محمد مرسي.. شهيد الديمقراطية والشرعية

 

خاص-الوثائقية

الدقائق القصيرة التي منحت لمرسي أثناء محاكمته قال فيها إنه يتعرض للموت المتعمد من قبل سلطات الانقلاب.

أصبح محمد مرسي متهما قابعا في قفص الاتهام خلف الزجاج المعتم، في حين أن حسني مبارك المطاح به في أول وأكبر ثورة شعبية تعرفها مصر الحديثة مجرّد “شاهد” يتأنق ببدلته وربطة عنقه السوداء.

هكذا كان المشهد سرياليا وغرائبيا منذ اعتقال أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في مصر، إلى غاية وفاته متأثرا بالحصار والحرمان من العلاج والعدل والإنصاف.

الهزة العنيفة التي شعر بها المصريون ووصلت ارتداداتها إلى جميع أنحاء العالم عصر يوم الاثنين 17 يونيو/حزيران 2019، مردّها إلى شبه إجماع البشرية على أن القصة تهمّ رجلا ذنبه أن جاءت به الديمقراطية.

 

بلادي عزيزة

دقائق قبل ارتقاء روحه إلى السماء، طلب الرئيس الأكثر شرعية في تاريخ مصر ما بعد الملكية محمد مرسي من رئيس المحكمة أن يمنحه الكلمة.

الدقائق القصيرة التي منحت له قال فيها إنه يتعرض للموت المتعمد من قبل سلطات الانقلاب، وإن حالته الصحية تتدهور، وإنه تعرض للإغماء خلال الأسبوع الماضي أكثر من مرة دون علاج أو إسعاف، حسب الموقع الرسمي لحزب الحرية والعدالة.

مرسي عاد لشكواه القديمة من مظاهر التعذيب التي تطاله حتى وهو ماثل أمام المحكمة. “حتى الآن لا أرى ما يجري في المحكمة، لا أرى المحامي ولا الإعلام ولا المحكمة، وحتى المحامي المنتدب من المحكمة لن يكون لديه معلومات للدفاع عني”، ثم أنشد بيت الشعر الذي يقول:
بلادي وإن جارت علي عزيزة
وأهلي وإن ضنوا علي كرام”.

#الساعات_الأخيرة – كيف أدار السيسي لعبة “الخداع الإستراتيجي” ضد مرسي؟- يمكن تشغيل الفيديو عبر قناة اليوتيوب 

 

شهيد يونيو/حزيران

وُلد محمد مرسي يوم 20 أغسطس/آب من عام 1951 في قرية العدوة بمحافظة الشرقية، لكن لهذا الرجل قصة خاصة مع شهر يونيو/حزيران. ففي هذا الشهر من السنة انتخب رئيسا لمصر عام 2012، وفيه جرى الانقلاب عليه في 2013 تحت غطاء خروج شعبي “مخدوم” في جزء كبير منه، وفيه توفي عام 2019 وهو يحاكم بتهم ظالمة.

نشأ محمد مرسي في كنف أسرة مصرية بسيطة يعولها أب فلاح، وكان أكبر إخوته الخمسة. وكجلّ أبناء هذه الطبقة، كافح محمد مرسي ومعه أسرته إلى أن تخرّج مهندسا من جامعة القاهرة أواسط عقد السبعينيات، لتمنحه الأقدار منحة دراسية أخذته إلى جامعة كاليفورنيا، مباشرة بعد حصوله على الماجستير في هندسة الفلزات من جامعة القاهرة.

هناك في أمريكا، حصل على الدكتوراه في الهندسة متخصصا في حماية محركات المركبات الفضائية، وهناك أيضا بدأت قصته مع حركة الإخوان المسلمين. فهناك في أقصى الغرب الأمريكي، تعرّف محمد مرسي على زوجته نجلاء علي محمود المترجمة في المركز الإسلامي بكاليفورنيا، ومن خلالها انضم إلى حركة الإخوان المسلمين في رحلة استمرت أربعين عاما.

