نسرين الراضي.. زهرة الجيل الجديد في السينما المغربية

المصطفى الصوفي
لها إشراقة صبوحة مثل زهرة اللوتس، وملامح طفولية موشومة بقصص وحكايات بريئة في دروب الزعتر والخزامى وأقواس المدينة القديمة التي ترسم لمدينتي الرباط ومراكش تاريخا عريقا حافلا بالأحلام والذكريات والجمال.
لها أيضا وجه سينمائي تُضاء على صفائه عدسات الكاميرات هنا وهناك، فحين تحزن تقطر من جبينها حبيبات أوجاع صامتة لا تعرفها إلا الأم الحنون، وحين تفرح تسعد لها بنبض الروح، تغازلها الأحلام بريش الهوى، وتراقصها الفراشات، وتجتمع من حولها العصافير.
نسرين الراضي اسم لطيف يرضى عنه المخرجون والممثلون، اسم من الجيل الجديد في الدراما المغربية الذي دخل غمار المجال بكثير من الصبر والاجتهاد، فناضل على كل الجبهات، وأبدى موهبة مُتقدة في التشخيص، فكانت الفرصة مواتية له لإبرازها بحثا عن ضوء النجوم وحُمرة الورود على سجادات المبدعين.
معهد الرباط.. بناء فني في مصنع نجوم السينما
عشقت نجمتنا التي تضيء في سماء السينما المغربية المسرح والتلفزيون والسينما مند نعومة أظافرها، لكن دخولها إلى المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالعاصمة الرباط مكّنها من اكتشاف عالم الفنون بطريقة احترافية، ودراسة المجال دراسة محكمة على أيدي أساتذة كبار وخبراء محترفين.
وكأي فنانة في مُتسهلّ مسيرتها الفنية، لعبت نسرين (التي تطل على الربيع الثلاثين من عمرها) قبل ولوجها المعهد أدوارا متنوعة في مسرحيات وتمثيليات كانت قدمتها بحب كبير في المدرسة الابتدائية والأقسام الإعدادية والثانوية العامة، وهو ما أهلها وأجج طموحها لولوج المجال بطريقة احترافية.
كما لعبت الدورات التكوينية والورش التأطيرية التي قامت بها خارج المغرب خاصة بإيطاليا وفرنسا دورا في إشباع رغبتها في تطوير حِسّها الفني وبناء شخصيتها الفنية بطريقة أكاديمية، وهو ما ساعدها في تألقها بقادم أعمالها.
وقد شاركت نسرين في أفلام قصيرة عديدة وهي طالبة بمعهد الرباط الذي تخرج منه كثير من النجوم، مثل إدريس الروخ وسعاد خيي وفاطمة بوجو وحسن مكيات وبشرى إهريش وسعيد عامل وغيرهم.
“زينة”.. تذكرة الدخول إلى منازل الجماهير
ظهرت نسرين الراضي ظهورها المشرق في مسلسل “زينة” سنة (2014) للمخرج ياسين فنان، إلى جانب عدد من نجوم التلفزيون مثل سحر الصديقي وإدريس الروخ وسهام أسيف وهدى الريحاني وعادل أبا تراب، ويعتبر هذا المسلسل أبرز محطة فنية اكتشف فيها الجمهور هذه الفنانة الصاعدة التي أبانت عن تمثيل قوي، وأداء لافت من خلال أداء دور كريمة.
كما يستحضر الجمهور الظهور الأنيق لنسرين في مسلسل “فرصة ثانية” (2020) لمخرجه إدريس الروخ، وهو فيلم يعالج مواضيع عدة ترتبط بالبطالة في أوساط الشباب والبحث عن فرص للعمل، وقد مثلت فيه بجانب يوسف الجندي والمطربة والفنانة سعاد حسن وفرح الفاسي وأمل الثمار.
