“ويل سميث”.. نجاحات وعواصف في مسيرة فتى هوليود الأسمر

دخل “ويل سميث” إلى شركة كبرى لمقابلة عمل، لكنه كان يلبس زيا أقرب لعامل نظافة، فأثار نظرات دهشة في عيون كل من نظر إليه، بدءا من باب الشركة وحتى قاعة الاجتماعات، وفريق المقابلة الذي كان يضم عددا من المديرين التنفيذيين، فالوظيفة لم تكن لعامل نظافة، بل لمسؤول مبيعات الشركة.

كان “ويل سميث” صريحا، فقال إنه قُبض عليه بسبب غرامات قيادة لم يدفعها، وإنه لم يستطع تغيير ملابسه، وكان يطلي مسكنه، وبينما كان الحاضرون يبتسمون بسخرية سأله نائب رئيس مجلس إدارة الشركة عما يمكن أن يفعله، ليقنعه باختياره للوظيفة، فقال: أؤكد لك يا سيدي أنك لو سألتني عن شيء لا أعرفه فلن أزعم معرفته، ولكني -بلا شك- سأجد طريقة ما للوصول إلى الإجابة.

جاء هذا المشهد في فيلم “البحث عن السعادة” (The Pursuit of Happyness)، الذي صدر عام 2006، وهو من بطولة “ويل سميث”، لكن المشهد وحده يعكس السمة التي طبعت حياة نجم هوليود الأسمر، فقد علمه والداه أن النجاح لا يتحقق إلا بالتعب والاجتهاد المتواصل.

فقد حقق “ويل سميث” في 30 عاما من الغناء والعزف والتمثيل نجاحات كثيرة، ونال أرقى جوائز الموسيقى والتمثيل، ومنها جائزة غرامي وجائزة الأوسكار، لكن بعض الخطايا التي ارتكبها خارج نطاق عمله السينمائي والموسيقي أوقعته في أزمات كبرى، وها هو ذا يعلن في بعض تصريحاته أنه قرر التوقف لحظة، بحثا عن أسباب خطاياه وأساليب علاجها.

وكانت الخطوة الأولى على طريق التصحيح هي عمله حاليا على أول ألبوم له منذ ما يقرب من 20 عاما، بعنوان “ارقص في أحلك لحظاتك”، وقد قال في تصريح صحفي إن هذا الألبوم نتاج بحث مكثف عن النفس، مع التركيز على الأصالة والتواصل الإنساني، بدلا من مجرد تقديم أغانٍ ناجحة.

وفي الوقت نفسه، يروّج “ويل سميث” لفيلمه الجديد “فتيان متمردون.. اركب معنا أو مت” (Bad Boys: Ride or Die)، وقد عُرض أول مرة في يونيو/ حزيران 2024.

“أبعد اسم زوجتي عن فمك اللعين!”.. ليلة الفضيحة الكبرى

عاش “ويل سميث” مفارقة نادرة جدا على خشبة مسرح “دولبي” في لوس أنجلوس، فقد احتفل بأعظم نجاحاته المهنية، ثم صادف في الليلة نفسها أسوأ فشل شخصي في حياته، وارتكب أكبر فضائحه وحماقاته. ولم يكن الجمع بين تناقض الفشل والنجاح في حفل واحد، إلا تلخيصا مركزا لتناقضات شخصيته، التي جمعت بين الاجتهاد والعمل الجاد والموهبة، وكثير من القرارات التي طالما أثارت الجدل.

فمع أن جائزة أوسكار أفضل ممثل لعام 2022 كانت قمة النجاح، فإن الليلة نفسها شهدت صفعه للممثل الكوميدي “كريس روك” على الهواء، فبعد أن ألقى “روك” نكتة عن رأس “جادا” الحليق، وكانت تعاني من مرض الثعلبة، وهو داء يصيب الشعر، لكنها انزعجت بشدة من هذه الملاحظة.

أشهر صفعة في تاريخ هوليوود

وقد ضحك “ويل سميث” بداية من النكتة، وفجأة صعد خشبة المسرح وضرب “كريس روك” على وجهه، ثم عاد إلى مقعده، وصرخ قائلا: أبعد اسم زوجتي عن فمك اللعين!

أثارت هذه اللحظة عاصفة إعلامية على الفور، فلم يصدّق كثير من الناس أن رجلا محبوبا ومحترما بمكانة “ويل سميث” قد يتصرّف بهذا العنف.

ليلة الأوسكار.. عاصفة تفسد أعظم النجاحات السينمائية

تعاطف كثيرون مع “ويل سميث” لدفاعه عن زوجته، لكن انتقد آخرون تصرفه ووصفوه بأنه متهور غير لائق، لا سيما بالنظر لطبيعة حفل الأوسكار.

وقد ألقى ذلك بظلاله على ما كان ينبغي أن يكون إنجازا متوجا لمسيرة “ويل سميث”، فقد فاز بأول جائزة أوسكار له لأفضل ممثل، وذلك عن أدائه في فيلم “الملك ريتشارد” (King Richrd) الذي عُرض عام 2021.

