باتريسيو جوزمان.. كورديليرا الأحلام تختتم حنين الضوء وذاكرة الماء

د. أمــل الجمل

مُصور أعزل لا يحمل سوى الكاميرا، فجأة يجد نفسه هدفا لضابط فاشي مُدجج بالسلاح، يُصوب ذخيرته عليه، يتلقى المصور الطلقة فتصيبه في مقتل، يسقط أرضا بينما الكاميرا تُسجل الواقعة، تظل الكاميرا تدور وتصوّر رغم السقوط وربما القتل.

يختتم المخرج التشيلي الاستثنائي باتريسيو جوزمان بتلك اللقطة فيلمه الذائع الصيت “معركة تشيلي” الذي قدمه للعالم في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، ثم يأتي فيلمه الأحدث “كورديليرا الأحلام” المنتج عام 2019 وعُرض بمهرجان كارلوفي فاري الـ54 ضمن تظاهرة “آفاق”، ليُخصص المخرج جزءا كبيرا منه لرسم بورتريه مُدهش يُجسد من خلاله بطولة مصوره بابلو سالاس الذي يعترف جوزمان بأنه لولا وجوده وإرادته ومخاطرته ما كان لأفلام جوزمان أن تخرج إلى النور، فهو مصوره الذي يُغامر بحياته بينما المخرج في منفاه الاختياري الآمن جسديا.

يقدم جوزمان في الفيلم جبال كورديليرا التي لعبت دورا متناقضا بحمايتهم وعزلهم عن العالم
يقدم جوزمان في الفيلم جبال كورديليرا التي لعبت دورا متناقضا بحمايتهم وعزلهم عن العالم

قمع متجدد

اختار المخرج لقطة الختام في فيلمه “معركة تشيلي” ليرمز بها للدكتاتورية والفاشية وتعذيب آلاف المعارضين -من كتاب ومفكرين وسياسيين ويساريين- بقسوة فظيعة في موطنه، عقب الانقلاب العسكري الذي تزعمه بينوشيه الدكتاتور الذي حكم البلاد عام 1973 عقب قتله الرئيس التشيلي المُنتخب سلفادور أليندي وظل في الحكم حتى اعتُقل في عام 2002.

يقول جوزمان في حواراته إن المصور جورج سيلفا ميلر الذي قام بتصوير فيلمه “معركة تشيلي” كان والده ألمانيا جاء إلى الأرجنتين هربا من النازية، لكن ابنه قُتل لاحقا على يد الفاشية في تشيلي التي اغتالت الحلم الديمقراطي، فبعد أن اختار الشعب سلفادور أليندي الذي نسمعه بالفيلم يقول “إن التاريخ ملكنا، والناس هم مَنْ فعلوا ذلك، وقاموا بالانتخاب الديمقراطي من أجل بناء مجتمع أفضل”، فإن بينوشيه جاء بثورة مضادة عنيفة وقضى على الحلم بالقتل والترويع. وقد اختفى المصور سيلفا ميلر تماما بعد تلك الواقعة ولم يعثروا له على أثر أبدا كما حدث مع آلاف آخرين، ويعتقد جوزمان أن جثمانه قد ألقي به في مياه المحيط، أو ربما يكون قد دفن أيضا في أحد معسكرات الجيش ضمن واحدة من المقابر الجماعية.

تمر السنوات وتكاد تقترب من الخمسين عاما في المنافي الاختيارية التي تبلغ نحو سبعة بلدان من بينها إسبانيا وكوبا وفرنسا، ومع ذلك تبقى أفلام باتريسيو جوزمان تدور حول المكان الذي تركه رغم أنه ما زال قابعا داخل أعماقه، فلا تخلو أعماله من الحديث الرومانسي الشاعري عن وطنه الأسير تشيلي، وذلك رغم أنه رحل عنها عقب اعتقاله.

لكن يبدو أن تشيلي لم تترك جوزمان أبدا ولا تزال تعيش فيه، وحين يُسأل عن ذلك يقول: لا أشعر بالتفاعل ولا التجاوب مع مشاكل فرنسا أو غيرها من البلدان الأخرى، ما يشغلني ويؤرقني ويحفزني لصناعة مزيد من الأفلام هي تشيلي وتاريخها وذاكرتي المرتبطة بها.. تشيلي هي شغفي. لستُ سينمائياً حراً، لديَّ ماضٍ لم أنجح في تخطيه. أنا دائماً في الطريق نفسه”.

كلمة كورديليرا في الإسبانية تعني "سلسلة جبال"، والمقصود بها في الفيلم سلسلة جبال الأنديز الممتدة على حدود تشيلي
كلمة كورديليرا في الإسبانية تعني “سلسلة جبال”، والمقصود بها في الفيلم سلسلة جبال الأنديز الممتدة على حدود تشيلي

كورديليرا الأحلام.. ختام الثلاثية

اختتم جوزمان ثلاثيته الشهيرة “حنينٌ للضوء” و”ذاكرة الماء” أو “الزر اللؤلؤ” بفيلمه الأحدث “كورديليرا الأحلام”، حيث تنقب الثلاثية في الذهنية الفلسفية عن علاقة التاريخ مع الطبيعة ومع الإنسان ومع الفضاء، إنها ثلاثية عن علاقة الإنسان بالكون عبر تاريخه الممتد في تشيلي.

