معمر القذافي.. ملك العجائب والغرائب والديكتاتورية

على مدار أربعة عقود من الزمن، حكم معمر محمد عبد السلام أبو منيار القذافي ليبيا، وسيطر خلالها على الثروة والسلطة والنفوذ الذي تجاوز حدود ليبيا، فزرع أكثر من أزمة وصراع عابر للحدود في أكثر من بلد وإقليم وقارة.

ولد القذافي في 7 يونيو/ حزيران 1942 بمدينة سرت لأسرة ليست بذات شأن ثراء ولا ثقافة في تلك المدينة التي ارتبطت بعد ذلك بالقذافي، وانتهت حياته صريعا على بواباتها.

وقد تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن أصول يهودية للقذافي، وعلى الأقل عن أن جدته لأمه كانت يهودية فرت من مضارب قومها، ولجأت إلى سرت، حيث تزوجت من رجل مسلم أنجب منها أم القذافي.

ابن البادية.. زعيم الخيام الفندقية والنوق الحلائب

أولع معمر القذافي بالبادية وارتبط بها وبمظاهرها وفضائها الحر المفتوح، وكان يحمل خيمته في طائرته لينصبها في المحافل الدولية الكبرى التي يدعى إليها، ويصطحب معه نوقه الحلائب ورعاته المكلفين بخدمتها.

أما في ليبيا فقد كان القذافي يقيم كثيرا من وقته في خيمته الواسعة التي ينصبها في صحراء سرت، أو في بهو قصوره المختلفة، وفيها يستقبل ضيوفه الكبار ويعقد المؤتمرات، ويخطب الساعات الطوال موزعا حِكَمه وفلسفته وشتائمه وأفكاره على العالم.

وفي أحيان كثيرة كان ضيوفه يعيشون ليالي الرعب عندما يبدأ رغاء الإبل يشق صمت الليل، وحينما تفرض عليهم البروتوكولات الغريبة للقذافي النزول في إقامة فندقية من طراز خيمة نجوم.

ملكت البادية شغاف الرجل، واعتبر أكثر من مرة أنه زعيم ثوري جماهيري فقير لا يملك إلا خيمته وناقته، إضافة إلى بندقيته التي كانت تنسب إليها جرائم هائلة حولت ليبيا طيلة أربعينية الفاتح إلى نهر عظيم للرعب.

قائد الضباط الأحرار.. رحلة إلى الحكم على ظهر دبابة

درس القذافي في طفولته بعض المعارف الإسلامية التقليدية، وانتقل إلى التعليم النظامي ومنه إلى المؤسسة العسكرية، قبل أن ينشئ مع مجموعة من رفاقه حركة الضباط الوحدويين الأحرار الذين أطاحوا بالنظام الملكي، وأنهوا دولة الأشراف السنوسيين التي بدأت من واحات النخي كحركة تربية وإصلاح ديني قبل أن تتحول إلى مملكة.

سقط الشريف إدريس السنوسي سنة 1969 إثر الانقلاب العسكري الذي قادته حركة الضباط الأحرار التي سماها القذافي باسم نظيرتها في مصر، تيمنا وإعجابا بالثورة الناصرية التي مثلت أول مهاد فكري للقذافي.

ولم يخف القذافي إعجابه وتأثره بعبد الناصر، ولا أخفى عبد الناصر إعجابه بهذا الفتى الصاعد، ورأى فيه مجددا للقومية العربية التي كانت في أتون هزائمها عندما استولى القذافي على الحكم.

صعد الشاب النحيل إلى سدة الحكم على ظهر دبابة، وبسط جلبابه على ليبيا طيلة أكثر من أربعين سنة لم تعرف للتعددية ولا الديمقراطية طعما، وإن كانت قد انتقلت في فترة وجيزة إلى دولة نفطية مؤثرة جاذبة للعمال الأجانب الذين تدفقوا عليها من مختلف أنحاء العالم، وعاش بعض شعبها رغدا اقتصاديا وفقرا هائلا في الحرية، وسرعان ما امتدت ألسنة الفقر إلى الاقتصاد ومقدرات الدولة المتعددة.

