“إليزابيث تايلور”.. تسجيلات نادرة تروي قصة حياة سينمائية حافلة بالنجومية والحب
بصوتها المميز الذي حفظته تسجيلات صوتية نادرة، تمر النجمة الأيقونة “إليزابيث تايلور” على أبرز المحطات من حياتها الحافلة. وقد بقيت هذه التسجيلات بعيدة عن العالم نحو 20 عاما.
حين وصلت التسجيلات إلى يد المخرجة “نانيت بورستين”، أسست عليها فيلمها الوثائقي “إليزابيث تايلور.. الأشرطة المفقودة” (Elizabeth Taylor: The Lost Tapes)، وهو يُعرض الآن على منصة “إتش بي أو ماكس” الأمريكية.
بدأ الصحافي الأمريكي “ريتشارد ميريمان” تسجيل تلك الأشرطة الصوتية عام 1964، وكانت مجهولة لدى الإعلام مع أنه كان مهوسا بها، ولا سيما في سنوات شهرتها الكبيرة، وتلك شهرة لم تكن بسبب أدوارها السينمائية، بل كانت في المقام الأول بسبب حياتها الخاصة وزواجاتها، وقصص حبها التي أصبحت تقترب من الأسطورية، وحجزت مكانها المهم في التاريخ الفني والاجتماعي للقرن الماضي.
اختار الفيلم مقاربة تقليدية لبنائه الزمني، فبدأ من طفولتها، وتوقف معها في محطات معينة من مسيرتها الفنية، التي عرقلها اضطراب حياتها الخاصة، فقد كان يمكن أن تتبوأ مكانة أرفع من مكانتها، مع أنها كشفت في أكثر من مناسبة في هذه التسجيلات أنها لم تكن يوما تثق بموهبتها، بل إنها فكرت في لحظات معينة بترك الصناعة السينمائية كلها والتفرغ لعائلتها.
طفلة في مدينة النجوم.. طريق معبّد بالجمال المبهر
تتذكر “إليزابيث تايلور” سنوات طفولتها الأولى في “بيفرلي هيلز” بولاية كاليفورنيا الأمريكية، فتستعيد زيارتها مع أهلها لأحد الأستوديوهات القريبة، وانطلاق شرارة الاهتمام الأول بالسينما. وتقول: كنا في صف المدرسة من أبناء منتجين ومخرجين في الصناعة السينمائية، كان هذا أمرا عاديا لنا، لم نكن نراه أمرا خاصا.
لم يرغب والد “إليزابيث” بدخول ابنته المجال السينمائي، أما أمها فكانت أكثر تفهما وتسامحا مع رغبة ابنتها، لأنها هي كانت ممثلة في مرحلة ما من عمرها.
ولم يكن طريق الطفلة إلى عالم التمثيل كثير الأشواك، فقد لفتت بجمالها المبهر انتباه المنتجين، وقد قال أحد المنتجين الذين عملوا معها في فيلمها الأول إنه لم ير عينين بجمال عيني “إليزابيث” وتوهجهما.
سجلت السينما الأمريكية حياة الطفلة “إليزابيث تايلور” وحفظتها للأبد، وهذا يسهل مهمة الفيلم الوثائقي، فلم يجد شُحا في المادة الأرشيفية من أيام طفولتها، فقد شكلت أفلامها وهي طفلة المادة الأرشيفية الأولى للفيلم الوثائقي، قبل أن يبدأ جنون الإعلام بها في وقت لاحق، وكان ذلك أمرا غير مسبوق في السينما الأمريكية من قبل.
عقد الاحتكار.. نجمة في عواصف الصحف الصفراء
تتذكر “إليزابيث” أيامها الأولى في السينما، وتشابكها مع واقعها في سنوات الطفولة والمراهقة، فتقول ضاحكة: تلقيت قبلتي الأولى في الحياة قبل أسبوع من قبلتي السينمائية الأولى، والمفارقة أن القبلة السينمائية كانت أفضل كثيرا من قبلة الحياة.
وتروي أنها ضخمت نفسها بالأكل والرياضة، لتبدو أكبر من عمرها، عندما مثلت فيلمها الخامس “المخمل الوطني” (National Velvet) عام 1944، وأنها عندما بلغت 16 عاما كانت تلعب أدوار نساء متزوجات يبلغن 24 عاما.
ارتبطت “إليزابيث” بعقد احتكار مع أستديو “أم جي أم” (MGM Studios)، فأصبحت رهينة لهذا الأستديو العملاق، من حيث أدوارها وحياتها الخاصة، فقد بدأ الأستديو بخلق قصة صحافية ملفقة عن قصة حب لنجمته الشابة مع ممثل شاب.