ويل سميث يلوح بجائزة أوسكار أفضل ممثل 2022

وفي أعقاب ذلك، أصدر “ويل” اعتذارا علنيا، معربا عن أسفه عن تصرفاته، ومعترفا بأن سلوكه كان غير مقبول، ولكن كانت للحادثة عواقب دائمة، منها منعه من حضور حفل الأوسكار 10 سنوات، ونقاش أوسع حول سلوك المشاهير، ومفاهيم الرجولة، والتحكم العاطفي تحت الضغط.

واحتلت أخباره صفحات الصحف الفنية والقنوات الفضائية، فكانت استمرارا للجدل الذي أثاره حواره المربك مع زوجته الممثلة “جادا بينكيت”، وكان قد جمعه بها زواج ذو طبيعة خاصة جدا، بسبب طبيعته المنفتحة ومناقشاته الصريحة حول التحديات التي تواجهه.

“جادا بينكيت”.. علاقة زواج غير تقليدية

لم تكن علاقتهما خلال عقدين من زواجهما تقليدية على الإطلاق، وفي مقابلات كثيرة تحدثا بصراحة عن علاقتهما العاطفية العميقة، مما أدى إلى إعجاب الجمهور وانتقاده على حد سواء.

لكن أكثر الاكتشافات إثارة للجدل جاء في عام 2020، حين اعترفت “جادا” بأنها كانت على علاقة مع المغني “أوغست ألسينا”، أثناء انفصالها عن “ويل”، وذلك في حلقة من برنامجها الحواري “حوار الطاولة الحمراء” (Red Table Talk)، فقد ناقش الزوجان هذا الموقف في محادثة عاطفية صريحة.

“ويل سميث” وزوجته “جادا بينكيت”

رأى كثيرون ذلك دليلا على شفافيتهما، في حين رآه آخرون انعكاسا للتعقيدات والتوترات في زواجهما، وقد بدا “ويل” ضعيفا خلال المناقشة، والحق أنه عادة ما يكون قويا وواثقا من نفسه، فأثار ذلك موجة من السخرية والنقاشات حول طبيعة الحب والتسامح والضعف العلني.

ومع ما وقع من ضجة إعلامية، أكد الزوجان التزامهما تجاه بعضهما، وأنهما تجاوزا مشاكلهما وخرجا أقوى، ومع ذلك لا تزال علاقتهما موضع اهتمام من الجمهور، لا سيما بعد موقف “ويل” الذي بدا متقبلا للأمر.

ابن فيلادلفيا.. نشأة الفتى الجذاب على القيم الجادة

ولد “ويل سميث” يوم 25 سبتمبر/ أيلول 1968، في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا، ونشأ في عائلة من الطبقة العاملة. كان والده “ويلارد كارول سميث” مهندس تبريد، وكانت والدته “كارولين برايت” مديرة في مجلس إدارة مدرسة، وقد نشأ “ويل” مع ثلاثة أشقاء في أسرة تقدر العمل الجاد والتعليم.

كان والداه داعمين وصارمين في نفس الوقت، وربياه على فكرة أن النجاح يمكن تحقيقه بالعزيمة والجهد، ومع ذلك لم تكن علاقتهما مثالية، فانفصلا في نهاية المطاف، وكان “ويل” يومئذ مراهقا، فترك ذلك أثرا كبيرا عليه عاطفيا.

ويل سميث طفلا

اشتهر “ويل” في طفولته بجاذبيته وسرعة بديهته، وهي سمات ستحدد فيما بعد مسيرته المهنية. وقد اكتسب لقب “الأمير” في حيه، لقدرته على الخروج من المشاكل بسحر لسانه، وتلك مهارة أصبحت فيما بعد جزءا من شخصيته العامة.

وقد عرّفته نشأته في غرب فيلادلفيا على ثقافة حضرية نابضة بالحياة ومتنوعة، فغذى ذلك حبه للموسيقى والأداء منذ نعومة أظفاره.

غناء الراب.. جسر العبور إلى سماء هوليود

بدأت رحلة “ويل سميث” بمجال الترفيه في سن المراهقة، فقد شكّل في منتصف الثمانينيات ثنائيا موسيقيا، مع صديق طفولته “جيفري تاونز”، المعروف باسم “دي جيه” (DJ Jazzy Jeff)، وسمياه (DJ Jazzy Jeff & The Fresh Prince).

وقد حققت أغانيهما المبكرة نجاحا كبيرا، فقد مزجا الفكاهة مع الإيقاعات الجذابة، ومن تلك الأغاني: “الآباء لا يفهمون” (Parents Just Don’t Understand)، و”وقت الصيف” (Summer time). وفي عام 1989، فازا بأول جائزة “غرامي” لأفضل أداء راب على الإطلاق، فشكل ذلك بداية صعوده إلى الشهرة.

ومع أنه نجح مبكرا في الموسيقى، فقد واجهته مشاكل مالية بسبب سوء إدارته، لكن هذه الأزمة قادته إلى فرصة غيرت حياته.