نظام الجماهيرية.. نظرية حكم الجماهير لنفسها

كانت أفكار القذافي ولا تزال تثير جدلا واسعا في الرأي العام، خصوصا أنها تحفر في جذور الغرائبية والإثارة مستقرا ومستودعا، وخصوصا نظرية الجماهيرية التي حاول تفسيرها على أنه نظام حكم ليس بملكي ولا جمهوري، وإنما هو نظام حكم الجماهير نفسها بنفسها، مؤكدا أنه ليس برئيس ولا حاكم، وإنما الشعب هو الذي يحكم بنفسه عبر المؤتمرات الشعبية التي هي مصدر التشريع واللجان الثورية التي هي الجهة التنفيذية.

غير أن الأمر آل في النهاية إلى تعطيل أجهزة الدولة كلها، وجمع كل مقاليد الحكم والثروة والنفوذ والتفكير السياسي في يد القذافي وثلة قليلة من أفراد أسرته ومقربيه.

وقد حاول القذافي تفصيل رؤيته لنظام الحكم الجماهيري في كتابه النظرية العالمية الثالثة الذي عرف باسم الكتاب الأخضر، وتحول مع الزمن إلى دستور ليبيا الرسمي، ليحل محل دستورها الذي عطله القذافي، كما عطل كثيرا من وسائل التفكير وآلياته عند الليبيين.

ورغم أن القذافي أعلن تخليه عن السلطة سنة 1977 عبر إنشاء المؤتمرات الشعبية، فإنه ظل الحاكم الديكتاتوري الأقوى في تاريخ ليبيا إلى حين مقتله سنة 2011.

في 2 مارس/ آذار 1977 أعلنت النخبة المتحدثة باسم الشعب الليبي التحول إلى نظام الحكم الشعبي الموسع، وأن الناس شركاء في السلطة والثروة والسلاح، غير أن الشعب لما ثار سنة 2011 بسبب سطوة السلطة وبطشها وتكدس الثروة بيد قلة قليلة من مقربي القذافي وأفراد أسرته، كان السلاح لهم بالمرصاد في عمليات تصفية واسعة أظهرت للعالم الوجه البشع للقذافي، وأكدت الحقيقة التي كان يصدح به معارضوه أكثر من مرة من أنه ديكتاتور متفنن في القتل والتعذيب.

تدفق السلاح من القذافي وإليه، وانهارت شرفات كبيرة من حكمه، قبل أن يخرج طريدا فارا بجلده، وانتهى به الأمر قتيلا مختفيا في مجاري الصرف الصحي، حيث أمسك به شباب الثورة الغاضبون وأنهوا حياته في مشهد بشع لا يقل قساوة وعنفا عن ما يتداول عن القذافي وكتائب التعذيب التابعة له من قسوة وعنف.

في عام 1969 طبق القذافي وحدة مع النظام الناصري في مصر، بعدما وقعت ليبيا والسودان ومصر اتفاقا للوحدة والتكامل

خطب الهجاء والشتائم.. تهاوي حلم الوحدة العربية

خلال سنوات حكمه الأولى اختبر القذافي شكلا من أشكال الوحدة مع النظام الناصري في مصر، عندما وقعت ليبيا والسودان ومصر اتفاقا للوحدة والتكامل سنة 1969، ولم يكن السعي الوحدوي لدى القذافي أكثر من إشباع لنزوة الحكم الواسع والسيطرة العابرة للحدود، ولذلك ظل مشروع الوحدة حاضرا في مختلف مراحل حكمه الأربعينية.

غير أن أحلام القذافي في وحدة عربية واسعة يقيمها في بساط الملك وعرش الزعامة، اصطدمت بواقع عربي مضطرب جدا مستعد لاختبار أي جديد سوى الوحدة والتكامل، كما أن الوحدة تحت أفكار وزعامة القذافي، كانت أشد صعوبة من استيعاب مضامين الكتاب الأخضر، ومن ثم اصطدم طموح القذافي بصخرة الواقع الذي يصعب تذويبه تحت عباءة الفاتح.

أطلق القذافي لسانه وأذرعه خلال العقدين الأخير من حياته على العرب، فنفذ عدة محاولات لزعزعة الأمن في دول عربية متعددة، وهاجم الزعماء العرب أكثر من مرة، وقطع علاقاته مع دول عربية متعددة، وحول مؤتمرات الجامعة العربية في أكثر من مرة إلى منصة للهجاء وتوزيع الشتائم على الزعماء والملوك.

