“يفغيني بريغوجين”.. نهاية الرجل الذي أطعم الرؤساء وقاد الجيوش

في العام 2001، جالت سفينة “نيو آيلاند” -وهي مطعم فاخر- نهر “نيفا” في سانت بطرسبرغ، حاملة على ظهرها الرئيس الفرنسي “جاك شيراك” والرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” الذي حصد رئاسة روسيا. وكان مطعم “نيو آيلاند” ملكا لرجل الأعمال “يفغيني بريغوجين” الذي حصد شهرة واسعة في مجال الطبخ في ظرف عقد من الزمن، فقد كان مقصدا لزعماء سياسيين وعسكريين.
وفي شهر مايو/ أيار 2002، وضع “بريغوجين” كل السحر في أطباق الكافيار وفطيرة كبد البط وخبز الزنجبيل، وكان العشاء على شرف الرئيس الأمريكي “جورج بوش” الابن الذي لم يمض على وصوله إلى الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية سوى بضعة أشهر.
كانت لوائح الطعام في مطعم “نيو آيلاند” الطافي على نهر “نيفا” تفتح شهية الزبائن المرموقين، لكن شهية “يفغيني بريغوجين” كانت من نوع آخر، فقد سعى إلى كسب بطون قادة سامين في روسيا من أجل دخول حصون أكثر مؤسسات الحكم الروسية تحصينا، وهي الكرملين ووزارة الدفاع.
ولم يكن يظن أن شهيته الشرهة قد توصله إلى أن يكون في أعلى لوائح المطلوبين لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن يلقى حتفه في حادث سقوط غامض لطائرته، وبدا أن سحر أطباقه التي أطعم بها الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” لم تكن كافية للغفران.
“كان علي أن أدفع لقطاع الطرق”.. أحكام وبدايات تجارية
في فاتح يونيو/ حزيران 1961، وُلد “يفغيني بريغوجين” في سانت بطرسبرغ التي كانت تسمى لينينغراد. وفي العام 1977، تخرج من الكلية الاحتياطية الأولمبية، حيث درس مع “ألكسندر ديتياتين” بطل الجمباز في الألعاب الأولمبية، واستهوت رياضة التزلج على الثلج “بريغوجين”، وكان يلقى تدريبه على يد زوج أمه.

يقول “بريغوجين” في مقابلة مع جريدة سانت بطرسبرغ: “كنت أسير صحبة زوج أمي مسافة خمسين كيلومترا في يوم واحد، وكان يمكنني السير بمفردي مسافة طويلة جدا”. لكن “بريغوجين” فشل في مساره الرياضي، ثم نال حكما يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1979، بعقوبة سجنية مؤجلة بتهمة السرقة، وفي العام 1981، حكم عليه مرة ثانية بالسجن فعليا، وقضى فيه سبع سنوات، ثم خففت عقوبته في العام 1988.
وفي تحقيق صحفي نشره “إيليا جيغوليف” في العام 2013 في مجلة “فوربس” بعنوان “كيف أطعم طباخ بوتين الجيش بقيمة 92 مليار روبل” يقول إن “بريغوجين” غادر السجن وبدأ على الفور في تنفيذ مشاريع تجارية، وبدأ بأول مشروع صحبة زوج والدته، وذلك ببيع النقانق في شوارع سانت بطرسبرغ ونقل “جيغولوف” عن “بريغوجين” حديثه عن بداية مشروعه، إذ يقول: كنا نخلط الخردل المخصص للنقانق في شقتي، وكان علي أن أدفع لقطاع الطرق مائة دولار عن كل كشك، حتى أحمي نفسي.
سلسلة المطاعم الفاخرة.. صداقة تحقق أحلام بائع النقانق
بدأت أبواب عالم المطاعم تفتح على مصراعيها حين التقى “يفغيني بريغوجين” مع “بوريس سبيكتور”، وهو زميل له في الكلية الأولمبية، وقد قدم له عرضا للعمل معه في تطوير أحد كازينوهات رجل أعمال كبير في المدينة، وعهد إليه بمهمة إدارة سلسلة متاجر بقالة تابعة لرجل الأعمال ضمن سلسلة “كونتراست” التي حظيت بشعبية كبيرة. وفي العام 1993، أصبح “بريغوجين” مديرا ماليا للشركة، وحصل على 15% من حصص شركة “كونتراست” مع “كيريل زيمينوف” المدير التجاري لسلسلة المتاجر.
