“جولة ميم المملة”.. أشرعة الكاتب محمد حافظ رجب الغارقة في العزلة والغرائبية

تقتفي المخرجة المصرية هند بكر في فيلمها الوثائقي الجديد “جولة ميم المملة” أثر القاص محمد حافظ رجب، محاوِلة كسر عزلته واختراق جدرانها المتينة التي فرضها على نفسه وهو في ذروة تألقه الإبداعي، فقد اقترن اسمه بالتمرد والكتابة الجديدة، والانتماء إلى دائرة المغايرة والاختلاف، والرغبة العميقة في أن يصبح كاتبا عالميا، لا تكفيه الشهرة المحلية ولا تُرضيه ولا تُشبع غروره الإبداعي.
ومع أنه كان يحس بالمهانة والنبذ الاجتماعي والثقافي، فإن إنتاجه القصصي المتميز أجبر كبار الكُتّاب والمثقفين المصريين على الاعتراف بتجربته القصصية المتفردة. فقد قال الروائي يحيى حقي إنه “فنان سبق زمانه”، ووصفه الروائي نجيب محفوظ بأنه “سيريالي في عالم واقعي”، وقال الناقد صبري حافظ إنه “أول من فجّر قضية الأدب الجديد وطرح الأسئلة حول هويته”.
ومع ذلك فإنّ إحساسه بالإهمال والتهميش والنبذ الاجتماعي يتعمق حتى يبلغ درجة تدعوه للعودة إلى مسقط رأسه في منطقة الورديان بالإسكندرية، والاعتكاف فيها 30 سنة، بحجة أنه محكوم عليه بترك الكتابة إلى الأبد.
ولو دققنا جيدا في القضية الرئيسية لهذا الفيلم، لوجدناها تتمحور حول عُزلة الكاتب محمد حافظ رجب، ومحاولة إرجاعه إلى الحياة اليومية المألوفة، وانتشاله من الخانق الضيّق الذي وضع نفسه فيه. فهل تنجح المخرجة هند بكر في هذا المسعى المُحتشد بالإشكالات الثقافية والاجتماعية والفكرية والدينية؟ أم تنتكس وتتراجع أمام القرار الصارم الذي اتخذه وسيبقى ملتزما به إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا؟
بيع الصحف.. ضالة الباحث عن القراءة والكتابة والتواصل
تتتبّع المخرجة هند بكر في فيلمها سيرة محمد حافظ رجب الذاتية والإبداعية والنفسية إن شئتم، وتنطلق من تشعباتها الثلاث التي يَعرف الحقل الثقافي غالبيتها، لكنه يجهل بعض دهاليزها ومغاورها السرية المتعلقة بالمستوى الاجتماعي، وما يترتب عليه من إحساس بالقهر والقمع والدونية، والتشبث ببعض الخرافات والقناعات والأوهام الدينية التي تنبثق من الفراغ أو المجهول أو العدم.
وللتعريف بهذه الشخصية، لا بد من الإشارة إلى أنّ محمد قد وُلد في مدينة الإسكندرية سنة 1935، وأكمل المدرسة الابتدائية آنذاك، وهي تعادل الثانوية العامة الآن، ثم ترك الدراسة بعد أن رسب في كل المواد، مثل اللغة العربية والإنجليزية والحساب، في حين نجح أقرانه جميعا.

وليس هذا الرسوب دليلا على غبائه أو فشله المعرفي، وإنما وجد نفسه مُنشدّا إلى القراءة الأدبية التي تقع خارج إطار الحصص الدراسية ومُنجذبا إليها، فقد صبّ كل طاقته على الكتابة بوقت مبكر جدا.
وقد اقترنت هذه الكتابة المبكرة بالتمرد على الأب وأعراف الأسرة الاجتماعية والأخلاقية، فحين بلغ 17 عاما رفض العمل مع والده، وتوجّه إلى محطة الرمل في الإسكندرية، وبدأ يبيع اللب والفول السوداني والصحف اليومية، لكي يتمكّن من القراءة والكتابة في آنٍ معا.
ولعل وجود النساء الجميلات هو ما حبّب إليه هذه المهنة الحُرة التي تتيح له التواصل مع الآخرين مباشرة، فقد اعترف أنه ارتكب خطيئة لم يحدّد طبيعتها، لكن إصرار والده على تزويجه مبكرا يوضّح جانبا من هذه الخطيئة وإن لم يكشفها بالكامل، وفي ليلة عقد الزواج ذهب محمد إلى سينما ريو ليشاهد أحد أفلام “تشارلي شابلن”، وينسى إشكالات هذا الزواج الذي عمّق غربته الاجتماعية والنفسية.

