محمود البنا.. القارئ الذي يرتّل للملائكة

 

خاص-الوثائقية

في قرية “شبرا باص” بمركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية، عاشت أسرة علي البنا أجواء حزينة لسنوات، فكلما رزقت بولد خطفته المنون وتركتهم يحتسبون الأجر عند ربهم.

وبحلول 17 ديسمبر/كانون الأول 1926، استقبلت الأسرة ولدا جديدا، فبادر والده لأداء صلاة الفجر ودعا الله أن يبارك فيه، وتعهد بأن يهبه للقرآن الكريم إذا ما كُتبت له الحياة.

هذا الولد هو محمود علي البنا الذي تروي الجزيرة الوثائقية قصته مع الآيات البيّنات في فيلم قصير ضمن سلسلة “أصوات من السماء”.

يبدأ الفيلم بمقطع صوتي للشيخ محمود يتلو فيه قوله تعالي “أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا، وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا”.

 

وفي الوثائقي مقطع فيديو لكُتّاب قرآن بإحدى القرى المصرية حيث يتحلق صبية حول شيخ معمّم ويرتلون خلفه “عمّ يتساءلون، عن النبأ العظيم، الذي هم فيه مختلفون”.

على هذا النحو بدأ محمود البنا علاقته بالقرآن الكريم، فقد التحق بالكتّاب في طفولته وأتم حفظه في الحادية عشرة من عمره.

وعندما كان صغيرا، أحب تقليد القراء، ولاحقا نصحه الشيخ حسن معوض قائلا “عليك أن تعدّ نفسك لأن تكون قارئا، في الجامع الأحمدي هناك شيخ اسمه إبراهيم سلام جوّدْ عليه بالقراءات السبع”.

إلى مصنع النجوم

وعندما سمع كبار العلماء تلاوته وهو في الثانية عشرة من عمره اعتبروه معجزة ربانية، كما يروي سعد محمد عبد اللطيف مدير إدارة التخطيط الديني بالإذاعة المصرية.

درس محمود البنا على يد الشيخ إبراهيم سلامة لعامين وخاطبه قائلا “لقد أعطيتك كل ما عندي”. وبعدها انتقل إلى القاهرة حيث تُصنع النجوم.

في القاهرة درس على يد الشيخ درويش الحريري وهو من أئمة الموشحات الموسيقية ويسمى في مصر أستاذ الأساتذة ومن الذين تتلمذوا على يده الموسيقار الشهير محمد عبد الوهاب.

قرآن الفجر

في عامه الثاني والعشرين اعتُمد محمود البنا قارئا في الإذاعة المصرية. وفي مقطع بالوثائقي تحدث عن رهبة البدايات وكيف كان يشعر بأن صوته ضعيف بينما الحقيقة عكس ذلك.

كان يومه يزدحم بالعمل للدنيا، فإذا جاء الليل أقبل على الآخرة واختلى بنفسه يتلو ويدبّر آيات ربه، لا يفتر عن ذلك مهما بلغ به التعب.

 

ومن المعروف عن الشيخ محمود البنا حرصه على تلاوة القرآن في الفجر، وعندما نصحه ابنه شفيق بضرورة النوم حرصا على صحته، رد عليه بأنه يقرأ في هذا الوقت للملائكة.

أما في الصباح فيبدأ بالتمارين لتسخين الأحبال الصوتية حتى يستخدمها بالطريقة المناسبة. وكان صوته مرنا وناعما وحنونا ودافئا.

الصعود والتجول

وتقول أستاذة الموسيقى بجامعة حلوان هدى طعيمة “إن صوت البنا تميز بالاتزان والخشوع وعدم الشطط، وكان يجيد اختيار البدايات. يبدأ من القرار ثم يصعد ويتجول ولا بد أن يرجع للمقام الأصلي قبل أن يقف”.

الشيخ محمود البنا كان يجيد التعبير عن معنى كل آية، فيميز بين الترغيب والترهيب ويختار النغمة المناسبة

 

كذلك كان الشيخ محمود البنا يجيد التعبير عن معنى كل آية فيميز بين الترغيب والترهيب ويختار النغمة المناسبة لكل مقام.

وفي تسجيل مصور يطل من تلفاز عتيق ليرتل بهدوء “يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون”.

وفي ختام الوثائقي يحكي أحمد محمود البنا قصة رحيل والده في العشرين من يوليو/تموز 1985 وكيف كان محاطا بأنجاله يؤنسونه بالقرآن في انتظار أن يؤذن لملك الموت بقبض روحه حتى يلحق بالنبييّن والصديقين والشهداء والصالحين.


إعلان