أصبح “زيمينوف” و”بريغوجين” متقاربين جدا بعد ذلك، واصطحب “زيمينوف” صديقه لإدارة مشروع مطعم فاخر افتتح في العام 1996 باسم “أولد كاستومز”، ليصبح واحدا من أفخر مطاعم مدينة سانت بطرسبرغ، وقد لقي شهرة واسعة، وكان مزارا لأكبر المسؤولين السياسيين في المدينة، وفي ظرف أقل من عامين حصد الشريكان ثروة مكنتهما من تسديد القروض التي حصلا عليها لبدء مشروعهما، واستطاع “بريغوجين” افتتاح ثلاثة مطاعم أخرى بالمدينة.

يقول الصحفي “إيليا جيغوليف” إن رحلة إلى باريس في العام 1997 أبهرت “بريغوجين”، فقد شاهد المطاعم على نهر السين، وعاد مسكونا بفكرة مشروع مطعم فاخرة على ظهر سفينة تطفو على نهر نيفا، ووجد ضالته في سفينة قديمة طافية على نهر فياتكا، وكانت سفينة مهجورة لم تبحر لفترة طويلة، حتى أنه دفع مبلغ 50 ألف دولار فقط لشرائها، قبل أن يدخل تحسينات عليها باستثمارات بلغت 400 ألف دولار.
بناء العلاقات.. شبكة تصطاد ثقة الرئيس الروسي
في ربيع العام 1998، افتُتح مطعم “نيو آيلاند” وأصبح الوجهة الأكثر فخامة في سانت بطرسبرغ، ومقصدا مرموقا للمسؤولين السياسيين الروس للترفيه وللاجتماعات الضيقة، حتى أنه في صيف العام 1999، أبحر رئيس الوزراء الروسي “سيرغي ستيباشين” والمدير العام لصندوق النقد الدولي “ميشيل كامدوسو” على متن مطعم “نيو آيلاند”، وهناك أقنع رئيس الوزراء الروسي آنذاك ضيفه الفرنسي بالموافقة على قرض بقيمة 4.5 مليارات دولار لصالح روسيا.
حين دعا الرئيس الروسي نظيره الفرنسي “جاك شيراك” لمطعم “نيو آيلاند”، حرص “بريغوجين” على خدمة الرئيسين بنفسه، ويقول في حوار له: “لقد رأى فلاديمير بوتين أنني لا أتردد في إحضار الطبق بنفسي للرؤوس المتوّجة التي تأتي لزيارتي” وذلك في إشارة إلى “بوتين” الذي توج بالرئاسة حديثا.
بدأ “بريغوجين” فعليا يصطاد ثقة الرئيس “بوتين”، إذ يسرّ أحد المقربين له لمجلة “فوربيس” بأنه اكتسب ثقته تدريجيا، إذ ربط علاقة مع سائقه الشخصي، ثم مع رئيس أمنه “فيكتور زولوتوف””. ويقول الصحفي “إيليا جيغوليف” إن “فيكتور زولوتوف” هو أحد أكثر الأشخاص نفوذا في الحاشية التي تحيط بالرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، كما ربط علاقة وطيدة مع “رومان تسيبوف” الذي عمل حارسا لأمن “بوتين” خلال فترة عمله نائبا لحاكم سانت بطرسبرغ.
أصبح الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” ضيفا وفيا لمطعم “نيو آيلاند”، فكان كثيرا ما يدعو ضيوفه من رؤساء الدول إلى المطعم الفاخر، حتى أنه في مايو سنة 2002، تناول مع الرئيس الأمريكي “جورج بوش الابن” العشاء على متن “نيو آيلاند”، وفي خريف العام 2003، احتفل “بوتين” بعيد ميلاده في ذلك المطعم أيضا.
“كونكورد”.. طموح عملاق يطعم بطون الجيش الروسي
كان “يفغيني بريغوجين” يكره أن يتقاسم معه الكعكة أحد، خاصة إذا كانت تلك الكعكة تحمل حبة كرز مغرية، وهي العلاقة مع “فلاديمير بوتين”. وكان في نفس الوقت يدير تجارته مع شركائه الذين من بينهم صديقه “زيمينوف”، لذا كان عليه أن يستقل عنهم تماما، وخطط أولا لإبعاد أحد رجال الأعمال المنافسين له عن طريق وشاية إلى الجمارك، مما أدى إلى سجن رجل الأعمال ذاك.