يقول في قصة “برّاد الشاي المغلي” (1979): أنا رجل تكتنفني الغربة في كل الأركان، توقفت عن المسير مؤقتا، أجلس الآن داخل علبة سجائر فوق رف، أعرض فوقهم الحظ معلقا فوق حبل أوراق اليانصيب.
لم ينقطع محمد عن سماع المذياع ومشاهدة التلفزيون بعد هجرانه الكتابة، لكنه ظل يعيش العزلة التي تُثير أسئلة الآخرين، ومنها: متى ولماذا نفقد رغبتنا في مواصلة الحياة الإبداعية أو الحياة اليومية المعتادة؟
“شعرتُ أن قصته تتسلل إلى أعماقي وترقد فيها”
أسس حافظ الرابطة الثقافية للأدباء الناشئين بالإسكندرية عام 1950، وهي رابطة أدبية تُعنى بحقوق الأديب الناشئ، وتُرينا المخرجة نماذج للأعضاء المنتمين لهذه الرابطة، منهم محمد حافظ رجب (17 سنة) الذي يكتب القصة القصيرة، ويسكن في غربال.
وقد التحق بالرابطة في أبريل/ نيسان 1950، وكان يمارس مهنة حرة، وينشر قصصه في مجلة “القصة”، حتى أنّ المخرجة قد تصورت أنه غرق في عالم الحلم، أو العالم الغرائبي الذي خلقه، ولم يستطع الخروج منه. لكنه رفض هذا التصور الذي قدّمته المخرجة، ويعلّل ذلك بأنه لم يعد يهتم بأحد، وأنّ المولى أراد أن يتدخل، فأرشده إلى هذه العزلة الاختيارية.

يتحدث محمد حافظ في مذكراته التي تعود إلى يوم الجمعة 16 يوليو/ تموز 1952، ويقول فيها: مرت السنوات وخرج إبراهيم العسكري، وهو زميلي في هوايتي وزميلي في سوء حظنا، غادر محل “على كيفك”، ورأيته في محلات أخرى ولكنه لم يعد أنيقا كما كان، ويظل شعره نائما بسبب الصابون، وعلمت منه أنه طلّق امرأته لأنها خانته، وأنها تزوجت الآخر الذي أحبّته، وهي الآن تعيش هادئة مع زوجها، وقد تركت له ولديها. ولست أدري لِمَ شعرتُ أنّ قصتهُ تتسلل إلى أعماقي وترقد فيها، وأنها بدأت تنفث شيئا كالسمّ راح يتحرّك في شراييني، يجب أن تخونني أنا الآخر زوجتي.
“نحن جيل بلا آباء”.. تصريح أثار حفيظة الوسط الثقافي
كان محمد حافظ يرجو -مثل بقية الأدباء- أن ينتقل إلى القاهرة ويعيش فيها، أسوة بأدبائها وفنانينها في ذلك الوقت، وحين وصل أُصيب بصدمة قوية لم يكن يتوقعها، لما ينطوي عليه الوسط الثقافي المصري من تناقضات شديدة، حتى أنّ بعضهم نبذوه، لأنه يكتب ضمن إطار أدب الخيال البعيد وغير المعقول، والآخرون يكتبون أدبا واقعيا، ولا يحبون الشطحات السريالية، وما تنطوي عليه من أحداث وصور أدبية وفنية جديدة لم يألفوها من قبل.
كما أنّ آراءه، وتصريحاته ومواقفه الشخصية تنطوي على بعض الاستفزاز من جهة، والاعتداد بالنفس من جهة أخرى، فحين قيل له إن يحيى حقي هو رائد جيل الستينيات وملهم كثير من الأدباء والفنانين أجاب: “نحن جيل بلا آباء” أو “بلا أساتذة”، فأثار ذلك حفيظة رموز هذا الجيل وأسمائه اللامعة، وفتح عليه أبوابا من العداوات والانتقادات بحقه، فقرر العودة إلى مسقط رأسه، والدخول في عزلة لم يخرج منها حتى الممات.

