“حسان الحسني”.. فنان الجزائر الذي زكّاه الشعب وقدّره الرؤساء

ضاوية خليفة

يعرفه الجزائريون باسم “حسان الحسني” أو “بوبقرة”، فبساطة الهيئة والخطاب والأداء كانت المقومات الثلاثة التي استند إليها في مسيرته الإبداعية

 

لا يبلغ العالمية من تخلّى عن محليته، حقيقة جعلتها التجارب قاعدة تستند إليها كلما وقفتُ على سيرة ومسيرة من أعطى الفن حقه والوطن مقداره والجمهور ذوقه. في المقابل قد لا تُنصِف العبارات مساره ولا تستوفي الكلمات إبداعه، ولا أتمكن من تعداد ما خلّفه؛ إسقاطٌ يقع على فنان لم يُخلّد اسمه فقط بأعماله الفنية، بل بمواقفه الإنسانية والوطنية.

يعرفه الجزائريون باسم “حسان الحسني” أو “بوبقرة”، فبساطة الهيئة والخطاب والأداء كانت المقومات الثلاثة التي استند إليها في مسيرته الإبداعية، فلم يؤسس لنجاحه بقدر ما قدّم للمشاهد والفن مساحة إبداعية وشخصية فنية ووطنية واعية بمحيطها ومسؤولياتها، لتلقى الاحترام والتقدير حتى بعد رحيلها.

حلّاق بأحلام فنية

ولد شيخ الكوميديين “حسان الحسني” أو “حسن بن الشيخ” (وهو اسمه الحقيقي) في 14 أبريل/نيسان 1916 ببوغار، وهي معقل الأمير عبد القادر الجزائري بولاية المدية الحالمة التي أنجبت خيرة علماء وفناني الجزائر.

زاول حسن تعليمه الابتدائي في مدرسة الأهالي ببوغار، ساعده تكوين والده مُدرس اللغة الفرنسية للتأسيس لثقافته الواسعة، إضافة إلى معرفته لأدب موليير والفن العالمي على شاكلة أفلام “شارلي شابلن”، وكلاسيكيات الأدب والسينما العالمية.

عدد من العوامل جعلت شخصيته الفنية تتكون وتظهر شيئا فشيئا، فقد امتهن في البداية الحلاقة، لكن أحلامه الفنية كانت تتحقق وفق السياق الذي أراد، والبداية كانت باستئجار قاعة سينما “ريكس” لتقديم مختلف العروض الفنية من أفلام ومسرحيات لسكان المنطقة، وهي خطوة تعكس وعي الرجل بأهمية الفن والثقافة في حياة الأفراد.

طموحه كان كبيرا ومشروعه أعمق، إذ كان حسان الحسني يقطع عشرات الكيلومترات من ولاية البليدة ليعود إلى أبناء مدينته المدية بفيلم أو أكثر. لحظات فنية صنعها ذاك الحلّاق البسيط الوطني والمثقف العنيد.

حسان الحسني فنان شامل وممثل قدير لم يُعد الفن الجزائري صناعة نجم بحجمه

من المعتقل إلى بلاط الرئيس

التحق حسان بصفوف جيش التحرير الوطني وعمره لم يتعدَ 21 سنة، فتميز بنشاط وحركية فنية أعادها الجيش الفرنسي إلى نقطة الصفر بعد أحداث الثامن من مايو/أيار 1945 التاريخية وإدراج اسمه على لائحة الموقوفين، فبعد اعتقاله قام الجيش الاستعماري بتعليق النشاطات وغلق القاعة، واضعا حدا لتلك العروض الفنية التي رسمت البهجة على وجه سكان المدينة ولقيت الإقبال الكبير منهم.

بعد خروجه من السجن سنة 1947 عاد حسان لمزاولة نشاطه الفني لكن بوتيرة أقل، وذلك بسبب الرقابة والمتابعة التي فُرضت عليه من قبل قوات الاحتلال بعدما اكتشفت وطنيته ونشاطه التنويري ضمن الخلايا السرية، فالفن في نظره يمثل أرقى أشكال المقاومة، فـ”الحلّاق الموهوب” أو “مايسترو الارتجال” -كما يسميه البعض- كان يجيد كل أنواع الخطابات، خطاب الصمت والكلمات والمواقف وتقليد الشخصيات ومحاكاتها.

