“لغز مارلين مونرو”.. نهاية غامضة لفاتنة السينما ومحظية الرئيس الأمريكي

رغم أن الطفلة الجميلة “مارلين” قضت سنتين في دار الأيتام وأربع سنوات مع وصي، فإنها لم تشعر باليُتم، فحينما ترى أي امرأة تقول هذه أمي، وعندما ترى أي رجل تقول هذا أبي. أحبّت “مارلين” مشاهدة الأفلام منذ الصغر، وتعلّقت بالفن السابع، وأرادت منذ البدء أن تكون ممثلة جيدة، وأن ترتقي بنفسها إلى مستوى الشغف الذي تَفجّر في طفولتها وهيمنَ على ذاكرتها الطريّة المُكتظة بالأحلام.

أحبّت “مارلين” ابن جارهم “جيمس دوغيرتي” وتزوجته بعد عيد ميلادها السادس عشر، ثم ارتبطت ببطل البيسبول “جو ديماجيو” لبضعة أشهر، وسرعان ما انفصلت عنه لتقترن بالكاتب المسرحي الشهير “آرثر ميلر”، لكنها خيّبت ظنه حينما اكتشف “أنها لم تكن ذكية متوقدة” كما كان يظن، رغم أنها غيرت ديانتها من أجله، ووصفها بكلمات نابية وتخلى عنها بعد قرابة خمس سنوات من العلاقة التي ظن أنها رومانسية ومقدسة وتقترب كثيرا من مضمون العبارة التي نقشها على خاتمِه، والتي تقول “الآن وإلى الأبد”.

أقامت “مارلين” علاقات قصيرة مع مخرجين وممثلين عدة، لكن علاقتها الحميمية بالرئيس “جون كينيدي” وشقيقه النائب العام “روبرت كينيدي” كان لها وقع خاص في الذاكرة الجمعية للشعب الأمريكي.

“أنتوني سيمرز”.. عصارة ثلاث سنوات من الهوس البحثي

لعل لُغز موت “مارلين مونرو” الذي حيّر الناس والمعجبين بها على وجه الخصوص هو الذي أصبح مادة لكتب وأفلام وثائقية كثيرة، كما هو الحال في هذا الفيلم “لُغز مارلين مونرو.. الأشرطة غير المسموعة” (The Mystery of Marilyn Monroe: The Unheard Tapes) لمخرجته “إيما كوير”، ويرويه لنا الصحفي الإيرلندي الاستقصائي “أنتوني سيمرز” صاحب كتاب “الإلهة.. الحياة السرية لمارلين مونرو” الذي رأى النور سنة 1985.

لا بد من الإشارة إلى أن “أنتوني سيمرز” كان يرى بأن إنجاز هذا الفيلم الوثائقي لا يستغرق أكثر من أسبوعين، لكن غواية البحث والاستقصاء أخذت منه ثلاث سنوات أو أكثر بعد أن أصبح بحوزته 650 مقابلة مسجلة، لكنه استعمل منها 23 شريطا يضم مقابلات مهمة مع 34 شخصية تجمع مخرجين وممثلين وكُتابا وصحفيين ومحققين وخبراء مراقبة وأصدقاء قدامى للضحية ومُصففي شعر، حتى يصل الأمر إلى مدبِّرة المنزل.

وعلى الرغم من أهمية هذه الشخصيات، فإن مشاركة أفراد عائلة الطبيب النفسي “رالف غرينسون” الذي عالج “مارلين مونرو” في سنواتها الأخيرة سيلقي المزيد من الأضواء على شخصيتها من الجانب النفسي، وعلى علاقتها الرومانسية الأولى بالجنرال، وتعني به النائب العام “روبرت كينيدي”، ثم مع الرئيس “جون كينيدي” تحت رعاية وإشراف صهرهما “بيتر لوفورد” الذي يمارس دور السمسار رغم منزلته الفنية والاجتماعية.

وستتولى أرملة الطبيب النفسي “هيلدي” وابنتها “جون” وولدها “داني” عملية السرد أكثر من الشخصيات الأخرى، إضافة إلى الراوي “سيمرز” الذي يمارس دور الكشّاف ومُحدِّد الانعطافات المحورية في القصة السينمائية.

