابي”.

أما المشترك الأحدث فهو ذلك التجاهل التام الذي لقيه فؤاد سعيد من مسقط رأسه منذ حصوله على الأوسكار عام 1969 وحتى العام 2010، حيث تم تكريمه عن الجائزة بعد نحو 40 عاما، فيما أثارت وسائل التواصل الاجتماعي في مصر معركة شرسة حول ما إذا كان رامي ذو الأبويين المصريين والمولود في الولايات المتحدة الأمريكية مصريا أم لا؟ ومن ثم هل يستحق أن يشاركه المصريون الفرحة أم لا؟ ثم كان السؤال الثاني عن ذلك الدور الذي حصل عنه رامي على جائزة الأوسكار، وهو دور المطرب الإنجليزي “فريدي ميركوري” الذي كان شاذا جنسيا، وهل هذا هو ثمن الأوسكار أم لا؟

فؤاد.. الهجرة إلى كاليفورنيا

كان فؤاد في المرحلة الثانوية عندما علم بتصوير فيلم عالمي لأول مرة في مصر في بداية الخمسينيات، حيث وصل المخرج العالمي روبرت بيروش لتصوير فيلم “وادي الملوك” (بطولة روبرت تايلور وإليانور باركر)، وطلبت الشركة المنتجة “مترو غولدن ماير” من مسؤولي أستوديو مصر ترشيح أحد المصورين المصريين لتصوير بعض اللقطات التي ستستخدم في الدعاية للفيلم.

وكان فؤاد أول المتقدمين وعمره لم يتجاوز العشرين عاما، وحصل على وظيفة مساعد مصور، وكان دوره تصوير التريلر، وصوّر فؤاد بطلي الفيلم وكانا من أشهر نجوم العالم وقتها، وذلك في أماكن مختلفة مثل الأهرام وأبو الهول والأقصر وأسوان وفي مراكب صغيرة بالنيل.

ودفع الحماس فؤاد للاهتمام بكل ملاحظات مدير التصوير العالمي “روبرت سرتس” الذي شجعه على الهجرة إلى الولايات المتحدة ودراسة فن التصوير السينمائي، وسافر فؤاد بالفعل للالتحاق بقسم التصوير في جامعة كاليفورنيا، ولم يكن يملك سوى ثمن تذكرة الطائرة ومبلغ ضئيل، فدرس في الجامعة صباحا وعمل في المساء بمحطات البنزين، وذلك لتغطية تكاليف المعيشة والدراسة.

وفي الصيف حصل فؤاد على عمل في أستوديوهات هوليود ضمن برنامج الجامعة لمساعدة الطلاب في الحصول على عمل بمجال تخصصهم.

ولد رامي مالك في لوس أنجلوس في 12 مايو/أيار 1981 لأبوين مهاجرين مصريين هما سعيد مالك ونيلي عبد الملك

رامي.. رفض تمثيل دور “الإرهابي”

ولد رامي مالك في لوس أنجلوس في 12 مايو/أيار 1981 لأبوين مهاجرين مصريين هما سعيد مالك ونيلي عبد الملك، حيث غادرا القاهرة في عام 1978 بعد أن أُعجب والده الذي عمل مرشدا سياحيا بالزوار من الغرب، واستقرا في شيرمان أوكس بلوس أنجلوس، حيث عمل والده بعد ذلك في مجال التأمين، وعملت والدته محاسبة.

تربى مالك وسط عائلته، وتحدّث اللغة العربية في المنزل حتى سن الرابعة، ولديه شقيق توأم هو سامي، وشقيقة اسمها ياسمين وهي طبيبة طوارئ. واهتم والداه بربطه وإخوانه بجذورهم المصرية، وكثيرا ما أعطاه والده الهاتف للحديث مع عائلته الناطقة بالعربية من مسقط رأسهم سمالوط بصعيد مصر.