قبل ذهابه إلى أمريكا، عمل محمد مرسي جنديا بسلاح الحرب الكيميائية في عامي 1975 و1976، ولم يكن يدري حينها أن قصته مع الجيش المصري لن تنتهي بأدائه الخدمة كباقي شبان مصر.

وبعد نيله شهادة الدكتوراه في كاليفوريا عام 1982، مكث محمد مرسي ثلاث سنوات مواصلا أبحاثه العلمية، حيث حصل على درجة أستاذ مساعد في جامعة “نورث ردج” في الولايات المتحدة بكاليفورنيا. وفي منتصف الثمانينيات، عاد محمد مرسي إلى مصر حيث عمل أستاذا ورئيسا لقسم هندسة المواد بكلية الهندسة في جامعة الزقازيق، وهي الوظيفة التي ظل يشغلها إلى غاية العام 2010.

 

بين المعتقل والرئاسة

رغم انتمائه إلى الإخوان في أمريكا نهاية السبعينيات، فإن مهام محمد مرسي السياسية كقيادي لم تبدأ إلا مستهل التسعينيات حيث التحق بالقسم السياسي، لينتخب نائبا برلمانيا عام 2000 ويصبح بالتالي متحدثا باسم كتلة الإخوان في البرلمان إلى غاية 2005 حيث جرت الانتخابات، وكان للدائرة التي ترشح وفاز فيها مرسي موعد مع إعادة لتلك الانتخابات، وانتهت بفوز منافسه وخروجه بالتالي من المؤسسة التشريعية.

اعتقل من طرف الجيش المصري مستهل شهر يوليو/تموز 2013، ولم يكن هذا الاعتقال لقاءه الأول بزنازين السجون، فقد سبق وأن تعرض للاعتقال في مايو/أيار 2006، وذلك أثناء مشاركته في مظاهرات شعبية، ثم أفرج عنه يوم 10 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.

عاد مرسي ليعانق جدران السجون في يناير/كانون الثاني 2011، أي أثناء الثورة التي أطاحت بنظام مبارك، حيث كان ضمن قيادات الإخوان الذين تم توقيفهم لمنعهم من المشاركة في جُمع الغضب. وبعد يومين فقط من هذا الاعتقال، أفضت الثورة الشعبية إلى انسحاب قوات الأمن من مهام حراسة السجون والمنشآت المدنية، ليغادر مرسي سجن وادي النطرون رفقة باقي المعتقلين، وينتخب بعد أيام قليلة رئيسا لحزب الحرية والعدالة الذي أسسه الإخوان المسلمون.

 

مرشح احتياطي ومواقف أساسية

في أبريل/نيسان 2012، أعلن حزب “الحرية والعدالة” عن ترشيحه محمد مرسي كإجراء احتياطي في الانتخابات الرئاسية، وذلك خوفا من رفض ترشيح المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة، الذي استبعدته بالفعل لجنة الانتخابات الرئاسية لاحقاً لأسباب قانونية.

وبمجرّد انتخابه بأكثر من 13 مليون صوت، خاطب محمد مرسي المصريين والعالم مؤكدا أنه سيكون رئيسا لجميع المصريين، لكنه أثار في الوقت نفسه حفيظة الصهاينة وخصوم العرب حين أكد رغبته في مراجعة اتفاقات السلام التي وقعتها مصر مع إسرائيل، ودعا إلى “استعادة العلاقات الطبيعية” بين مصر وإيران والمقطوعة منذ أكثر من 30 عاما، وذلك في مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء فارس الإيرانية.

تعهد مرسي ببرنامج إسلامي معتدل يقود مصر إلى عهد ديمقراطي جديد يستبدل الحكم الشمولي بحكومة تتسم بالشفافية وتحترم حقوق الإنسان وتعيد أمجاد دولة عربية قوية تشهد أفولا منذ فترة طويلة، وقال للمصريين إنه سيحقق نهضة مصرية على أساس إسلامي.