ذات مرة رأته المخرجة هند بكر في حفل توقيع أعماله الكاملة، وهو جالس على المنصة، لا ينبس بحرف، والآخرون يتحدثون عن منجزاته الأدبية، وحينما أُلحّ عليه قال: ما مضى قد مضى والمأساة تتكرر، تتكرر، تتكرر.
فشعرت المخرجة أنها بحاجة ماسة للاقتراب منه ومحاولة فهمه، فلا يمكن أن يظل ساكتا حتى وإن اعتزل الكتابة والحياة، فثمة أشياء كثيرة تغلي في داخله، وقد قال لمن تتابعه مثل ظله: ليس الأمر جديدا أو قديما يا امرأة، إنها حكاية الحيرة، حكاية كل الطيور الصغيرة مثلي ومثلك، التي لا عُش لها ولا تعرف أين تبني العش، ولو عثرت عليه لبعثرت قشه. إنها طيور لا تعرف أين تستقر، ولا أين تبقى، ولا أين تقف، ولا أين تطير. إنها حكاية رعب دائم، ومُطاردة مستمرة”.
ويتذكر بعض أبناء جيله، مثل إبراهيم أصلان وسيد خميس ومحمد جاد، وغيرهم من متشردي القاهرة، ممن كانوا يؤمنون بأنفسهم ومشاريعهم الإبداعية، التي ستفضي يوما ما إلى نتيجة محددة، وهم يرون أن التجريب يأتي نتيجة للثورة التي تكشفت أبعادها لاحقا، وأنهم كانوا واقفين تحت مظلة وهمية، وأن عبد الناصر وهمٌ كبير.
ويمكن أن نستشف أول ردود فعل محمد حافظ في التجريب والكتابة الجديدة في المثال الآتي: لم يجد حلا سوى قطع عنقه ليموت حتى الصباح، تناول المُدية من بين أسنانه، وقطع عنقه ومات، في الصباح استيقظ من موته على طرقات، لكنّ السؤال الممتد إلى آخر المدى سحبني إلى طريقه النائي الغارق في الوحل: ماذا تريد من هذا العالم؟
طريق الأدب.. درب موحش لا يريد الأب توريثه لبناته
تركز المخرجة هند بكر على حياة محمد حافظ رجب الأسرية وعلى سامية، وهي إحدى ابنتيه، وكانت تكتب الشعر ولا تُخبر أباها، فهو لا يريد لابنتيه أن تسلكان هذا الطريق، لأن الإبداع شقاء أيضا، ولهذا السبب كان يمنعهما من القراءة بطريقة أو بأخرى.
كان يخاف أن ينتهيا على نفس الرصيف الذي انتهى إليه، ولكن الفرق الوحيد بينه وبينهما أنه كان متمردا على الأب والأعراف الاجتماعية، وكانت الكتابة طاقته الوحيدة التي تستوعب هذا التمرد وتحتويه.
لقد قتل الأب بمعنى من المعاني، كما يقول في هذا المقطع واضح الدلالة: صرخ في أبيه: اصمت يجب أن أذبحك لأتحرر.. دسّ يده في صدر أبيه، أخرج قلبه، مدّ السكين وذبحه، وارتمى الأب فوق بلاط الدكان، فداس فوق جثته ومسح الدماء من السكين.

كان محمد حافظ رجب يشعر بأنّ القاهرة مُوحشة، ولكنّ كتّابها التقليديين الذين ينتمون إلى المذهب الواقعي أكثر وحشية من القاهرة، لأنهم يمثلون -في رأيه- طغيان المادة الميكانيكية.
تتوالى صور الأساتذة يوسف السباعي وأمين يوسف غراب وعبد الرحمن الشرقاوي ونجيب محفوظ وأمين العالم وأنيس منصور وكامل زهيري، بينما يسترسل محمد حافظ في استذكاره للمدة القصيرة التي أمضاها في القاهرة، والتي تحمّلها على مضض.
فهو يشعر أنه ليس إلا بائع لُب وفول سوداني، قادته أحلامه الكبيرة إلى القاهرة، فأصبح موظفا في أروقة الثقافة والأدب، وقد كان سكرتيرا في لجنة النثر، وكان د. مهدي علاّم مقرر اللجنة، وكان نجيب محفوظ ويوسف إدريس ومحمد عبد الحليم عبد الله أعضاء في اللجنة، وكان يتحدث معهم ببساطة شديدة، كأن يرفع سماعة الهاتف، ويقول لمهدي علاّم: “ما تنساش تيجي”، ولعل ذلك ما دفعهم لنقله إلى الأرشيف.
“الكتابة الجديدة هي تفتيت اللغة وتحويلها إلى صور”
استدرجوه للعمل في صحيفة “الأهرام”، لكنهم كانوا يتربصون به الدوائر لأنه قال: “نحن جيل بلا أستاذة”، فنصحه الكاتب لويس عوض أن يعود إلى الإسكندرية، ويكتب لهم من هناك. فهذه الثلة -في رأيه- ترى أن الكتابة الجديدة تعني الغموض، والأمور الغريبة، أو الشكل الجديد فقط.
وحينما تسأله المخرجة هند بكر عن المعنى الدقيق للكتابة الجديدة يقول: “الكتابة الجديدة هي تفتيت اللغة وتحويلها إلى صور”. وهو كلما شعر بأنه مُطارَد وتتناهشه الألسن، كتب مادة جديدة، فيهاجمونه ثانية ويتعمدون إهانته.
ذات مرة هجم عليه الكاتب فاروق منيب هجوما عنيفا في مقال حمل عنوان “مغرور.. الموهوم المبشِّر بسعادة الإنسانية”، واتهمه يحيى حقي بأنّ أهله يتعاطون عقاقير مخدّرة، مع كلام من هذا النوع ملأ صفحات من مجلة “الثقافة” وجريدة “الجمهورية”.

