“الرجل الذي خلف الأسطورة”.. عائد من الحرب يصنع سيارة “لامبورغيني”

يسرد فيلم “لامبورغيني.. الرجل الذي خلف الأسطورة” (Lamborghini.. The Man Behind the Legend) جانبا من حياة مصمم المحركات وصانع السيارات الإيطالي “فيروتشيو لامبورغيني”، الذي اقترن اسمه بالعلامة التجارية لواحدة من أشهر السيارات الرياضية الفخمة في العالم.

وفي محاولته لرسم بورتريه شخصي له يأخذ الفيلم ثلاث مراحل من حياته، فهي مفعمة بالتحولات والتحديات التي لم تثنه رغم صعوباتها عن تحقيق أحلامه في أن يصبح واحدا من أشهر مصممي السيارات الرياضية، ورائدا في صناعة الجرارات الزراعية الخفيفة.

تجربة الحرب.. عودة طموحة لصناعة النجاح الميكانيكي

على عكس أكثرية الجنود العائدين من الحروب، الذين يعانون من أزمات نفسية وخيبات تعطل حماستهم لمواصلة الحياة بطموحات كبيرة؛ عاد الجندي الشاب “فيروتشيو لامبورغيني” (يؤدي دوره شابا الممثل رومانو ريغياني) من الحرب إلى بلدته الإيطالية مفعما بالحماس والأمل في تخليص نفسه وعائلته من أعباء العمل الفِلاحي التقليدي، من خلال ابتكار وسائل أخرى تنهض به، وتُدرّ أرباحا أكثر مما يحصل عليه والده المزارع البسيط من حقله الصغير، عاد وكله حماس لمقابلة حبيبته “كليليا” (الممثلة هانا فان دير ويستهوسن) والزواج بها.

لقد أكسب تجربة الحرب -رغم قساوتها- الشاب الطموح خلال خدمته العسكرية كثيرا من الخبرات في حقل الميكانيكا، وقد أراد استثمارها في مشروع صناعة جرارات زراعية رخيصة يمكن للمزارع البسيط شراؤها. ولم ترق الفكرة لوالده المزارع الفقير الخائف من الدخول في مغامرة مالية لا يستطيع تحملها، لكن ابنه الشاب أصرّ على تحويل فكرته إلى واقع بمساعدة صديقه الميكانيكي “ماتيو” (الممثل ماتيو ليوني).

رهن الأرض.. مغامرة خطرة للحصول على القرض

يختصر الفصل الأول الصعوبات التي واجهت “لامبورغيني” في إقناع البنوك وأصحاب المال لدعم فكرته، إذ يشترط أحد البنوك عليه توفير ضمانة قوية للقرض المطلوب، وحينها يطلب من والده المساعدة، فيمنحه سند ملكية الأرض ليضعها رهينة عند البنك، وبذلك يُعرّض الأب مستقبله ومستقبل بقية أولاده لخطر خسارة كل ما يملكونه في حياتهم.

بعد حصوله على القرض يشرع دون تأخير بالعمل على صناعة الجرار، فيشتري سيارات قديمة بأثمان رخيصة، ثم يقوم بتفكيكها وإعادة تدوير معادنها ومحركاتها لتصبح محركات وهياكل جراره الجديد. يأخذ العمل منه ومن صديقه الكثير من الجهد والطاقة، لتحقيق حلمهما الذي بدا غريبا في عيون الآخرين، وهما يكرسان كل وقتهما لصناعة جرار زراعي بمواصفات جديدة وبأبسط الإمكانات.

يظهر أخيرا الجرار “كاريوكا” وتظهر معه الفواجع.

“فيراري”.. خسارة السباق ضد المنافس اللدود

أثناء انشغال “فيروتشيو لامبورغيني” بالعمل تتعرض زوجته لنزيف حاد قبل ولادتها، ثم تفارق الحياة أثناء الولادة، ويبقى المولود حيّا. يخسر “فيروتشيو” بموتها حبه الأول، وبعد فترة قصيرة يخسر صديقه “ماتيو” بسبب امرأة أحبها صديقه، لكنها مالت إليه وقبلت الاقتران به ورعاية طفله اليتيم.

