أردوغان.. زعيم عثماني في جلبابٍ علماني
مجددا يكنس الرئيس أردوغان آمال خصومه في استعادة “العلمانية المتوحشة” المتآكلة في تركيا، منذ بزوغ نجم “رجب”، ويثبت مرة أخرى أنه الرقم الأول في تركيا، والأكثر قدرة على صناعة مستقبلها بعد أن أدار بقوة تاريخها المعاصر، وغرس أقدامه كسلطان عثماني ذي بِزَّة إفرنجية.
كان صعود أردوغان إلى قمم السلطة في تركيا الكمالية لحظة فارقة في تاريخ تركيا المعاصر، وعاصفة مدوية في قلبها النابض، وتوغلا عميقا في كينونتها المستقبلية، فكان بحق رجلها وقائدها الذي ملأ الدنيا وشغل الناس.
وقد كان بائع البطيخ ولاعب كرة القدم السابق رجب طيب أردوغان واضحا منذ البداية حين اختصر الطريق على خصومه بقوله “جئنا كي ننظف البلاد من أوساخكم”.. قاطعا الطريق على أحد خصومه الذين قعدوا له بالمرصاد في كل فترة من فترات نضاله السياسي الممتد لنحو خمسة عقود من الزمان، تقلب فيها بين مراكب الحياة، ومن أزقة الفقر وهوامش المجهول إلى أعلى مراقي الشهرة والصعود.
كان كمال كليجدار أوغلو أحدث من وقفوا في طريق رجب الطيب، وانتهى السجال السياسي والتنافس الانتخابي بينهما بهزيمة منكرة للسيد كليجدار أوغلو، رغم أنه حاوز قرابة 48% من أصوات الناخبين، فيما كان أردوغان على موعد آخر مع الفوز بعد أن حاز أكثر من 52% ليستعد مجددا لإدارة تركيا، والسير بها قدما في طريق النماء الذي ارتبطت كثير من تفاصيله باسم أردوغان.
البصمات الخالدة
في مختلف أعمار وفئات الشعب التركي ترك رجب طيب أردوغان بصمات خالدة، أجيال شبابية رأت فيه طموحها نحو تركيا العظيمة القوية، وأجيال أخرى ولدت تحت صيحاته ضد ما يراه الفساد والإمبريالية العالمية، وهوية تركيا الإسلامية التي ينبغي أن تستعيدها.. يجد هؤلاء أردوغان في مدارسهم وأسواقهم وفي وسائل الإعلام التي حوّلت تركيا إلى منطقة تحت أضواء الكاميرات.
ثمة أجيال أخرى من المسنين، ينظرون إلى شبابهم الضائع في قسمات أردوغان، وآخرون يرون فيه محطم أحلام شبابهم وزهرات أعمارهم التي سقوها بكدح الكمالية وعرق الخوذات العسكرية، قبل أن تذبل بقوة تحت رايات حزب العدالة والتنمية.
حلّت مصطلحاتٌ وأسماء وطوابير جديدة مكان أخرى، وخصوصا طوابير أنصار أردوغان أمام مكاتب التصويت مكان طوابير الجياع الباحثين عن قنينة غاز أو قطعة خبز أمام محلات البيع الهزيلة في عاصمة أحفاد أرطغرل.
بين كل أولئك يظل أردوغان رجل العاصفة الذي حرك بقوة مياه البوسفور، وأضاف عدة عناصر مشوقة إلى حكاية تركيا في الثلاثين سنة الماضية.
الأفق رحيب أمام تركيا الأردوغانية، وأردوغان الذي وضع قدمه في عقده السابع لا يزال مصرا على المواصلة بين أمواج مختلفة، وعلى أن يقدم نفسه على أنه مروض بارع للأمواج.
حاول أردوغان في العقود الثلاثة الأولى اختراق أطواق الحديد التي ضُربت أمام النشاط الإسلامي في تركيا العلمانية، فوجد نفسه مكبلا بالأغلال محاطا بالمتاريس، ولكن القيود القانونية تكسّرت أمامه في مارس/آذار 2003، وأصبح بإمكانه تولي رئاسة الوزراء بعد أن نال حزبه الرتبة الأولى في نيابيات 2002 وحاز أكثر من 360 من مقاعد البرلمان. وبوصوله إلى رئاسة الوزراء انفسح أفق رحيب من السيطرة والحكم والشهرة أمام الطيب أردوغان، لكنها لم تكن سوى البداية.
