النجاشي أصحمة بن أبجر.. قصة ملك الحبشة الذي لا يظلم عنده أحد
حسن العدم
هو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: “لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يُظلم عنده أحد”، وكانت كلماته بمثابة الإذن لثلّة من مستضعفي مكة المسلمين حديثا، بالهجرة إلى أرض الحبشة (مملكة أكسوم)، حتى يأمنوا على أنفسهم ودينهم من بطش الملأ في مكة. وهو الذي وكَّله صلى الله عليه وسلم بأن يعقِد له على أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان التي كانت ما تزال مقيمة في الحبشة.
فمن هو هذا الملك العادل؟ وما سرّ اختيار الرسول لمملكته؟ وماذا تقول لنا وثائق المسلمين ومستندات المستشرقين ومسيحيي إثيوبيا عن قصة إسلامه؟ هذا ما ستجيب عنه السطور التالية، والفيلم الوثائقي الشائق الذي أنتجته قناة الجزيرة الوثائقية، وتبثه تحت عنوان “الملك أرماح.. النجاشي”.
إيلاسهيم.. نشأة متدينة في الأسرة الإمبراطورية لأكسوم
هذه قصة ملك عادل حكم مملكة أكسوم العريقة، وتبدأ فصولها قرابة عام 560 للميلاد.. إنها حكاية النجاشي أصحمة بن أبجر الذي ينحدر من سلالة ملوك في إمبراطورية قوية مترامية الأطراف، وكان الولد الوحيد لأبيه الملك أبجر.
والنجاشي لقب وليس اسما، وكل من حكم الحبشة كان يلقب بالنجاشي، مثل كسرى فارس وهرقل الروم، وتخبرنا كتب السيرة عن النجاشي وأسرته، وله اسمان اشتهر بهما، أولهما النجاشي والثاني “أصحمة”، وربما يكون تحريفا للاسم الذي ورد في سلسلة ملوك الحبشة “إيلاسهيم”.
وفي هذا يقول “جوليان ويسو” أستاذ التاريخ الإسلامي الإثيوبي في جامعة أيكس مارسيليا: قام بعض المؤرخين بالمقارنة بين الأسماء المأخوذة من المراجع العربية مثل “أصحمة” أو “الأصحم” وبين سلالة ملوك الحبشة، لكن هذه القوائم تعود للقرن الـ17 ويصعب التسليم بصحتها.
نشأ النجاشي، سليل أسرة أكسوم الملكية في قصر أكسوم مركز الإمبراطورية، وذلك بعد 300 سنة من قيامها، في بيئة متحضرة متدينة، وكان يعتبر من كبار علماء الديانة النصرانية، كما وصفه محمد عبد الصمد، المتخصص في تاريخ الحبشة الإسلامي.
مؤامرات البلاط.. رحلة العبودية في البلاد العربية
ظهرت مملكة أكسوم القوية في القرن الأول للميلاد، وأصبحت في قمة ازدهارها في القرن السابع الميلادي، وكانت تمتد في منطقة البحر الأحمر والشرق الأوسط، كما كانت تتحدث اليونانية قبل ظهور الإسلام بقرنين، فكانت حلقة وصل مع دول البحر المتوسط، وكانت قوية تجاريا ولها تقاليد عريقة ومعمار فخم، خاصة في شرق أفريقيا. ولكن لا يمكن الجزم بتاريخ اختفائها، لعدم كفاية الوثائق.
وكان لأصحمة عمّ له من صلبه 12 ولدا، فقال أهل الرأي في المملكة: لو مات ابن الملك هذا لتنقطعنّ سلالته، ولو أنّا ملّكنا أخاه سنضمن المملكة من بعده، فتآمروا لقتل أبجر وتسليم المُلك لأخيه ليتوارث أولاده المُلك بعده، وقد شب أصحمة في كنف عمه وظهرت عليه علامات النبوغ، فخافه الذين تآمروا على أبيه من قبل، فذهبوا إلى عمه ليحرضوه عليه، وخوّفوه من انتقامه لأبيه، فلم يوافقهم عمه إلى ما ذهبوا إليه، ولكنْ أمر بنفيه بعيدا عن المدينة.
