عبد الله عزام.. رحلة الأب الروحي للجهاد العالمي من فلسطين إلى أفغانستان

تروي أسطورة أفريقية قصة تفسّر الرجّات الأرضية والزلازل وتقول إن عملاقا يحمل الأرض فوق رأسه، وإن الأرض تهتز كلما أدار رأسه شرقا أو غربا. وتبدو تلك الأسطورة ملهمة في الحديث عن اهتزازات رجّت العالم من شرقه إلى غربه، حين أدار الفلسطيني عبد الله عزام رأسه نحو أقاصي الشرق، وأعلن وجوب الجهاد في أفغانستان ضد السوفيات، بداية ثمانينيات القرن الماضي.

هل كان الدكتور عبد الله عزام حقا ذلك العملاق الذي رج منطقة بأكملها؟ حتما نعم، بل أكثر من ذلك، فقد سكن بأفكاره -حتى بعد وفاته- في مئات العقول، وحين مالت تلك العقول نحو العراق أو سوريا أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية، خلفت فيها هزات تاريخية.

كان فكر عبد الله عزام وتأثيره على الفكر الجهادي والسياسة العالمية مبحثا خاض فيه الكتاب والساسة والمفكرون، ولخصه الباحث “سيباستيان شنيل”، حين طرح سؤالا أطنب في الإجابة عنه: هل هو مقاتل من أجل الحرية أم إرهابي؟

يقول “شنيل”: يميل البعض إلى القول إن الإرهابي هو مقاتل من أجل الحرية، ومع أن هذا القول يتخذ أحيانا بيانا بسيطا للحقائق، فإن هذا البيان يستند إلى فلسفة النسبية الأخلاقية، التي تقول إنه لا تمييز أخلاقي بين المقاتلين من أجل الحرية والإرهابيين عندما يستخدمون القوة. ولذلك فإن الفرق الوحيد بينهما هو مسألة النجاح العسكري أو الدعائي.

الدكتور عبد الله عزام في السبعينيات

وفي هذا القول شيء كبير من المنطق، لكنه ليس الصندوق الأسود الوحيد الذي حاول المفكرون والساسة فتحه، فعبد الله عزام هو أبو الجهاد العالمي، وكان أكبر المنظرين للدفاع عن أراضي المسلمين، كما أن بندقيته توجهت لمحتلي أفغانستان، قبل موطنه الأصلي فلسطين.

إنه لمن الطريف أن تشكّل وثائق ميلاد أبناء عبد الله عزام الثمانية أطلسا يؤرخ لمحطات مهمة في حياته، فابنته البكر فاطمة هي الوحيدة التي وُلدت في سيلة الحارثية بفلسطين، وخلال إقامته في العاصمة عمّان وُلدت ابنته وفاء ثم محمد، ووضعت زوجته ابنه حذيفة في القاهرة، ثم إبراهيم وسمية وحمزة في عمّان، وولد ابنهما مصعب في بيشاور بباكستان، وجميع تلك المدن كانت فاصلة في حياته عند إقامته في كل منها.

عام النكبة.. صدمة الطفولة الأولى على خط الحدود

وُلد عبد الله عزام عام 1941، وكان العالم يومئذ يئن تحت وطأة الحرب العالمية الثانية، وكان يلوح استعمار جديد يتقدم بخطى متسارعة نحو فلسطين. ونشأ عبد الله في قرية سيلة الحارثية التابعة لمحافظة جنين بفلسطين، وسط عائلة عادية تماما، فوالده كان مزارعا وجزارا، فلم تكن عائلته فقيرة ولا ثرية.

وتتفق الروايات التي جمعها الكاتب “توماس هيغهامر” أن عبد الله عزام عاش طفولة سعيدة، فهو أصغر إخوته، ولذلك نال رعاية واهتماما من والديه، وكذلك من شقيقتيه بهجة وجميلة. كما أُعفي من الأعمال الزراعية أيضا، فمنحه ذلك مزيدا من الوقت، لتعزيز اهتماماته الفكرية وحبه للكتب.

قرية سيلة الحارثية التابعة لمحافظة جنين، في سهل مرج ابن عامر، حيث مسقط رأس عبد الله عزام

كانت منطقة سيلة الحارثية التي نشأ فيها عبد الله ضمن مناطق سهل مرج ابن عامر الريفية الخصبة، لكنها أيضا منطقة مشحونة سياسيا، فقد كانت من أكثر المناطق الزراعية خصوبة في فلسطين، وذلك ما جعل القوى المهيمنة على فلسطين طيلة قرون تسعى للسيطرة عليها. فقد كان سهل مرج ابن عامر تحت الحكم العثماني قرونا، ثم في العام 1922 انتقل ذلك الحكم لبريطانيا.