كما تألقت نسرين -التي شاركت في أكثر من عشرين فيلما قصيرا- في أدوار مركبة ومتباينة ضمن عدد من المسلسلات، منها مسلسل “صدى الجدران” لسعيد أزر، ومسلسل “مقطوع من شجرة” لعبد الحي العراقي، و”الماضي لا يموت” لهشام الجباري، رفقة عدد من النجوم كرشيد الوالي وفاطمة خير وغيرهما.
إن بروز نسرين الراضي في عدد من المسرحيات بعد تخرجها من المعهد وبعض الأعمال التلفزيونية كالسلسلة الهزلية “دور بها يا الشيباني” التي تابعها النقاد باهتمام؛ قادها إلى تجريب عالم السينما، من خلال مشاركتها في العديد من الأعمال، لعل من أبرزها فيلم “جناح الهوى” 2011 لمخرجه عبد الحي العراقي.

“جناح الهوا”.. مزج بين التقليد والتمرد
قد اختلفت وجهات نظر النقاد حول فيلم “جناح الهوا”، وهو أمر طبيعي من حيث موضوعه وطريقة تناوله، حيث شخّصت فيه نسرين الراضي دورها بالشكل الذي أراد المخرج، ضمن قصة مشوقة وحبكة خيالية مزجت بين القيم التقليدية والتمرد على الأحكام القديمة والمحافظة، فضلا عن تربية العائلة المتدينة وأحلام الشباب المتطلعين إلى ركوب أجنحة الحلم والسفر برفقة امرأة إلى ضفاف لها فيض وجدان وعطر ريحان وهمس حنان.
وقد أبرزت نسرين في هذا الفيلم طاقة إيجابية كبيرة، كما أن ظهورها إلى جانب عدد من النجوم كالممثلة المقتدرة آمال عيوش شقيقه المخرج نبيل عويش، والممثل الكبير إدريس الروخ، إضافة إلى الممثل الواعد عمر لطفي ووداد إيلما وزهيرة صديق؛ ساهم في إخراج كل ما لديها من طاقة، لتكون في مستوى تطلعات الجمهور.
“أبواب السماء”.. منعطف إلى سماء النجومية
في فيلم “12 ساعة” لمخرجه مراد الخودي وقّعت نسرين الراضي على مشاركة بارزة رفقة عدد من الممثلين، مثل الراحل عبد العظيم الشناوي وعمر لطفي وفاطمة بوشان طيلة، وذلك من خلال قصة درامية تلامس آلام الهجرة والانحراف والآباء المتخلى عنهم في دور العجزة، والصراع الوجودي بين الخير والشر الذي يُسقط البطل في مستنقع الحرام والذنوب.
وبهذا التألق في عدد من الأفلام منها أيضا بطولة فيلم “الجاهلية” لهشام العسري؛ أصبحت الفنانة ميالة إلى أداء الأدوار الاجتماعية، وإتقانها بطريقة يتعاطف معها المشاهد في الكثير من المشاهد الدرامية والحزينة، حيث مشاركتها في فيلم “أبواب السماء” لمخرجه وكاتبه مراد الخودي الذي شكّل منعطفا كبيرا في مسيرتها الفنية.
وقد تفاعلت نسرين بشكل كبير مع سيناريو الفيلم، وهيأت لتقمص الشخصية بشكل قوي، لما لقصة العمل من أهمية على المستوى النفسي بالخصوص، إذ تعالج قصة داخل فضاء قاس وهو السجن، وما يرافقه من مفاجآت وأهوال.
وإلى جانب نسرين اختار مخرج الفيلم الناشطة الجمعوية والممثلة آمال التمار وفاطمة الزهراء بناصر وهدى الريحاني ونادية ايت، وذلك لتقريب جانب من المعاناة القاسية والمعاناة الصعبة لسجينات ينتظرن حكما بالإعدام.