خلال جولة فنية قادتهما إلى مدينة البرواقية (المدية) سنة 1936، انتبه المسرحيان الكبيران محيي الدين باشطارزي ورشيد قسنطيني إلى موهبة الفتى حسن بن الشيخ، وذلك بعدما أبهرهما بأدائه الارتجالي. ولأن اللقاء الحلم كان أثره بالغا على فنان الشعب، اتجه مباشرة إلى تأسيس جمعية “شمس”، وشرع في إنتاج العديد من الأعمال المسرحية والفنية التي لم يغب عنها الحسّ الوطني، الأمر الذي جعل القوات الفرنسية تزجّ به بين الفترة والأخرى في معتقلاتها.

بعد خروجه من السجن توالت التجارب، وشارك الراحلان محيي الدين باشطارزي ومصطفى كاتب تجارب عدة، ولأنه يفضل أن يذهب بالمسرح إلى الشعب أكثر من أن يذهب الشعب للمسرح؛ اتجه سنة 1966 لتأسيس فرقة “المسرح الشعبي” التي قدمت العديد من العروض في المدن والقرى، ووصلت إلى الجهات الأربع للوطن وحتى الثكنات ورئاسة الجمهورية، إذ استدعاه وفرقته الرئيس الراحل هواري بومدين لعرض مسرحية الحرية “تي قول تي قول با” (قل أو لا تقول)، وذلك بعد النجاح القياسي الذي حققته بمعدل مئة عرض عبر الوطن، وتم بالفعل عرضها بالقصر الرئاسي أمام كبار المسؤولين في الدولة يتقدمهم الرئيس بومدين شخصيا. وقد جعل هذا النجاح المخرج عبد الغاني مهداوي يفكر في تحويل المسرحية إلى عمل سينمائي.

الفنان الشامل

يجهل كثير من الجزائريين أن الراحل حسن بن الشيخ شارك في الثلاثي الأخير من سنة 1955 في الصيغة اللحنية الأولى للنشيد الوطني الجزائري “قسما”، وذلك بمنزل كاتبه الشاعر مفدى زكريا الواقع في شارع رابح قرامدي في الجزائر العاصمة، تحت قيادة الفنان محمد التوري.

كل المؤشرات تؤكد أن حسان الحسني فنان شامل وممثل قدير لم يُعد الفن الجزائري صناعة نجم بحجمه، فأدواره بأنجح إنتاجات السينما الجزائرية وتعامله مع كبار المخرجين العالميين تعكس قدراته العالية في التمثيل، إضافة إلى القيمة الفنية والإبداعية التي تركها في أكثر من أربعين فيلما سينمائيا، دون احتساب الأرشيف الإذاعي والمسرحي والتلفزيوني.

فإنك عندما تشاهد أدوار هذا الفنان التي قدمها للمسرح أو للسينما والتلفزيون؛ تدرك حجم الموهبة والعفوية والمصداقية، ولا تشعر بأنه الممثل نفسه هنا وهناك.

يتحدث بكل اللهجات وبأصوات متنوعة، يقلد هذا وذاك وينتقل في الأدوار والشخصيات باحترافية عالية، سواء في الكوميديا أو في الأفلام الثورية وحتى الاجتماعية، فلم يهتم الرجل الذي اكتشفنا معه كمشاهدين مختلف أنماط التمثيل بالبطولة بقدر ما ركز على الأداء واشتغل على الشخصية.

الارتباط بالأرض

خريج مدرسة الحياة العصامي في تكوينه؛ لم تغيره السياسة بعدما أصبح نائبا في البرلمان، ولا الشهرة أبعدته عن محبيه. وما زاد تعلق الناس به هو أنه كان يغذي أفكاره ومواضيعه من محيطه وبيئته التي تتوفر على أشياء ثمينة، فلم يتجرد في مجمل أعماله من لهجته التي تعبر عن جماليات التراث الشفوي المحلي وتعكس ارتباطه بالأرض ومسقط الرأس، بل اتخذها دعامة فنية تفرّد بها وجعلها سمة نادرة تميزه عن أبناء جيله من الممثلين الذين عملوا على تقديم أعمال فنية متميزة رفعت ذوق المشاهدين وعززت مكانة الفن والفنانين في المجتمع، خاصة أولئك الذين اهتموا بالبناء الفني للشخصية واشتغلوا على التفاصيل التي تشد المتلقي، فالعلاقة التي شيدها حسان الحسني مع جمهوره جعلت هذا الأخير يقدر أيما تقدير كل الفنون دون تمييز أو تفضيل.

