عبد الحميد إحساين.. مقرئ “المسيرة الرمضانية” في المغرب

عندما تولى الإشراف على برامج الإذاعة المغربية في الستينيات، خطر بباله إنشاء برنامج يعلّم المستمعين كيفية تجويد القرآن الكريم، فكانت فكرة نورانية لا تزال تضيء أرجاء المملكة إلى اليوم.

صاحب هذه الفكرة هو شيخ القراء عبد الحميد إحساين الذي يعود له الفضل في العديد من المبادرات القرآنية والعلمية في المغرب.

وفي حلقة من سلسة “أصوات من السماء”، تسرد الجزيرة الوثائقية جانبا من الإرث القرآني لعبد الحميد إحساين فتتحدث لطلابه والمتأثرين بهديه.

ولد عبد الحميد إحساين في الرباط عام 1932. وفي مرحلة مبكرة من طفولته أبدى ولعا بالقرآن الكريم فألحقه والداه بالكتاب في عامه الثامن.

في شبابه أتقن اللغة الفرنسية، وكانت عنده موهبة إعلامية، وعندما التحق بالعمل في الإذاعة أسندت له مهمة الإشراف على البرامج العربية.

حينها أنشأ برنامجا بعنوان “كيف نقرأ القرآن” برواية ورش عن الإمام نافع، ويظهر إحساين في مقطع فيديو يشرح أهداف البرنامج وينصح الشباب بتعلم مخارج حروف لغة الضاد.

وفي مشاركته بالوثائقي، يوضح المذيع بالتلفزيون أحمد بابا العلوي أن القارئ المصري الشهير الشيخ الحصري دعم فكرة هذا البرنامج، وعقد حلقات مع إحساين في سبيل إنجاح المشروع.

رابطة المجوّدين

بعد نجاح فكرة تعليم ترتيل القرآن عبر الإذاعة، أسس عبد الحميد إحساين رابطة للمجوّدين ضمت كوكبة من العلماء والقراء في المغرب.

وكانت هذه الرابطة وما زالت تُخرج الطلبة سنويا، وعلى هديها تأسست “دار القرآن” الشهيرة في المغرب.

لاحقا عينه الملك الراحل الحسن الثاني أول مقرئ لـ”المسيرة الرمضانية” في المغرب، وسجل القرآن بطريقة سريعة فكان يقرأ حزبين في عشر دقائق.

يُعلق على هذا النمط من القراءة محمد التهامي بالقول “المسيرة القرآنية كانت تعتمد على أسلوب السرد مع التنويع في الطبوع والمحافظة على الخصائص المغربية”.

ويروي عضو المجلس العلمي للقراءات الحسن بن صولدي أن قراءة إحساين كانت جيدة ونموذجية وكان المغاربة يقرؤون خلفه.

عبد الحميد إحساين يتميز بسلاسة الانتقال بين الأنغام، فيبدأ برمل الماية ويتحول إلى الحجاز أو مقام آخر

سلاسة الانتقال

يتميز عبد الحميد إحساين بسلاسة الانتقال بين الأنغام، فيبدأ برمل الماية ويتحول إلى الحجاز أو مقام آخر ويميل إلى القرار أكثر من الجواب.

أما نجله محمد عبد الحميد إحساين فيحكي أن والده كان شخصية جامعة، فهو أب مثالي وقارئ بارع وصاحب مواهب متعددة.

ويذْكر أن إحساين كان مغرما بالآلات الأندلسية ويحب كثيرا محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وأسمهان والموسيقى العربية الراقية.

وإلى جانب الموسيقى، كان الشيخ عبد الحميد إحساين يحب الطبيعة ويحرص على العناية بحديقة البيت فيشذب الأزهار والورود بيده.

ويقول بن صولدي إن الشيخ عبد الحميد إحساين كان في سلوكه يجسد القرآن الكريم الذي كان يتلوه آناء الليل وأطراف النهار.

وفي أيامه الأخيرة لم يمنعه المرض من الاستمرار في العمل، فكان يذهب للإذاعة ويقدم برنامجه “كيف نقرأ القرآن”.

وفي 21 ديسمبر/كانون الأول 1992، رحل إحساين إلى دار البقاء بعد أن أنار دروب الأجيال وترك للمغاربة دُورا ومراكز تقوم على خدمة الذكر الحكيم.