وتحمل تلك المنطقة تاريخا من المقاومة، فقد خاض سكانها معركة ضد قوات “نابليون بونابرت” عام 1799، وواجه العثمانيون صعوبة في جمع الضرائب من سكانها. وفي أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، وصف البريطانيون مناطق نابلس وطولكرم وجنين بمثلث الموت، لأنها كانت مركزا للمقاومة خلال الثورة العربية على الانتداب البريطاني.

عاش عبد الله عزام على روايات المقاومة منذ طفولته، وقد صنع تاريخُ بلدته -التابعة لجنين- أولى اللبنات التي شكلت شخصيته، ولم ينتظر طويلا حتى عايش بنفسه تلك الروايات عن المقاومة، فبمجرد بلوغه 6 أعوام، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على خطة تقسيم فلسطين، وذلك في نوفمبر/ تشرين الثاني 1947.

بعد التقسيم، هُجر آلاف الفلسطينيين من مدنهم وقراهم، ووجد سكان سيلة الحارثية أنفسهم على الحدود مع إسرائيل الجديدة، مما أدى إلى اندلاع مواجهات مع اليهود، بسبب مصادرتهم مواشي السكان المحليين في السيلة.

عاش عبد الله عزام عقده الأول من العمر في ذلك الجو المشحون، وينقل الكاتب “توماس هيغهامر” رواية تقول إنه شهد مقتل فلسطيني على يد دورية إسرائيلية أمام منزله، وبدا أن الطفل قد بدأ يحقد على سلطة الاحتلال هناك.

مسيرة الدراسة.. رحلة بدأت من القرية وانتهت في دمشق

لم تكن تلك الأحداثُ التي عايشها الوحيدةَ التي ستؤثر في تكوين شخصيته، فقد كان شاهدا على تطوع مجاهدين من خارج فلسطين، لقتال الإسرائيليين عام 1948، فحشدت تلك الحرب المسلمين حتى من خارج أوطانهم، ووحدتهم في قضية واحدة.

وسط كل ذلك التوتر السياسي، واصل عبد الله مسيرته الدراسية، فأنهى تعليمه في مدرسة سيلة الحارثية وهو ابن 15 عاما، وذلك في عام 1957، ثم التحق مدة وجيزة بمدرسة جنين الثانوية، لكنه لم يُنه دراسته هناك، بل انتقل لمدرسة خضوري الزراعية في طولكرم.

مدرسة خضوري الزراعية تحولت إلى كلية زراعة تابعة لجامعة النجاح

يقول الباحث “توماس هيغهامر”: لا نعرف لماذا اختار مدرسة ثانوية مهنية، ربما كان والده قد شجعه على الاستعداد لمهنة الأسرة، وهكذا تلقى “عراب الجهاد” تعليمه في مدرسة ذات جذور يهودية، وكانت خضوري واحدة من مدرستين أُنشئتا في أوائل الثلاثينيات بأموال ورثها اليهودي “إليس خضوري”. كانت مدرسة خضوري العربية تقع في طولكرم، وتأسست سنة 1930، أما مدرسة خضوري المخصصة لليهود فقد تأسست عام 1933 في شرق الناصرة، وتشتهر هذه المدرسة في إسرائيل بسبب خريجيها البارزين، ومنهم “إسحاق رابين” و”إيغال ألون”.

بعد تخرجه من مدرسة خضوري الزراعية، عمل عبد الله مدرسا في قرية أدر بجنوب الأردن، ثم التحق بكلية الشريعة في جامعة دمشق، ونال فيها درجة البكالوريوس في الشريعة عام 1966.

وهي ذات السنة التي انضم فيها إلى جماعة الإخوان المسلمين، بعد أن تأثر بشفيق أسعد عبد الهادي، وهو مدرس كان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين، وقد أعطاه تعليما دينيا، وقدمه لعدد من قادة الإخوان المسلمين في فلسطين، إدراكا لعقله الحادّ.

نكسة عام 1967 واحتلال القدس

وفي عام 1967، اندلعت الحرب من جديد في فلسطين، فكانت النكسة، وخسرت فلسطين كثيرا من أراضيها.