لم يكن “بوبقرة” متصنعا في أدائه أو متكلفا في أدواره، بل كانت شخوصه قريبة للواقع ومواضيعه كذلك، وتمكن من خلال الأعمال التي قدمها في المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة من نقل التحولات التي عاشها المجتمع على مستوى الأفراد والمجموعات، فكان المرافق الدائم لقضايا أبناء بلده، والسارد الجيد لما تحقق لهم من مكاسب وما لحق بهم من خيبات، حرب التحرير والاستقلال كانت الظل الذي يلازمه ويزيد من بريقه وتميزه، فأصدق من يحكي التاريخ بلسان الشواهد هو الفنان المجاهد الذي قضى سنوات طويلة في السجون والمعتقلات من العاصمة إلى أقصى الصحراء.

أوسكار أفضل فيلم أجبني

بلغ بوبقرة العالمية مع المخرج الفرنسي (اليوناني الأصل) كوستا غافراس، وذلك في فيلم “زاد” (1968) المتوّج بالأوسكار كأفضل فيلم أجنبي، ونال مع محمد لخضر حمينة بـ”وقائع سنين الجمر” السعفة الذهبية (1974)، وأكد بمشاركته في فيلم “سنعود” (1972) لمحمد سليم رياض وتتويجه بالجائزة الكبرى للجنة التحكيم بمهرجان بغداد (1973)؛ أن الجزائر مع فلسطين ظالمة ومظلومة، ومن قدّم نفسه فداء للوطن يعي قيمة الاحتلال والحرية.

لنجم الجزائر أعمال سينمائية مع مخرجين عالميين آخرين، نذكر منها فيلم “المشعوذ” لجون شارل كارلوس، و”العودة إلى شرشال” لأندريه كايال (1982)، و”اعترافات أكثر لطافة” لإدوارد مولينارو (1971)، و”براكليون في الحروب الصليبية” للإيطالي ماريو مونيسيلي (1970) والذي صوّر أغلب مشاهد الفيلم بولاية غرداية الجزائرية.

كما جمعت أعمال أخرى الفنان الحسني بالفنان المصري عزت العلايلي، وذلك في “طاحونة السيد فابر” لأحمد راشدي (1983)، والفنان الجزائري عثمان عريوات في الشيخ بوعمامة (1983) للمخرج بن عمر بختي، وسيرجيو سبينا في “الحمار الذهبي” (1971)، ولا تزال عناوين الأفلام تحقق نسب مشاهدة إلى غاية يومنا هذا مثل “الأفيون والعصا” (1969) لأحمد راشدي، و”بن هندل” (1976) للمين مرباح، “ريح الأوراس” (1966)، و”حسن طيرو” (1968) لمحمد لخضر حمينة.

أما المسرح الذي منحنا طاقة فنية كبيرة بحجم حسان الحسني فنذكر “الثورة الزراعية”، و”سي بلقاسم البورجوازي”، و”القراب والصالحين”، وأعمال أخرى لو فُصّل فيها لاقتربنا أكثر من كتابة سيرة فنية جديدة لـ”بوبقرة” الذي يعطي للعمل الفني لمسة خاصة، سواء في الأدوار الرئيسية أو الثانوية، فالمبدع لا يهتم بالتصنيف بقدر ما يركز على القطعة الفنية التي سيقدمها للمشاهد، ليقيس بها هذا الأخير قيمة الموهبة ويستذكرها من حين لحين.

المخرج الفرنسي (اليوناني الأصل) كوستا غافراس، مخرج فيلم “زاد” (1968) المتوّج بالأوسكار كأفضل فيلم أجنبي

“بوبقرة”.. الميلاد بعد الرحيل

لم يكن في البداية تأليف كتاب عن شخصية فنية فذة كالراحل حسن الحسني واردا أو مطروحا، بل القبول الذي لقيته سلسلة المقالات التي كان ينشرها أسبوعيا الإعلامي والكاتب سعيد بن زرقة في يومية “الحياة”، وتفاعل المتابعين مع الحلقات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ أسست لفكرة جمع كل التراكمات والشهادات في كتاب بعنوان “بوبقرة.. الميلاد بعد الرحيل”.

إنها مقالات وحوارات جمعها بن زرقة، وتكلفت فيما بعد إدارة مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي بطبعها وتوزيعها بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس الفعالية، وأرفقت ذلك بتكريم فقيد السينما في افتتاح دورته العاشرة، لذا فإن الكتاب وثيقة مهمة تجمع مآثر الرجل وتعدد أعماله ومواقفه، وتقف على بصمته وأثره في الفن والمجتمع الجزائري، وتروي على لسان الشهود والشواهد بطولات الرجل الثوري، والممثل المخلص لفنه إلى آخر رمق من عمره.