“فتاة كريمة ودافئة ومحبوبة حقا”

يُعيد المدعي العام لمدينة لوس أنجلوس فتح القضية المتعلقة بوفاة “مارلين مونرو” سنة 1982، وقد آنَ الأوان للوصول إلى الحقيقة التي ظلت غامضة حتى الآن، وثمة سؤال مُبهم مفاده هل قُتلت “مارلين مونرو”، أم انتحرت بسبب جرعة زائدة من الحبوب المنوِّمة؟ وإذا كانت قد قُتلت فما هو السبب الرئيسي في قتلها والتخلّص منها بهذه الطريقة الوحشية؟ وما هي الجهة التي خططت لعملية القتل وقامت بتنفيذها، ولماذا أخفيت ظروف موتها الغامض؟

وُصفت مارلين مونرو بأنها “فتاة كريمة ودافئة ومحبوبة حقا”

تستعيد المخرجة “إيما كوير” من خلال اللقاءات التي سجّلها “أنتوني سيمرز” طفولة “مونرو” وبداياتها الفنية المتواضعة التي اعترفت فيها أنها لم تكن تعرف شيئا عن التمثيل، لكن كان لها شغف بأن تتعلّمه وتبرْع فيه.

في الشريط الأول يلتقي “سيمرز” بالسيد “آل روزين” الذي يتحدث فيه عن العصر الذهبي للسينما، وطريقة اختيار الممثلات الطموحات القادمات من أقاصي الأرض بحثا عن الشهرة والمال. وفي شريط ثانٍ تُقر “كلوريا رومانوف” بأن “مارلين” كانت “فتاة كريمة ودافئة ومحبوبة حقا”، وكانت معروفة في المطاعم والملاهي، ومنها مطعم “رومانوف” الذي كانت تؤمه الشخصيات السينمائية المهمة كلها، فهوليود كانت مدينة صغيرة آنذاك، لدرجة أن عددا من روّادها الأوائل ما زالوا نشطين في هذا المجال، مثل “جوزيف سكينك” رئيس مجلس إدارة “فوكس” في القرن العشرين الذي كانت “مارلين” على علاقة به وبأناس آخرين كانت تقابلهم في منزله عام 1948، وهي السنة التي أنجزت فيها فيلم “سيدات الجوقة” (Ladies of The Chorus).

“تسحب شيئا من أعماق نفسها وتقدّمه للجمهور”

يصف البعض “مارلين” بأنها ضعيفة وهشة، لكنها ليست بذلك رغم هيمنة الذكور واستغلال النساء في تلك الحقبة، وقد أصرّت على أن تُصبح ممثلة جيدة وتطوّع كل شيء لمصلحتها الخاصة، وقد تعرفت على “جوني هايد” وكيل المواهب الأمريكي الذي أحبّها في الحال، وترك زوجته من أجلها، ليس من أجل الحُب الخالص وإنما من أجل اللهاث وراء النزوات العابرة، فقد كان عمره 53 سنة، بينما كان عمرها 23، وكان مُصابا بمرض خطير لم يمهله أكثر من 18 شهرا ليفارق الحياة إلى الأبد، لذلك كرّس حياته الباقية لها، وكان يثني على مواهبها نهارا، ويعرّفها في الليل إلى كبار الشخصيات في المدينة من أجل الترويج لها وتعزيز موهبتها الفنية.

يتسابق ثلاثة مخرجين كبار لمدح موهبتها الفنية، أولهم المخرج “جون هيوستن” الذي أخرج لها “غابة الأسفلت” (The Asphalt Jungle) سنة 1950، و”اللامنتمون” (The Misfits) سنة 1961، وقد وصفها بقوله: إنها متألقة وجذابة جدا، لكنها مترددة بعض الشيء، وخجولة، قرأت النص وعادت بعد يوم أو يومين لتؤدي دورها بشكل مُتقن ومثالي في فيلم “غابة الإسفلت”.

ولعل أهم ما قاله “هيوستن” بحقها “إنها كانت تمدّ يدها للأسفل وتسحب شيئا من أعماق نفسها وتقدّمه للجمهور”. لم تكن لديها آنذاك تقنية محددة في الأداء، لكنها كانت تُجسِّد حقيقة الدور الذي يُسنَد إليها بطريقة فريدة واستثنائية لا تُضحّي بالأنوثة الطافحة التي تمتلكها، ولا تفرّط بالأداء التعبيري الذي تتوفر عليه.

لقطة من فيلم “اللامنتمون” لمارلين مونرو وكلارك غيبل

أصبحت “مارلين” في مطلع الخمسينيات الشخصية الأكثر إثارة في أمريكا، والأسرع في تحقيق النجومية، خاصة بعد تألقها في فيلم “نياغرا” (Niagara) عام 1953، وقد صوّت لها كل روّاد السينما، ونالت لقب أشهر ممثلة في تلك السنة.