لذلك بعد أن قدم جوزمان الصحراء والفضاء، ثم الصحراء والماء، ها هو يُقدم الصحراء والجبال بفيلمه الأحدث كورديليرا الأحلام، فكلمة كورديليرا في الإسبانية تعني “سلسلة جبال”، والمقصود بها هنا سلسلة جبال الأنديز الممتدة على حدود وطنه والتي لعبت دورا متناقضا، إذ قامت بحمايتهم، لكنها في الوقت ذاته عزلتهم عن العالم وعن جيرانهم، وهو أثناء ذلك يتحدث في الفيلم عن صمت الجبال، وعن كونها شاهدة عيان لأحداث عديدة مؤلمة، ولوقائع قمعية تتجاوز الخيال.

فقد كانت هذه الجبال شاهدة على الدماء التي تسيل على صخورها قبل مواراة جثث الضحايا، مما جعله يتساءل مع ضيوفه بالفيلم: لو كانت هذه الجبال تستطيع أن تنطق أو تصرخ لتبوح بكل ما شاهدته عبر التاريخ، فماذا كان يمكن أن تقول؟ هل كانت ستبكي في مرارة وعذاب محملة بملامح الكرب والمعاناة؟ هل كانت ستتذكر الدم البشري الذي سال على صخورها؟

يتحاور جوزمان بفيلمه الأحدث مع الأصدقاء والزملاء، كل منهم يحكي عن مشاعره وخبرته وأفكاره إزاء تلك الجبال الراسخات وما تعنيه كورديليرا في الثقافة التشيلية، تبدو أفكار بعضهم خيالية، وبعضهم يبدو شاعريا، خصوصا أن أصحابها فنانين بدءا من مغنية الروك التشيلية المعروفة خافييرا بارا، والكاتب خورخي باراديت صاحب أحد أفضل الكتب مبيعا وهو ثلاثية “التاريخ السري لتشيلي”.

إضافة إلى اثنين من النحاتين الذين يحاولون صناعة أعمال فنية من أحجار كورديليرا بمعنى مختلف ومغاير، إنهم كما يقولون: يُكرسون حياتهم لإعادة اكتشاف جمال الأرض والحفاظ على هذا الجمال، فمهمة الفنان هي الحفاظ على جمال بلده.

يحاول المشاركون في الفيلم بمساعدة جوزمان وذلك عبر الربط بين الجغرافيا والتاريخ. فبينما تُركز الكاميرا على حجارة الرصف في مدينتهم سانتياغو، نسمعهم يقولون إن هذه الألواح الحجرية جاءت أيضا من حجر كورديليرا، لقد شعرت الحجارة بأول نهايات التغيير عندما سار رجال المليشيات عليها أولا، ثم عندما محت الدبابات آثار سنوات الليندي وتجربته الديمقراطية.

تساؤلات جوزمان عن شهادة الجبال ورؤيته بالفيلم عموما تمنحنا الشعور بأن لكل ركن من أركان الشارع يمنح المخرج عواطف شديدة التناقض والتنازع، وكأنه يُعبر عن هذا الصراع الذي نشب بداخله واشتعل متأججا في تنافر عقلي ما بين المشاعر الدافئة والعاطفية لشبابه الغض وبين أهوال القمع السياسي والدكتاتورية البشعة، مما يجعلنا نحن أيضا نتساءل: هل كان بإمكان المناظر الطبيعية في تشيلي بكل جلالها ومهابتها أن تقف ضد القوى البشرية التاريخية العنيفة والدموية، لتشهد ضدها وتصرخ بالحقيقة كاملة؟

يسعى جوزمان من خلال فيلمه إلى أن يكتشف بنفسه أمرا جديدا عن بلاده
يسعى جوزمان من خلال فيلمه إلى أن يكتشف بنفسه أمرا جديدا عن بلاده

الحنين للوطن.. بحث دائم

نجح باتريسيو جوزمان بمهارة استثنائية في الربط بين الفلك وتاريخ القمع ببلاده في الفصل الأول من الثلاثية متحدثا عن جنوب بلده “صحراء أتاكاما” في فيلمه الوثائقي “نوستالجيا للضوء” أو “حنين للضوء”، ثم يصعد إلى الشمال ومنطقة باتاغونيا في “الزر اللؤلؤ” أو “ذاكرة الماء” كما في العنوان الأصلي، ليتناول تاريخ القمع في مقاربة مع تاريخ الماء وعلاقته بالمستعمر في الفصل الثاني من الثلاثية، وفيه يربط بين جثة صديقه وجثة أحد ضحايا بينوشيه الغارقين في المياه، ومنها يرتد إلى القرن التاسع عشر ليسرد حكاية صاحب “الزر اللؤلؤ” جيمي بوتين أول البحارة الإنجليز بملابسه الأنيقة التي تُجملها أزرار من الجواهر.