لم تكتب الشخصيات التاريخية والفنية مذكراتها أو سيرها الذاتية، فهي مسؤولية نتقاسمها معهم، وإجحاف مارسوه في حق أنفسهم والأجيال التي أتت بعدهم، أجيال قد تضيع منها الحقيقة ويغيب تقديرها للنخبة، وهو ما أكده بن زرقة الذي حاول في كتابه أن يكون موثقا لرحلة نعرف ملامح صاحبها ونجهل بعض تفاصيلها، فنقص المراجع والأرشيف خطأ وقع فيه السابقون، فما كان على اللاحقين إلا محاربته بالكتابة والبحث والتدوين. وبين اقتفاء الأثر وترك البصمة تاريخ كبير قد يضيع.

يتحدث الحسني بكل اللهجات وبأصوات متنوعة، يقلد هذا وذاك وينتقل في الأدوار والشخصيات باحترافية عالية، سواء في الكوميديا أو في الأفلام الثورية

بين حسان وبورفيل الفرنسي

ينقل لنا الكاتب بن زرقة على لسان نجل الفنان حسان الحسني حياته الأسرية، والكثير من قصصه المتوزعة على شكل حكايات وقُصاصات وصور وحتى مخطوطات نادرة، ولأنه كان يعشق حياة الريف يقول نجله إنه نقل تلك الأجواء إلى المدينة، فاشترى عند انتقاله للجزائر العاصمة كل أدوات الفلاحة، وحوّل جانبا من بيته إلى مزرعة صغيرة.

ويُروى على لسان الممثل والفنان سيد أحمد أقومي أن المخرج المصري حسن الإمام والمنتج صبحي فرحات تزامنت زيارتهما للجزائر مع عرض فيلم “الهدية الأخيرة” للمخرج الجزائري غوثي بن ددوش، وهو من بطولة حسان الحسني وكلثوم وسيد أحمد أقومي، فقد أعجب كلاهما بأداء الممثلين الثلاثة، فعرضا عليهم أدوارا رئيسية في فيلم “السكرية” (1973) المقتبس عن رواية نجيب محفوظ، لكن ضغوط نقابة الفنانين حالت دون منحهم البطولة مناصفة مع الفنانين المصريين كما نصت عليه بنود الاتفاقية، وبعد تدخل عدة أطراف وحفاظا على العلاقة الأخوية من كلا الجانبين؛ اكتفى نجوم الجزائر بمرور شرفي.

هذا الكلام يشعرنا ويؤكد لنا أن الراحل حسان الحسني بالرغم من شخصيته الفنية وحضوره القوي، فإن الفن لم يقدمه بالشكل والمقام الذي يليق بكبير مثله.

يُشبّه بن زرقة قدر الفنان حسان الحسني بقدر ومسار الممثل الفرنسي “بورفيل”، فقد شارك الأول في حرب التحرير الجزائرية والثاني كان جنديا في الحرب العالمية الثانية، حسان كانت الكوميديا أقرب إليه وكذلك الأمر بالنسبة لبورفيل، حتى المرض الذي أنهى حياتيهما ووضع حدا لإبداعهما كان نفسه، وبالرغم من تسلل المرض إلى جسديهما فإنهما أصرا على مواصلة تصوير المشاهد الخاصة بهما.

نجم الجزائر أصر على تتمة دوره في “أبواب الصمت”، واختار بورفيل توديع الفن من “الدائرة الحمراء”.. تشابهت البدايات والتفاصيل والنهايات أيضا، أما الفرق الوحيد فهو أن مسقط رأس بورفيل باتت قبلة للسياح بفضل شهرته وفنه، أما بيت نجم الجزائر والأماكن التي مر بها فتعيش الإهمال والنسيان، في حين حظيت ولاية المدية بمكسب هام من “مهرجان المسرح الفكاهي” الذي يقصده خيرة الكتاب والمسرحيين والمهنيين، وهو مهرجان فرض وجوده في الساحة الفنية، وأضحى من أنجح مهرجانات الجزائر، وكلما واتته الفرصة كرم ابن مدينته وأهدى دوراته إلى روح رائد المسرح الفكاهي حسان الحسني.

قدّم للمشاهد والفن مساحة إبداعية وشخصية فنية ووطنية واعية بمحيطها ومسؤولياتها

رعاية من أعلى الهرم

نال حسان الحسني الشهير بشخصية “نعينع” تقدير شخصيات سياسية ومسؤولين سامين في الدولة، فاهتم به رؤساء الجزائر سواء هواري بومدين (1932-1978) أو الشاذلي بن جديد (1929-2012)، وهو ما يعكس المكانة التي كان يحظى بها الفنانون والمثقفون الجزائريون، ويؤكد نبل وقيمة الفن الذي قدمه وأبناء جيله.