“الكماط”.. كوميديا عائلية تلهث خلف المال
مع تألق نسرين الراضي في فيلم “أبواب السماء” أصبح عدد من المخرجين يرون في هذا الوجه الصبوح الصاعد منارة سينمائية جديدة قادرة على إضفاء نوع من الخصوصية والتميز، وهو ما فتح لنسرين الباب للمشاركة في أعمال سينمائية أخرى، منها فيلم “الكماط” لزكية الطاهري 2014، وهو فيلم عائلي كوميدي ممتع، وفيلم “حياة” لمخرجه لرؤوف الصباحي، وفيلم “خفة الرجل” لهشام الجباري.
يعالج هذا العمل السينمائي قضايا ترتبط بالطمع والانتقام والمشاكل العائلية المرتبطة بالحصول على المال بأي طريقة ولو كانت غير قانونية، وقد رافقت نسرين فيه نخبة من نجوم السينما المغربية، كالفنانين المخضرمين محمد الرزين وعز العرب الكغاط ومحمد الشوبي وسعيد باي.
“آدم”.. جائزة أفضل دور نسائي
يعتبر فيلم “آدم” لمخرجته مريم التوزاني من أقوى الأعمال السينمائية التي تألقت فيها نسرين الراضي، وهو الفيلم الذي شارك في عدة مهرجانات دولية، لعل أبرزها مهرجان “كان” عام 2020، وذلك ضمن مسابقة أفضل فيلم أجنبي.
تلعب نسرين في هذا الفيلم -الذي يعالج موضوع الأمهات العازبات- دور شابة تسمى سامية، وقد حبلت في ظروف غامضة، ثم قادها قدرها المحتوم إلى باب سيدة تُسمى عبلة، لتعيش رفقة طفلتها في هدوء، طالبة إياها أن تستضيفها حتى تضع مولودها وترحل بسلام.
هذا الفيلم الاجتماعي المؤثر الذي أسال دموع الجمهور في كثير من المناسبات؛ قاد نسرين إلى الظفر بجائزة أفضل دور نسائي خلال الدورة الـ21 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة المغربية 2019، فضلا عن حصولها أيضا على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان “ديربان” في جنوب أفريقيا في العام نفسه.
“ضحايا حلال”.. مستقبل محفوف بالأضواء والتكريمات
توجت نسرين الراضي رفقة مخرجة الفيلم في كثير من المحطات السينمائية الدولية، أبرزها حصولها على جائزة المؤسسة الخيرية “إيدا”، تقديرا لدعمها للأمهات العازبات في أي مكان، ودورها الجميل في فيلم “آدم”، وذلك ضمن مهرجان الجونة السينمائي 2020.
وأثمر تألق نسرين الراضي في كثير من الأعمال السينمائية وتتويجها هنا وهناك، خاصة في فيلم “آدم” لمريم التوزاني؛ إلى اختيارها في الآونة الأخيرة من قبل أكاديمية “سيزار” الفرنسية الدولية للتنافس على جائزة أفضل موهبة نسائية صاعدة في دورتها الـ46 المتوقع عقدها خلال شهر مارس/آذار المقبل.
وحظيت نسرين الراضي التي فرضت اسمها في الساحة السينمائية كواحدة من الممثلات المبدعات والمجتهدات، بتكريمات وازنة واحتفاء خاص في عدد من المهرجانات والتظاهرات الفنية، لعل أبرزها تكريمها في افتتاح الدورة الثامنة لمهرجان “واد نون” السينمائي خلال صيف 2020.
بهذا تكون نسرين التي تشارك أيضا في عمل درامي عربي جديد بعنوان “ضحايا حلال” لمخرجه أحمد مدحت؛ واحدة من نجمات المستقبل في الساحة السينمائية والتلفزيونية المغربية والعربية، فهي ممثلة موهوبة يختلف سحر أدائها ضمن أدوار مركبة وأخرى اجتماعية قاسية، فكان لنظرتها البريئة وصمتها الموغل في الطيبة وقع كبير على قلب امرة حادة الطباع في فيلم “آدم”، لتفتح لها الباب ثم تدخل بسلام.