يقول الكاتب “توماس هيغهامر”: إن الدافع الرئيسي لرحيل عزام إلى الأردن قد يكون فكريا، فقد كانت حرب 1967 نقطة تحول في حياته، وأصبح الآن لاجئا ولن تطأ قدمه فلسطين مرة أخرى، والأهم من ذلك أنه بدأ منذ يومئذ يفكر جديا في حمل السلاح ضد إسرائيل. ولا يوجد دليل على مشاركته في التدريب على الأسلحة، أو حتى السعي إلى الحصول عليها قبل يوليو/ تموز 1967. ولكن منذ تلك اللحظة بدأت تشغل ذهنه فكرة التدريب واستخدام الأسلحة لمواجهة اليهود.

“مخيمات الشيوخ”.. الحاضنة العسكرية الأولى في الأردن

يقول عبد الله عزام في كتابه “ذكريات فلسطين”: أنا فلسطيني، ولو وجدت طريقا إلى فلسطين والأقصى لقاتلت هناك.

قادت النكسة عبد الله عزام إلى مخيمات تدريب المقاتلين في الأردن، لذلك يقول الكاتب “توماس هيغهامر”: غالبا ما يوصف قرار عبد الله عزام بالانضمام إلى الجهاد الأفغاني بأنه حالة تحول رجل دين إلى محارب، والحق أنه كان محاربا قبل أن يصبح رجل دين.

فقد أمضى أكثر من سنة بين العامين 1969-1970 في مخيمات تدريب الفدائيين بالأردن، وشارك في عمليات قتالية ضد الجيش الإسرائيلي، كما قاتل مع مجموعة من المقاتلين الإسلاميين، كانت في شمال غرب الأردن، من أوائل عام 1969 إلى سبتمبر/ أيلول 1970.

عبد الله عزام يقضي سنتين في معسكرات الشيوخ بالأردن

كانت مخيمات تدريب الفلسطينيين في الأردن تحت قيادة حركة فتح، وقد تفاوضت جماعة الإخوان معهم أوائل عام 1969، للسماح للفدائيين التابعين للتيار الإسلامي بإدارة قواعدهم الخاصة، مقابل البقاء رسميا تحت قيادة فتح، وقد كان لهم ذلك.

أقام الإسلاميون معسكر تدريب في دبين غربي جرش، وأربع قواعد عملياتية أخرى قريبة من نهر اليرموك، وسميت جميعا “مخيمات الشيوخ”، وكان لقب “الشيخ” يطلق في الأردن وفلسطين على شباب المساجد.

لم تكن تلك المعسكرات خاصة بالفلسطينيين، بل تدرب في معسكر عبد الله عزام سودانيون منتمون للإخوان، بقيادة الإخواني السوداني محمد صالح عمر، وكان فيها أيضا مدربون من مصر، ومجندون من سوريا واليمن والعراق ومصر.

بناء العلاقات.. قارب الوصول إلى سواحل المستقبل الجهادي

كانت مرحلة التدريب في المخيمات مهمة جدا لعبد الله عزام، فقد منحته فرصة التدرب على القتال، وتكوين حلقة اتصال مع رجال الإخوان المسلمين الشبان في المنطقة، وتلك شبكة سيرعاها ويعززها، ليستغلها فيما بعد في الحرب بأفغانستان، بعد قرابة عقد من الزمن.

في عام 1970، وبعد توقف التدريب في القواعد، وخروج منظمة التحرير الفلسطينية إثر أحداث أيلول الأسود في ذلك العام، عاد عبد الله عزام إلى التدريس، ونال وظيفة في الجامعة الأردنية بعمان. وفي عام 1971، نال منحة دراسية في جامعة الأزهر بالقاهرة، وحصل فيها على درجة الدكتوراه في أصول الفقه عام 1973.

وقد منحه انتقاله إلى القاهرة فرصة أكبر للتكوين الديني والفكري، فقد تعرف على عائلة سيد قطب، وبعد عام من ذلك انتقل إلى السعودية، للتدريس بجامعة الملك عبد العزيز في جدة، وهناك تكَوَّن ما يشبه مجمعا للإسلاميين الفارين من بلدانهم منذ الخمسينيات، بسبب خلافات مع حكوماتهم.

كانت تلك الأجواء مواتية له، وكانت قضية الجهاد في أفغانستان تستحوذ على تفكيره، وسكنته تلك الفكرة لدرجة أنه انتقل إلى إسلام آباد، للتدريس في الجامعة الإسلامية الدولية، وكانت رابطة العالم الإسلامي تدفع راتبه.