قضى مالك الكثير من الوقت في “خلق الشخصيات وأداء الأصوات”، ولذلك بحث عن منفذ لتلك الطاقة بحسب تصريحاته للصحافة، ودرس في ثانوية نوتردام بالحي الذي تسكن فيه أسرته، وكان والداه يرغبان في أن يصبح محاميا، لكن أحد مدرسيه لاحظ موهبته في مجال الدراما وشجعه على التمثيل، وكان رد فعل والديه الإيجابي على أدائه دافعا لإقدامه على دخول مهنة التمثيل، وساعد الأداء الأول رامي على إدراك “قوة التمثيل” لأنها كانت أول مرة يرى والده متأثرا لدرجة كبيرة.

كانت الصعوبة الأساسية تكمن في كون رامي “ليس قوقازيا بشكل كاف”، لكنه قرر ونفّذ قراره برفض أدوار الإرهابي التي تُعرض عليه، ولم يكن يعلن السبب الحقيقي أبدا، لكن الإجابة كانت “الدور لا يناسبني”، وهكذا فهم الآخرون أنه لن يظهر ولن يقبل هذا النمط.

فكر فؤاد سعيد في اختراع أستوديو متنقل صغير أطلق عليه "سيني موبيل" يضم أصغر أجهزة صوت وأخف معدات تصوير

فؤاد.. من الكاميرات الضخمة إلى الـ”سيني موبيل”

أطلق الزملاء على فؤاد سعيد في الشركة التي عمل بها قبل أن يبدأ استثماره الخاص “فؤاد ذو الجسد الصغير” (Little fouad) نظرا لقصر قامته، لكن صاحب الشركة كان يطلق عليه لقب “المناضل”.

ومنذ كان طالبا شعر فؤاد بالانزعاج بسبب ضخامة الآلات والكاميرات، وعرف أن هذه المعدات هي السائدة منذ 40 عاما، وطرح العديد من الأسئلة على مديري التصوير، وتساءل لماذا لا يبتكرون أجهزة ومعدات حديثة؟ وكانت التساؤلات تثير سخرية البعض.

وأثناء دراسته راسل الأستوديوهات الكبرى في ألمانيا واليابان، وذهب إلى ألمانيا وأحضر كاميرا وزنها 12 باونداً فقط، وذلك بدل الكاميرا التقليدية التي كانت تزن 185 باوندا، وواجه تخوف ورفض اتحاد المنتجين والأستوديوهات، لكن التجربة نجحت.

ذهب فؤاد إلى سويسرا ليحضر أجهزة صوت حديثة صغيرة وخفيفة، ورغم كل المخاوف نجح في استخدام تلك الأجهزة، ثم فكر في اختراع أستوديو متنقل صغير أطلق عليه “سيني موبيل” يضم أصغر أجهزة صوت وأخف معدات تصوير.

وتعرض فؤاد للفشل عدة مرات إلى أن نجحت الفكرة، وأصبح لديه أول “سيني موبيل” حقيقي بدأ بتأجيره، وكل ستة أسابيع ينتقل بطاقم العمل من مدينة إلى أخرى ثم من دولة إلى أخرى، وانخفض عدد العاملين والفنيين من 40 إلى 12 عاملا فقط.

وظف فؤاد سعيد الفكرة في مجال الفيديو، وابتكر أيضا "الفيديو موبيل" الذي ينقل الصوت والصورة معا لاسلكيا

فؤاد.. من سيني موبيل إلى فيديو موبيل

ولأن نشاط فؤاد أصبح شائعا في جميع أنحاء العالم لم يستطع اتحاد المنتجين فعل شيء حياله، فقد قام اختراعه بخفض كلفة الإنتاج إلى أقل من 25%، وخضع المنتجون للتكنولوجيا وبدؤوا في الاعتراف به، بل وتأجير الأستدويو المتنقل منه، وتطور الجهاز من وحدة صغيرة إلى وحدة أكثر تقدما مكونة من طابقين، والعائد المادي الذي يأتي استثمره في عمل وحدات جديدة، حتى أصبح لديه 38 سيني موبيل يؤجرها لكل مكان في العالم.

ووظف الفكرة في مجال الفيديو، وابتكر أيضا “الفيديو موبيل” الذي ينقل الصوت والصورة معا لاسلكيا، فقد ظهر “الدش” والستالايت، ووضع الدش على وحدة الفيديو موبيل، ونقل زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق للصين كأول تصوير بالستالايت في التاريخ، ليشاهد العالم كله الزيارة على الهواء مباشرة.