 

آلة الجيش

يقول المراقبون للشأن السياسي المصري، إن “خطأ” مرسي القاتل لم يكن في مواقفه السياسية الخارجية، بل في وقوفه أمام آلة جبارة أقامها الجيش المصري داخل دواليب الدولة على مدى عقود، “وفي نهاية المطاف انقلب عليه قائد الجيش آنذاك عبد الفتاح السيسي الذي عينه مرسي لأنه كان معروفا بورعه”.

حكاية هذا الانقلاب بدأت حين ظهرت حركة شبابية تسمى “تمرد” شرعت في جمع توقيعات تطالب مرسي بالتنحي. وفي النهاية، خرج الملايين إلى الشوارع مطالبين برحيله. كل شيء تم خلال أسبوع تقريبا. “علت ابتسامة مهذبة وجه الفريق عبد الفتاح السيسي الجالس في الصف الأمامي، مستمعا للرئيس محمد مرسي يتحدث لساعتين ونصف الساعة عن إنجازات العام الأول من رئاسته.. حتى إن السيسي صفق برفق، أحيانا، عندما تعالى في القاعة صراخ التأييد”، كما يذكر تقرير مطوّل نشرته وكالة “أسوشيتد برس”، مضيفة أنه و”بعد أسبوع تقريبا، في الثالث من يوليو/تموز، غرز السيسي سكينه وعزل مرسي على شاشة التلفزيون الرسمي، بينما كانت قواته تعتقل الرئيس المعزول”.

وكالة الأنباء الأمريكية تقول إنها حاورت عددا من الضباط في الجيش والمخابرات المصريين، لتخلص إلى أن السيسي “آمن أن مرسي يقود البلاد إلى الفوضى، وتحداه مرارا، وعصى أوامره مرتين على الأقل”.

 

لا لإراقة دماء المسلمين

تقول الوكالة الأمريكية جازمة إن الجيش خطط على مدى شهور للسيطرة على السلطة، وساعد حركة “تمرّد” على جمع التوقيعات والحشود ضد مرسي، “وتواصل معها عبر أطراف وسيطة، حسب من التقيناهم من الضباط”.

أما سبب ذلك، فتنقلها أسوشيتد برس على لسان ضابط مصري، قال لها إنه اختلاف جذري بين السيسي ومرسي على السياسات، خاصة عندما اندلعت أعمال مسلحة ضد الجيش في سيناء وقيّد مرسي يد الجيش الراغب في الانتقام قائلا للسيسي “لا أريد أن يريق المسلمون دماء بعضهم بعضا”، في أمر قد يكون القشة التي قصمت ظهر البعير.

 

“تمرّد” صنيعة الجيش

في الذكرى الرابعة لانقلاب الجيش المصري ضد الرئيس مرسي، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا للباحث المتخصص “نيلي كيتشلي”، خصصته لتفسير الوصفة التي استخدمها الانقلابيون المصريون لتحريض الجموع على الخروج في مظاهرات 30 يونيو/حزيران لانتزاع السلطة من المدنيين وإرجاعها إلى قبضة العسكريين.

“قد يبدو هذا غير متوقع في البداية، فنحن غالبًا ما نفكر في أن حشد الجماهير على مستوى الشارع عملية يقوم بها التقدميون والثوريون. ولكنه كما تشير مجموعة كبيرة من البحوث التجريبية، فإنه يمكن أيضا للجهات القوية للدولة تسهيل وتنظيم الاحتجاج الجماعي لتحقيق أهدافها الخاصة”.

قصة الانقلاب برزت واضحة حسب واشنطن بوست، حين أسفرت دعوات حركة “تمرد” عن الخروج الشعبي الكبير يوم 30 يونيو/حزيران، ليتسلّم الجيش ومعه وزارة الداخلية المشعل بعد ذلك لإتمام الإطاحة بمرسي، “وتوضح التسجيلات الصوتية المسربة أن قيادة “تمرد” كانت تسحب من حساب مصرفي يديره الجنرالات المصريون، وتغذّيه دولة الإمارات العربية المتحدة”.