ثم كان عليه التخلص من شريكه وصديقه “زيمينوف”، فطلب منه فك الشراكة وشراء حصته مقابل مليون دولار، وقدم “بريغوجين” أولا 600 ألف دولار، على أن يدفع الباقي في فترة زمنية لاحقة، ثم قام “بريغوجين” بحيلة قانونية بتصفية شركتين كان صديقه شريكا فيهما، وبالتالي اختفت أسهم “زيمينوف” باختفائهما.
بحلول العام 2004، تحول “يفغيني بريغوجين” من صاحب مطعم إلى رجل أعمال، فافتتح بعد ذلك شركة التغذية العملاقة “كونكورد للإدارة والاستشارات المحدودة”، وكان هدفه الأول هو الوصول إلى عقود مع السلطة في موسكو.
كانت البداية بحصوله على عقد لتموين المدارس والكليات في جزء كبير من موسكو في العام 2012، وقد تجاوزت قيمة الصفقة أكثر من 10 مليارات روبل. وكان هدفه الثاني هو الوصول إلى بطون الجيش، وكان له ذلك في أواخر العام 2012، حين استحوذت شركة “كونكورد” على 92% من جميع عقود تزويد الجيش الروسي بالطعام.
سار “بريغوجين” في طريق معبّد إلى أروقة وزارة الدفاع، وافتتح مطعم “كابيني 1237” في مقر الحكومة في موسكو، وبدأت شركة “كونكورد” في تنظيم نقاط تقديم الطعام في هيئة الأركان العامة لوزارة الدفاع، وصولا إلى المطعم الشخصي لوزير الدفاع ومساعديه.
“فاغنر”.. تكريمات رسمية ووفاء للدولة الروسية
في بداية العام 2014، ومع اندلاع أزمة القرم والحرب الروسية في شرق أوكرانيا، طفا على السطح اسم مجموعة يُطلق عليها اسم “فاغنر”، وهي مجموعة من المقاتلين المرتزقة حسب ما يتداول. وقد أسس المحارب السابق “ديميتري أوتكين” المجموعة المقاتلة، وقيل إنه أطلق عليها اسم “فاغنر” تيمنا بالموسيقي الألماني “ريتشارد فاغنر” الذي كانت موسيقاه تعزف خلال تجمعات النازيين.
وفي بحث له بعنوان “مجموعة فاغنر.. فك تشابك أداة القوة الروسية”، يقول الباحث “كيمبرلي مارتن” إن روسيا اتخذت مجموعة “فاغنر” أداة أمنية في الخارج بشكل متكرر، في سوريا وليبيا وفي جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وفي جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان وموزمبيق ومالي.
ويقول “كيمبرلي”: في حين أن البعض يصف مجموعة فاغنر بأنها شركة عسكرية خاصة، لكنها ليست شركة عسكرية خاصة عادية، ولديها تلك العلاقة الوثيقة للغاية مع الدولة الروسية، فهي تقوم بالتدريبات بجوار مركز تدريب العمليات الخاصة التابع لوكالة الاستخبارات العسكرية الروسية في مولكينو.

ويدلل على علاقة المجموعة بالدولة قائلا: في العامين 2015 و2016، دُفن بعض أعضائها الذين قتلوا أثناء المعارك بمرتبة الشرف العسكرية، وهو أمر مخصص عادة للجنود الذين يرتدون الزي الرسمي. وفي ديسمبر/ كانون الأول سنة 2016، حصل مؤسسها ضابط المخابرات العسكرية الروسية السابق “ديمتري أوتكين”، على وسام الشجاعة من “بوتين” في الكرملين.
يطلق البعض على مجموعة فاغنر اسم المرتزقة، لكن أعضاءها ليسوا مرتزقة حقيقيين، وعلى الرغم من أنهم يقاتلون من أجل الربح بموجب عقود، فإنهم أيضا أوفياء بشدة تجاه الدولة الروسية، مع أن بعضهم ليسوا مواطنين روسا، بل ينحدرون من مولدوفا وأوكرانيا وبيلاروسيا وصربيا. في الواقع، لقد تطورت مجموعة “فاغنر” كثيرا بمرور الوقت، قد يكون المصطلح الأفضل لها هو أنها “مجموعة أمنية غير رسمية شبه حكومية”، بدلا من الشركات العسكرية الخاصة أو جماعة المرتزقة.