القذافي.. ملك ملوك أفريقيا الذي كرس الدكتاتورية فيها

ملك الملوك وزعيم القبائل.. نهر من المال يجتاح أفريقيا

توجه القذافي تلقاء أفريقيا بعد أن فشل في تطويع العرب لعالمه وأفكاره، ووجد الأفارقة في القذافي نهر أموال جارف يمكن استنزافه بسهولة، وعبر الإذعان لقراراته ومواقفه التي لا تغير شيئا من السلطة المحلية للديكتاتورية الأفريقية العتيقة، ففي أفريقيا وجد القذافي الإيمان الاسمي بكل ما يدلي به من أفكار، وما يعبر عنه من ثورة ومن قيم وعن فلسفة تأتي عباراتها متضاربة الأنساق.

سلم الأفارقة منظمة الوحدة الأفريقية التي أنشأها القادة الأفارقة العظام سنة 1963، مثل “ليوبولد سيدار سينغور” والمختار ولد داداه و”كوامي نيكروما” وأحمد شيخو توري و”مودبيبو كيتا” وجمال عبد الناصر والحبيب بورقيبة إلى القذافي، فأعاد تشكيلها من جديد تحت اسم الاتحاد الأفريقي، وتولى رئاستها لفترة طويلة، وظل لسنوات طويلة ممولها الأساسي ومثير الأزمات والعراقيل داخلها، ولم يستطع الاتحاد في عهد القذافي أن يحقق أي شيء من طموحات القذافي، بل كانت رئاسته عائقا أمام الديمقراطيات الأفريقية الناشئة وسندا قويا للديكتاتوريات المعمرة في القارة.

وعد القذافي أفريقيا بتمويلات هائلة، وخصوصا في البنية الفندقية المعروفة باسم فنادق القذافي التي غادر أكثرها أعمدة وقضبانا حديدية تصافح السماء دون أن تكتمل.

ومع القذافي عرفت أفريقيا صلاة عيد المولد النبوي في سابقة لم يعرف لها مثيل في التاريخ الإسلامي، حتى أطلق عليها بعض الظرفاء صلاة الطمع في مقابل صلاة الخوف المعروفة في الشريعة الإسلامية.

ومع القذافي أيضا أعلن آلاف الأفارقة دخولهم في الإسلام الذي بشر به القذافي في سنواته الأخيرة، وكان مشهد إعلان ملوك وزعماء قبائل وقوميات أفريقية دخولهم الإسلام على يد الزعيم القذافي جزءا من الفلكلور الشعبي الذي يميز احتفاليات القذافي بعيد ميلاد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

الكتاب الأخضر أحد مؤلفات القذافي الذي أصبح فيما بعد دستور البلاد

“إلا القصة يا مولاي”.. فقه وأدب مارق على الأدب

كان احتفاء القذافي بعيد الميلاد النبوي في مقابل رفضه التام للسنة النبوية، واقتصاره في التعاطي مع الإسلام على فهمه هو للقرآن الكريم، فقد أكثر من الإعلان عن رفضه للسنة النبوية، واتهامه لرواتها بالكذب، فقد نال الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه نصيبا وافرا من شتائم القذافي واتهاماته له بالكذب.

ولم يكن رأي القذافي في السنة أكثر آرائه المعرفية غرابة، بل رمى بسهم في حياض الأدب الروائي عبر سلسلة من القصص والروايات التي نالت كثيرا من الاحتفاء والأوسمة والنقاشات داخل مجامع أنصار القذافي ومحافلهم.

بينما كان الصوت النقدي صارخا ضدها، معتبرا أنها لا تنتمي إلى أي حقل أدبي قابل للتصنيف، ومن أصحاب هذا الرأي الأديب المصري الكبير جابر قميحة الذي كتب سلسلة “إلا القصة يا مولاي” تحليلا للمجموعة القصصية التي كتبها القذافي تحت عنوان أو عناوين: (القرية القرية، الأرض الأرض، وانتحار رائد فضاء).

ولم تكن هذه المجموعة القصصية الغريبة العنوان والمضامين هي كل ما ألف القذافي، بل صدرت له سلسلة من المؤلفات من بينها: آراء جديدة في السوق والتعبئة ومبادئ الحرب، وكذلك الكتاب الأخضر التي تحول إلى منهج للنظرية القذافية، وتأسس على هوامشه المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر، وصدرت له عشرات الشروح والترجمات، إضافة إلى كتاب السجل القومي الذي يضم بيانات القذافي وأحاديثه وخطبه، وقد صدر منه إلى حين مقتله 36 جزءا.

وفي الأدب أضاف القذافي إلى روايته السابقة، “تحيا دولة الحقراء”، ورواية “ملعونة عائلة يعقوب، ومباركة أيتها القافلة”، إضافة إلى رواية “عشبة الخلعة والشجرة الملعونة”، وكتاب “إسراطين/ الكتاب الأبيض”.