يبتعد جوزمان أكثر في التاريخ ليقارن بين أشهر الضحايا السياسيين وبين ضحايا المستعمِر، ليُذكرنا بأنه عن طريق المياه أيضا جاء الرجل الأبيض والمستوطنين الإسبان الذين لم يكتفوا بنقل الأمراض التي كان من الصعب علاجها، وقتل 3500 شخص بطرق بشعة واغتصاب النساء، ولكنهم أيضا مارسوا الإبادة الجماعية ضد السكان الأصليين.

ثم يرتد إلى الماضي القريب متحدثا عن دور الأمريكان في دعم انقلاب بينوشيه، متوقفا عند واقعة العثور على “الزر اللؤلؤ” ملتصقا بإحدى القطع الحديدية في قاع المحيط، فقد كان العثور عليه مُلهما، لأنه ألقى الضوء على قصة أول البحارة الإنجليز وأيضا على أولئك السجناء السياسيين.

يعترف جوزمان في الفيلم أن المرة الأولى التي سمع فيها قصة هذا الرجل جيمي بوتين بدت له الحكاية أسطورية، لكنه بالتقصي والرصد والتحليل اكتشف أنها حقيقية تماما.

يسعى جوزمان في كل فيلم لتقديم إضافة حقيقية وجوهرية وأصيلة، مثلما يحرص أن يكتشف هو نفسه أمرا جديدا عن بلاده، فيزور مناطق لم تطأها قدمه من قبل، أو يطلب من ضيوفه أن يحكوا له شيئا مبهرا، ومن أجل تحقيق ذلك الهدف يسعى جوزمان دائما للقيام بزيارات لموطنه للمعاينة والبحث -قبل أن يبدأ التصوير- بصحبة كاميرته الخاصة، فقد طلب جوزمان من أستاذ التاريخ أن يريه شيئا لم يسبق له أن رآه، فقدم له خارطة بديعة لتشيلي.

في فيلم “الزر اللؤلؤ” لم يكن قد سبق لجوزمان زيارة تلك المنطقة في جنوب تشيلي، إنها أرض أغلبها خالية لا يسكنها التشيليون، بل أيضا تُعد مجهولة لمعظمهم، إذ يعيشون في المنطقة الوسطى.

اكتشف جوزمان بعد زيارته أن المنطقة تتميز بالتنوع الطبيعي الخلاب من جبال وصخور وغابات تٌغطيها الثلوج، وبها كذلك قنوات مائية متشعبة وشواطئ للمياه الواسعة المفتوحة على المحيط.

أدرك جوزمان بعد زيارة تلك المنطقة كيف سيكون فيلمه، إذ يقول: أردت أن يكون فيلمي عن المحيط وهي منطقة غير معروفة، فلا يوجد هناك بشر، رغم وجود مدينة هناك عثرتُ فيها على قصة جيمي بوتين، ثم عدت إلى سانتياغو حيث استأنفتُ تصوير المقابلات، وهناك عثرت على البروفيسور المتخصص في التاريخ الذي أطلعني على كل شيء يعرفه، وكذلك الشاعر راؤول زوريتا بشخصيته البديعة، ثم عدت إلى باريس، وخلال سنة تمكنت من تطوير الموضوع بعناصره المختلفة، وصنعت الفيلم بحيث يدور حول اثنين من الأزرار أو محورين؛ الأول هو الزر الذي عُثر عليه في بقايا جثة بالمحيط، والثاني في قصة جيمي بوتين نفسه، وبذلك أصبح للفيلم شكل وبناء هيكلي.

غابرييلا .. أحدى أبطال الفيلم من السكان الأصليين في تشيلي (الشعب البتاغوني)
غابرييلا .. أحدى أبطال الفيلم من السكان الأصليين في تشيلي (الشعب البتاغوني)

هل حقا انتصر بينوشيه؟

يرغب المخرج الشهير في أن يختتم ثلاثيته، فيجد جوزمان ضالته في الكورديليرا، أي سلسة جبال الأنديز التي تُمثل 80% من مساحة تشيلي، تلك الجبال التي تعلو العاصمة سانتياغو وتشكّل مدخلا جديدا لكشف تاريخ القمع المروع، وليحكي من خلالها مجددا عن ماضيه وماضي بلاده.

