“أبراهام شتيرن”.. مجرم حرب صهيوني كرّمته دولته النازية
في التاسع من شهر أبريل/نيسان من عام 1948، وفي حوالي الساعة الثالثة فجرا، مزّق أفراد من عصابة “شتيرن” المعروفة باسم “ليحي”، و”الإرغون” سكون قرية دير ياسين الفلسطينية، فاستهدفت فوهات أسلحتهم، دون رحمة، كل من يعترضهم من سكان القرية، فلم يثنهم عن إجرامهم صياح الأطفال ولا شيب الشيوخ ولا عويل النساء. وما يزال التاريخ الفلسطيني والعربي يحتفظ بألم ذكرى تلك المجزرة.
في المقابل، يفخر الإسرائيليون بأحد قادة عصابة “شتيرن” التي شاركت في مذبحة دير ياسين، وهو “أبراهام شتيرن”، حتى أن صورته طبعت على طابع بريدي، ويُحتفل بذكراه رسميا كل سنة في إسرائيل.
وقد بثت قناة الجزيرة الوثائقية فيلم “شتيرن، الرجل العصابة والدولة” الذي فكّك معادلات وعلاقات متناقضة، فقدم المخرج حسام سرحان 50 دقيقة لتوثيق سيرة السفاح “أبراهام شتيرن” ومحاولة فهم كيف صُنع وماذا صَنع.
كان هذا السفاح شاعرا، لكنه رجّح الكفة للقتل، وقد رفع تنظيمه شعار تحرير اليهود من الممارسات العنصرية، لكنه بحث عن التحالف مع النازيين في ألمانيا والفاشيين في إيطاليا، وأعاد تشكيل أساليب النازيين لإبادة الفلسطينيين.
شتيرن.. الرجل، العصابة، والدولة
يبدأ الفيلم بشهادة “يائير شتيرن” ابن “أبراهام شتيرن” الذي قدم نفسه بفخر ببضع كلمات “اسمي يائير شتيرن، وأنا ابن أبراهام شتيرن، أو كما يعرف بيائير المؤسس والقائد الأول لحركة “ليحي” وهي حركة مقاومة سرية، حاربت البريطانيين هنا في إسرائيل خلال الأربعينيات، وقتل وهو في سن الرابعة والثلاثين من قبل البريطانيين”.
كان “أبراهام شتيرن” طالبا بولنديا قدم إلى فلسطين في العام 1925. ويصفه ابنه “يائير” بالبطل الحقيقي وبأنه كان تلميذا لامعا تخصص في دراسة الآداب في الجامعة العبرية في جبل المشارف، وكان شاعرا أيضا.
ويروي ابنه “يائير” بفخر تاريخ أبيه الأدبي، وهو يسحب كتاب مجموعة قصائد أبيه من مكتبة تصدرتها صورة “أبراهام شتيرن”، ويقول إن أولى طبعة من كتاب والده كانت في العام 1950، وأن أحب قصائد أبيه إليه هي قصيدة “جنود مجهولون” لأنه كتب تلك القصيدة في العام 1932 حسب قوله، حين كان “أبراهام شتيرن” عضوا في منظمة “الإرغون”.
وقد لحّن “أبراهام ” تلك القصيدة وقرأها أمام زوجته، ومنذ ذلك الحين أصبحت تلك القصيدة التي قام بتلحينها النشيد الرسمي للحراك السري. تقول الأغنية:
“نحن جنود مجهولون، بلا أزياء رسمية، بظلال الموت وبالإرهاب محاطون، قد وهبنا أنفسنا لأجل القضية، وحده الموت قادر على إيقافنا”.
بريطانيا عدو للصهيونية بنفس قدر عداوة الفلسطينيين لها
تظهر في الفيلم مشاهد من العام 1929، لمجموعة من اليهود يصلّون على حائط البراق، وهو العام ذاته الذي قرر فيه “أبراهام شتيرن” الانضمام إلى منظمة سرية حسب شهادة ابنه في فليم “شتيرن الرجل العصابة والدولة”، وكانت المنظمة البارزة آنذاك هي “الهاغاناه”.