بائع البطيخ.. طفولة “حائرة”
في 26 فبراير/شباط 1954 التقط الطيب أولى صور الحياة في حي قاسم باشا، أحد الأحياء الفقيرة في مدينة إسطنبول. كانت الحياة مضطربة المعالم، حيث يسدل الفقر والمأساة رداءهما القاتم على أجزاء هائلة من تركيا النائمة على قرون من العزة والتاريخ.
تشبه تركيا أمّاً ثكلى متعلقة بالجمال تغسل قدميها كل صباح في مياه البوسفور الهادئة، قبل أن تحمل فوق رأسها سلة من آمال المسحوقين، وطموحات الشباب الحالم وأنين المنائر المثقلة بقيود الكمالية الموغلة في العلمانية “المتوحشة” الرافضة لأي التفاتة من تركيا المعاصرة إلى تاريخها الإسلامي العريق.. لقد كان الأمر أشبه بحول ثقافي وسياسي للنظام السياسي، وكان على الجميع أن ينظر بذات العين الحولاء.
درس رجب الطيب أردوغان في ثانوية الأئمة والخطباء، وهي الصوت المبحوح يومئذ لتركيا العثمانية. وفي بيت مفعم بالقيم الإسلامية عاش طفولة حائرة بين واقعه وأحلامه؛ كانت أقرب إلى البؤس مثل كثير من أقرانه.
الفقر والتدهور الاقتصادي وسيطرة العسكر وغياب الديمقراطية، إضافة إلى الهوية المتشظية التائهة لتركيا بين تاريخها الذي تتنكر له، والغرب الذي لم يقتنع بعدُ أنّ بِنْت البوسفور قطعت علاقاتها بالمنائر العثمانية؛ كان كل ذلك أبرز سمات جيل الستينيات من القرن الماضي.
وفي فرن الحياة المضطرب عاش أردوغان بائع بطيخ، وتاجرا متنقلا، لكنه ظل مواصلا للمسيرة التعليمية، حتى أكمل دراسته في كلية علوم الاقتصاد والتجارة بجامعة مرمرة بتركيا، لينفسح له الأفق وتنفتح الصورة والحلم أمامه بشكل واسع.
صعود في محيط رافض
انخرط أردوغان وهو في سن مبكرة من حياته في حزب “السلامة الوطنية” الذي تأسس عام 1972 بزعامة نجم الدين أربكان، ثم أصبح عضوا في حزب “الرفاه” ثم “الفضيلة” التي أسسها أربكان إثر موجات الحظر التي كانت تطال أحزابه بفعل التضييق على الأحزاب ذات المرجعيات الإسلامية.
لم يكن حزب السلامة الوطنية عندما تأسس مطلع السبعينيات –على الأقل بالنسبة لقادته ومنتسبيه- أكثر من هوية تركيا الضائعة، كان أنشودة صوفية تتردد بين حناجر بعض الطامحين من رفاق أربكان، لكن الحزب سرعان ما تلقفته المشانق القانونية التي نصبتها الكمالية للثقافة الإسلامية في تركيا معالم ورموزا ومؤسسات، وانتهى الأمر إلى حراك سياسي جديد باسم حزب الرفاه، وهو الحزب الذي أسسه أربكان بعد حظر السلامة ووجد فيه تلميذه الشاب أردوغان سلّما نحو مراقي الشهرة والصعود.
في 1985 تم اختيار أردوغان مسؤولا للحزب في مدينة إسطنبول ليكون ذلك عتبته الأولى نحو التألق السياسي. بدأ أردوغان يكتشف قدراته السياسية وتأثيره في الجماهير، لكن تلك القدرات الناشئة أخفقت مرتين في الوصول إلى البرلمان، حيث سقط دون الحلم المرغوب في انتخابات 1987 وانتخابات 1991.
لكن النضال السياسي والصبر وانتشار خطاب حزب الرفاه سيجد صداه بسرعة في الشارع التركي الذي لم يكن معزولا عن حالة المد الإسلامي السائدة حينها في الشرق العربي والإسلامي، واستطاع الرجل أن يفتح نافذة على نهر الأمل المتدفق عندما تم انتخابه سنة 1994 عمدة لبلدية إسطنبول.