تنضم النجمة “جين راسل” إلى قائمة المخرجين والفنانين الذي امتدحوا موهبة “مارلين” وأثنوا على قدراتها الفنية، إذ قالت عنها “كانت ذكية جدا، وأرادت أن تتعلم، وكانت مهتمة بكل شيء قد يساعدها في السيطرة على حياتها المهنية”. وتعترف “راسل” بأنها كانت تعود إلى المنزل مُرهَقة بعد العمل، بينما تذهب “مارلين” إلى المُدرّب لتطوِّر قدراتها الفنية.

عائلة الطبيب.. صداقة وانبهار وتحامل على مجنونة العظمة

يتعرف “سيمرز” على عائلة آخر طبيب نفسي كانت تزوره “مارلين” في سنواتها الأخيرة، ويلتقي بأرملة الطبيب “هيلدي” وولده “داني” وابنته “جون” الذين أفادوه في هذه المقابلات وأناروا له بصيرته، بل إن “هيلدي” سمحت له بقراءة عدد من أوراق الدكتور “كرينسون” ورسائله التي كانت مفيدة في هذا الفيلم.

يتحامل الابن “داني كرينسون” كثيرا على نجوم السينما في هوليود، ويرى في بعضهم شخصيات نرجسية بغيضة، أما أخته “جون” التي كانت تحملها في سيارتها أحيانا فإنها لم ترَ فيها شيئا مميزا، خاصة حينما تكون خالية من الزينة، أما الأم “هيلدي” فهي أكثر إنصافا وواقعية، إذ تقول: كان جسدها جميلا، حقا لم أرَ جسدا في مثل جماله الشاعري.

يؤكد الدكتور في تقاريره على إصابتها بجنون العظمة، وأن طفولتها كانت مضطربة، وأنها لن تنسى تشردها عندما تكبر أبدا، فهي امرأة محرومة من الطفولة، وأن ما تحتاج إليه هو دفء العائلة الحميمة. وقد تفاقمت ظروفها النفسية حينما نقلت أمها إلى مصحة للأمراض العقلية.

لقد نشأت علاقة صداقة بينها وبين عائلة الدكتور “كرينسون”، وأخذت تبوح لهم بكل شيء تقريبا، فالأم ترى أنها صاحبة عقل شغوف وصادق يحاول أن يجد الحقيقة بغض النظر عن ما كانت هي عليه، بينما يرى الابن “داني” أنها تنطوي على أكثر مما تراه العين، في حين تركز البنت “جون” على الأخبار العاطفية، فقد أخبرتها “مارلين” بوجود رجل جديد في حياتها دعتهُ بالجنرال، وسوف يكشف الراوي بأن “الجنرال” هو المدعي العام “روبرت كينيدي”. فـ”جون” ابنة هذه الأسرة الميسورة تلتقي ببعض الأغبياء من مدرسة الفنون، وهذه المتشردة تواعد شخصا مهما في الحكومة هو “روبرت كينيدي”، ثم تقفز إلى شقيقه “جون كينيدي” الذي سيعود إلى كرسي الرئاسة مجددا.

“إنها تمتلك شيئا فريدا لا يمكن تكراره”

ينضم إلى قائمة المُشيدين بقدراتها الفنية المخرج الأمريكي “بيلي وايلدر” الذي قال “إنها تمتلك شيئا فريدا لا يمكن تكراره”، وهي ملحوظة مقاربة لقول “داني كرينسون” إنها تنطوي “على شيء ما أكثر مما تراه العين”.

على الرغم من ولع “مارلين” وافتتانها بالناس الأذكياء، فإن ارتباطها بـ”آرثر ميلر” صاحب مسرحيتي “كلّهم أولادي” و”موت بائع متجوِّل” أحبطها كثيرا، خاصة بعد سفرهما إلى لندن لتصوير فيلم “الأمير وفتاة الاستعراض” (The Prince and the Showgirl) لشركة “مارلين مونرو للإنتاج”، وبعد الحفلة وجدت “مارلين” بعض الملحوظات التي كتبها “ميلر” وألقاها على الأرض يقول فيها إنه ظنها ملاكا من نوع ما لكنه كان مُخطئا، إذ تزوج من امرأة معيبة مثل زوجته السابقة.