يقول “إيلان بابيه” وهو مؤرخ يهودي معاد للصهيونية في شهادته في الفيلم، إن تنظيم “الهاغاناه” كان حذرا جدا في علاقة بالانتداب البريطاني، وأن المنظمة رفضت أحيانا السياسات البريطانية، ولكن في أحيان أخرى كانت “الهاغاناه” تتعاون مع سلطات الانتداب البريطاني، غير أن ذلك التعاون لم يكن يعجب “أبراهام شتيرن”، وهو ما جعله ينسحب من العصابة لينضم إلى عصابة “الإرغون”.
يقول ابنه “يائير” إنه منذ ذلك التاريخ، قرر القتال طيلة حياته من أجل إنشاء دولة لليهود. ويضيف “أورون شوارتز” وهو محام وباحث في الحركة الصهيونية “هناك مجموعة من الصهاينة داخل “الهاغاناه” آمنوا أن بريطانيا هي عدو للصهيونية بنفس قدر عداوة الفلسطينيين لها، وكانوا يؤمنون بأنهم إذا كانوا يريدون إنشاء دولة يهودية في فلسطين، فإنه ليس عليهم التخلص من الفلسطينيين فحسب بل يجب أن يجبروا أيضا البريطانيين على الخروج من فلسطين، لذلك كانت المجموعة الأولى التي انفصلت عن “الهاغاناه” ورفضت سياستها المتحفظة تجاه البريطانيين هي “الإرغون” بقيادة “مناحيم بيغن” و”زئيف جابوتينسكي”.
وفي العام 1939، وقبل يوم واحد من اندلاع الحرب العالمية الثانية، قامت سلطات الانتداب البريطاني بالقبض على جميع قيادات “الإرغون” واحتجازهم. وفي يوم بداية الحرب العالمية الثانية قرر “زئيف جابوتينسكي”، أن “الإرغون” لن يقاتلوا البريطانيين حتى تنتهي الحرب.
بعدها قرر “أبراهام شتيرن” مع بعض أصدقائه الذين لم يتفقوا مع قرار “جابوتينسكي”، أنهم سيقاتلون البريطانيين، فانفصل عن “الإرغون” وشكل تنظيما يسمى “مجموعة شتيرن”. يقول “إلداد هاروفي”، مدير الأرشيف في متحف “البلماخ”، “إذا كنت ترغب في تأسيس حركة مسلحة فإنك تحتاج إلى ثلاثة أشياء: تحتاج إلى رجال وإلى أسلحة وإلى المال”.
كانت الخطوة بعد توفير المقاتلين هي توفير المال، لذلك توجهت مجموعة “شتيرن” نحو خطة لتحصيل المال عن طريق سرقة البنوك، وحسب “هاروفي” “وبسبب أنهم لم يكونوا محترفين تسببوا في مقتل العديد من الأشخاص، وكان هناك غضب كبير من معظم اليهود هناك، وكانت السلطات البريطانية في تل أبيب في حالة ذعر من أفعال “ليحي” لأن “ليحي” كانت تقتل وتصيب العديد من الجنود والضباط البريطانيين، وظنوا أنهم إذا تخلصوا من “أبراهام شتيرن” فإن مجموعته ستموت معه، لذلك بدأوا بمطاردته”.
“أبراهام شتيرن” المطلوب رقم واحد
يشير الفيلم إلى تقرير عبري بتاريخ السادس من فبراير/شباط من العام 1947 جاء فيه أن “عصابة شتيرن نفذت في فبراير/شباط 1942 أعمالا إرهابية وسرقات واغتيالات ولم تستطع الشرطة مجابهتهم، لكن اغتيال “شيف” و”جولدمان” الضابطين اليهوديين، والضابط البريطاني “تورتون” صدم اليهود وتطوعوا للقضاء على هذه الآفة”. وبدا أن ذلك التقرير قد ختم بالفعل نهاية “أبراهام شتيرن” زعيم عصابة “ليحي”.
ويروي “يائير شتيرن” أنه في أحد الأيام، قدمت والدة جندي مصاب لزيارة ابنها في مستشفى يافا، وأخبرت الضابط المصاب “موشيه سافوراي” الذي كان يرقد بجانب ابنها أنها تريد زيارة زوجته وبأنها لا تعرف العنوان، فأخبرها بعنوانها بالعبرية.
كانت زوجة ذلك الضابط تؤوي “شتيرن”، وتعقبت السلطات البريطانية تلك المعلومة، وكشف عن تلك المعلومة ضابط اسمه” توماس ويلكن” حسب “يائير”، وقُتل “أبراهام شتيرن” يومها.