استشارات السياسة.. إطفاء النيران التي أعجزت الأمم المتحدة
في البداية، كانت مجموعة “فاغنر” ترتبط بـ”يفغيني بريغوجين” من خلال أعماله التجارية، ويقول الكاتبان “مايكل وايس” و”بيار فوكس” في بحث بعنوان “الشركة التي تملكها.. عمليات تأثير يفغيني بريغوجين في أفريقيا” إن المجموعة المقاتلة تأسست في العام 2014، وموّلها قطب المطاعم “يفغيني بريغوجين”.
ويقول الكاتبان: أُسست المجموعة في البداية على أنها شركة عسكرية خاصة، يمثل مرتزقتها وقودا للمدافع في العمليات العسكرية الروسية في الخارج، وأصبحت صلاحياتها في السنوات القليلة الماضية أوسع، وشملت مجال الاستشارات السياسية أو التكنولوجيا السياسية، إذ لم تعد المنظمة ترسل جنودا إلى مناطق القتال الخطرة في الشرق الأوسط وأفريقيا فحسب، بل أصبحت تقدم خدمات تعاقدية حكومية لمجموعة واسعة من السياسيين والمقاتلين في العالم النامي، كما أنها تتفاوض بشأن مبيعات الأسلحة وأعمال الإصلاح العسكرية نيابة عن روسيا.
لم يكن أداء المجموعة جيدا في أوكرانيا في العام 2014، كما تكبدت خسائر فادحة بعد اتخاذ القرار غير الحكيم بمهاجمة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية والمستشارين العسكريين الأمريكيين شرق سوريا سنة 2018، وذلك بعد عامين من عمليات قادها “بريغوجين” للتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام 2016، عن طريق شركاته الأخرى ووكالة أبحاث الإنترنت.
ويقول الباحث “كيمبرلي مارتن”: توفر “فاغنر” التدريب العسكري للقوات الخاصة في جمهورية أفريقيا الوسطى، وتحمي بعض حقول الماس والذهب عبر عقد مع “بريغوجين”، مقابل الحصول على جزء من الأرباح. في الوقت نفسه، قبل رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى “فوستين تواديرا” الضابط المتقاعد من المخابرات العسكرية الروسية “فاليري زاخاروف”، بصفته مستشارا للأمن القومي، وهو يتقاضى رواتبه من شركة “بريغوجين”، ويقطن في عقار يملكه “بريغوجين”، وفقا لتحقيق أجرته شبكة “سي إن إن”.

وفي العام 2019، عمل “زاخاروف” و”بريغوجين” معا لبدء عملية السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى، وقد نجحوا فيما فشلت فيه الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
دعم حفتر.. أوراق التفاوض الرابحة في اللعبة الليبية
الدولة الثانية التي تسربت مجموعة “فاغنر” لها هي ليبيا، وتعمل هناك منذ العام 2018، وقد نقل عدد كبير إضافي من قوات “فاغنر” جوا خلال خريف عام 2019، وفقا لتقرير مسرب للأمم المتحدة حسب الباحث “كيمبرلي مارتن”. وقد اضطلعت مجموعة “فاغنر” بدور حاسم لدعم جهود القائد العسكري الليبي خليفة حفتر الذي يسيطر على الجانب الشرقي من ليبيا، وذلك من أجل الاستيلاء على العاصمة طرابلس.
يقول “كيمبرلي مارتن”: الآن رغم أنه يبدو أن حفتر قد فشل، ودُفع إلى قاعدته الرئيسية في المنطقة الساحلية الشرقية والوسطى من ليبيا، فإن تجربة روسيا ربما تكون قد نجحت رغم ذلك، لأن روسيا بحلول مايو/ أيار من العام 2020، بدت في موضع يمكنها من صياغة اتفاق مع الحكومة الليبية المدعومة من الجيش التركي والمعترف بها دوليا.