“ويل سميث” مع صديق طفولته “جيفري تاونز”

ففي عام 1990، اختير لدور البطولة في المسلسل الكوميدي “أمير بيل إير الطري” (The Fresh Prince of Bel-Air) على شبكة إن بي سي، وكان مبنيا بشكل فضفاض على حياته الخاصة. وقد حقق نجاحا هائلا، وأطلق مسيرته المهنية في التمثيل، وجعله اسما مألوفا.

كان ذلك بمثابة بداية تحول “ويل سميث” من مغني راب إلى فنان متعدد المواهب، وسيصبح فيما بعد أحد أكثر نجوم هوليود نجاحا، وقد تشكلت رحلته المبكرة من خلال قدرته على التأقلم، وموهبته الفطرية، والأساس القوي الذي منحه والداه في سنوات تكوينه.

أفلام رسخت المكانة السينمائية

لا يتوقف الجدل حول “ويل سميث” الرجل، لكن ذلك لا يؤثر في أعماله التي منحته مسيرة مهنية متميزة، فقد قام ببطولة أفلام رائجة كثيرة في شتى الأنواع السينمائية، سواء الحركة أو الدراما أو الكوميديا أو الخيال العلمي، وجعلته قدرته على التنوع أحد أكثر النجوم جذبا للتمويل في هذه الصناعة.

ومن أكثر أفلامه نجاحا على الصعيدين النقدي والتجاري، فيلم “يوم الاستقلال” (Independence Day) الذي عُرض عام 1996، وقد رسّخ مكانته السينمائية.

أما فيلم الخيال العلمي “الرجال ذوو السترات السوداء” (Men in Black) الذي عُرض عام 1997، فقد لعب فيه دور طيار مقاتل، يدافع عن الأرض ضد غزو الفضائيين، وقد حقق نجاحا كبيرا على مستوى العالم، وحصد أكثر من 817 مليون دولار في جميع أنحاء العالم، وأصبح من أعلى الأفلام تحقيقا للإيرادات في ذلك الوقت.

ويعد فيلم “هانكوك” (Hancock) الذي عُرض عام 2008، ثالث محطاته السينمائية الكبرى، فقد جسد دور بطل خارق غير تقليدي مدمن على الكحول، ومع أنه أثار جدلا نقديا فقد حقق نجاحا ماليا كبيرا، وأشيد بتمثيله شخصية بطل معيب ومتردد، لإضافته العمق إلى هذا النوع من الأبطال الخارقين.

أعمال حصدت أرقاما ضخمة في شباك التذاكر

عُرض فيلم “أنا أسطورة” (I Am Legend) عام 2007، فتجاوز نصف مليار دولار في دور العرض، ويعد حتى الآن من أفضل ما قدم الممثل الأسمر، فقد أظهر قدرته على القيام بفيلمه منفردا.

وفي فيلمه “المتمردون أبدا” (Bad Boys for Life) عام 2020، حقق نجاحا كبيرا، وحصد 426 مليون دولار في جميع أنحاء العالم. وكان يقدم جزءا جديدا من الفيلم الذي أنتج عام 1995، وقد جمعه مع النجم المشارك “مارتن لورانس”.

وقد سبقه فيلم “علاء الدين” (Aladdin) عام 2019، ولعب فيه دور الجني، فأضفى بريقا على الشخصية بقبوله وخفة روحه، وحقق الفيلم نجاحا هائلا في شباك التذاكر، وحصد أكثر من مليار دولار في جميع أنحاء العالم. وهو أحد أعلى الأفلام تحقيقا للإيرادات في مسيرته الفنية.

أفلام السيرة الذاتية.. نجاح نقدي يحقق سمعة قوية

عُرض فيلم “السعي وراء السعادة” (The Pursuit of Happyness) عام 2006، ويعد أحد أكثر أفلام “ويل سميث” استحسانا لدى النقاد، ويحكي قصة واقعية لرجل “كريس غاردنر، وهو رجل ينهض من التشرد ليصبح سمسار أسهم ناجحا.

وقد أكسبه تصوير “سميث” النابع من القلب ترشيحا لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل ممثل. وحصد الفيلم أكثر من 307 ملايين دولار في جميع أنحاء العالم، وعزز أداؤه العاطفي فيه سمعته بوصفه ممثلا دراميا جادا.

ولا تخلو قائمة أعماله الناجحة من الأعمال السياسية، فقد قدم فيلم “عدو الدولة” (Enemy of the State) الذي أخرجه “توني سكوت” (1998)، وقد أدى فيه دور محامٍ ضالع في مؤامرة تنطوي على مراقبة الحكومة.

وفي فيلم “علي” (Ali) الذي عُرض عام 2001، جسّد دور الملاكم الأسطوري محمد علي، وحصل على أول ترشيح له لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل ممثل. ومع أنه لم يحقق نجاحا تجاريا كبيرا، ولم يحصد أكثر من 87 مليون دولار، فقد حقق نجاحا نقديا، وكان نقطة تحول في مسيرته المهنية، فأصبح ممثلا جادا قادرا على القيام بأدوار السيرة الذاتية الصعبة.


إعلان