ويتلو “يائير شتيرن” رسالة أبيه الأخيرة، التي حررها يوم وفاته، والتي يقول فيها “أنا لست من أولئك الذين يسلمون أنفسهم عن طيب خاطر للشرطة أو للمتعاونين معها من اليمين أو اليسار”.
ويتساءل “توم سواريز” الباحث التاريخي في الحركات الصهيونية في شهادته لفيلم “شتيرن، الرجل العصابة والدولة” إن كان “أبراهام شتيرن” إرهابيا، أم أنه كان حالما تم تضليله؟ ويجيب بحسم “تخميني لا، أعتقد أنه كان إرهابيا”، في حين يقول المؤرخ “إيلان بابيه” إنه على عكس الصهاينة الآخرين، لم يكذب “أبراهام شتيرن” على نفسه ولم يقل إن أرض فلسطين كانت خالية، مضيفا “إن قرأت كتاباته المبكرة، فهو يصف الفلسطينيين بأنهم غرباء كأجانب، لذلك كان يؤمن أن الفلسطينيين لم ينتموا إلى فلسطين وكانوا مستولين على الأرض التي هي حق لليهود فقط، ولم ير أي علاقة تربط بين الفلسطينيين وفلسطين. وشبه نفسه بالحركات المناهضة للإمبريالية في أفريقيا والهند، وكان يرى الفلسطينيين جزءا من الإمبراطورية البريطانية والذي كان تشويها كاملا للتاريخ والواقع”.
في الحرب لا مكان للمشاعر من سيمدّنا بالسلاح والمال سنعمل معه
بدأت عصابة “شتيرن” أو “ليحي” بعد التمكن من المال، في البحث عن السلاح من أجل تحقيق هدفها، ولم تكن الوجهة التي سيتحالفون معها لتمكين التنظيم من السلاح مهمة حتى لو كانت تلك الجهة هي النازيين أنفسهم.
يقول “طوني غريستين” وهو كاتب يهودي معاد للصهيونية في شهادته في فيلم “شتيرن، الرجل، العصابة والدولة” إن “أبراهام شتيرن” كان قادرا على تشكيل تحالف مع هتلر ضد البريطانيين، وهذا ما أكدته أيضا شهادة ابنه “يائير”، حيث يقول وهو يقلب إطارا يحمل صورة والده أن “أبراهام شتيرن” كان يطمح للاتفاق مع الألمان مقابل مساعدة تنظيم “ليحي” للألمان ضد البريطانيين.
فقد أرسل “أبراهام شتيرن” مبعوثا إلى السفارة الألمانية في بيروت وسلم رسالة إلى السفير الألماني هناك، لكنه لم يحصل على أي رد على ذلك، وبذلك لم يكن هناك أي تعاون مع النازيين حسب قوله. غير أن محاورته في الفيلم عرضت عليه وثائق تثبت تعاون أبيه “أبراهام شتيرن” مع النازيين، وهي الوثائق ذاتها التي عرضتها على المحامي الإسرائيلي “أورون شوارتز” الذي قال إن تلك الوثائق هي بروتوكولات استجواب أجرته “الهاغاناه” مع شاب من مجموعة “شتيرن”.
وذكرت الوثائق أن الشاب قد قال “في الحرب لا مكان للمشاعر، من سيمدنا بالسلاح والمال سنعمل معه. وسنتواصل مع أي قوة عسكرية تساعدنا على إقامة مملكة إسرائيل حتى لو كانت ألمانيا، وشرطنا هو تلقي السلاح لتنفيذ عملياتنا ضد الإنجليز، وقد وافقت على الانضمام إلى شتيرن على هذا الأساس”.
كان تبرير “يائير” لما جاء في تلك الوثائق أن الشخص المستجوب قدم شهادته تحت التعذيب وأن كل ما قيل في تلك الوثائق كذبة لا أساس لها من الصحة، نافيا أن يكون “أبراهام شتيرن” له علم بالمحرقة التي ارتكبها النازيون ضد اليهود.
في المقابل يقول المؤرخ “إيلان بابيه” إن “أبراهام شتيرن” كان يعلم قبل سبع سنوات بوجود نظام قانوني عنصري يقاطع الشركات اليهودية، وأن اليهود كانوا يطردون من الجامعات ومن أماكن الخدمات العامة. “كان يعرف جيدا عن هذا التحريض النازي لمجتمعهم”.