 

خطة السيسي

أطل رأس عبد الفتاح السيسي منذرا بقرب موعد الانقلاب قبل أسبوع واحد من تنفيذه. خرج المشير -الذي اختاره مرسي لـ”ورعه الديني” وعيّنه وزيرا للدفاع- في تصريحات صحفية تنزع واجب الولاء للرئيس الشرعي، وتحدّث باسم الجيش المنفصل عن بقية مكونات الدولة قائلا “نحن مسؤولون بالكامل عن حماية إرادة الشعب المصري العظيم، وبالتالي فإن أولئك الذين يسيئون للجيش وكأنهم يسيئون لكل المصريين، ومن يظن أننا سنلتزم الصمت تجاه أي هجوم يستهدف الجيش فهو مخطئ”.

وفي الوقت الذي كانت اليد الخفية للجيش والمخابرات تؤجج الوضع وتحرّض على الخروج، كانت يد السيسي الظاهرة تحذّر من إدخال مصر في مرحلة اضطراب، مستبقا المسيرات التي تم توجيهها نحو مقر وزارة الدفاع لمطالبة السيسي بأخذ المبادرة في شكل تحول إلى “تفويض” شعبي.

وقال مسؤولون مصريون لصحيفة “ميدل إيست آي” إن السيسي حضّر للحظة الصفر طيلة شهور، حيث كان يعقد اجتماعات كل يوم خميس مع قادة “المعارضة” في نادي القوات البحرية في القاهرة. وانطلقت هذه الاجتماعات في ديسمبر/أغسطس 2012، أي منذ صدور النقاش الدستوري الذي قيل إن مرسي يمهد به للاستحواذ على جميع السلطات.

 

الخديعة

تشير العديد من الشهادات إلى القدرة التي حظي بها السيسي على خداع مرسي ومستشاريه، ويتذكر خالد القزاز سكرتير الرئيس محمد مرسي للشؤون الخارجية، حديثًا جمعه بالسيسي في حفل عشاء في وقت سابق للانقلاب، حيث قال له الرئيس مرسي “يا خالد إحنا محتاجين نحافظ على الراجل ده (في إشارة لمرسي)، إحنا محتاجين نحافظ على المشروع الإسلامي.”

وفي الوقت الذي كانت القوات الأمنية تجفف الشوارع من بؤر تجمع مساندي مرسي وتمنعهم من الوصول إلى ميدان التحرير، كانت حشود المعارضين تحشد تدريجيا لتبلغ ذروتها يوم 30 يونيو/حزيران. يومها تواصل مستشارو مرسي مع السفارة الأمريكية بالقاهرة، واتصل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بمرسي داعيا إياه إلى اتخاذ إجراءات جريئة. لكن الرسالة النهائية كانت: الحسم في يد الجيش.

إلى غاية يوم اليوم الأول من يوليو/تموز، كان مرسي يعتبر السيسي وزيرا وفيا ووسيطا موثوقا مع المعارضين. ليلتها استقبل مرسي السيسي في مكتب داخل إحدى الثكنات العسكرية، لكنه لم يكن يعلم أن وزير دفاعه بعث بيانا إلى التلفزيون قبل مجيئه. البيان أعطى مهلة لـ”الفرقاء” تنتهي بعد 48 ساعة لإنهاء الأزمة، وإلا فإنه “سيضطر” للتدخل واستعادة السلطة. وقبل نهاية الاجتماع، أطلع السيسي رئيسه على موضوع البيان، مطمئِنا إياه إلى أنه ليس تهديدا موجها إليه.

وبعد اجتماع مرسي بمؤيديه المعتصمين في ميدان رابعة، وخروجه بمقترحات لنزع فتيل الأزمة تتضمن تعديلا وزاريا وتراجعا عن المقتضيات الدستورية التي أغضبت خصومه، أخبر وزيرَ دفاعه بمضمون الخطوة، فكان ردّ السيسي أن الأمر كاف لإنهاء الأزمة، بل يتجاوز ما يطالب به المعارضون.