لم يكن محمد حافظ رجب متدينا ولا يؤدي فروضه الدينية، وبينما هو ذات يوم في القاهرة، إذ سمع صوتا “اخترق الحائط”، فقرر الذهاب إلى السيدة زينب، ودخل في الأنوار الباهرة التي قلبت موازينه كلها، فنظر جيدا وإذا به يزحف في المكان، فقابل شيوخا جالسين أطعموه، ثم وجد نفسه يمشي محدودبا حتى وصل باب الحديد، واعتدلت قامته ومشى.
حينما خرج هذا الصوت من كيانه الداخلي، غيّر كل شيء وقرر الرجوع إلى الإسكندرية، وكأنه ينفِّذ أمرا سماويا، وبدأ يؤدي الشعائر الدينية المتعارف عليها، كالصوم والصلاة والزكاة وما إلى ذلك.
“لو استطعنا إحضار لبن العصفور لأحضرناه منذ زمن”
يشعر محمد حافظ أنه كان مخلصا للكتابة أكثر من الطموح، فثمة مشهد آخر لا يقل أهمية عن المشاهد السابقة، وهو زيارة الكاتب أحمد عبد الجبار الذي ينتمي إلى جيل التسعينات، وقد جاء يدعوه لحضور ندوة “أصيل” في تلك الحقبة، لكنه اصطدم بصورة الكاتب محمد حافظ، فتغيرت علاقة أحمد بالعالم والكتابة، واختار الوقوف في المنتصف، وهي حالة مؤلمة جدا.
وسنعرف من خلال هذا اللقاء أنّ محمد حافظ قد ترك الكتابة منذ 40 عاما، لأنّ مزاجه تغير، وانعدمت رغبته في الكتابة منذ 1976، وصار يعيش حياة عادية مثل أي إنسان آخر، وأما أحمد عبد الجبار، فقد قرأ قصص محمد حافظ وأُعجب بها، ثم طلب منه أن يدلّه على الطريق، ويأخذ بيده إلى أول السكّة.

وفي سنة 1995، جاء أحمد وطلب منه أن يحضر الندوة، لكي يتعرف عليه الكُتّاب الشباب، ويستفيدوا من تجربته الإبداعية، لكنه رفض ولم يتقرب من الأجيال كلها. وقد سلّمه أحمد الأشرطة المسجلة في 25 ديسمبر/ كانون الأول 1995 للندوة التي لم يحضرها، وتركه لكي يستمع إليها في أوقات فراغه.
فالكتابة ليست ذنبا، بل هي تكفير عن الذنب. وفي مقطع آخر يقول: نحن الرجال المجربين نقول هذا الصغير أحمق، فليرجع عن غيّه ابنك هذا وإلاّ فستسقط اللعنة عليه. كان غيره أشطر منه لو كان في إمكاننا أن نحضر لبن العصفور من ثدي أمه، لكنّا قد أحضرناه منذ زمن، العالم أبلى جلودنا حتى أدركنا أنّ الحقيقة موجودة عندنا هنا حيث نولد ونكبر ونحمل ونتزوج وننجب أولادا ونعيش، كل ما عدا ذلك أوهام يخلقها الرجال الكاذبون، يأكلون لحم موتانا، وهؤلاء المتأنقون يقولون: آمين.
نقاشات الندوة.. أسئلة يتداخل فيها الأدب والحياة الشخصية
يستمع محمد حافظ إلى أشرطة الندوة المسجلة، وكان قد حضرها 25 أديبا إسكندرانيا، منهم عدد من الروائيين والقصاصين والشعراء والفنانين التشكيليين، وكان أول المتحدثين الشاعر علاء خالد، وقد توصل إلى أنّ محمد حافظ يعاني من حالة نفسية أفضت به إلى هذه العزلة، فهو لا يغادر البيت إلاّ للمسجد، ويعيش حالة صوفية تقترب كثيرا من التوحّد، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أنّ حياته الشخصية هي أدبه. ولو كان محمد حافظ رجب موجودا لما سألت هذا السؤال؟
لم يحظ السائل بإجابة محددة، فحجة مدير الندوة أنّ هذه الاحتفالية قد نُظمت لمرور 60 سنة على تقاعده من المتحف، ونحن هنا لا نناقش حياته الشخصية.