ولم تكن إسراطين أكثر من محاولة قذافية لاختبار نموذج آخر للسلام بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، عبر إقامة دولة إسراطين وهي اسم منحوت من أول بداية إسرائيل ونهاية فلسطين. ورغم محاولة القذافي تسويق مقترحه، فإنه ظل سابحا في أمواج الكوميديا مرفوضا من الطرفين.

اتهمت ليبيا بإسقاط طائرة “بان أمريكان” فوق قرية لوكربي بأسكتلندا سنة 1988 مما أدى إلى مقتل 256 راكبا

حادثة لوكربي.. الطائرة الأمريكية التي أسقطها القذافي

شن القذافي في بداية حكمه حربا إعلامية واسعة على الغرب، وبشر بثورة الشعوب المضطهدة، وكان داعما أساسيا للمتمردين الأيرلنديين، كما اتهم بالمسؤولية عن حادثة لوكربي المشهورة، بإسقاط طائرة “بان أمريكان” فوق قرية لوكربي بأسكتلندا سنة 1988 مما أدى إلى مقتل 256 راكبا.

وقد أدت هذه العملية إلى فرض الولايات المتحدة الأمريكية حصارا اقتصاديا على ليبيا استمر عدة سنوات، قبل أن يرضخ القذافي للشروط الأمريكية، ويسلم إلى المحكمة الدولية المختصة في قضية لوكربي مواطنيه عبد الباسط المقرحي والأمين فحيمة، حيث نال الأول حكما بالسجن المؤبد، وبرئت ساحة الثاني، وذلك بعد أن دفع القذافي تعويضات لضحايا الحادث ناهزت 2.7 مليار دولار.

معارك الإمبريالية الغربية.. صداقات الفاسدين خلف كواليس الحرب

إلى جانب حربه الإعلامية على الإمبريالية الغربية، فقد كان القذافي حليفا أساسيا للسياسي ورجل الأعمال الإيطالي “سيلفيو بيرلسكوني”، كما كان داعما أساسيا للرئيس الفرنسي السابق “نيكولا ساركوزي”، قبل أن يكون هذا الأخير أكثر القادة الغربيين حماسا للتدخل الدولي الذي أنهك قوات القذافي وعجل نهايته المأساوية.

ويمكن القول إن القذافي انتقل من عداء الغرب إلى الرضوخ له، حيث سلم إلى الولايات المتحدة كل المعدات والوثائق والمعلومات المتعلقة بالبرنامج النووي الليبي، منهيا بذلك طموحه الكبير في امتلاك قوة نووية ضاربة.

بل تذهب مصادر إعلامية متعددة إلى القول إن القذافي سلم مع معداته ووثائقه معلومات أساسية عن البرامج النووية لعدد من الدول، وخصوصا باكستان وإيران.

أصدر القذافي عفوا عن الممرضات بعد سنوات من الاحتجاز، مقابل نصف مليار دولار دفعته بلغاريا لأسر الأطفال المزعومين

حادثة الممرضات البلغاريات.. حين يغضب القذافي ويسترضي نفسه

لم تكن لوكربي القضية الوحيدة التي رضخ فيها القذافي للغرب، بل رضخ أيضا في قضية الممرضات البلغاريات اللواتي اتهمهن القذافي رفقة طبيب فلسطيني بحقن 436 طفلا من مدينة بنغازي بفيروس الأيدز.

وكما بدأت القصة بغرابة ومصداقية ضعيفة، فقد انتهت بأخرى مثلها، إذ أصدر القذافي عفوا عن الممرضات بعد سنوات من الاحتجاز، مقابل نصف مليار دولار دفعته بلغاريا لأسر الأطفال المزعومين، ومع ذلك يؤكد الأوربيون أن بلغاريا لم تدفع لليبيا فلسا واحدا من الأموال المذكورة.

فقد تكشف معلومات في وقت لاحق بأن العقيد هو من حول أموال الصفقة لتعاد إليه من جديد، وزاد الأمر إشكالا وغموضا حين اعترف نجله سيف الإسلام بتعرضهن للتعذيب، وعدم ثبوت التهم عليهن، مقرا بأن القصة كانت تهدف بالأساس لابتزاز الغربيين.