لكنه أثناء ذلك لا يتخلى أبدا عن الحاضر، ولا عن عقد المقارنات بين الاثنين، وإن بشكل هامس أحيانا. فنراه يتحدث في “الزر اللؤلؤ” عن الذاكرة الجمعية، مؤكدا أن “الشباب في تشيلي يريدون أن يعرفوا كلّ شيء عمّا حدث في بلادنا، إذ إن أجدادهم وأهاليهم وأساتذتهم لم يحكوا لهم أيّ شيء تفصيلاً. لذلك هم متعطشون لمعرفة ما جرى من وقائع وجرائم. إنهم ينتمون إلى جيل لا يشعر بالخوف، منفتحون ولديهم قدرة على مواجهة الحقائق”.

لكن بعد مرور أقل من خمس سنوات، نستمع إلى مصور فيلم كورديليرا الأحلام بابلو سالاس وهو يُدين الأجيال الحديثة التي لا تعرف ولا تريد أن تعرف شيئا عن معارك تشيلي، وأنها لا ترغب في فتح صفحة التاريخ، إنهم مشغولون بحياتهم المعاصرة. بينما يقول جوزمان “إن مصير تشيلي مرتبط بالذاكرة، هذه بلاد لا يُدرك سكّانها إلى اليوم ماذا حلّ بها، لا يوجد وعي حقيقي، لذلك المستقبل لا يزال غامضا”.

يواصل سالاس حديثه المنتقد الجريء تُرافقه مجموعة من الصور التي التقطها بنفسه تكشف الأهوال التي تسبب فيها بينوشيه، إنها لقطات للرعب الذي عاشه الشعب التشيلي بينما في المقابل هناك جوهر الجمال الصخري للطبيعة، مؤكدا على الطبيعة المأساوية للتاريخ.

يُعد هذا التناقض من وجهة نظر ضيوف الفيلم أحد أهم المداخل لفهم التاريخ التشيلي، خصوصا إذا كان المرء يريد أن يتمرد على ما يحدث فلا بد أن يفهم ذلك التناقض. بينما يقول بابلو سالاس: لقد انتصر بينوشيه، أنا شاهدت النصر الحقيقي لبينوشيه وما زلت أشاهده، كأنه سرطان تفشى في جسد الوطن، لأن تشيلي نسيت تاريخها وماضيها النضالي، وغرقت في فخ الليبرالية الجديدة وما تُمليه من أحكام، فهناك تزايد في التفاوت الطبقي رغم محاولات الخداع بأوهام العيش في رغد الثروة الاقتصادية، مثلما يتزايد بيع التراث الوطني، لدرجة أن جزءاً من إقليم كورديليرا لم يعد ملكًا للدولة، لقد أصبح ملكية خاصة وبعضه مخصص لاستغلال النحاس.

كانت هذه الجبال شاهدة على الدماء التي تسيل على صخورها قبل مواراة جثث الضحايا
كانت هذه الجبال شاهدة على الدماء التي تسيل على صخورها قبل مواراة جثث الضحايا

التخلي الواضح فنيا

التصوير في أفلام جوزمان دائما مميز ومبهر، يجعلنا نستمتع ونرى بعيوننا أشياء مثيرة وصورا تحكي الكثير، فلقطات الجبال الساحرة في أحدث أفلامه يرافقها الحكي عن شذرات من سيرته وهواجسه عن القمع ورسوخ الجبال، فالتصوير الجوي المفصل والبارع لمدير التصوير صموئيل لاهو يُقدم صورة بديعة لكورديليرا وما يحاصرها من غيوم وسماء من كل زاوية يمكن تخيلها، وهو ما يجعلنا ندرك لماذا افتُتن المخرج بتلك الجبال وقرر أن تكون متنا لفيلم سينمائي يختتم به الثلاثية الشهيرة.

يظل التصوير أقوى وأجمل وأروع في الزر اللؤلؤ إذ تُعد لقطات المياه في حالاتها المختلفة من أجمل ما تم تصويره وأبهاه، فكل نقطة مياه كأنها عالم وجزء من العالم في الوقت ذاته، وحتى لقطات المحيط رائعة في حالات متنوعة بجماليات أخاذة سواء في مدى قربها أو بعدها من الهدف ومنها تكوينات بصرية لجبال الثلج البلورية الزرقاء بينما السماء تنطبق على صفحة المحيط، ولقطات شتى للمياه وكأنها تفور أو تغلي أو تتكاثر وتزدهر أحياناً، إنه الإبداع والخيال المشتعل في التصوير المبتكر الراغب في تقديم لوحات تشكيلية جديدة للمياه.

وبينما يختتم جوزمان ثلاثيته، نجده يتخلى فيها عن كثير من الشاعرية والدلالات الرمزية التي كانت تُغلف أفلامه، فبعد أن كان يقول “إذا أردنا منح التراجيديا دلالات أعمق فعلينا بتطعيم أُطروحتنا بلغة الشعر”، نجده في “كورديليرا الأحلام” يلجأ للخطاب السردي المباشر وللحوارات المباشرة المطولة أيضاً، فيتخلى عن كثير من الرمزية المعتادة واللقطات التصويرية الرومانسية.