كانت إسطنبول منتصف التسعينيات مدينة غارقة في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، يقطنها ملايين الحالمين بغد أفضل وواقع أحسن مما هي عليه.
تمكن أردوغان من تحقيق إنجازات اقتصادية وتنموية كبيرة في مأموريته التي لم تستمر أكثر من أربع سنوات، ويعتقد أنصاره أنه ملك خاصيتين مكنتاه حينها وفي مساره اللاحق من الصعود والإنجاز:
الأولى: أنا لا أسرق.
والثانية: أنتم تستحقون الأفضل.
وبهذين الجناحين حلق أردوغان في سماء الإنجاز والشهرة، قبل أن يختطفه حكم قضائي بالسجن لمدة أربعة أشهر والمنع من الوظائف الحكومية ومنها الترشح للانتخابات العامة بتهمة التحريض على الكراهية الدينية، وذلك بسبب أبيات تركية لشاعر متدين قرأها من قلب ميدان ولاية “سيرت” شرق تركيا عام 1997 على مسامع الجماهير، واحتوت تهديدا ضمنيا لمبادئ الكمالية: “مساجدنا ثكناتنا.. قبابنا خوذاتنا.. مآذننا حرابنا.. والمؤمنون جنودنا.. هذا هو الجيش المقدس.. الذي يحرس ديننا”.
ولكن أردوغان الذي عُرف عنه اهتمامه بالشعر وقراءته له في أكثر من مناسبة؛ سيعود مرة أخرى وبعد 22 عاما ليصدح بذات الأبيات ومن نفس المكان في مؤتمر انتخابي لحزب العدالة والتنمية الحاكم مطلع مارس/آذار 2019.
وذات مرة ألقى خطابا أمام اتحاد النقابات التركية قرأ فيه قصيدة عن الحنين للمسجد الأقصى جاء فيها:
رأيت المسجد الأقصى في الحلم
كان كطفل صغير يبكي
جثوت على أرضه ووضعت جبهتي
فكأن نهرا كان يهدر تحت الأرض..
رأيت المسجد الأقصى في الحلم
قال لي: سلّم على المسلمين
فأنا لم أعد أطيق هذا الفراق
فليعانقني الإسلام مرة أخرى
من تحت سقف الممكن
وفيما كان السجن والمنع يبتلعان مؤقتا الصعود السياسي لأردوغان كان سيف الحظر يطيح بحزب الفضيلة الذي تأسس بعد حظر الرفاه ويضع حدا للمسيرة السياسية لقائده أربكان دون أن ينهي طموحه وأحلامه السياسية.
ويبدو أن تجربة الحظر المتتالية لأحزاب السلامة والرفاه والفضيلة أقنعت أردوغان بصعوبة الاستمرار في نهج أستاذه أربكان فاغتنم فرصة حظر حزب الفضيلة لينشق مع عدد من الأعضاء -من بينهم عبد الله غُل- ويشكلوا حزب العدالة والتنمية عام 2001.
ومنذ البداية أراد أردوغان أن يدفع عن حزبه شبهة استمرار الصلة الأيدولوجية مع أربكان وتياره الإسلامي الذي أغضب المؤسسات العلمانية مرات عدة، فأعلن أن “العدالة والتنمية” سيحافظ على أسس النظام الجمهوري ولن يدخل في مماحكات مع القوات المسلحة التركية.
وبمصالحته مع “القيم الكمالية” وخصوصا منها قيم الحرية، وتوافقه المبدئي مع الجيش، خصوصا بشأن أمن وقوة واستقرار تركيا؛ تنفّس أردوغان وفريقه السياسي الصعداء مؤقتا وضمنوا لأنفسهم فترة هدوء فتحت أمامهم أفقا سياسيا رحبا.
فخلال فترة وجيزة نشر الحزب قوته ونفوذه وعناصره في تركيا الجديدة، وسرعان ما استطاع الحصول على أغلبية كبيرة في نيابيات 2002 (حصل على 363 مقعدا في البرلمان التركي وهو ما مكنه من تكوين أغلبية ساحقة)، ولأن رئيسه ممنوع من تقلد الوظائف الحكومية، فقد تولى رفيقه عبد الله غُل منصب رئيس الوزراء التركي.