فيراري هو المنافس الأول لـلامبورغيني منذ دخوله عالم السيارات

في المرحلة الأولى من الفيلم الكلاسيكي الأسلوب يحضر اسم “فيراري” كغريم له، يريد الشاب التغلب عليه في السباق السنوي للمدينة، وذلك بالسيارة الرياضية البسيطة التي طورها بنفسه، لكنه يخسر السباق.

وليبقى ذلك الصراع قائما يُعبِر عنه النص السينمائي الروائي بمشهد يتكرر خلال المراحل الثلاثة من حياته، ويُستخدم خلفيةً تُذكّر المُشاهِد بجوهر التنافس بين الرجلين اللذين يظهران فيه، وهما يتباريان في مضمار سباق، كلٌّ بسيارته الخاصة؛ “فيراري” و”لامبورغيني”، وقد بلغا سنا متقدمة من العمر.

“المرحلة الذهبية”.. فكرة صناعة السيارة الرياضية الفخمة

المرحلة الثانية من حياة “فيروتشيو لامبورغيني” يسميها الفيلم “المرحلة الذهبية”، وهي تغطي سنوات نضج ونجاح صاحب شركة “لامبورغيني” لإنتاج الجرارات الزراعية وقطع غيارها، وبفضلها أضحى الشاب الطموح رجلا غنيا مسرفا محبا لمعاشرة النساء، مهملا لزوجته وطفله، رجل لا يهدأ، ويكرس جل وقته لتطوير ما يملك بأفكار مبتكرة ومشاريع طموحة.

وقد جاء أهم تلك المشاريع إثر إهانة تلقاها من “إنزو فيراري” (الممثل غابريل بيرن) حين التقى به مرة، وشكا له سوء عمل جهاز نقل الحركات في سياراته الرياضية الفاخرة.

ولتجاوز المشكلة التقنية يعرض عليه فكرة مشروع مشترك بينهما، يقوم “لامبورغيني” بصناعة جهاز ناقل حركة أحسن، ويضيف بعض التحسينات على شكل السيارة، لكن استهانة الرجل المتغطرس بفكرته تدفعه للشروع بصناعة سيارة تنافس “فيراري” وتتفوق عليها، فقد أرادها أن تكون أفضل سيارة رياضية فخمة في العالم، يقترن اسمه بها وتظل تتذكرها الأجيال.

رد الإهانة.. مشروع صناعي في ذروة الأزمة الاقتصادية

تتزامن رغبة “فيروتشيو لامبورغيني” في الانتقام من منافسه ورد الإهانة بأقوى منها، مع أزمات اقتصادية تشهدها إيطاليا وأوروبا خلال بداية ستينيات القرن المنصرم، بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، وبشكل خاص البنزين وبقية السلع الصناعية.

يرصد الفيلم بطريقة غير مباشرة أولى المؤشرات على بروز العولمة الرأسمالية من خلال تنويع مصادر تصنيع قطع السيارة الواحدة، فمن وقتها لم تعد السيارة آلة محلية الصنع بالكامل، بل أضحى مصمموها ومهندسوها أكثر انفتاحا على قبول فكرة تعدد مصادر صناعتها، طمعا في حصولهم على أفضل ما يُنتج من قطعها في البلدان الصناعية، الأوروبية منها على وجه الخصوص، لتدخل في صُلب مراحل إنتاجها.

يراهن على نجاح مشروعه بنقل أكثر ما يملك من مال مستثمر في صناعة الجرارات إلى سيارة “لامبورغيني” المنتظرة.

عرض السيارة في معرض جنيف.. سباق مع الزمن

يختار “فيروتشيو لامبورغيني” فريق عمل من أذكى وأمهر مهندسي المحركات ومصممي السيارات وقتها، يبقى إلى جانبهم لا يفارقهم، ويقترح عليهم أفكارا ملهمة خلال التنفيذ، ويحثهم على العمل السريع، من أجل ظهور السيارة في معرض جنيف للسيارات.