“الأمة الإسلامية بأكملها تتحد في صد الغازي”

من منزله الجديد في إسلام آباد، كان عبد الله عزام قد بدأ بترك أسرته خلفه في عطلات نهاية الأسبوع، للسفر إلى مدينة بيشاور التي تمثل بوابة الجهاد عبر الحدود، وبدأ يرى بيشاور قاعدة صلبة للجهاد.

وفي بداية الثمانينيات، قضى معظم وقته في التجول بمخيمات اللاجئين، وشهد الظروف السيئة التي يعيشها إخوانه المسلمون. لقد أصبحت أفغانستان المثال الخالص الذي كان يبحث عنه، فهي ساحة معركة حقيقية لجهاده، ويستطيع أن ينمو فيها فكره، وأن يطبقه واقعيا هناك.

عبد الله عزام ينظّر للجهاد في أفغانستان ويدعو له

كان التحول في خطابه قويا، فقد تضمن القتال لاستعادة “الأراضي المفقودة” من بلاد الإسلام، وفجأة رفع أفغانستان إلى أهمية مساوية لأهمية فلسطين. فقد أورد الكاتب “جاد لي هنري” في دراسة “حياة ووفاة عبد الله عزام” أنه قال: يتعين علينا أن نركز جهودنا على فلسطين وأفغانستان، لأنهما قضايا مركزية في العالم الإسلامي.

وبسبب ذلك، واجهته انتقادات من إسلاميين متشددين، بسبب دعوته لتجنيد المقاتلين للقتال في أفغانستان، فقد رأوا أن ذلك سيضعف جهادا لصالح آخر، أما هو فكان يرى عكس ذلك، فالقتال في فلسطين أو أفغانستان إنما هو جزء من معركة عالمية، من أجل الهيمنة الإسلامية، وتلك المعركة تستوجب الالتزام بالانخراط في الجهاد، بغض النظر عن الحدود، فالجهاد مسؤولية وفريضة على كل المسلمين، حتى خارج أوطانهم.

الدكتور عبد الله عزام في إحدى محاضراته الجهادية بباكستان

بدأت رحلة عبد الله عزام بأنشطة وجولات ومحاضرات في الخارج، وكان يعي أن خطبه لن تستقطب المقاتلين إذا تحدث عن وحدة المسلمين فحسب، وكان يدرك أيضا أن الحديث عن فكرة الجهاد لن تجد وقعا لدى الشباب المسلمين في دول أخرى، لذلك عاد إلى عمق التاريخ الإسلامي، فبدأ بترويج مقارنة تتخذ الجهاد في أفغانستان موازيا للهجرة المحمدية والتحضير للفتح الأعظم.

كان عبد الله عزام ذكيا، فقد استشهد بمدارس مختلفة من فقه السنة -ولا سيما ابن تيمية- بالقول: إذا دخل العدو الأراضي الإسلامية، فإن الإمبراطورية الإسلامية والأمة الإسلامية بأكملها تتحد في صد الغازي.

وبذلك الخطاب، استقطب آلاف المقاتلين، وكانت علاقته بهم قد أصبحت وجها لوجه بعد وصولهم إلى باكستان، فقد أصبح منسقا لتدريبهم في بيشاور، ثم مرشدا لهم في ساحات المعارك، وبعد مدة وجيزة أصدر فتوى بشأن القوات السوفياتية في أفغانستان، بإلزام المسلمين بالجهاد ضدهم.

“أيها العلماء من كان له اعتراض فليرفعه”.. فتوى الجهاد

يذكر عبد الله عزام في كتابه “الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان” أنه كتب فتوى الجهاد في أفغانستان، ثم عرضها على مفتي السعودية عبد العزيز بن باز، فوافق عليها وأعلن بمسجد جدة والمسجد الكبير بالرياض أن الجهاد فرض عين.

ويقول إنه عرض فتواه أيضا على سعيد حوى، ومحمد نجيب المطيعي، وحسن حامد حسان، وعمر سياف، فوافقوا عليها ووقّع عليها أغلبهم، ويقول إن محمد بن صالح بن عثيمين وقع على تلك الفتوى أيضا.

الأمير سلمان بن عبد العزيز رئيسا لهيئة التبرعات للجهاد الأفغاني بالسعودية

وخلال موسم الحج، ألقى عبد الله عزام محاضرة عن لزوم الجهاد على كل فرد في الأراضي المسلمة، وذلك أمام 100 رجل من علماء الدين من كل أنحاء العالم الإسلامي.

