“عبد الحميد بن باديس”.. فقيه ثائر يحارب بأنوار العلم ظلمات المستعمر

يعرّف طلاب المدارس الجزائرية يوم 16 أبريل/ نيسان من كل عام على أنه “يوم العلم”، وهو اليوم الذي تُوفي فيه الإمام عبد الحميد بن باديس؛ أحد رواد النهضة الفكرية والتربوية، والأب الروحي للثورة الجزائرية.
وإلى جانب طلبة المدارس، شهد بعظمة هذا الرجل طيلة هذه السنوات أعلام الصحوة الإسلامية أمثال الإمام حسن البنا، والشيخ محمد الغزالي، والدكتور محمد عمارة، وحتى غير العرب من أمثال “جاك بيرك”، و”شارل أندري جوليان”.
ويستعرض فيلم “عبد الحميد بن باديس.. الفقيه الثائر” -الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية ضمن سلسلة “بصمات”- مسيرة العالم الثائر الذي مهّد لانطلاق الثورة الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي للجزائر.
رحلة العلم.. بذرة ولدت في المنزل وترعرعت في الزيتونة
يرى سعيد شيبان -من جمعية العلماء المسلمين بالجزائر- في الشيخ عبد الحميد بن باديس كرامة من كرامات الأمة الإسلامية، واصفا إياه بأحد نجوم تاريخ النهضة والصحوة الإسلامية، فأثره متأصل ومستمر.
وُلد عبد الحميد في الجزائر في شتاء سنة 1889، وينحدر من عائلة كبيرة عريقة ترجع إلى “الباديسيين الصنهاجيين” الذين حكموا القيروان، وكان لأجداده دور كبير في المغرب العربي.
واليوم يحمل الزقاق الذي يضم بيت عائلته في المدينة القديمة اسم أبيه الشيخ المكي بن باديس، وقد رفض إدخال ابنه إلى المدارس الفرنسية مثل أبناء أغلب العائلات الكبيرة، وفضّل أن يلقنه الشيخ حمدان لونيسي العلوم الإسلامية في البيت، وكان يقول له: يا عبد الحميد أنا أكفيك أمر الدنيا وأنفق عليك، فاكفني أمر الآخرة، وكن الولد الصالح الذي ألقى به وجه الله.

درس بن باديس القرآن الكريم وحفظ القرآن ومبادئ اللغة العربية والفقه الإسلامي على يد شيخه، وأظهر طاقة استيعاب كبيرة، وأمّ الناس في صلاة التراويح -على صغر سنه- طيلة ثلاث سنوات في جامع قسنطينة الكبير.
وفي ربيعه التاسع عشر أرسله والده إلى تونس للالتحاق بجامع الزيتونة المعمور، وطيلة أربع سنوات قضاها هناك، تفتحت عينا الصبي عبد الحميد لأول مرة على الحركة الإصلاحية التي كانت تهز العالم الإسلامي في تلك الفترة.
كان جامع الزيتونة يستقبل رواد النهضة الإسلامية من أمثال محمد عبده، ولكنه كان أيضا إطار صراع بين شيوخه التقليديين، ومجددين أثروا كثيرا في عبد الحميد الشاب، مثل محمد الطاهر بن عاشور الذي درّسه الأدب العربي، والبشير صفر الذي درّسه التاريخ الإسلامي، والعالم الكبير محمد النخلي القيرواني، وآخرين.
ويؤكد سعيد شيبان أن بن باديس تفوق في الزيتونة، وكان الأول بين أقرانه، وهي المرة الأولى التي يصل فيها طالب غير تونسي وليس ابنا لأحد أساتذتها إلى هذه المنزلة. ويلفت الباحث والمفكر الإسلامي عمار الطالبي إلى أن بن باديس كان من مناصري الحركة الإصلاحية في العالم الإسلامي، ممن لهم صلة بمحمد عبده الذي زار تونس مرتين.
“بلدك أحوج إليك من هذه المدينة”.. نصيح الشيخ الهندي
بعد حصوله على شهادة العالمية من جامع الزيتونة، سافر عبد الحميد بن باديس إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، وهناك في رحاب المسجد النبوي قُدر له أن يجتمع مع شيخه الأول حمدان لونيسي وصديقيه الطيب العقبي والبشير الإبراهيمي. وسيُغيّر هذا اللقاء تماما حياة الرجل، ومسيرة كفاح الشعب الجزائري.
ويذكر سعيد شيبان أن الشيخ حمدان أن يبقي بن باديس في المدينة المنورة، إلا أن شيخا كبيرا من الهند يُدعى الشيخ حسين الهندي من جمعية العلماء المسلمين الهنود قال له “لا تبق هنا، فبلدك أحوج إليك من هذه المدينة”. ويؤكد الطالبي أن هذا الشيخ نصحه بالعودة ليدافع عن ثقافة الجزائر ولغتها ودينها، لأن السلطة الفرنسية تعمل على محو كل ذلك.