لاحقا ترك غُل منصبه لأردوغان في 14 مارس/آذار 2003 بعد أن سقطت الأغلال القانونية عن عنق أردوغان، قبل أن يبتعد مسافة أكبر في السنوات الأخيرة ويأخذ مكانا قصيا على هامش المشهد الحزبي التركي.
يمكن اعتبار مارس/آذار 2003 فاصلة أساسية في حياة أردوغان حيث انطلق بسرعة الضوء في مسارات متعددة وصعبة ومبدعة أيضا.
واستطاع الحزب تحقيق نجاحات عديدة في انتخابات 2007 و2011. وفي أغسطس/آب 2014 فاز أردوغان في أول انتخابات رئاسية ينتخب فيها رئيس جمهوري تركي بالانتخاب المباشر.
في عين العاصفة
لكن الرجل القوي الطيب أردوغان ظل حاضرا بقوة وفعالية، بل مثّل الصوت الأعلى في تركيا خلال السنوات الأخيرة، ليس فقط بسبب الصلاحيات الواسعة التي يمنحها القانون للمنصب الرئاسي بعد التعديلات الدستورية الأخيرة، ولكن أيضا بسبب الكاريزما والنفوذ اللذين يتمتع بهما الرجل، وهو ما جعله دائما في عمق العاصفة، وفي عمق دائرة الضوء.
كانت الخطوات الأولى هي بناء القوتين الجماهيرية والنخبوية، والانغراس أكثر في وجدان الشارع التركي والعربي والإسلامي عموما، والانغراس أكثر في مفاصل الدولة التركية والسيطرة على كل النقاط القوية والرخوة في جسم العثمانية الجديدة.
وفي الطريق كانت هناك عقبات وتحديات كادت حتى أن تطيح بعموم التجربة وتتركها أثرا بعد عين، وبطبيعة الحال كانت العلاقة المضطربة مع المؤسسة العسكرية أخطر تحدٍ واجه مسار أردوغان وحزبه طيلة سنوات حكمه؛ فقد ظل الجيش موغلا في الوفاء للكمالية، ومتحفزا للسيطرة والانقضاض على كل رئيس وزراء يحاول الخروج عن الخطوط المرسومة.
ومع الزمن استطاع أردوغان تقليم أظافر الجيش وتحويله إلى مؤسسة تابعة للرئاسة، ثم كان الصراع مع جماعة الخدمة وزعيمها فتح الله غولن وجها آخر للصراع مع المؤسسة العسكرية بحكم انتشارها القوي وتغلغلها في هذه المؤسسة، وخصوصا خلال سنوات تحالفها مع أردوغان ضد القوى العلمانية؛ حيث انتقلت العلاقة بين الطرفين من التحالف إلى الحرب الصامتة، ومنها إلى الحرب المفتوحة، فالمواجهة الدامية في الانقلاب العسكري الذي قاده ضباط وجنود وعناصر محسوبة على جماعة الخدمة.
ومثلما تمكن أردوغان من تجاوز محطات كثيرة في المواجهة مع القوى العلمانية والمؤسسة العسكرية؛ فقد استطاع أيضا تجاوز الجزء الأخطر من معركته مع جماعة الخدمة بعد أن وجد نفسه ذات مساء، وفي الهزيع الأخير من الليل في عين العاصفة. استطاع النهوض مجددا من الكبوة، ولم تكن الأسلحة أكثر من شاشة هاتف بيد صحفية وأذان من منائر عثمانية شامخة، وأميال واسعة من الجماهير الغاضبة المتعلقة بحكمها الديمقراطي والرافضة للعودة إلى العهد العسكري.
ورغم مرارة الموقف ومخاطر اللحظة وجد أردوغان في المحاولة الانقلابية الفاشلة فرصة أخرى لتطهير المؤسسة العسكرية والإدارية من أتباع غولن، وكالأسد الجريح انقض الرجل على خصومه، فنقلهم من المكاتب والمفاصل الأساسية للسلطة إلى زنازين السجون التركية.