فالتجربة البصرية التي كانت تبدو أخاذة مدهشة وساحرة خصوصاً في أفلامه “حنين للضوء” و”الزر اللؤلؤ”، فإنها في “كورديليرا الأحلام” تراجعت قليلا، مما لعب دورا في إصابة البعض من جمهوره بالإحباط والخروج مبكرا من قاعة العرض دون إكمال الفيلم، ودون أن يمنحوا أنفسهم الفرصة والصبر قليلا لتلقي قطعة سينمائية غالية تُضاف إلى حبات العقد الوثائقي الثمين الذي يحمل توقيعه.

الطريف في الأمر أن جوزمان الذي يُعد واحدا من أعظم أساتذة السينما الوثائقية المعاصرة لم يشغله ذلك، ولم يُنكر تخليه الواضح عن أسلوبه السابق كما صرح في بعض حواراته أن الموضوع في كورديليرا الأحلام بأطرافه وتيمته ومكوناته من العناصر البشرية قد لعبوا دورا في اختيار القالب الفني الأكثر مباشرة.
وما يؤكد كلمات جوزمان وجود تصريحات سابقة له أيضا بشأن فيلمه حنين للضوء؛ أن فيلمه مصنوع من أفكار الشخصيات التي تظهر فيه وتتحدث أمام الكاميرا، وتأكيد جوزمان بأنه لم ولا يتدخل فيما يقولونه أو يشيرون إليه، بل كان يتابعهم وينطلق من المنطلقات التي يضعونها، فعندما قالت إحدى النساء من ضيوفه إن المنظار الراصد المكبر يمكن أن يساعد في اكتشاف ما يوجد في باطن الأرض أيضا، كانت هذه فكرتها، وعندما يقارن عالم الفلك بين ما يقوم به في مرصده وبين عمل النساء اللاتي يظهرن في الفيلم فقد كانت هذه أيضا فكرته.

رغم اختلاف العمل فنيا عن الفصلين السابقين، لا يزال كورديليرا الأحلام قادرا على استنباط الألم من المأساة التشيلية، فيه يُواصل جوزمان دور السارد والراوي الأساسي للأحداث والأفكار، فبينما كنا نراه في فيلم “حنين للضوء” يحكي بصوته قصته مع علم الفلك والنجوم التي بدأت منذ طفولته، وكيف كان مقتنعا أن تشيلي ستصبح ذات يوم مركزا للعالم في علم الفلك والنجوم، وكيف اجتمع كل هؤلاء العلماء من مختلف دول العالم في هذه الصحراء للعثور على إجابات تقودهم لنشأة الكون وأصل الحياة. نراه في كورديليرا الأحلام يحكي عن تجربته الشخصية، ويعترف بأنه في طفولته لم تشغله الجبال، ولم يكن مهتما بها.

كانت الحماسة الثورية قد استغرقته، يتذكر هتافه في الملعب الرياضي في ذلك اليوم المشهود من عام 1962 عندما كان يهتف بتشجيع حماسي لفريقه القومي الذي نال الكأس منتصرا على إيطاليا في ذلك العام، لكن هذا الملعب بعد سنوات قليلة يتحول إلى معسكر اعتقال مؤقت لليساريين المنتقدين والمختلفين مع نظام بينوشيه، واعتُقل باتريسيو جوزمان نفسه، وبعد أن خرج أو أفلت قرر الخروج الأبدي.

التجربة البصرية في أعمال جوزمان تبدو أخاذة مدهشة وساحرة
التجربة البصرية في أعمال جوزمان تبدو أخاذة مدهشة وساحرة

مصور نادر

يعترف جوزمان بأنه لم يعد يستطيع أن يعيش هناك رغم الأفلام العديدة التي صنعها عن تشيلي، والتي تؤكد بوضوح غرامه وولعه الكبير بهذا البلد، ربما اكتشف أنه صنع بلدا في خياله وأفلامه لم يعد له وجود في الواقع.. إنه الصراع الداخلي، التنازع والتناقض.

ثم تأتي مساحة مهمة دراميا وسينمائيا يُخصصها جوزمان لرفيقه المصور والمخرج بابلو سالاس الذي يفهم بعمق الكابوس الذي لايزال مستحوذا على ذهنية جوزمان من الماضي عن التاريخ التشيلي.

يبدو بابلو سالاس كما يقدمه مخرج كورديليرا الأحلام في فيلمه “ربما يكون أحد صانعي الأفلام النادرين في العالم الذين صوروا واقعهم طوال كل تلك السنوات العديدة”، والذي ظل على مدار أربعين عاما يُوثق كل ما يستطيع من فظائع الماضي والحاضر، حيث نرى بأحدث أفلام جوزمان بعضا من أرشيف الصور والفيديو الذي يمتلكه سالاس والذي نرى فيه رجال المليشيات وبينوشيه وهم يضربون المتظاهرين بعنف إجرامي، يخطفون بعضهم، يوسعونهم ضربا بلا رحمة، يُطلقون الرصاص على الأماكن القاتلة في اللحم الحي، يصوبون المياه بعنف هستيري، يفعلون ذلك مع الجموع، ثم نراهم يختارون بعض الشخصيات دون الأخرى أحيانا وكأنهم يتخلصون من العناصر الفعالة المتحركة المفكرة القائدة وسط مجموعاتها.

