رمضان باكديل.. مزيج عربي إسطنبولي في تلاوة القرآن

فضّل أن يكون ممن قال فيهم الرسول ﷺ: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”، فنذر نفسه لتعليم الناس ما ينفعهم ويمكث في الأرض، وجذب ألوفا من المصلين خلفه، فأسمعهم القرآن العظيم حتى فاضت دموعهم من خشية الله.

جمع في شخصيته كل الصفات التي ينبغي أن تتوفر في أهل القرآن. إنه فضيلة الشيخ رمضان باكديل القارئ التركي، وأحد المهرة في القرآن الكريم الذين يتلونه حق تلاوته.

هذا الشيخ الجليل محور حلقة خاصة على الجزيرة الوثائقية ضمن سلسلة “أصوات من السماء”.

“حصلتُ على الإجازة في مسجد الفاتح”.. بداية الطريق

يقول الشيخ رمضان باكديل عن نفسه: وُلدت في مدينة أوشاك عام 1948 بقرية باغباشي، وبدايتي في تعليم القرآن كانت في قريتي، انتهيت من تعلم علوم القراءات العشر عام 1979، وحصلت على الإجازة في مسجد الفاتح.

بدأ الشيخ رمضان مسيرته بالتنقل بين القراء باحثا عن من يشفي غليله في القرآن وعلومه، حتى أناخ رحله عند شيخ القراء عبد الرحمن جورسيس، فطاب له المقام واستقرت به النوى. يقول محمد علي ساري المتخصص في الموسيقى الإسلامية: بعد أن أنهى الشيخ رمضان تعليمه في مركز حاسيكي مع الشيخ عبد الرحمن جورسيس عيّنه مساعدا له في المركز، ففي البداية كان طالبا ومساعد أستاذ، ثم تخرج وأصبح قارئا متخصصا.

حين بدأ الشيخ رمضان العمل أستاذا مساعدا عام 1980 في مركز حاسيكي، بدأت تنهال عليه الدعوات من القنوات التلفزيونية للقراءة بها، وشارك في عدة مسابقات قرآنية، تارة متسابقا، وأحيانا عضوا في لجنة التحكيم.

 

عبد الرحمن جورسيس.. آثار ونصائح تصنع ملامح الدرب

كان رمضان باكديل متأثرا بشيخه عبد الرحمن جورسيس، وذلك ما أكده في حديثه للوثائقي عن رحلته مع القرآن، إذ قال: أكثر شخص أثر في حياتي عبد الرحمن جورسيس، فقد كنت أقلده وأتخذ أسلوبه نمطا وقالبا أتبعه ولا أحيد عنه، حتى أنه حين سمعني أول مرة في مركز حاسيكي قال لي إنني أقرأ مثله تماما، ولكن نصحني بأن أتابع جميع القراء، وأستفيد منهم من قراءتهم، ثم أكوّن أسلوبي الخاص في القراءة.

تميز الشيخ رمضان بعذوبة الصوت وفصاحته وقدرته على إتيان الحروف حقها من إشباع ومد وغنّة بسلاسة ودون تكلف

كانت آثار الشيخ جورسيس على تلميذه بادية للعيان يدركها كل من استمع إليه. يقول أحد ضيوف الفيلم: قراءة الشيخ رمضان جميلة جدا، يمكن أن تجد فيها سمات ونغمات قراءة الشيخ عبد الرحمن جورسيس. صوته جميل، وعلمه بالقراءات عميق جدا.

وقد تحدث عدد من طلاب باكديل وأقرانه للفيلم، فاتفقوا أنه بتواضعه وقربه من الناس ودماثة خلقه استطاع أن يؤثر في الناس فألفه الجميع وأحبه.

مقام الحجاز.. تحقيق نصيحة المعلم ووصية النبي

تميز الشيخ رمضان بعذوبة الصوت وفصاحته وقدرته على إتيان الحروف حقها، من إشباع ومد وغنّة بسلاسة ودون تكلف، ومن خلال ترتيله تبدو واضحةً في أدائه القراءةُ الإسطنبولية المتسمة بالرتابة والخشوع والتركيز على مخارج الحروف.