السير فوق الألغام
في أثناء المواجهة مع جماعة غولن كان أردوغان يسير بين ألغام وعواصف عاتية، بعضها داخلي ذو امتداد إقليمي يتمثل في المواجهة مع حزب العمال الكردستاني وامتداداته السياسية والإقليمية، خصوصا منها قوات سوريا الديمقراطية في سوريا التي تقول الحكومة التركية إنها تشكل خطرا على حدودها ومصالحها وأمنها القومي وخصوصا في المناطق المحاذية لسوريا.
وبينما تراجعت حدة مواجهة أردوغان مع النظام السوري في الفترة الأخيرة، تصاعدت مواجهته على الساحة السورية مع القوى الكردية المسلحة وتنظيم الدولة الإسلامية، لكن علاقته تحسنت في المقابل مع حليفي النظام السوري؛ روسيا وإيران.
بيد أن علاقته مع الولايات المتحدة ما برحت –على الأقل في السنوات الأخيرة- تراوح مكانها بين التوتر الصامت والمواجهة السياسية المعلنة، وتبرز أسباب وخلفيات عديدة لهذا التوتر من أهمها الوجود الأمريكي في سوريا ودعم القوات الكردية المصنفة إرهابية من تركيا، واحتضان فتح الله غولن زعيم جماعة غولن.
وتبقى العلاقة المتوترة بين أردوغان وإسرائيل في السنوات الأخيرة على خلفية حصار غزة والعدوان الإسرائيلي المتكرر على الفلسطينيين أحد عوامل زيادة التوتر مع الولايات المتحدة.
ورغم التحديات والعقبات الكثيرة التي أحاطت بنظام أردوغان إحاطة السوار بالمعصم؛ فقد حققت تركيا في ظل حكمه نهضة اقتصادية كبرى، وتحولت من دولة مدينة غارقة في مآسي الفقر والفشل والتعلق بأذيال الاتحاد الأوروبي إلى دولة مصنّعة فعالة في القرار الدولي، وانتقل اقتصادها من حفرة الفشل إلى عضوية منتدى مجموعة العشرين، وتطمح لدخول نادي الاقتصاديات العشر الأولى في العالم.
كما تحول الرجل في عيون ملايين العرب والمسلمين إلى رمز للدفاع عن قضاياهم؛ خصوصا أنه ظهر في مناسبات كثيرة مدافعا قويا عن القضية الفلسطينية، وحاول أكثر من مرة كسر الحصار المفروض على غزة، ووقف إلى جانب السوريين في ثورتهم ضد نظام بشار الأسد، كما وقف في وجه الانقلاب الذي قاده وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي في الثالث من يوليو/تموز 2013 ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي.
دعوى الدكتاتورية والاستبداد
ورغم كل تلك الهالة التي تحيط برجل تركيا القوي داخليا وخارجيا؛ ظل أردوغان طيلة السنوات الماضية يواجه الكثير من الهجمات وسهام النقد خصوصا على مستوى المعسكر الغربي وبعض خصومه في المنطقة.
وتصاعدت هذه الهجمات خلال الانتخابات الأخيرة؛ فقد أفردت له كبريات الصحف الغربية عناوينها الرئيسية ووصفته بالديكتاتور والمستبد، وركز على ما تصفه بتعامله القاسي مع خصومه الذين فرقهم شذر مذر أيادي سبأ، خصوصا منهم المتهمون بالانتماء لجماعة الخدمة أتباع فتح الله غولن الذين زج بعشرات الآلاف منهم في السجون، بعد اتهام الجماعة بالتورط في المحاولة الانقلاب الفاشلة في العام 2016.
وبينما يثني أنصار أردوغان داخل وخارج تركيا على تجربته ويعتبرونها نموذجا ومثالا؛ يرى فيه خصومه مجرد تاجر مواقف يسير في حقل ألغام سياسية وأمنية ورفيعة، يساند حماس ويحافظ على مستوى من العلاقة مع إسرائيل، ينتقد الغرب بشكل دائم ويتحالف معه أيضا بشكل دائم، لكن الجميع مطمئن على أن أردوغان قد غرس قدميه بقوة في تاريخ تركيا المعاصرة، وأصبح أحد الأسماء المحفورة في ذاكرة الأتراك، كما أصبح وأمسى دون شك أحد الوجوه الأساسية في ذاكرة الشرق الأوسط والعالم.