كان ذلك أمرا شائعا يومئذ، فعندما تتكلم صحف الإثارة الصفراء عن قصص حب نجوم معينين، فهذا يعني اهتمامها بهم، ويعقبه إقبال الجمهور على الأفلام التي يمثل بها هؤلاء النجوم.
الزواج المتكرر.. سعي حثيث لملاحقة الحلم الرومانسي
روت صديقة للنجمة “إليزابيث تايلور” أنها سألتها مرة لماذا تتزوجين بسرعة وبكثرة، ولماذا لا تواعدين هؤلاء الرجال وتكتشفين طبيعتهم قبل الزواج؟ وقد ردت بأن الزواج كان دائما حلما رومانسيا تسعى إليه، وهو أمر سيتكرر بكثرة في حياتها.
يمر الفيلم على زواجاتها، فيبدأ بزواجها مع الشاب “كونراد هيلتون”، وكان مناسبة تابعها الجمهور باهتمام كبير، وتظهر مشاهد أرشيفية من حفل الزواج وقوف عشرات الناس خارج الكنيسة التي استضافت مراسيم الزفاف.
وينوع الفيلم المادة الأرشيفية التي يستخدمها من حفل الزواج، فيعرض مشاهد بالأسود والأبيض، صوّرت بكاميرات سينمائية صغيرة، مع صور فوتوغرافية معبرة من العروس، وتظهرها في كواليس حفل الزواج، قبل أن تظهر في طلتها الرسمية.
انتهى ذلك الزواج سريعا، وطلّقت النجمة وهي في ربيعها التاسع عشر، ثم تزوجها ممثل بريطاني اسمه “مايكل وايلدينج”، ورزقت منه أول أبنائها.
“مايك تود”.. نهاية مأساوية لقصة حب كبير
بدا أن اهتمام الإعلام بها بدأ يتحول إلى هوس، فنراها وهي تخرج من بناية في لندن بعد زواجها الثاني، في حين تقف مئات من الجمهور بانتظارها، إضافة إلى عشرات الصحفيين، ورجال الشرطة الذين بذلوا جهودا كبيرة لمنع الجمهور من الوصول إليها.
يفرد الفيلم وقتا طويلا لزواجها الثالث مع المنتج “مايك تود”، ربما بسبب المادة الأرشيفية الضخمة المتوافرة من هذا الزواج، وإثارة هذه المادة.
فقد تميز “مايك” بفكاهته وشخصيته المميزة ومزاحه أحيانا وسخريته من الصحفيين، وكان أكبر من “إليزابيث” بأكثر من 20 عاما، لكنه كان الحب الأكبر في حياتها حتى ذلك الحين، غير أن سعادتهما انتهت على نحو مأساوي، بعد مصرعه في حادثة طائرة عام 1958، وهي حادثة حطمتها تماما.
تستعيد “إليزابيث” ذكريات تلك الأيام، وتروي أنها كانت قريبة من الانتحار، لكن السينما أنقذتها، فقد كان عليها أن تكمل دورها في فيلم “قطة على صفيح ساخن” (Cat on a Hot Tin Roof) الذي عُرض عام 1958، وقد شكل البداية الحقيقية لها بوصفها ممثلة جيدة، لا نجمة جميلة فقط.
“العملاق”.. دور كبير أسس لشخصية سينمائية متألقة
صارعت “إليزابيث” كثيرا الصورة النمطية التي رآها بها أستديو “أم جي أم”، فقد حصرها في أدوار الفتاة الجميلة التي كادت توقف مسيرتها، لأنها خنقتها، كما قالت في تسجيل صوتي.
يفرد الوثائقي مساحة كبيرة لمسيرة “إليزابيث” الفنية اللامعة، فتتذكر دورها المهم في فيلم “العملاق” (Giant) الذي عُرض عام 1956، وجمعها بنجوم كبار منهم “ريك هادسون”، و”جميس دين” الذي توفي في حادث سيارة أثناء تصوير الفيلم.
وتروي “إليزابيث” أن المخرج جمعهم ليخبرهم بموته، وهي حادثة أثرت عليها كثيرا.
أما فيلم “كليوباترا” (Cleopatra) الذي عُرض عام 1963، فقد شكل دورها الأيقوني فيه تتويجا لمسيرتها السابقة، فالفيلم سابقة على هوليود من حيث تكلفته وطموحاته، وكان كارثة على أستوديو “فوكس” المنتج، بسبب تأخر إنتاجه سنوات، وإعادة تنفيذ عدة أجزاء منه، وانتقال موقع التصوير من بريطانيا إلى إيطاليا.