وفي عام 1969 احتفلت به صناعة السينما في الولايات المتحدة الأمريكية وعلى مسرح دولبي في هوليود، حيث تُوّج ملكا للإنتاج، وأسس شركته الخاصة التي أنتجت فيما بعد عددا من الأفلام، لكن مجال عملها الأساسي هو معدات الإنتاج وسيارات “سيني موبيل” التي يملك سعيد براءة اختراعها.

 

رامي.. مشوار قصير وصعود سريع

من الصعب اختزال رامي مالك في دور فريدي ميركوري الذي فاز عنه بجائزة الأوسكار، فرغم مشواره الذي لم يتجاوز 15 عاما في عالم التمثيل بهوليود، فإن بصماته في أعماله وخطواته الواثقة تشير إلى موهبة كبيرة وقدرة فريدة على إدارة هذه الموهبة.

وكانت بداية رامي عام 2004 عندما حصل على دور في المسلسل التلفزيوني “فتيات غيلمور”، ثم ظهر في حلقة من مسلسل “ميديوم” (Medium)، وقدّم دورًا مستوحى من أصوله المصرية كفرعون “أخمن رع” في فيلم “كابوس في المتحف” (Night at the Museum)، وظهر أيضًا في الأجزاء الأخرى بالدور نفسه في “ليلة في المتحف2″، و”ليلة في المتحف3”.

وانتقل مالك في العام التالي ليقدم شخصية “جيمي، وذلك بالعرض المسرحي “اللوحة القماشية” للكاتب كيث بنين على مسرح إليفانت في لوس أنجلوس.

وعاد مالك إلى التلفزيون في عام 2010 في تنازل لم يتكرر، حيث قدم دور إرهابي انتحاري في الموسم الثامن من سلسلة “فوكس 24” (Fox 24).

وخلال تصوير فيلم “الباسيفيكي” (The Pacific) اجتمع مالك مع المنتج التنفيذي والممثل توم هانكس الذي كان معجبًا بأدائه، ومنحه دور طالب جامعي في فيلم “لاري كراون” (Larry Crown) الذي صدر في يوليو/تموز 2011، وعمل مالك في أدوار “السنيد” في العديد من الأفلام الكبرى.

وفي أغسطس/آب 2010 أعلن رامي حصوله على دور “بنجامين” مصاص الدماء ذي الأصول المصرية، في الجزء الأخير من سلسلة أفلام  “ملحمة الشفق وهو ” بزوغ الفجر” (The Twilight Saga: Breaking Dawn2) من اخراج بيل كوندون.

 

رامي.. يواجه بطل سلسلة جيمس بوند

ويصور مالك حاليا الجزء الأخير من مسلسل الدراما الحائز على عدة جوائز “مستر روبوت” (Mr. Robot) بدوره كقرصان حاسوب، وعُرض لأول مرة في 2015.

وبسبب أدائه الفريد والمتميز حصل على ترشيحات لجائزة دوريان وجائزة ستالايت وجائزة غولدن غلوب وجائزة نقابة ممثلي الشاشة، فضلًا عن فوزه بجائزة اختيار النقاد للأفلام عن أفضل ممثل في سلسلة الدراما، وجائزة إيمي عن فئة أفضل ممثل متميز في سلسلة درامية.

وقدّم دور النجم الراحل الأسطورة الغنائية فريدي ميركوري في الفيلم الواقعي “الملحة البوهيمية” الذي عرض في 25 كانون الأول/ديسمبر 2018 ليفوز عنه بالأوسكار.

ويستعد رامي نجم الأوسكار 2019 لمواجهة دانيال كريج بطل سلسلة أفلام جيمس بوند في الفيلم رقم 25 من السلسلة الشهيرة، ليكون بذلك أول أعماله بعد الأوسكار، ومن المقرر أن يبدأ تصويره بالتوازي مع انتهاء تصوير “مستر روبوت”.


إعلان