فكما أشرنا سبق وأن طلب الرئيس هواري بومدين من فرقة المسرح الشعبي التي كان يشرف عليها “بوبقرة” أن تقدم عرضها المسرحي “الحرية تي قول تي قول با” بالقصر الرئاسي أمام جمهور آخر غير الذي اعتاد عليه، ليضم كبار المسؤولين في الدولة، كما طلب الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد من حسان مرافقته، وذلك ضمن وفد رفيع المستوى في زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة في أبريل/نيسان عام 1985، وهذا يترجم أسمى عبارات التقدير له وللفن الذي قدمه والرسائل العميقة التي حملتها أعماله.

ويسرد كتاب سعيد بن زرقة بعض المحطات والذكريات الخالدة التي جمعت الراحلين الفنان حسان والرئيس بن جديد كمفاجأة عيد ميلاده بسان فرانسيسكو. ومن الشخصيات التاريخية التي كانت تداوم باستمرار على متابعة عروضه المسرحية بمدينة قصر البوخاري (المدية)؛ المناضل والزعيم الوطني مصالي الحاج  (1898-1974) الذي كان من أشد المعجبين بشخصيته الفنية وأدائه.

فنان النخبة والعامة

حسان العالمي في سمعته والمحلي في أدواته التعبيرية؛ قال عنه المخرج محمد لخضر حمينة “لو قدر للمرحوم حسان الحسني أن يعيش معنا إلى هذه اللحظة، لمنحتُه دورَ شخصية الجد عبد الجبار الرجل الوطني الحكيم في فيلمي غروب الظلال” (2014)، شهادة تضاف إلى ما قيل عنه من الذين تقاسموا معه البطولة في السينما أو المسرح أو التلفزيون، وأشادوا بذكائه وسهولة وسرعة اندماجه في الأدوار.

وفي رحيله خاطبه وزير الثقافة والسياحة السابق بوعلام بسايح قائلا “مثل كل الفنانين الكبار في العالم، كنتَ تجوب البلاد من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى أخرى، ومثل سندباد جزائري كنت لا تعرف مرارة، ولا ينفد صبرك، متجاهلا العقبات وقت الاحتلال، والصعوبات بعد الاستقلال، كنت تحمل مشعل الكفاح في قلبك وعقلك، حتى أنك فرضت على الكل لقب الفنان المناضل”.

فنان النخبة والعامة صنع الاستثناء فنال القبول بالإجماع بوطنيته وفنه وإنسانيته، إذ يُروى أنه شاهد خلال تصويره لفيلم “المغتصبون” (1973) للمخرج لمين مرباح مجموعة من الأطفال يسيرون حفاة بإحدى قرى قصر الشلالة (تيارت) فقام بأخذ مقاسات أقدامهم، ونزل إلى المدينة وعاد إليهم بمجموعة من الأحذية.

رحيل النجم البسيط الثائر

النجم البسيط لم يكن يعشق سوى أضواء السينما، هكذا وصفه عمار رابية مسؤول الإضاءة في فيلم “أبواب الصمت” والرئيس الحالي لجمعية أضواء السينمائية التي تحتفظ بمعدات وأرشيف مهم للسينما الجزائرية.

يروي رابية اللحظات الأخيرة لـحسان الحسني الذي تعرض لوعكة صحية مفاجئة كشفت فيما بعد عن إصابته بمرض كان يجهله، مما استدعى دخوله إلى إحدى مستشفيات العاصمة، ليُصاب الطاقم الفني بالصدمة والتأثر. وعلى الرغم من حالته الصحية فضّل أن يقوم بالدور الذي أسنده إليه المخرج عمار العسكري، لتستجيب في الأخير الظروف الصحية للقدر، ويرحل من أعطى الفن صبغة الوطنية، ومنح الوطن الكثير من التضحية.

فبتاريخ 25 سبتمبر/أيلول 1987 عجّل القدر برحيل الفنان والوطني الثائر “حسن بن الشيخ” الذي غادر الحياة والفن من “أبواب الصمت” للمخرج عمار العسكري، وهي أبواب مهدت لميلاد تجربة جديدة في صنف الأفلام الثورية، وأعلنت رحيل صاحب التجارب الرائدة والمسار الحافل نوعية وتعدادا، وفي العقد السابع توقف عمره البيولوجي وأبى عمره الفني الرحيل.


إعلان