وقد بدا أن عصابتي “شتيرن” و”الإرغون” اتفقا على منهج واحد وهو إيجاد سبيل للتفاوض مع النازيين، وهو ما يؤكده المؤرخ “إيلان بابيه” في شهادته في الفيلم بأن عديد اليهود في عصابة “شتيرن” و”إرغون” بمن فيهم “بن غوريون” كانوا قوميين جدا وأنه في العامين 1936 و1937 كانوا مفتونين جدا بالفاشية كأيديولوجية، وتجاهل “شتيرن” الجانب المعادي لليهود من الفاشية بشكل كامل، وكان يؤمن بالمثل القائل عدو عدوي هو صديقي، لذلك حاول في العام 1940 لقاء الفاشيين الإيطاليين.
وعليه، تم عقد اتفاقية تسمى باتفاقية القدس، ووافق “أبراهام شتيرن” على الاعتراف بالفاشيين الإيطاليين كقوة في المنطقة مقابل أن يعترف الفاشيون الإيطاليون بـ”شتيرن” كقوة سيادية وحيدة في فلسطين، حسب الباحث في الحركات الصهيونية “توم سواريز”.
وقد ردّ “يائير شتيرن” التهم عن أبيه بالتعاون مع النازيين، وذلك برمي الحاج أمين الحسيني بتهمة مماثلة، إذ يقول إن الحاج أمين الحسيني كان أول من تعاون مع ألمانيا في العام 1936، غير أن شهادات المؤرخين في الفيلم تبرز أن حجة “يائير شتيرن” لتخوين مفتي القدس ليست قوية لأن الحسيني كان يكره البريطانيين بعد طردهم له من فلسطين، وكان موقفه آنذاك مفهوما حين توجه إلى هتلر، كما أنه لم يكن معاديا للسامية بل يخشى من اليهود الذين قدموا إلى فلسطين كمحتلين.
حرب العصابات على أرض فلسطين
كان البريطانيون يظنون أنه بمجرد قتل “أبراهام شتيرن” فإن عصابته ستزول، لكنهم كانوا حتما مخطئين، إذ يُظهر فيلم “شتيرن، الرجل العصابة والدولة” كمية الخراب والإرهاب الممنهج الذي تسبب فيه أفراد عصابة “شتيرن” وضحاياه من البريطانيين والفلسطينيين، فقد تولت عصابة “شتيرن” بقيادة “ناتان يالين مور” و”إسرائيل إلداد” و”إسحاق شامير” بعد موت زعيمها “أبراهام شتيرن”، استهداف منشآت بريطانية وتخويف حتى اليهود من غير المتعاونين منهم.
بعد العام 1943، نشأت علاقة جديدة بين “شتيرن” و”الإرغون” على أساس واحد وهي أن لديهما عدوا جديدا مشتركا وهو عصابة “الهاغاناه” التي بدأت بتقويض قوة العصابتين، وسميت تلك الفترة بـ”السيزون” أو “موسم الصيد”، فدخلت فلسطين في حرب العصابات الصهيونية على أرضها.
ويبرر “يائير شتيرن” في شهادته في الفيلم عنف العصابة التي قادها والده بالمقارنة بينها وبين فصائل المقاومة الإسلامية المسلحة، ويقول إن “الفرق بين “ليحي” والحركات العربية مثل حماس أو الجهاد الإسلامي هو أن “ليحي” لم تقتل عمدا أشخاصا أبرياء، عكس الحركات العربية التي يضعون قنبلة في حافلة بها العديد من المدنيين، لكن “ليحي” كانت تستهدف دائما أهدافا بريطانية مثل الضباط والجنود ومباني إدارية.”
وهذه طبعا محاولة فاشلة من نجل “أبراهام شتيرن” لتبييض وجه أبيه “المجرم” ونفي تهمة الإرهاب عنه وعن جماعته. ويكذبه جهارا نهارا تاريخ التاسع من أبريل/نيسان من العام 1948، حين قامت عصابتا “الإرغون” و”شتيرن” بمجزرة دير ياسين.
ويقول “إيلان بابيه” المؤرخ الإسرائيلي المعادي للصهيونية في شهادته في الفيلم إن المذبحة ارتكبتها ثلاث عصابات، لكن “بن غوريون” كان ذكيا جدا حيث قال مباشرة بعد المجزرة إنها كانت على يد “الإرغون” و”شتيرن”، حتى أنه أرسل خطابا إلى الملك عبد الله يعتذر فيه عن ذلك. وحسب شهادة “أوري بانكفيلد” الجندي السابق في “البلماخ”، فقد اعترف عناصر من “الإرغون” و”ليحي” -خلال حديث جمعه بهم- بأن ما فعلوه في دير ياسين كان الصواب.