ثم ينتقل بنا جوزمان من تلك اللقطات المصورة بكاميرا بابلو سالاس إلى أخرى تُرينا سالاس نفسه أثناء قيامه بالتصوير وتعرضه للعنف، قبل أن يعود بنا جوزمان مجددا إلى غرفة سالاس حيث يوجد مستودع أشرطة فيديو من نوعية VHS. إنه أستوديو أو مخبأ أو مستودع مثير للإعجاب في أقصى درجاته، تماما مثل صاحبه، ذلك الرجل الذي يراه جوزمان نموذجا للمواطن التشيلي الشريف المناضل الذي يفخر به.

لم يغادر سالاس موطنه بعد الانقلاب، وقام ببناء أرشيف ضخم مذهل يمكن وصفه بالكنز الوثائقي البصري والسمعي. نراه في الفيلم الوثائقي المهم “كورديليرا الأحلام” يقبع بين رفوف ترتفع عن الأرض حتى السقف العالي في الغرفة المكتظة بالكاميرات وحاسوب المونتاج، إضافة إلى صناديق ضخمة في الأركان تمتلئ بأنواع مختلفة من الأشرطة المسجل عليها مقاطع فيديو تُوثق بثبات احتجاجات الطلاب والفظائع العنيفة التي ارتكبها المجلس العسكري ضدهم وضد آخرين، مما يجعلنا نتساءل: هل يمكن لمخرجين آخرين إعادة إبداع أفلام جديدة -ربما برؤية مغايرة- عن تلك المجازر الوحشية القمعية التي تعرض لها الشعب التشيلي؟!

يحكي سالاس عن تجربته ولماذا قرر البقاء، وعن أهمية الصورة في صناعة الذاكرة والحفاظ عليها حيَّة وقدرتها على مقاومة الدكتاتورية ودورها في توعية الأجيال الجديدة التي لم تعد تهتم بالتاريخ والتي تكاد تنسى الكابوس الذي عاشه الآلاف من الشعب التشيلي على مدار ما يزيد عن ثلاثين عاما. أثناء ذلك سنلمح شعورا بالذنب عند جوزمان خصوصا عندما يتحدث عن صديقه بابلو سالاس الذي رفض الفرار إلى الخارج أملا في أن يساهم في تحقيق الرخاء والسلام ببلاده مهما كانت التضحية والثمن، لكن سالاس في تلك اللحظة يعترف بأنه يشعر كأنه لم يفعل ما يكفي من أجل بلده، خصوصا في ظل الهزيمة التي يراها رابضة على قلب وجسد بلده تشيلي.

حنين آخر للضوء

أنتج باتريسيو جوزمان فيلمه الأول من الثلاثية “حنين للضوء” عام 2010 وسرعان ما نال عددا كبيرا من الجوائز العالمية بمهرجانات سينمائية دولية مختلفة. تدور أحداث الفيلم في صحراء أتاكاما الشهيرة في تشيلي، نتابع عددا من علماء الفضاء يراقبون سماءها، إنهم يبحثون عن إجابات تقودهم إلى أصل الحياة.

تجمع الصُّدفة بين هؤلاء العلماء ومجموعة من النساء اللواتي يحفرن بمكان قريب منهم، إنهن يبحثن عن بقايا جثامين أبنائهن وذويهن وأفراد عائلاتهن وأحبائهن الذين دفنهم نظام بينوشيه سراً عقب اختطافهم وتعذيبهم، فيُعيد المخرج بشاعرية فنية عالية تسليط الضوء على تلك الحقبة الوحشية التي عاشتها تشيلي خلال حكم بينوشيه وأودت بحياة الآلاف من المواطنين.

اختيار جوزمان للصحراء كان مرجعه أنها أساس الفضاء، ولأنه كان يُريد أن يتحدث عن العلاقة بين السماء والأرض، عن العلاقة بين الفضاء المفتوح وعالم النجوم، وبين ما هو كامن تحت التراب وفي باطن الأرض من ألغاز وأسرار تتعلق بالتاريخ السياسي، أو بتاريخ القمع في تشيلي، فالصحراء عند جوزمان هي الماضي والحاضر، إنها مليئة بالعظام والمومياوات، ببقايا الهياكل العظمية للحفريات والحيوانات والرخويات والطحالب، وكذلك ببقايا الهياكل العظمية البشرية التي احتفظت بها رمال الصحراء القاسية كل هذه الأعوام والعقود الطويلة بما قد اختفى وبما قد نفق وتعفن من حيوانات، إنها أيضا مركز لمراصد التطلع إلى النجوم، ولأشياء أخرى كثيرة.