وفي اللحظات التي بات مرسي متيقنا فيها من حتمية انقلاب الجيش عليه، طلب من مستشاريه العودة إلى منازلهم كي لا يُعتقلوا برفقته، لكنهم أصروا على البقاء معه. وعندما كان السيسي بصدد التحدث عبر التلفاز للإعلان عن سيطرة الجيش على السلطة، قام قائد قوات الحرس الجمهوري المصري محمد زكي باعتقال الرئيس مرسي مع مستشاريه. وبعد أسابيع من ذلك، تمت ترقية زكي إلى منصب وزير الدفاع من قبل السيسي، وهو ما اعتبره البعض مكافأة على دوره في إنجاح الانقلاب.

 

الندية مع إسرائيل

كان مرسي واضحا منذ اليوم الأول لانتخابه رئيسا، كما أكد وضوحه حين اندلعت مواجهة عسكرية بين إسرائيل وحركة حماس أواخر 2012، حيث وقف وصرخ أمام الملأ أن غزة لن تكون وحدها في مواجهة إسرائيل، وأضاف في إحدى لقاءاته “سياستنا تجاه إسرائيل ستكون سياسة ندية لأننا لسنا أقل منهم، بل نحن أصحاب حقوق، وسنتناقش مع الجميع لعودة الحقوق الفلسطينية إلى أهلها، لأن استتباب الأمن في المنطقة أساسه إنهاء المشكلة الفلسطينية”.

دعمه لحقوق الفلسطينيين، وإصراره على مساندة الثورة السورية، وتأكيده حق الشعب المصري في مراجعة علاقاته مع إيران بما يخدم مصلحته، كلمات مفتاحية سترافق جميع الدراسات التي قامت بقراءة سيرة محمد مرسي في الحكم، والتي انتهت به أسيرا وشهيدا في سجن الانقلابيين.

وبمجرّد إعلان وفاته أثناء محكمته، كان السوريون يتذكرون دعمه الصريح والواضح لثورتهم، وعبارته الشهيرة “لبّيك سوريا” التي أطلقها في أحد التجمعات الخطابية قبيل الانقلاب عليه.

شكوك أمريكية

في كتاب مذكّراتها “خيارات صعبة”، تحكي وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون كيف رافقتها المخاوف من التهديدات التي توشك أن تخيّم على منطقة الشرق الأوسط والمصالح الأمريكية فيها إذا سقطت الأنظمة القائمة بفعل الربيع العربي، في أولى زياراتها إلى مصر في عهد محمد مرسي.

تقول كلينتون “أكدت الشهور والأعوام اللاحقة، مع الأسف، أن مخاوفي من الصعوبات التي تشهدها التحولات الديمقراطية ذات أساس”، لكنها تعود لتستدرك وتعترف بالوجه الإيجابي لطريقته في الحكم: “فاجأ بعضَ الذين كانوا يشككون في إبقائه على معاهدة السلام مع إسرائيل، وساعدني في المفاوضات من أجل وقف إطلاق النار في غزة خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2012، لتواجه الولايات المتحدة الأمريكية من جديد تلك المعضلة التقليدية: هل سنتعامل مع رئيس نختلف معه في أمور كثيرة، من أجل رعاية مصالحنا الأمنية الأساسية؟ لقد عدنا للمشي فوق الحبل المعلّق، محاولين تحقيق التوازن..”.

 

صدمة دعم غزة

فيما يُعتبر تدهورُ الوضع الأمني في سيناء الشرخَ الأكبر الذي فتح الباب أمام انقلاب الجيش على مرسي، يقول وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري السابق خالد العطية في فيلم وثائقي، إنه التقى مرسي يوم 12 حزيران/يونيو 2013، وكان لدى الرئيس المصري الأسبق قلق دائم من وصول الأمور إلى صدام حتمي بين الناس والجيش.