وبين الشد والجذب والعنف اللفظي والمرونة السياسية، أدخل القذافي الأوروبيين في عباءة مغامراته اللفظية، فتقاطر الزعماء الأوربيون على ليبيا في زيارات متعددة، وتحول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة وروسيا مع الزمن إلى أكبر شريك اقتصادي وأمني لليبيا، وذلك عندما فهم الأوربيون أن القذافي يقول أمام الإعلام شيئا ويمارس في كواليس السياسة أشياء أخرى.

أطاح ثوار ليبيا بنظام القذافي بعد حكم جبري دام أكثر من أربعين عاما.. وهكذا هي نهايات الأنظمة الدكتاتورية

ثورة فبراير الغاضبة.. نهاية قائد الإمبراطورية المأساوية

قابل القذافي على مدى 42 سنة من الحكم والسيطرة ثوار بلده وشعبه بالتنكيل البشع، وظل سجن أبو سليم وغيره من المعتقلات والأقبية المظلمة على موعد لا يخلفه النظام لمن طالب بالحرية أو العدالة.

وفي تاريخ ليبيا القذافية آلاف القتلى والمفقودين الذين لم يكن لهم من ذنب سوى أنهم طالبوا بالحرية، أو طالب بها بعض أقاربهم، أو قصروا في إظهار التقدير لبعض إنجازات القذافي أو أفكاره.

ومن بين من عانوا من الاختفاء مئات الفتيات الليبيات والعربيات اللواتي وقعن ضحية لنزوات القذافي الجنسية، حيث ورد في كتاب “فرائس في حريم القذافي” -الذي كتبته صحفية في صحيفة “لوموند” الفرنسية- عشرات القصص المروعة عن فتيات أرغمن على الانخراط في جيش نسائي لإشباع نزوات القذافي ومقربيه، إضافة إلى جيشه النسائي المعروف براهبات الثورة، وهن اللواتي كن يضطلعن بمهام حراسته الشخصية في مشهد أسطوري بالغ الغرابة، قبل أن يختفين مع أول زخات الثورة الشعبية ضده.

في ثورة 17 فبراير/شباط 2011، خرجت الجموع الغاضبة مطالبة برحيل القذافي، فرد القذافي على خصومه بالعنف ووصفهم بأنهم جرذان، غير أن أولئك الجرذان استطاعوا بعد أن نالوا الدعم الدولي أن يكسروا أسطورة الزعيم الأوحد لليبيا، وأن يطاردوه في الأزقة، حتى أخرجوه من مجاري الصرف الصحي، وأنهوا حياته بشكل عنيف ينتمي بجدارة إلى الثقافة القاسية والوحشية التي رسختها سنواته الأربعون.

دفعت الثورة الليبية أكثر من 2000 من أبنائها قبل أن يتمكنوا من إسقاط القذافي، وإلى جانب الألفي شهيد تركت الثورة والعنف طابعها على أجساد آلاف الجرحى والمشوهين، وخرج من السجون القذافية آلاف الأسرى ليكونوا مواليد جددا بعد أن ذاقوا رحلة الموت البطيء خلف السجون.

في هذه الحفرة وجد القذافي مختبئا حيث كانت نهايته

آل القذافي المشردون.. كما تدين تدان

على مشارف السبعين مات القذافي تاركا وراءه أسرة مشردة، فقد قتل بعض أبنائه وأحفاده تحت قصف النيران، وفرت زوجته صفية فركاش وابنته عائشة إلى الجزائر، ووقع ابنه سيف الإسلام تحت الأسر سنين عددا.

وإلى جانب الأسرة المشردة ترك القذافي ثروة قدرت بـ131 مليار دولار وفق وثائق ويكيليكس، وهو مبلغ يفوق ميزانية ليبيا عند سقوط القذافي بأضعاف مضاعفة، إذ لم تكن تلك الميزانية تتجاوز يومها 22 مليار دولار.

وإذا كان القذافي قد غادر عالم الحياة منذ تسع سنين ومرت ذكرى ثورته في سبتمبر/أيلول مرارا دون احتفال ولا افتتاح، فإن جراح الحقبة القذافية لم تندمل بعد من جسد ليبيا، ولا يزال من الصعب استلال أظافر أربعين سنة مؤلمة من قلب ليبيا المفعمة بالأسى والحروب الأهلية والدمار.

بعد عشر سنوات من الثورة لا تزال ليبيا تسير نحو الحرية سيرا متعثرا، فبعد حاكمها الأوحد أصبح سفحها مسرحا لنسور وغربان كثيرة.


إعلان