يسابق فريقه الزمن، ويظهر السرد الممتع عناد الرجل والخصال الشخصية التي يتمتع بها، وليست كلها حميدة، إذ أنه في سعيه الطامح للمجد والثراء لا يراعي مشاعر الآخرين، ولا يهمه سوى تحقيق ما يريد.

يهمل “فيروتشيو” زوجته (الممثلة ميرا سورفينو) رغم مساعدتها له في عمله، وحرصها الشديد على تربية ورعاية ابنه اليتيم الذي ظلت تعامله كأنه ابن لها، لا يعرف والده كيف يعيش ولا يلتقي به إلا في مناسبات متباعدة، لكنه كان يغدق عليه المال، وكأن هذا هو كل ما يحتاجه. أنانيته وهوسه بالنجاح مهما كلفه من جهد وتضحيات حقق له ما أراد.

لامبورغيني يعرض سيارته في المعرض الدولي للسيارات في جنيف، ويحظى بمديح المختصين

يعرض “لامبورغيني” سيارته في المعرض الدولي في جنيف، وتحظى بمديح المختصين، وفي الحال تتزاحم عروض البنوك وشركات الاستثمار العالمية عليها. لقد انتصر في الجولة المهمة من السباق على غريمه “فيراري”، لكن ثمن نصره كان باهظا.

وحدة القصر الفخم.. عقوبة التقصير بحق العائلة

في المرحلة الثالثة من سيرته السينمائية تتجلى الجوانب المحزنة من تجربة “فيروتشيو لامبورغيني”، فبعد طلاق زوجته منه واختيار ابنه العيش معها، لم يبق إلى جواره أحد، فأضحى وحيدا في قصره الفخم، يعاني من عزلة وإحساس بالندم على أخطاء ارتكبها في حق عائلته، وللتخفيف منها يوصي في وصيته بنقل ثلثي أموال مبيعات السيارات لابنه، والثلث المتبقي يذهب إلى إخوته.

بعدها يظهر في مشهد بانورامي وهو يقود سيارته في طريق جبلي ملتوٍ، تنتقل منه الكاميرا إلى فضاء واسع يظهر البحر إلى جواره والسماء زرقاء فوقه، وكأنه يذهب إلى الأبدية، أو يدخل مجازات الحلم الذي طارده وأمسك به في نهاية المطاف.

أداء الفيلم.. نَفَس هوليودي لروح إيطالية

فيلم “لامبورغيني. الرجل الذي خلف الأسطورة” ممتع وهوليودي النفس، فأداء ممثليه مقنع، ولا سيما الممثل “فرانك غريلو” الذي لعب دور “فيروتشيو لامبورغيني” في مرحلة ما بعد الشباب.

يختار مخرجه “بوبي موريسكو” أسلوبا تقليديا للسرد يضمن لفيلمه دخلا تجاريا جيدا، وعلى المستوى الفكري يُحسب له أنه في كل مرحلة من مراحل حياة بطله حرص على تضمينها روحا وثائقية تضفي جوّا من السيرة الذاتية المكتوبة بلغة السينما السهلة التي لا تميل إلى التجديد، أو خرق القواعد العامة، لكنها لا تخلو في الوقت نفسه من ربط بينها وبين الظروف التاريخية والسياسية التي مرت بها إيطاليا خلال فترة ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وشروعها في الانتقال إلى مرحلة التصنيع التي كانت صناعة السيارات جزءا مهما وواعدا منها.

يُعاب على سيناريو الفيلم أنه اختار اللغة الإنجليزية لغة حوار له، مما أضعف الروح الإيطالية المطلوب توفرها في فيلم يحكي عن حياة رجل إيطالي الجنسية حقق شهرة في عالم صناعة وتصميم السيارات الرياضية التي اشتهر بها بلده، وصارت واحدة من العلامات التجارية المميزة له.


إعلان