يقول محمد ساري علي المتخصص في الموسيقى الإسلامية: لم يتلق الشيخ تعليما موسيقيا متخصصا، ولكن فطرته وموهبته في تعلم المقامات والنغمات التي يسمعها، وتوظيفها حسب ما يتوافق مع طبيعة صوته جعله متمكنا من المقامات، فيقرأ بمقام الحجاز وراست وصبا، ولكنه يفضل القراءة بمقام الحجاز، لتميزه بنبرات حزن وشجن، مما يحقق وصية النبي ﷺ بأن نقرأ القرآن بحزن، لذلك فهو يفضل القراءة بهذا المقام.

عمل الشيخ بوصية معلمه، فقلد كثيرا من القراء وتأثر بهم فجاء بأسلوب مختلف مميز. يقول القارئ عثمان شاهين إمام مسجد الفاتح: يقرأ الشيخ القرآن بطريقة نسميها طريقة الشيخ جورسيس، لا يقرأ رمضان بالطريقة العربية ولا الإسطنبولية، وإنما مزج بينهما، مما يخلق له أسلوبا مختلفا في التلاوة، وتتسم قراءته بالروحانية والخشوع، فهي من أكثر القراءات إعجابا للجميع في تركيا.

ويتحدث عن تميز قراءته الشيخ حسن كارة إمام وخطيب مسجد السلطان أحمد قائلا: يضرب لنا الشيخ رمضان أفضل الأمثلة على القراءة الإسطنبولية، فقراءته هادئة وناعمة، بالإضافة إلى أنه لا يخطئ في نطق الحروف، ولا أبالغ حين أقول إنها من أصح القراءات الموجودة الآن.

مهنة التعليم.. حقل يدفع الموهبة إلى التحسن الدائم

يَعتبر الشيخ نفسه وقفا للقرآن الكريم، وقد نذر نفسه لخدمته، فيعلمه للأجيال ويربيهم على العمل به، ويرى أن تعليمه يزيد من حسن الصوت والقدرة على الفهم والإدراك.

يقول محمد علي ساري المتخصص في الموسيقى الإسلامية: نقل علم القرآن للأجيال يساعد في أن تظل قراءة القارئ في تحسن دائم وتطور مستمر، وقد ظل الشيخ في أداء رسالته بتعليم كتاب الله من جيل إلى جيل، فارتقت قراءته وازدادت حسنا وجمالا وطلاوة.

أكثر ما يميز الشيخ رمضان عن القراء الآخرين هو دخوله مجال تعليم القرآن الكريم معلما متخصصا، فهو يعلم الأجيال منذ سنوات كثيرة، وهو أستاذ الأساتذة بمركز حاسيكي. يقول الشيخ رمضان: أهم الأهداف التي أريد أن أحققها هي تعليم أجيال من الطلاب الماهرين والباهرين في تلاوة القرآن بمختلف علومه.

يَعتبر الشيخ نفسه وقفا للقرآن الكريم، وقد نذر نفسه لخدمته، فيعلمه للأجيال ويربيهم على العمل به

“رب توفني وأنا أقرأ القرآن أو أعلمه أو أسمعه”

شخصية الشيخ تجعله يتمتع بعلاقات طيبة جدا مع طلابه، فهو يحب المزاح ولا يجرح أحدا، علاقته بالجميع طيبة، ويحبه طلابه جدا. يقول عنه القارئ عثمان شاهين إمام مسجد الفاتح: الشيخ رمضان عفيف اللسان، حليم ومسالم ومتواضع جدا.

ويتحدث الشيخ حسن كارة إمام وخطيب مسجد السلطان أحمد عن أسلوبه التعليمي المميز قائلا: حياته وقف لله تعالى، وأسلوبه في التعليم مدرسة خاصة، فلم يكن فظا، ولكنه إذا أخطأ أحد الطلاب يوجهه بالحسنى التي لا تحرجه ولا تجرحه، وهذا ما ميزه عن غيره.

يدعو الشيخ رمضان دائما: رب توفني وأنا أقرأ القرآن أو أعلمه أو أسمعه، ويقول: أتمنى أن أسير على درب شيوخي ومن علموني، وأن أموت في نفس دربهم، فأنا الفقير إلى الله، وكل ما أتمناه أن أعيش في هذا الطريق وأموت فيه.


إعلان