يقول البشير الإبراهيمي عن تلك اللقاءات إنها كانت تدبيرا للوسائل التي تنهض بها الجزائر، ووضعا لبرامج تلك النهضة. وهكذا عاد بن باديس إلى الجزائر، وكان الوطن على حاله؛ على فقره وجهله وقلة حيلته جزءا من فرنسا الأم، كما يتغنى بذلك السياسيون في باريس، ولكنه الجزء الأقل حظا.
وقد سادت التقاليد الفاسدة، والطرق الصوفية المنحرفة عن التصوف الحقيقي، المتعاونة أحيانا مع السلطة الفرنسية، واختفى تدريس اللغة العربية في المدارس الرسمية، كما بلغت معدلات الأمية حدودا مخيفة مع تراجع دور الكتاتيب ومدارس القرآن، وصارت العربية تُدرّس بوصفها لغة أجنبية، والفرنسية لغة وطنية، وبين التنصير والتجنيس كانت الجزائر على وشك أن تصير بلدا غريبا عن الجزائر.
ولكن هذا لم يكن رأي بن باديس الذي كان يقول إن هذه الأمة الجزائرية الإسلامية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا ولو أرادت.
“لا يُغيّر ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم”.. بداية الحرب
يشير الباحث عمار الطالبي إلى أن بن باديس كان يواجه ثلاث جبهات؛ أولها التخلف الذي وقع على الطرق الصوفية، وثانيها سياسة الاستعمار في محو هوية الأمة الدينية واللغوية، وثالثها الأحزاب التي تريد أن تدمج الشعب الجزائري في الحضارة الفرنسية.
كان الرجل مؤمنا بالآية القرآنية الكريمة التي سمعها منه تلاميذه آلاف المرات خلال حياته: ﴿إن الله لا يُغيّر ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم﴾، فبدأ بتغيير أنفس القوم، فبدأ بالتعليم.

ويُرجع عضو جمعية العلماء المسلمين بالجزائر سعيد شيبان ذلك إلى أن الجهل كان مطبقا، فالتعليم يكاد يكون معدوما في الجزائر، ولذلك كانت الحاجة الأولى الأساسية الحيوية هي أن يُدخل المعرفة للشعب الجزائري. وقد فتح أولا كُتّابا لتعليم الأطفال الصغار القواعد الأساسية للغة، وهي أول مدرسة حرة أُسست في القطر الجزائري.
ويروي الطالبي أن مفتي قسنطينة في ذلك الوقت -وهو موظف تُعيّنه فرنسا- منعه من التدريس، وأطفأ عليه أنوار المسجد، ولكنه لجأ إلى والده ليعينه على هذا الأمر، فأصدر له رخصة من السلطة الفرنسية للتدريس في الجامع الأخضر الذي أصبح مركزا علميا مهما يُدرّس فيه بن باديس ويُديره.
“لا حياة لك إلا بحياة قومك ووطنك ودينك وجميل عاداتك”
قبالة جامع قسنطينة الكبير يحمل أحد الأزقة اليوم اسم الشيخ عبد الحميد بن باديس، وهو الزقاق المؤدي إلى الجامع الأخضر الذي احتضن طيلة سنوات طويلة نشاطات الشيخ المتحمس ودروسه. وعلى مقربة منه في نفس الزقاق مقر جمعية التربية والتعليم الإسلامية التي أسسها لتشرف على أن تشمل دروسُه ودروس تلاميذه ورفاقه كلَّ فئات المجتمع. وقد شمل هذا النشاط كبار السن وصغار الكتاتيب وحتى البنات.
وهنا يقول عمار الطالبي: كان بن باديس يُشجّع البنات على التعليم، ولا يأخذ من أوليائهن شيئا بخلاف الأولاد الذكور، فإنه يأخذ شيئا ما من أوليائهم.