صحيح أن أفلام جوزمان تحتوي على أبعاد فلسفية كتلك العلاقة بين الحياة الإنسانية وحياة النجوم، الذاكرة الإنسانية وذاكرة النجوم، الخلود الممتد في الزمن، لكنه أيضا يلجأ إلى الماضي للكشف عما وقع فيه، ليؤكد الأهمية القصوى للماضي ودوره في تشكيل حياة البشر في الحاضر والمستقبل، لأنه أيضا يريد الحديث عن تلك العلاقة بين الأرض والفضاء، وبين ما يحدث في الكون، باعتبارنا جزءا عضويا من الكون، فالإنسان بجسده وعقله وروحه كما يعتقد جوزمان ينتمي للكون، وليس فقط للأرض.

الذاكرة تميمة الحياة

يقوم جوزمان دائما بدور السارد الأول للأحداث، والراوي الذي يربط الخيوط ببعضها البعض بروابط شاعرية، وتساؤلات فلسفية لا تخلو من واقعيتها المؤلمة، نسمعه أو نراه يُسائل أبطاله بصوته الدافئ الرقراق العذب المليء بالشجن، يستعين بالشهود الحقيقيين، فمثلاً يلتقي بأحد الناجين من معسكرات الاعتقال بتلك الصحراء، والذي يشرح كيف دربهم علماء الفلك بالمعسكر على مراقبة السماء والنجوم وكيف أثر ذلك عليهم، إذ خفف من وطأة وقسوة الاعتقال والتعذيب ومنحهم بصيصا من الحرية المسلوبة منهم مثلما ساعدهم على الهروب من المعتقل.

يقدم جوزمان على صعيد آخر لقاء مشبعا بالعواطف المؤثرة مع تلك النسوة المستمرات في عملية البحث اللامنتهي في رمال هذه الصحراء الشاسعة عن بقايا الجثث، واللاتي يتمنينَ لو أن كان هذا التلسكوب قادر على مساعدتهن في العثور على رفات أحبائهن.

لكن الأجمل ذلك اللقاء مع سيدة فقدت اثنين من أبنائها أثناء حكم بينوشيه، فقررت أن تُكمل حياتها بعد ذلك لتُصبح عالمة فلك، مختتمة حوارها بكلمات بليغة مفادها أن “الذين يمتلكون ذاكرة قادرون على مواصلة العيش في تلك اللحظات الهشة، بينما مَنْ لا يمتلكون تلك الذاكرة فلن يتمكنوا، ولن يصمدوا”.

يُخصص جوزمان مجالا للحديث عن أهمية المياه لكل حياة، وخصوصيتها للشعب التشيلي.
يُخصص جوزمان مجالا للحديث عن أهمية المياه لكل حياة، وخصوصيتها للشعب التشيلي.

البدايات المتشابهة رغم الاختلاف

أما في الفصل الثاني من الثلاثية -الفيلم الوثائقي “الزر اللؤلؤ” أو “ذاكرة الماء”- فقد كان الفيلم الوثائقي الوحيد بين أفلام المسابقة الدولية بمهرجان برلين الـ65 في فبراير/شباط 2015 وحصل على جائزة الدب الفضي كأفضل سيناريو متفوقا على جميع الأفلام الروائية المتنافسة معه، وإن كان يستحق ما هو أفضل من ذلك، فقد كان دُرة التاج.

ومثلما في الجزء الأول من الثلاثية حيث يبدأ من المكان الرئيسي الذي تدور فيه الأحداث صحراء أتاكاما فيفتتح العمل بصور متتابعة للقمر الأرضي، ومشاهد أخرى للتلسكوب العملاق المستخدم في مراقبة الفضاء الخارجي، كذلك يبدأ فيلم الزر اللؤلؤ” من نظرة كونية شديدة الاتساع، من الفضاء والفلك، ثم تنسحب الكاميرا مبتعدة لتقترب من الأرض ولينتقل المخرج بعذوبة وشاعرية الخيال المتجدد إلى لقطات أقرب فأقرب، حيث يجوب بنا في أعماق المياه، نرى لقطات جميلة وأخرى معاكسة، يخبرنا أثناءها جوزمان بأشياء مروعة عن تاريخ بلاده الحافل بالقمع السياسي والمجازر –التي تتجاوز 200 مجزرة ارتكبها المستعمر ومثله الحاكم المحلي- عن قتل المستعمر الأبيض للسكان الأصليين في تشيلي (الشعب البتاغوني)، ثم يمر على حوادث القتل والقمع قبل أن يعود بنا مجددا إلى نظرته الواسعة والأشمل عن علاقات الفلك والنجوم والمياه بالجغرافيا والتاريخ والسياسة، ممسكا بخيوط حكايته المتشعبة والمترامية الأطراف في نسيج متناسق، مرشوق بالعمق، بإحكام مُبهر، مُشكلا فسيفساء مدهشة عن الطبيعة والبشر.