وعلى الرغم من تدهور العلاقة بين الطرفين، فقد حملت من “ميلر”، وكانت تعتبر تلك الفترة من أسعد فترات حياتها في أثناء تصوير فيلم “البعض يفضِّلونها ساخنة” (Some Like It Hot).

“كانا بذيئين ومُبتذلين وكان أبوهما كذلك”.. علاقة بالرئيس وأخيه

انفصلت “مارلين” عن “آرثر ميلر” في 20 يناير/كانون الثاني عام 1961، وهو نفس اليوم الذي جرى فيه تنصيب “جون كينيدي” رئيسا للبلاد، مع أن علاقتهما تعود إلى الخمسينيات.

صورة تجمع مارلين مع زوجها الكاتب المسرحي الشهير آرثر ميلر، إلا أنهما انفصلا لاحقا

كان “جون” ابن أحد الأغنياء، ولم يكن معروفا على الإطلاق. يلعب “بيتر لوفورد” وهو صهر آل “كينيدي” دورا مهما في ترتيب اللقاءات الحميمية بين “مارلين مونرو” والأخوين “كينيدي”، حيث يلتقيان في منزل الشاطئ، وكانا يرتكبان الفاحشة أمام أي شخص.

لا تجد الممثلة “جين مارتن” حرجا في القول إن الرئيس وشقيقه “كانا بذيئين ومُبتذلين وكان أبوهما كذلك”.

كانت “مارلين” تتحدث في الأمور السياسية، وكانت تشعر بعدم الانتماء إلى هذا الحشد من المسؤولين الكبار، فقد كان الأخوان يلعبان بالنار لأن هناك أعداء يتربصون بهما، ويحاولون بشتّى السبل الحصول على معلومات ضد “جون كينيدي” و”بوبي كينيدي”.

وقد تحقق لهم ذلك حينما طلب “جيمي هوفا” المعروف بفساده ونفوذه الهائل وارتباطه بالمافيا أن يجمع له أعوانه ملفا مهنيا عن “جون” و”بوبي” وعلاقتهما بـ”مارلين”، وكانت الخطة هي زرع الأجهزة الإلكترونية في منزل “لوفودر” في ماليبو، ومنزل “مارلين” في برينتدوود.

وقع تركيب أجهزة التنصت في غرف النوم والهواتف، وسجلت عدة أشرطة لـ”جون كينيدي” و”مونرو” في منزل الشاطئ في أثناء ممارستهما للحُب. وكانت هناك أشرطة أخرى لـ”بوبي كينيدي” و”مونرو” تسجل كل لقاءاتهما الحميمية، وما يتخللها من حوارات إيحائية ناعمة. وقد أكدت “إنجي نوفيلو” السكرتيرة الشخصية لـ”روبرت كينيدي” أن المدعي العام كان يعاود الاتصال بـ”مارلين” بعد مكالماتها الهاتفية المتكررة.

مصرع “مارلين”.. أسباب متعددة لنتيجة واحدة

لا شكّ أن قضية التنصت واستراق السمع لها علاقة قوية ومباشرة بموت “مارلين مونرو”، خصوصا بعد تسجيل الأدلة الدامغة للعلاقة الجنسية المفضوحة بينها وبين الرئيس وأخيه، إلا أن هذا الفيلم يفتح نافذة جديدة على مارلين مونرو “الشيوعية”.

مارلين مونرو التي عُرفت بأنها فاتنة السينما وُصفت بأنها “شيوعية”، وهو ما أثار غضب الرئيس الأمريكي جون كينيدي وشقيقه

تُرى، هل كانت شيوعية حقا؟ أم أنها صديقة لعدد من الشيوعيين المغتربين الذي وفدوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية؟ أم لأن زوجها السابق “آرثر ميلر” كان محسوبا على الشيوعيين أو مؤازرا لهم؟

يتوصل الراوي “سيمرز” إلى ملف التحقيقات الفيدرالي الذي يحمل اسم “م.م” “إس أم إس” الذي دُوِّن فيه أنها شيوعية، وكان مكتب التحقيقات يراقب “مارلين” لفترة طويلة، خاصة عندما كانت متزوجة من “آرثر ميلر” الذي يُفترض أنه كان شيوعيا.