كان الهدف هو إعادة الاعتبار للدين واللغة وفكرة الوطن الجزائري، وأيضا دعم منهج الإصلاح والتحديث في الفكر والعمل. وكان بن باديس يقول لتلاميذه: لا حياة لك إلا بحياة قومك ووطنك ودينك وجميل عاداتك، وإذا أردت الحياة لهذا كله فكن ابن وقتك، تسير مع العصر الذي أنت فيه بما يناسبه من أسباب الحياة.
توسّع نشاط جمعية التربية وأصحاب بن باديس من التدريس إلى تأسيس الكتاتيب في المساجد وفتح المدارس الحرة، وكانت الحرب على الجهل على رأس أولوياتهم. ويُرجع الطالبي اهتمام بن باديس وصحبه بالمدارس والكتاتيب إلى أنه إذا صلح التعليم صلح العلماء، وإذا صلح العلماء استطاعوا أن ينهضوا بالأمة، كما أن التعليم يمس شرائح الشعب المختلفة من الصبيان والشباب والأميين ورواد المساجد والنوادي، وقد كان بن باديس يقصد النوادي الموسيقية والكشافة داعيا إلى التنوير وتحرير العقول من الجمود.
“المنتقد”.. نشاط صحفي يحارب السلطة الفرنسية
كان عبد الحميد بن باديس مُولعا بقراءة الصحف، وطالما أشاد بالصحافة الفرنسية الكبرى وجرأة ومهارة كُتّابها، وكان على يقين بالدور الفعال الذي تمارسه الصحافة في توعية الجماهير، فقام بتأسيس مطبعة، وأصدر صحيفة “المنتقد” عام 1925، فكان ينتقد فيها كل ما يعتبره انحرافا سواء من السلطة الفرنسية أو من المواطنين الجزائريين، دون التعرض لأمور الناس الشخصية.

أوقفت السلطات الفرنسية صحيفة “المنتقد”، فأصدر بن باديس جريدة أسبوعية جديدة سماها “الشهاب”، ثم أصدر “السنة” و”الشريعة”، وكلما منعت فرنسا إحداها ظهرت أخرى إلى الوجود، فقد كان يرى في الصحافة امتدادا لتعميم المعرفة، وكأنها مدرسة متجولة.
حملت صحافة بن باديس نفس دعاوى الإصلاح الديني، ومحاربة التخاذل والسقوط، وكانت سبّاقة إلى دعم الكفاح الفلسطيني والوحدة العربية.
“الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا”
في سنة 1930 نظّمت السلطات الاستعمارية حفلات وتجمعات صاخبة بمناسبة مرور قرن كامل على احتلال الجزائر، وتكلموا فيها بثقة عن كون البلد قد صار جزءا لا يتجزأ من فرنسا الأم. وقد شكّل هذا التحدي صدمة كبيرة للوعي القومي الجزائري، وأثار غضب شرائح واسعة منهم الشيخ بن باديس، فاستثمر الحدث للدعوة إلى تجميع جهود علماء الدين والمصلحين الجزائريين في جمعية قوية لمقاومة مشروع “الجزائر الفرنسية”. وظهرت جمعية “العلماء المسلمين الجزائريين” إلى الوجود لأول مرة في “نادي الترقي” بقلب العاصمة الجزائر في سنة 1931، رافعة شعار “الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا”.
ويشرح الباحث والمفكر الإسلامي عمار الطالبي الشعار قائلا إن “الإسلام ديننا” كانت ردا على فرنسا التي تبجحت بأن الإسلام مُحي، وأن المسيحية ستنتشر، وكانت “العربية لغتنا” ردا على منع سلطات الاحتلال للغة العربية وفرض الفرنسية في مدارسها الرسمية، أما “الجزائر وطننا” فكانت ردا على دعواها أن الجزائر أصبحت جزءا لا يتجزأ من الإمبراطورية الفرنسية.