هل هناك علاقة بين نقطة المياه -الرائعة المنظر- الحبيسة بحجر من الكوارتز الشفاف وبين بقايا السكان الأصليين في فيلم الزر اللؤلؤ؟!

يبدأ جوزمان فيلمه من محطات الرصد الفلكي الشهيرة دوليا في تشيلي بحديث عن اكتشاف المياه، بلقطات خلابة لذلك المكعب الكبير من الكوارتز الشفاف وبداخله نقطة المياه الحائرة التي وجدت به وظلت حبيسة لمدة آلاف السنين.
بصوته الآسر الهادئ يُفسح جوزمان مجالا للحديث عن أهمية المياه لكل حياة، وخصوصيتها للشعب التشيلي الذي تمتلك بلاده أطول سواحل في العالم، فقبل وصول الرجل الأوروبي احتمى أفراد شعب باتاغونيا بالحجارة وسافروا في المياه.

كان السكان الأصليون من الهنود رحالة يسافرون من جزيرة إلى جزيرة، لكن بقايا وأحفاد ذلك الشعب ممنوعون من الصيد ومن السفر في المياه بمراكبهم العتيقة العريقة الموسومة بالأصالة، هكذا يصرح أبطال الفيلم من السكان الأصليين.

إنهم ممنوعون بحجة الخوف عليهم من الخطر، مع أن هذه المراكب هي التي واجهت الطقس في أعتى وأقسى حالاته، فإحدى النساء من السكان الأصليين واسمها غابرييلا –تجاوزت السبعين- تستعيد ذكريات صباها، إذ لم يكن أمامها خيار آخر سوى التجديف والسفر في المياه بحثاً عن الرزق على رغم هطول الأمطار بالأسابيع، وعلى رغم هجوم الرياح بسرعات مرعبة، فأن تكون أحد أفراد الشعب الباتاغوني معناه أن تعرف التجديف بالضرورة، هكذا تخبرنا غابرييلا.

جثث.. بقاع المحيط

في فيلم الزر اللؤلؤ نشاهد ثلاث شخصيات من السكان الأصليين الذين نجح المخرج في التصوير معهم، يتحدث بعضهم عن لحظات السعادة واحتفالاتهم، يتذكرون مشاهد الإبادة نساءً ورجالا، يتحدثون عن أنهم لم يعرفوا الملابس ولم يرتدوها، كانوا يُجيدون الرسم فغطوا أجسادهم بالرسومات والألوان في شكل مميز.

ثم في واحد من أجمل مشاهد الفيلم الحوارية، نجد مؤلف ومخرج تلك القطعة الفنية السينمائية النادرة يطرح كلمات على غابرييلا حتى تخبره بما يعادلها في لغة الباتاغونيا، فتجيبه أحيانا بسرعة وأحيانا بعد طول تفكير كأنها كادت أن تنسى لغتها، وعندما يصل إلى كلمة “الله” تجيبه بأنه لم يكن لهذه الكلمة وجود في لغتهم، وعندما يسألها عن مرادف كلمة الشرطة ترد “لم نكن في حاجة إليها”.

أما أبشع مشاهد الفيلم فهي التي نرى فيها جثة ممددة على طاولة يتم حقنها بالسيانيد أو سم قاتل، تُوضع فوقها عند منطقة الخصر كتلة حديد طويلة مجتثة من قضبان السكة الحديد، ويربط الجسد البشري والحديد معا بأسلاك متينة، وبعدها يتم تكييس الرأس كما كان يحدث في سجن أبو غريب العراقي، ثم يتم تكييس القدميين أيضا قبل أن تُصطحب الضحايا سواء كانت ما تزال حية أو ميتة ويُلقى بها من مروحية لتستقر في قاع المحيط.

المشهد السابق البشع والمريع في فظاعته ما هو إلا إعادة تمثيل لوقائع حقيقية حدثت عام 1973 في عهد بينوشيه الدكتاتور الذي دعمته الاستخبارات الأميركية في انقلابه على حكم سلفادور الليندي، فقتل ما يتراوح بين 1200 و1400 رجل وامرأة من معارضيه ثم ألقى بهم في مياه المحيط أحياء أو أمواتا (من دون أن نغفل أن ضحاياه قد تجاوزوا 3000 قتيل دُفن منهم كُثر في رمال الصحارى)، معتقدا هو ورجاله أن المياه ستحتفظ بسر جريمته للأبد، غافلا عن عقيدة الشعب الباتاغوني –سكان تشيلي الأصليين الذين لم يتبق منهم سوى عشرين فردا- في أن “للمياه ذاكرة وأصواتا أيضا، تماما كما لكل شيء روح، حتى الحجر”.


إعلان