بيع أصحمة كالعبيد، ونقل إلى صحراء قاحلة وعمل فيها راعيا، كل ذلك لحكمة بالغة، ليصبح بعدها قائد أمة لا يُظلم عنده أحد. وفي قصة نفيه يقول الدكتور آدم كامل المؤرخ في العلاقات الإثيوبية العربية: باعه أبناء عمه لعربي يدعى “الضميري” بـ600 درهم، فسمحت الظروف للنجاشي بتعلم اللغة العربية، بل وصار له صداقات مع بعض شخصيات العرب ومنهم عمرو بن العاص.
ويقال إن عمّ أصحمة أصيب بصاعقة فقتلته، ففزعت الحبشة إلى ولده فإذا هم حمقى، ليس في أحدهم خير، فتشاور الأحبار وأولو الرأي، وذكروا ذلك الفتى الذي باعوه للعربي. فخرجوا في أثره حتى أدركوه، وعقدوا عليه التاج وأجلسوه على سرير الملك، وكان ذلك حوالي 610 للميلاد.
فوضى الروايات.. عالة المؤرخين على المصادر الإسلامية
يعارض المستشرقون والمسيحيون الإثيوبيون رواية نفي النجاشي واستعباده، فهذا الدكتور فقري تولوسا المؤرخ الإثيوبي يقول: لم أجد هذه الرواية في التاريخ الإثيوبي، فالموجود في كتبنا أنه نشأ وترعرع في قصر أبيه، فلما مات أخذ الحكم مكانه.
وكذلك الدكتور “جون أبينك” أستاذ العلوم السياسية الإفريقية بجامعة لايدن في هولندا: هنالك روايتان أو ثلاثة، رواية الإثيوبيين المسيحيين ورواية المسلمين العرب وهنالك الرواية الأكاديمية، وتختلف كل الروايات عن بعضها في كثير من التفاصيل، نحن بالطبع نحب أن نأخذ أقرب رواية للصحة بغض النظر عن الرؤية الذاتية لكل من المسلمين والمسيحيين.
ويرد الدكتور عبد الصمد: لا يوجد مصدر أجنبي يؤرخ لتلك الحقبة من الزمان، فكل كتب المستشرقين وغيرهم تعود إلى المصادر الإسلامية، مثل الطبري وابن عساكر وابن كثير وابن هشام. حتى التاريخ الإثيوبي فيه فترة فراغ، ذلك أنه حدثت اضطرابات في إثيوبيا في القرن التاسع الميلادي، وفقدت كل الوثائق، ولذلك فهم عالة على المصادر الإسلامية عن تلك الفترة.
الحبشة والحجاز.. علاقات وثيقة على جانبَي البحر الأحمر
كان أصحمة ذا شخصية قوية وجادة، وكان متفردا بصفات القيادة في الأسرة الملكية، الأمر الذي أهَّله لقيادة البلاد، واستطاع بحكمته أن يلمّ ما تناثر من أمور المملكة، فوحّد أجزاءها ووسّع حكمه، وكان محبوبا لدى الشعب لكفاءته وعدله وحسن إدارته للمملكة، وفي عهده ازدهرت الحبشة اقتصاديا، وكانت تصدر منتجاتها من ميناء أدولوس إلى ميناء الشعيبة جنوب الحجاز، ومن هناك إلى باقى مناطق الجزيرة.
وقد نشأت علاقة متميزة على جانبي البحر الأحمر بين مملكة أكسوم وعرب الجزيرة، فالمسافة قريبة لا تستغرق أكثر من يومين بالقوارب والسفن، وتجارة العبيد من أهم مظاهر هذه العلاقة، فبلال واحد من أشهر أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم وكان مؤذنه وأقرب الناس إليه، وهناك الصحابية أم أيمن كذلك، وكثير من أجلاء الصحابة كانوا من الحبشة، ممن كانت لهم السابقة إلى الإسلام، وتقلدوا مناصب مهمة في الدولة الإسلامية لاحقا.
“لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار”
اشتد البلاء على الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكة، ولما عز عليه ما كان يقع عليهم من الأذى قال لبعضهم: “لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه”. فخرجت في رجب من السنة الخامسة للبعثة مجموعة من الصحابة، وتبعتها أخرى على رأسها جعفر ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، حتى بلغ عدد المهاجرين في المرتين قرابة 116 شخصا.
دخل المسلمون أرض الحبشة آمنين، واستقروا فيها دون أن يتعرض لهم أحد، وقد روى الإمام أحمد في المسند من حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار فآمننا على ديننا، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه.
ولما بلغ قريشا أمر استقرار المسلمين في الحبشة ضاقت بذلك ذرعا، فأرسلت في أثرهم عمرو بن العاص لمعرفته السابقة بالنجاشي، ولفصاحته وقوة بيانه، فطلب من الملك أن يردهم معه دون أن يكلمهم أو يسمع منهم، لكن النجاشي رفض ذلك، وقال: لا أسلمهم حتى أسمع منهم.
ثم أرسل إلى الصحابة وأذن لهم بالكلام في مجلسه. فقام جعفر متحدثا باسم المهاجرين: أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش.. إلى آخر خطبته بين يدي الملك. فردّ النجاشي: إن الذي جاء به نبيكم والذي جاء به عيسى بن مريم ليخرج من مشكاة واحدة، انطلِقوا، فوالله يا عمرو لا أسلمك إياهم أبدا.
ملاذ آمن في أكناف الملك العالم.. فخر الذاكرة الشعبية
يقول الدكتور فقري تولوسا المؤرخ الإثيوبي: ما زال الإثيوبيون -مسيحيين ومسلمين- يُقدِّرون فكرة أننا رحبنا بالنبي محمد وأتباعه، ولذلك فهذه القصة صحيحة، وما زال الناس يكررونها ويشعرون بالفخر لكوننا استقبلنا شعبا يتعرض للاضطهاد، فالنجاشي له قصب السبق في استقبال اللاجئين المضطهدين، فقد استقبلهم وأعطاهم الأمن في بلاده دون فرض إجراءات خاصة، وتركهم يعبدون الله دون قيود.
ويقول الدكتور “جون أبينك” أستاذ العلوم السياسية الإفريقية: لم يكن الموضوع سياسيا، إذ لم يكن المقصود من الهجرة نشر الدين، بل كان يهدف إلى توفير الملاذ الآمن للمضطهدين في الجزيرة العربية من قبل سادة قريش المناهضين للنبي محمد، وبالتالي فإن الوافدين كانوا لاجئين، ولم يأتوا -بحسب المعلومات- بمهمة نشر الدين، لست متأكدا من صحة ذلك، لأن الدين نفسه لم يكن قد اكتمل بعد في تلك الفترة فنحن نتحدث عن 615 للميلاد.
في تلك الفترة كانت أكسوم مملكة مسيحية، فقد دخلتها الديانة المسيحية في القرن الرابع، وكان النجاشي عالما بالتوراة والإنجيل، كما ذكر ابن خلدون في مقدمته أن أصحمة بن أبجر كان من علماء المسيحيين، ويعرف ما نزل من التوراة والإنجيل، ويطبق الوصايا العشر على نفسه، حتى أن هرقل كان يرسل القساوسة إليه ليأخذوا دورات تدريبية، حتى بلغ عددهم عشرة من القساوسة.
أما عن إسلام النجاشي فإن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليه يدعوه إلى الإسلام بعد 13 عاما من هجرة المسلمين إلى الحبشة، واختلف المؤرخون حول رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وما إن كان النجاشي قد أسلم قبل ذلك أو بعده، لكن ما قال به ابن حجر العسقلاني في فتح الباري أن النبي قد كاتب النجاشي الذي أسلم، ثم كاتب النجاشي الذي ولي بعده وكان كافرا.