وأوضح العطية أن مرسي أبدى شكواه آنذاك من تدخل أطراف في المنطقة، منها دولة من دول الخليج، لم يصرح عنها الوزير القطري، سعت لإرسال أسلحة مضادة للطائرات محمولة على الكتف إلى سيناء، وكذلك أموال نقدية، غير أن مرسي أكد استطاعته التفاهم مع تلك الدولة.

وفي كتاب مذكراتها، تطرّقت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون إلى المواجهة التي دارت بين حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة وإسرائيل نهاية 2012، مع ما تخللها من تطور نوعي في سلاح المقاومة الفلسطينية، وشروعها في إمطار إسرائيل بمئات الصواريخ.

وتحكي كلينتون كيف كانت لحظة انطلاق المواجهة بين إسرائيل وحماس في جولة آسيوية، لكنها راحت تجري اتصالاتها ومشاوراتها وهي على متن طائرتها وأثناء وجودها في شرق آسيا، في محاولة منها لتجنب اجتياح عسكري بري من جانب إسرائيل لقطاع غزة.

الرد الذي تلقته كلينتون من القاهرة بعد اتصالها بوزير الخارجية المصري حينها محمد عمرو، بدا لها مختلفا عن المعتاد، حيث كان أول تعليق سمعته من الوزير المصري هو أن القاهرة لا يمكنها القبول بالضربات الجوية الإسرائيلية على غزة.

“كان لدي أمل في أن تستمر مصر وسيطا مهما يمثل صوت السلام الذي تعودناه، وبعد وصول قائد الإخوان المسلمين محمد مرسي إلى خلافة مبارك، قدّرتُ أن عمرو سيهمه مراعاة مكانة مصر وقلت له إن دوركم في القضية شديد الأهمية، ودعوته إلى فعل ما بوسعه لتخفيف حدة التوتر”.

عندما قررت المسؤولة الأمريكية التوجه إلى المنطقة، حطّت طائرتها في إسرائيل أولا، وبعد انتقالها إلى مصر، حاولت هيلاري كلينتون إقناع مرسي بوجود تنازلات يمكن لإسرائيل تقديمها مقابل توقيع هدنة والدخول في مفاوضات نهائية. تقول كلينتون “دخلتُ يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني إلى القصر الرئاسي المصري، حيث كنت قد التقيت مبارك مرات عديدة، كان المبنى والعاملون فيه دون تغيير، مع فارق يتمثل في إمساك الإخوان المسلمين بزمام السلطة”، مضيفة أن مرسي بقي محترما لاتفاقية كامب ديفد للسلام مع إسرائيل، “لكن إلى متى كان سيستمر ذلك؟ إلى حين اجتياح إسرائيل لقطاع غزة مثلا؟ هل يفرض مرسي دور مصر كصانع للسلام أم يستغل الغضب الشعبي ليصبح الرجل الوحيد في المنطقة الذي وقف في وجه إسرائيل؟”.

 

صمت على الانقلاب

في كتاب مذكراتها، تحاشت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، اتخاذ أي موقف مما شهدته مصر صيف العام 2013 من تحرّك للجيش للانقلاب على مرسي، واكتفت بالقول إن الاحتجاجات عادت إلى الشوارع في يوليو/تموز 2013 في مواجهة تجاوزات حكومة محمد مرسي، “فتدخل الجيش مجددا بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي، خليفة طنطاوي في وزارة الدفاع، وقام بعزل مرسي من الحكم ودشّن حملة عنيفة ضد الإخوان المسلمين”.

شهور النصف الثاني من العام 2013 لم تستحق من كلينتون ولو كلمة واحدة لوصفها، بل انتقلت مباشرة إلى العام 2014، معتبرة أنه لم يشهد أي بوادر لإشراق الديمقراطية على مصر، تقول “ترشّح السيسي للرئاسة، وبدت المعارضة رمزية، واتضح أنه يتبع نفس النهج التقليدي للزعماء الأقوياء في منطقة الشرق الأوسط. لقد تعب المصريون من حالة الفوضى وباتوا يتمنون عودة الاستقرار”.


إعلان