ولم يُثر أعضاء نادي “الترقي” -المعروفون بـاعتدالهم وحيادهم- حساسية السلطة الفرنسية ولا الطرق الصوفية وهم يستدعون علماء الجزائر دون ظهور بن باديس في الصورة، معلنين أن الجمعية دينية تهذيبية وليست سياسية، لكن الاجتماع العام انتخب غيابيا بن باديس رئيسا للجمعية.
لم يحضر الشيخ إلا في اليوم الثالث وسط خوف من حساسية ذلك الحضور، وألقى خطابا قال فيه: إخواني إني أراكم لم تنتخبوني لشخصي، وإنما أردتم وصفين عُرف بهما أخوكم الضعيف؛ الأول أنني قصرت وقتي على التعليم، فأردتم أن ترمزوا إلى تكريم العلم، والثاني أن هذا العبد له فكرة معروفة لن يحيد عنها، فمن قبلها فهو أخ في الله، ومن ردها فهو أخ في الله أيضا.
حرب الصحوة.. صراع العالِم والمستعمِر في ميدان التعليم
لعب رموز جمعية “العلماء المسلمين الجزائريين” من أمثال الشيخ الطيب العقبي والشيخ البشير الإبراهيمي والشيخ مبارك النيلي وعشرات غيرهم، دورا مهما في الصحوة القومية في الجزائر التي أدت إلى ثورة مليونية من أجل الاستقلال والحرية.
وهنا يشير الطالبي إلى أن كل ثورة لا بد أن يسبقها وعي وتنوير للأفكار، وهو الدور الذي قام به بن باديس، وقد كان يقول لبعض تلاميذه: لو وجدت عشرة من الذين يوافقونني على أن نخرج لمحاربة فرنسا في الجبال لخرجت معهم.
ارتقت “جمعية العلماء” بالعمل التعبوي والتعليمي إلى مراحل غير مسبوقة، وانتشرت فروعها في كل أنحاء الجزائر، وتزايد بسرعة عددُ المدارس العربية والنوادي الثقافية والرياضية، حتى وصلت هذه المدارس إلى فرنسا نفسها، حيث يمثل الجزائريون المهاجرون جالية كبيرة.

وكان بن باديس يطلب من كل من يُعلّمه حينما يرجع إلى بلده أن يُعلّم غيره، كما كان يقوم برحلات في أنحاء الجزائر، ويلتقي بالناس ويُلقي الدروس في المساجد وفي النوادي وفي شُعب “جمعية العلماء المسلمين”، ومن ضمنها شعبة “جبل الأوراس” التي كان يديرها الشيخ عمر دردور، وهو أول سجين تسجنه فرنسا من أجل التعليم.
كانت السياسة الفرنسية تُحارب من أجل إدماج كامل للشعب الجزائري بفرنسيته وتنصيره وتجنيسه، وكانت الجمعية تُكافح من أجل أن يبقى هذا الشعب عربيا مسلما جزائريا، حتى أنها أصدرت الفتوى الشهيرة لسنة 1934 بتكفير من يقبل بالجنسية الفرنسية. وهكذا صار الدين من الوطن، والوطن لله، والمعركة واحدة، لكن اختبارا مهما كان ينتظر علماء الجمعية وشيخها.
“لو طلبت مني فرنسا قول لا إله إلا الله لما قلتها”
اندلعت الحرب العالمية الثانية سنة 1939، وكانت فرنسا أولى ضحاياها بعد أن اجتاح النازيون باريس، وصار المستعمر نفسه ضحية للاحتلال والمهانة، وقد أعلنت فرنسا حالة الطوارئ في مستعمراتها، وطلبت سلطاتها من “الجمعية” إصدار بيان مؤيد لفرنسا.
كان الموقف خطيرا، واشتد الخلاف بين علماء نادي “الترقي”، واختار بعض مؤيدي إصدار البيان مثل الشيخ الطيب العقبي الاستقالة من الجمعية، أما الشيخ عبد الحميد بن باديس فتشبث بخيار الرفض الذي لخّصه بقوله: “والله لو طلبت مني فرنسا قول لا إله إلا الله لما قلتها”.