إسلام النجاشي.. توثيق المسلمين وتشكيك المستشرقين والإثيوبيين
يقول الدكتور آدم كامل مؤرخ العلاقات الإثيوبية العربية: كان عبد الله الضمري يأتي بكل ما يستجد من المبادئ القرآنية يقدمها لجعفر ليعلمها للرجال، وأسماء تعلم النساء، وكان النجاشي يتعلم هذه المبادئ أيضا، واستمرت هذه المرحلة 16 عاما، لم يطلب النبي خلالها عودة المهاجرين، حتى بعد هجرته إلى المدينة.
ويتابع: وبعد العام السادس للهجرة، أي بعد صلح الحديبية، شرع الرسول صلى الله عليه وسلم بمراسلة الملوك، فأرسل عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى، وأرسل آخر إلى المقوقس وثالثا إلى هرقل، وأرسل عبد الله الضمري إلى الحبشة، فكان النجاشي الوحيد الذي قبل الدعوة الإسلامية.
ويعارض الدكتور “تولوسا” قصة إسلام النجاشي بشدة قائلا: القصة التي تقول إنه تحول إلى الإسلام ليست صحيحة، لأنه كان ميتا حينها، وابنه “أرماح” هو الذي استلم الرسالة، فإذا كان قد توفي قبل أن يستلم الرسالة، فكيف يكون قد أسلم؟ لأن إمبراطور إثيوبيا يجب أن يكون مسيحيا، وإذا حاول أن يغير الديانة فستقوم الإمبراطورية بقتله أو خلعه، وتستبدله بآخر يدين بالمسيحية.
ويذهب الدكتور “أبينك” للرأي ذاته قائلا: كما ترى فإن التراث الإثيوبي المسيحي لا يمتلك أي توثيق دقيق لما حدث في تلك المنطقة، وهنا تأتي الرواية الثالثة الأكاديمية التي لم تدون مصادرها أن الملك تحول من المسيحية إلى الإسلام، بالرغم من أنه معروف بالنجاشي كما ورد في تراث المسلمين.
وأضاف: والدليل أن “أرماح” صكّ عملة عليها الصليب وذلك بعد لقائه بالمسلمين، وهو نفس الملك وليس ابنه أو حفيده، وهذا يرجح عدم تحوله إلى الإسلام. ولكنني لا أرى أن هذه النقطة مهمة، فالمهم كيف اجتمعت مجموعتان من الناس مختلفتان في الدين والتقاليد وتعايشتا، وهذا يبين قيمة التقوى والإيمان بالله وحده، وهذا يدل على الحاجة إلى تبادل الخبرات وبناء علاقات مشتركة.
“ما علمتُنا فرِحنا بشيء قط فَرَحنا بظهور النجاشي”
حاول بعض النبلاء وأبناء الأسرة المالكة أن يخرجوا على النجاشي خروجا مسلحا لأنهم علموا بإسلامه، فطلب من الصحابة الذين كانوا معه أن يدعوا له، وخرج في غزوة للتصدي لهذه الفتنة، وكان ممن خرج لمراقبة هذا الأمر الزبير بن العوام، وعبر نهرا كأنه النيل لينظر ماذا جرى.
تقول أم سلمة رضي الله عنها في تلك الواقعة: “والله ما عَلِمتُنا حَزِنّا حزنا قط هو أشد منه، فَرَقا من أن يظهر ذلك الملك عليه، فيأتي ملك لا يعرف مِن حقنا ما كان يعرفه، فجعلنا ندعو الله ونستنصره للنجاشي، فجاءنا الزبير فجعل يليح لنا بردائه ويقول ألا فأبشروا فقد أظهر الله النجاشي، قالت فوالله ما علمتُنا فرِحنا بشيء قط فَرَحنا بظهور النجاشي.
وذهب “جوليان ويسو” أستاذ التاريخ الإسلامي الإثيوبي إلى ما يؤيد الرواية الإسلامية بقوله: نحن نعلم فقط أنه في منتصف القرن السابع من المحتمل أن مملكة أكسوم واجهت عددا من المشاكل المهمة، هذا تحديدا في ذلك الوقت، ولدينا عملات من أواخر عصر المملكة الأكسومية، وهذا يشير أنه في ذلك الوقت وقع تحدي سلطة الملك، وهذا يعني أنه ربما أو على الأغلب طُعن في سلطته بسبب قضية الإسلام والعلاقات بين المسلمين والمسيحيين.