قضت “مارلين” في مارس/آذار عام 1962 خلال رحلتها إلى المسكيك وقتا مع أصدقاء معروفين من الشيوعيين واليساريين الأمريكيين الذين طردتهم أمريكا، وأخبرت صديقها “فريد فاندربيلت فيلد” عن حديث سياسي أجرته مع “بوبي كينيدي”، وأن وكالة الاستخبارات الأمريكية ترى في “مارلين” فتاة مضطربة تهرع إلى الطبيب النفسي كل يوم، وتثرثر على الهاتف مع أي شخص، وبالتالي فهي امرأة لا تصلح أن تكون على علاقة مع الرئيس أو المدعي العام، ولهذا السبب فقد رسموا لها نهاية موتها الغامض.

“انتهى الأمر عند هذا الحدّ”.. نهاية مفاجئة تفطر القلب

ثمة وثيقتان تشيران إلى أن “مارلين مونرو” شوهدت في 13 يوليو/تموز عام 1962، وذلك بحسب مُخبر لم يذكر اسمه، وقد ذكر أنها تتناول الغداء مع الرئيس “كينيدي” في منزل “بيتر لوفورد” على الشاطئ، وذكر بأنهما ناقشا أخلاقيات الاختبار الذرّي، ووُصفت مارلين بأنها يسارية، ثم توجهت إلى نيفادا لتشهد اختبار أسلحة نووية، خاصة عندما طلب “فيدل كاسترو” صواريخ بالستية من “نيكيتا خروتشوف” ونصبها على بُعد كيلومترات من فلوريدا.

اللقطة الوحيدة التي تجمع بين النجمة مارلين مونرو والرئيس جون كينيدي وشقيقه روبرت

في هذا الوقت بالذات كانت “مارلين” على اتصال بأناس شيوعيين مقرّبين من “كاسترو”، الأمر الذي دفع آل “كينيدي” للقول إنهم لا يمكنهم التعامل معها بعد الآن، وهذا ما جرح مشاعرها بشدة حينما أخبروها أن لا تعاود الاتصال بهما نهائيا.

“هذا هو كل شيء، انتهى الأمر عند هذا الحد”. لم تكن “مارلين” أكثر من واهمة بحب الرئيس وشقيقه، بل كانت مجرد وعاء لتفريغ شهواتهما لا غير، وهذا ما أوجعها حد الموت، وكانت بداية النهاية لعصر الأسطورة التي هيمنت على الولايات المتحدة الأمريكية، فالشهرة متقلبّة، ومثلما تعوضك ببعض الأشياء، فهي تحرمك من أشياء أخرى، إذ أفضت بها إلى الموت في خاتمة المطاف، فقد توفيت في 5 آغسطس/آب عام 1962 عن 36 عاما فقط.

وبحسب رواية مُدبرة المنزل “يونيس ماري” فقد وُجدت “مارلين” ميتة في سريرها مُمسكة بسماعة هاتف مفصولة في يد واحدة، وزجاجة من الحبوب المنوِّمة بالقرب من سريرها.

لم يعثر على أي ملحوظات مكتوبة، واستبعد الطبيب الشرعي أن تكون الوفاة بسبب جرعة زائدة من المخدرات، وكالعادة فإنّ التقرير الرسمي لن يروي القصة الحقيقية أبدا طالما أن الشكوك لها علاقة بالرئيس وشقيقه.

“لقد فقدناها”.. روايات متناقضة حول لحظة النهاية

كان خبر الوفاة حدثا كبيرا تلقفته الصحف، متسائلة إن كان الموت حدث بفعل فاعل أم كان انتحارا؟

ووفق شهادة “ماري” مدبرة المنزل والدكتور “كرينسون” بتاريخ 4 آغسطس/آب عام 1962 فقد دخلت “مارلين” غرفتها في الساعة الثامنة مساء وأغلقت الباب، وحينما استيقظت بعد الساعة الثالثة صباحا لاحظت أن النور مضاء، فقلقت عليها، واتصلت بالطبيب “كرينسون” فوصل على وجه السرعة، ووفقا لشهادته فقد تمكن من النظر عبر النافذة، ورأى “مارلين” مستلقية على السرير، فكسر زجاج النافذة ودخل ليخبر السيدة ماري قائلا: لقد فقدناها.

النجمة مارلين مونرو رحلت وظلت قضية وفاتها حدثا غامضا حتى اليوم

تنفي “ناتالي جاكوبسن” أرملة “آرثر جاكوبسن” مدير العلاقات العامة لـ”مارلين مونرو” هذه الرواية جملة وتفصيلا، وتقول “هذا ليس صحيحا، لأن زوجي كان هناك”، وتدّعي بأن زوجها هو الذي لفّق كل شيء، وأن هذا التلفيق هو جزء من عمله لإبقاء الصحافة بعيدة.