وقد كلّفه هذا الموقف الكثير -كما يقول الطالبي- فقد خضع لما يُشبه الإقامة الجبرية، كما نُفي نائبه الإبراهيمي إلى الصحراء بعد أن رفض تأييد فرنسا أيضا. ولم يُصدر بن باديس عدد سبتمبر/أيلول 1939 من مجلة “الشهاب”، لأنه لم يُرد أن يكتب شيئا لصالح الاستعمار.
اقتادت فرنسا الشيخ الجريء إلى الإقامة الجبرية في بيته بقسنطينة، ولكنه لم يكن ينوي البقاء في القفص أكثر من أشهر قليلة. أرسل رسالة أخيرة إلى نائبه ورفيق دربه البشير الإبراهيمي -الذي زجت به فرنسا في السجن- يُحيّيه فيها على صموده قائلا: بلغني موقفكم الشريف العادل، وأقول لكم “الآن يا عمر”. اقتباسا من قول النبي ﷺ لعمر بن الخطاب، بعد قوله إن النبي ﷺ أحب إليه من نفسه.
“فإذا هلكتُ فصَيْحتي: تحيا الجزائر والعرب”
لبّى بن باديس نداء ربه في بيته بمدينة قسنطينة يوم الثلاثاء 16 من أبريل/ نيسان سنة 1940. وقد نقل مراسل جريدة “الجمعية” أن الطلبة وحدهم قد حملوا نعش الشيخ الأستاذ كما أوصى بذلك قبل موته، وأن 50 ألفا قد مشوا في جنازته، منهم أكثر من 200 امرأة. وصار تاريخ وفاته “يوما للعلم” يُنشد فيه طلبة المدارس قصيدة بن باديس الشهيرة:
شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب
أو رام إدماجا له رام الـمُحال من الطلب
يا نشءُ أنت رجاؤنا وبك الصباح قد اقترب
خذ للحياة سلاحها وخُضِ الخطوب ولا تهَب
وارفع منار العدل والإحسان واصدم من غصب
واقلع جذور الخائــنيـن فمنهمُ كل العطب
وأذق نفوس الظالمين السمَّ يمزج بالرهب
واهزز نفوس الجامدين فربما حي الخشب
من كان يبغي ودنا فعلى الكرامة والرحب
أو كان يبغي ذلنا فله المهانة والحرب
هذا نظام حياتنا بالنور خُط وباللهب
حتى يعود لقومنا من مجدهم ما قد ذهب
هذا لكم عهدي به حتى أوسد في التُّـرَب
فإذا هلكتُ فصَيْحتي: تحيا الجزائر والعرب

أما رفقاء دربه من علماء الجمعية، فقد قُدر لهم أن ينشدوا بعدها بسنوات بيان “أيها الثائرون الأبطال من أبناء الجزائر: اليوم حياة أو موت.. فناء أو بقاء”. كان هذا في الأول من نوفمبر/ تشرين ثاني سنة 1954، عندما اندلعت في الجزائر إحدى أعظم ثورات الاستقلال في العالم.