ثم تحدث رجل آخر مدافعا عن فكرة السائل الأول ومُعززا لها، ورأى سؤاله مشروعا وحيويا، لأن الكاتب محمد حافظ لم يهبط من الأعالي، ولعل تصرفه هذا قد جاء بسبب رد فعل على أوضاع اجتماعية وفكرية سائدة، ولو عدنا إلى الرموز الرئيسية لهذا الجيل لوجدنا أنّ بعضهم لم يكن يعرف أين يضع قدمه لغاية 1967، فثمة تصرفات قد تبدو غريبة لكنها ليست فردية، فابراهيم أصلان عاش ظروفا سيئة، لكنه استمر في الكتابة حتى الآن.
وطرح أحد الحاضرين تساؤلا مشروعا مفاده: إذا كان محمد حافظ رجب قد ترك الكتابة، وابتعد عن المجتمع، وآثر العزلة، أليس من حقي أن أسأل نفسي: لماذا أنا أكتب لحد الآن إذا لم يكن للكتابة جدوى؟
ترى، هل مثّلت قصص محمد حافظ رجب نقلة أو انعطافة في عالم القصة القصيرة؟ وهل قال كل ما عنده وخلّد اسمه في المشهد الأدبي المصري؟

يقول محمد حافظ: كنتُ صريحا مع نفسي مندهشا من ظروف الناس، إيقاع الرعب قيّد عيوني عن الأمواج، سقط اسمي أثناء عبور جسر الزحام، أحمل في صُرة ملابسي كتابا، وأحلم بدخول الأبواب، لكنني في منتهى الألم بصدق، لا أعرف كيف أعيد حرارة التوهج الغارب.
إثراء المكتبة القصصية.. عطاء ممتد على مدى عشرات السنين
توفي محمد حافظ رجب في 13 فبراير/ شباط 2021، بعد وفاة ابنته سامية بشهرين. وقد صدر له 12 كتابا، وهي على التوالي:
- “عيش وملح” (1960).
- “مخلوقات براد الشاي المغلي” (1966).
- “الكرة ورأس الرجل” (1968).
- “غرباء” (1968).
- “حماصة وقهقهات الحمير الذكية” (1992).
- “اشتعال الرأس الميت” (1992).
- “طارق ليل الظلمات” (1995).
- “رقصات مرحة لبغال البلدية” (1999).
- “عشق كوب عصير الجوافة” (2003).
- “القصص العربية القصيرة”.
- “مقاطع من جولة ميم المملة”.
- “محمد حافظ رجب الأعمال الكاملة الجزء الأول” (2011).
هند بكر.. كاتبة وصانعة أفلام خارج السرب
من الجدير بالذكر أنّ هند بكر هي مخرجة وكاتبة قصة، تخرجت من كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر. وقد درست صناعة الأفلام بمدرسة سينما الجزويت عام 2010.
كتبت هند فيلمها الروائي الأول “أوضة الفيران” (2013)، ثم أنتجته وأخرجته بنفسها، باشتراك مع 5 مخرجين آخرين.

وقد أنجزت فيلمها الوثائقي الطويل الأول “جولة ميم المملة” عام 2023. وهي تنهمك حاليا في مرحلة البحث والإعداد لفيلمها الوثائقي الطويل “ناس الكباين/ في ظل قصر”.