وفي منتصف شهر مايو/ أيار، أرسلت روسيا من الأراضي السورية بعض الطائرات المقاتلة والقاذفات المتقدمة إلى المطار الذي يسيطر عليه حفتر في الجفرة، وقد يكون هدف موسكو هو حماية أراضي حفتر الغنية بالنفط والغاز من توغلات الحكومة الليبية المدعومة من أنقرة، وقد تكون روسيا مرة أخرى في طريقها لتصبح المحور الحاسم للأمن بين ميليشيات الدولة والمعارضة، وهذه المرة في شمال أفريقيا.
وقد يكون هدف روسيا النهائي هنا هو بناء قاعدة بحرية وجوية دائمة على أراضي حفتر، مما يمنحها القدرة على التدخل في عمليات النيتو في البحر الأبيض المتوسط.

في العام 2022، ظهرت مجموعة فاغنر بصفة علنية في الحرب الروسية الأكرانية، ولم تنكر روسيا أو المجموعة تعاضدهما في تلك الحرب، وبدا أن “يفغيني بريغوجين” قد بدأ يرسم سقفا أعلى ليطلق جناحيه، بعد أن اختبر قوته في الحرب الأوكرانية، غير أنه لم يقدّر أن السقف العالي الذي رسمه سيكون سببا في دق رقبته.
تمرد “فاغنر”.. نهاية الطاهي الذي أطعم الرؤساء والشعوب
في الثالث والعشرين من يونيو/ حزيران الماضي، نقلت أكبر المحطات التلفزية في العالم سلسلة من الأخبار العاجلة عن تمرد مجموعة “فاغنر” المقاتلة بقيادة “بريغوجين”، وبدأ الحديث عن سيناريوهات قد تدخل الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في مستنقع حرب في معقل حكمه.
بعد ساعات من إعلان التمرد، تقدمت قوات مجموعة “فاغنر” إلى مدينة روستوف جنوب روسيا، حيث يوجد مقر القيادة العامة الجنوبية للجيش الروسي الذي تنسق فيه العمليات العسكرية في أوكرانيا والغرب الروسي، وبدا أن المجموعة سيطرت أو كادت على المقر.
واصلت المجموعة المسلحة تقدمها وسيطرت على مدينة فورنيج الروسية التي تبعد مسافة ست ساعات عن موسكو، وكان سبب إعلان التمرد هو اتهام وجّهه “بريغوجين” للجيش الروسي بقصف مواقع مجموعته في أوكرانيا، مما أسفر عن وفاة عشرات مقاتليها، غير أن تقارير أوضحت أن الخلافات بين “بريغوجين” وقيادة الجيش الروسي قد بدأت قبل أشهر من تمرد يونيو/ حزيران، بعد اتهامات وجهها “بريغوجين” للجيش الروسي بقتل عدد من المقاتلين في مجموعته، كما اتهم كبار قادة الجيش بنسب الانتصارات التي حققها مقاتلوه إلى أنفسهم، وهي اتهامات كررها بغضب شديد في فيديو نشره على منصة “تلغرام”.
واصل “بريغوجين” اتهامه في الفيديو لوزير الدفاع الروسي “سيرغي شويغو” بقوله: كانت الحرب ضرورية لكي يحصل “شويغو” على نيشان بطل. لقد قرر الأوغاد المختلون عقليا التالي: لا بأس، سنرسل بضعة آلاف أخرى من الجنود الروس ليكونوا وقودا للمدافع. سيموتون تحت نيران المدفعية، لكننا سنحصل على ما نريد.

هدد “بريغوجين” في الفيديو بأنه سيدمّر كل من يعترض طريقه من أجل الانتقام، بما في ذلك نقاط التفتيش والطيران، ولكن لم يدم تمرد قواته سوى ساعات، بعد وساطة من رئيس بيلاروسيا “ألكسندر لوكاشنكو” الذي ضمن لقائدها الأمن، مقابل إيقاف تقدمها نحو موسكو، وانسحابها من المناطق الروسية التي سيطرت عليها. لكن هل دام ذلك الضمان طويلا؟
بعد شهرين من ذلك الوقت، وتحديدا في 23 أغسطس/ آب، قُتل “بريغوجين” في حادث سقوط طائرة، ولم تفصح روسيا عن سبب واضح لسقوط الطائرة، واكتفى “بوتين” بإرسال تعازيه إلى عائلة “بريغوجين” وسط اتهام له بأنه المخطط لاغتياله، لتنتهي بذلك حكاية بائع النقانق والقيصر.