يدلي سائق الإسعاف “كين هنتر” بما ادّعاه أنه رأى “مونرو” مستلقية على جنبها، وهذا ادعاء قائم بذاته. وذكر “والت شايفر” بأن سيارة الإسعاف قد اصطحبتها إلى طوارئ سانتا مونيكا.

تُرى، هل ماتت في المنزل أم فارقت الحياة في طريقها إلى المستشفى، أم واجهت مصيرها المحتوم في المستشفى الذي نُقلت إليه؟

سبعة شهود أكدوا أنها نُقلت في تلك الليلة إلى المستشفى، وهذا تطور كبير في القصة.

“أشعر أنني قطعة لحم”.. مأساوية الأيام الأخيرة

لا يريد الصحفي “بيل وودفيلد” أن يخوض في قضية “مارلين مونرو” مجددا، لقد قام بعمله وأدى واجبه وتلّقى الأموال، وانتهى الأمر بالنسبة إليه، غير أن إصرار “سيمرز” كان كبيرا، بل إنه طلب منه المساعدة بهذا الأمر، فنصحه “بيل” باكتشاف مكان “بوبي كينيدي” في عطلة نهاية الأسبوع الذي ماتت فيه “مونرو”.

سمع “هاري هول” مخبر تنفيذ القانون من مصدر موثوق أن “بوبي” كان موجودا في منزل “بيتر” على الشاطئ، ومن المفترض أنه غادر المدينة، كما سمع من وكيل فيدرالي أن الشرائط المسجلة قد حان وقتها الآن، فـ”مونرو” كانت تقول قبيل وفاتها لـ”بوبي” من منزل “لوفورد”: لا تزعجني، دعني وشأني، ابقَ خارج حياتي.

ولعل أهم ما قالته “أشعر أنني تائهة”، و”لقد وقع استغلالي”، و”أشعر أنني قطعة لحم”.

هذه الخدع والاحتيالات هي التي جعلت “مونرو” تشعر بحالة اضطراب ذهني كبير قبل وفاتها، وكانت تتصل بالأخوين “كينيدي” وبالبيت الأبيض، لكن الاثنين أدارا ظهريهما لها، وكانت هذه اللحظة هي بداية النهاية المأساوية لها.

صورة الأخوين.. آخر ما أبقى المحققون من خيوط الرئيس

تعترف “ماري” مدبرة المنزل بأن لقاء “مونرو” مع “بوبي كينيدي” كان عدوانيا لدرجة أن الحرس تدخلوا لحمايته، وأن مكتب التحقيقات الفيدرالي تكتّم على الأمر، لأن الرجل المتورط كان الرئيس الأمريكي، فقام الخبراء بتجريد منزلها من المعلومات التي قد تُعرّض عائلة الرئيس “كينيدي” للخطر، ولم يبق في منزلها إلا صورة واحدة تجمع بينها وبين الأخوين “كينيدي” في الحفل الذي أقيم في حديقة ميدان ماديسون.

يخلص “أنتوني سيمرز” إلى القول إنه لم يجد أي شيء يقنعهُ بأنها قُتلت عمدا أو توفيت منتحرة، أو تناولت جرعة حبوب زائدة عرضيا، لكنه وجد أدلة تكشف التستّر على ظروف وفاتها عمْدا. أما سبب التستر على ظروف وفاتها فهو علاقتها بالأخوين كينيدي.

ومن يراجع التسجيلات التي عثر عليها في منزلها سيجد كلاما محذوفا لا تنجح المخيلة في إعادته إلى الفراغات المتروكة.

تختم المخرجة “إيما كوير” فيلمها بالقول: عادة ما تنتشر الأكاذيب، نادرا ما تتداول الحقائق، ومن الصعب أن تعرف من أين تبدأ إذا لم تنطلق من الحقيقة.

أما بخصوص النجمة التي شغلت العالم فهي تطوي صفحات هذا الفيلم الاستقصائي الناجح قائلة: كنتُ طفلة جالسة في الصف الأمامي في السينما بعد ظهر السبت وفكرت قائلة: كم هو جميل أن أكون ممثلة جيدة.

وهذا ما تحقق بالفعل، فقد اشتركت في 30 فيلما نالت عنها عشرات الجوائز المحلية والدولية، وأصبحت بسببها أيقونة للإثارة والرقة والجمال.