“كليوباترا”.. ملكة حقيقية في ذروة الشهرة والجمال
مرت “إليزابيث” أثناء تصوير فيلم “كليوباترا” بأزمة صحية كادت تنهي حياتها، بل إنها نقلت في تسجيلاتها الصوتية أن الأطباء أعلنوا وفاتها 4 مرات أثناء عملية جراحية، أُجريت بعد تفاقم مرض التهاب الرئة الذي أصابها أثناء تصوير فيلم كليوباترا.
وتفسر تلك الأزمة الطبية الجرح الموجود في أسفل عنق الممثلة، فقد أدخل الأطباء أنبوب هواء لإنقاذ حياتها في تلك العملية. ثم أخذت بعد عمليتها إجازة من التمثيل 6 أشهر، وكانت تلك مشكلة جديدة للشركة المنتجة للفيلم.
بدت “إليزابيث تايلور” في فيلم “كليوباترا” ملكة حقيقية، فقد كانت يومئذ في ذروة شهرتها وجمالها، كما أنها كانت مستقلة فنيا، فعقدها مع أستديو “أم جي أم” كان انتهى.
“ريتشارد بيرتون”.. شراكة ناضجة في الحياة والشاشة الكبيرة
في كواليس تصوير فيلم “كليوباترا”، لمعت قصة حب “إليزابيث” الأكثر قوة واضطرابا مع الممثل البريطاني “ريتشارد بيرتون”، وكان يلعب دور البطولة في الفيلم. وتتذكر لقاءهما الأول وبداية قصة الحب العاصفة، التي بلغ جنون الإعلام بها حدودا غير مسبوقة.
نقل الزوجان قصة حبهما وخلافاتهما إلى الشاشة، وكان ذلك أمرا مثيرا للجمهور والإعلام على حد سواء، وقد لعبا معا دور البطولة في فيلم “من يخشى فيرجينيا وولف” (Who’s Afraid of Virginia Woolf) الذي عُرض عام 1966.
ومع أنه لم يحقق نجاحا تجاريا كبيرا، فقد كرّس مكانة النجمة بوصفها ممثلة واعية، يمكن أن تضحي بأناها التي رفعها الإعلام من أجل الدور المختلف، وقد فعلت ذلك في الفيلم، فزادت وزنها ووضعت مكياجا يقلل جمالها الكبير.
تتواصل التسجيلات الصوتية إلى منتصف الثمانينيات تقريبا، وهو العقد الذي كان أقل نشاطا للنجمة، فقد اختارت الهدوء وانشغلت بالأعمال الخيرية، مثل مؤسستها لأبحاث مرض الإيدز. وقد بدت سعيدة كثيرا وهي تعيش حياتها بعيدا عن الأضواء، وكأنها وجدت الاستقرار الذي طالما نشدته.
مادة الفيلم.. ثروة أرشيفية من ثمار الهوس الإعلامي
تميز الفيلم بمادته الأرشيفية الثرية للغاية، واستفاد من الهوس الإعلامي بالنجمة الذي بدأ منذ بداية عقد الستينيات، وخلّف مواد أرشيفية متنوعة، حتى أن أحد المتحدثين في الفيلم، ربط نشأة ظاهرة “الباباراتزي” (المصورون الذين يطاردون النجوم بلا هوادة) بالجنون الإعلامي بـ”إليزابيث”، فقد كان أمرا فريدا.
كما تنقّل المونتاج الحيوي بين المادة الأرشيفية المتنوعة؛ من جمال مشاهدها في الأفلام السينمائية، إلى صورها الفوتوغرافية الفنية التي صورها مصورون مبدعون، وحتى المشاهد التي صورتها بعجالةٍ صحافةُ الإثارة، وقد حملت براءة لم تعد موجودة اليوم.
اعتمد الفيلم مقاربة تستند على شهادات “إليزابيث” نفسها، وقد عرقلت تلك المقاربة التعرض بنقد للممثلة، وكان النقد في الفيلم آتيا من نفسها لا من غيرها، كما جاء في بعض شهاداتها الصريحة الكاشفة.
كما أن حياتها الحافلة الطويلة منعت الوثائقي من الوقوف مطولا عند بعض المحطات، فقد كان ذلك متعذرا بسبب خطة الفيلم عرض كثير من تسجيلاتها الصوتية النادرة.