وقال مخاطبا الحاضرين: لقد اتفق السلف الصالح وكل أهل الفهم والمحدثين على أنه في كل عصور الإسلام، إذا انتُهك شبر من أرض المسلمين، فإن الجهاد يصبح فرض عين على كل مسلم ومسلمة، فيزحف الولد بغير إذن والديه، والزوجة بغير إذن زوجها. وقد قررتُ أن الجهاد في أفغانستان يحتاج إلى رجال، فمن كان له منكم أيها العلماء اعتراض فليرفعه.

ولم يعترض أحد من الحاضرين.

وفي عام 1984، أسس عبد الله عزام مكتب الخدمات في أفغانستان، وهو مركز استقطاب أغلب المقاتلين العرب الذين ذهبوا إلى أفغانستان، وكانت معركة “جاجي” عام 1987 من أشد المعارك التي خاضها مع السوفيات ضراوة، وكان معه يومئذ عدد من المقاتلين العرب.

عبد الله عزام.. الأب الروحي لكل الحركات الجهادية المسلحة

في السنوات الأولى من الجهاد الأفغاني، كان عبد الله عزام يحاول بناء قاعدة دولية، لتركيز أفكاره التي تجسدت في أفغانستان، وكان يسافر منتظما بين بيشاور وجدة، لتجنيد المقاتلين ونيل التمويل من السعودية.

وفي كل رحلاته إلى السعودية، كان يقيم في منزل للضيافة، شكّل مركز عبور أساسي للجهاديين الدوليين، ممن يسعون للالتحاق بالمعارك في أفغانستان. وكان المنزل ملكا لوالد أسامة بن لادن، الذي ورث إمبراطورية العائلة بعد وفاة والده.

كتاب “آيات الرحمن في جهاد الأفغان” رسالة ألهبت حمية الشباب العربي للالتحاق بالجهاد الأفغاني

يقول “جاد لي هنري” في دراسته حول عبد الله عزام: كان عزام يرى بن لادن وسيلةً لدفع رواتب المقاتلين والعمولات للمجندين الذين يقنعون الجهاديين الجدد بالانضمام إلى القضية. لقد قال عزام ذات مرة عن بن لادن وانفتاحه على المال “إذا طلبت مليون ريال للمجاهدين، فسوف يكتب لك شيكا على الفور”، وفي المقابل، وجد بن لادن فيه زعيما دينيا، وكان عمره وتعليمه يجعلانه قدوة مناسبة.

لا أحد ينكر أن فكرة الجهاد العالمي خرجت من رأس عبد الله عزام، وزرعت في آلاف الرؤوس، وأن تلك الفكرة خطت حقبات غيرت سياسات في العالم، فقد دفع آلاف الشباب للقتال في أفغانستان تحت راية الدين، من خلال كتبه ومحاضراته والمكتب الذي أسسه في باكستان.

وعلى أساس فكرة الجهاد العالمي إن صح التعبير، وُلد تنظيم القاعدة بفروعه وتنظيمات إسلامية مسلحة أخرى. يقول الباحث “توماس هيغهامر” في حوار صحفي: عبد الله عزام هو الأب الروحي لكل الحركات المتشددة اليوم، بدءا من سوريا والعراق وأفغانستان، إلى الجزائر ومنطقة الساحل.

لكن يجب أن نعلم أيضا أنه لم يكتف بنشر الكتب وإلقاء المحاضرات، بل عمل في شبكة من العلاقات والتنظيمات في باكستان وأفغانستان، لإقناع الشباب بتفسير جديد للجهاد. فهو إذن الذي أسس للفكر الجهادي العابر للحدود، وهو الأب الروحي لكل الحركات المتشددة اليوم.

صحيح أن عبد الله عزام كان أبرز منظّر لعولمة الجهاد، لكن المتشددين أخذوا فكرَه إلى مستوى آخر من العنف والقتل والتدمير، فبعد استشهاده في نوفمبر/تشرين الثاني 1989، بدأ تنظيم القاعدة يهاجم الدول الغربية. وأظنه لو ظل على قيد الحياة، لرفض بعض ما اقترفته التنظيمات الجهادية بعده. انتهى كلام “هيغهامر”.

في العام 1989، استُشهد عبد الله عزام مع ابنيه في باكستان، بعد تفجير سيارته بلغم أرضي، ولم يعرف المسؤول عن اغتياله حتى اليوم، فقد توزعت الاتهامات بين الموساد الإسرائيلي، والاستخبارات السوفياتية، وأجهزة الاستخبارات الأفغانية والأمريكية والباكستانية، وحتى تنظيم القاعدة.


إعلان