وتعارض ذلك “إيملي شكرون” الباحثة في التاريخ الإسلامي الإثيوبي قائلة: ليس لدينا أدلة من وجهة النظر الإثيوبية عن ذلك التحدي لملك أكسوم في نهاية الحقبة الأكسومية.
ويعلّق الدكتور “أبينك: “المصادر شحيحة للغاية، ومنذ البحث الأول الذي أجريناه عن الملك المدعو أرماح، لم نجد أي مصادر تتكلم عن المدة التي حكم فيها، أو ماذا فعل بالضبط، فليس هناك تدوين يعرِّف بزوجته أو عائلته، أو من الذي خلفه بالضبط، أو ما هي عقيدة الملك الذي خلفه، لا نعلم الكثير، وبالاعتماد على مصادرنا الحالية لا يمكننا الإجابة عن عدد من الأسئلة التاريخية بشكل دقيق.
“توفي اليوم رجل صالح من الحبش”.. نعي نبوي
في السنة التاسعة للهجرة -وقيل في الثامنة قبل فتح مكة- ارتقى النجاشي إلى بارئه، وكان في مدينة أصبحت تسمى “نجاش”، وقد حوت قبره وقبور مجموعة من الصحابة الذين أقاموا هناك، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه في المدينة: قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش، فقوموا فصلوا عليه.
يؤيد “جوليان ويسو” أستاذ التاريخ الإسلامي الإثيوبي هذه الرواية قائلا: يوجد ضريح في إقليم تيغراي شمال إثيوبيا يرتبط بالنجاشي، في قرية تدعى نجاش زرناها في 2018 وهي قرية مدهشة، ويجري اليوم ترميمها بالكامل، وهناك ضريح يتضمن عددا من القبور أحدها كبير جدا بطول 10-12 مترا، ومن المفترض أنه للنجاشي الملك الذي استضاف أتباع النبي محمد، بالإضافة إلى قبور عدد من الصحابة الذين ماتوا خلال إقامتهم في إثيوبيا.
أما الدكتور “جون أبينك” أستاذ العلوم السياسية الإفريقية فيقول: لا نستطيع التأكد ما إذا كان أرماح أو أصحمة أو غيرهما هو المدفون هناك، يمكن أن يكون ذلك صحيحا أو غير صحيح. لكنه من التقاليد الجميلة، ومن الأفضل عدم محاولة تقصي ذلك تاريخيا، لأنه في كلتا الحالتين سيصاب أحد الفريقين بخيبة أمل، والأفضل التعامل مع الموضوع على مستوى الإيمان، واعتباره رمزا موحِّدا لنوعين من الإيمان في تلك الفترة، وهذا شيء عظيم.
دولة النجاشي.. حقوق الإنسان وحرّية الأديان بأبهى صورها
أسلم جماعة من حاشية النجاشي، وبدأ انتشار الإسلام على جانبي البحر الأحمر منذ العصر الأول، ولم يأمر النبي عليه السلام بمهاجمة الحبشة، ولكن لم تمرّ فترة حتى انتشر الإسلام بكثرة على أراضها. وهنا على هضبة شوا قامت مملكة شوا الإسلامية عام 282 هجرية.
ويفخر مسلمو إثيوبيا اليوم بهجرة الحبشة لأنها دليل على عراقة الإسلام في إثيوبيا، ووفقا للتراث الإسلامي فإثيوبيا هي أول مكان وصل إليه الإسلام.
ويفتخر أهل إثيوبيا عموما بمسلميهم ومسيحييهم أن النجاشي أرسى مفاهيم حقوق الإنسان وحرية الأديان قبل 1430 عاما، بأحسن بكثير مما تصنعه أو تدَّعيه الأمم المتحدة والمنظمات الدولية هذه الأيام.