كانت تلك المجزرة وغيرها وسيلة تمكن بها الصهاينة من ترهيب الفلسطينيين وطردهم، وهو ما تؤكده وثيقة عرضها الفيلم حيث جاء فيها أن “أسباب هجرة عرب أراضي مملكة إسرائيل بين 1 ديسمبر/كانون الأول 1947 و1 يوليو/تموز 1948، هي الأعمال العدائية اليهودية المباشرة ضد الجاليات العربية والأعمال التي نفذتها “الإرغون” و”ليحي””.
يقول المؤرخ “إيلان بابيه” إن تلك الوثيقة تفضح إحدى أهم الأساطير الإسرائيلية والتي تقول إنه في 15 مايو/أيار 1948، أرسل العالم العربي جيوشه إلى فلسطين لتدمير الدولة اليهودية، وأن الفلسطينيين أصبحوا لاجئين لأن العالم العربي أعلن الحرب في ذلك اليوم. لكن وثيقة عبرية أخرى تُظهر أنه قبل دخول أي جندي عربي إلى فلسطين، قامت القوات الصهيونية بطرد مئات الآلاف من الفلسطينيين.
الكونت برنادوت، طعنة في الظهر
بعد الحرب العالمية الثانية، شكلت العصابات الثلاثة “الإرغون” و”شتيرن” و”الهاغاناه” ما يسمى ب”نواتاميري” أي “حركة التمرد”، وبدأ هذا التحالف في شن عملياته ضد الفلسطينيين، ونشطت عصابة “شتيرن” أساسا في القدس ويافا، وتخصصت أساسا في عمليات الاغتيال، ونفذت عملية اغتيال للكونت “برنادوت” وسيط الأمم المتحدة آنذاك رغم أن “برنادوت” كان متعاطفا مع اليهود. فحسب المؤرخ “إيلان بابيه”، أنقذ “برنادوت” ثلاثين ألف يهودي من معسكرات الإبادة النازية، وبالتالي اعتقدت الأمم المتحدة أن الصهاينة سيحترمونه.
تمكن “برنادوت” من عقد اتفاق هدنة بين الجيوش العربية والجيوش الصهيونية يوم 9 يونيو/حزيران 1948، وكان يطمح إلى اتفاق لتنازل الصهاينة عن صحراء النقب التي سلمتها لهم الأمم المتحدة قبل الحرب، وإرجاعها للعرب.
ويذكر “أورون شوارتز” المحامي والباحث في الحركة الصهيونية في شهادته في الفيلم أن فكرة “برنادوت” كانت تسليم القدس للأمم المتحدة، وأن تأخذ الجزء الغربي من القدس من السيطرة اليهودية، ويعتقد كثيرون أن افتكاكها من السيطرة اليهودية يمثل خطرا على الفكرة الصهيونية، لذلك اعتبره عناصر “ليحي” عدوا يجب التخلص منه. ويتهم الباحث “طوني غريسن” “إسحاق شامير” بإعطاء الأمر باغتيال وسيط الأمم المتحدة.
في الرابع عشر من مايو/أيار سنة 1948، جاء إعلان قيام إسرائيل بصوت “ديفيد بن غوريون” بعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، وتلا “بن غوريون” بيان قيام الدولة اليهودية تحت إطار يحمل صورة “ثيودور هرتزل” الأب الروحي لإسرائيل.
واليوم يقلّب “يائير شتيرن” بفخر كبير ميدالية سلمها الجيش الإسرائيلي لأبيه تقديرا لدوره في تاريخ الدولة اليهودية، ويعترف أن إسرائيل بنيت بالدم وعلى جثث ضحايا كثيرين وأن تنظيم “شتيرن” كان الأكثر نشاطا وتطرفا في الحركة السرية.
يقول المؤرخ “إيلان بابيه” “إن دولة بنيت على رؤية “أبراهام شتيرن” للدولة لن تصمد في النهاية، لأنها إذا صمدت فهذا يعني أن الأخلاق لم يعد لها مكان في المجتمعات الإنسانية”.