“كريستوفر ريف”.. قصة سوبرمان السينما الذي هزمته الإعاقة

كان من أشهر نجوم التمثيل في العالم، وأحد رموز الذكورة والبطولة في السينما الأمريكية، ثم أصبح معاقا لا يستطيع الحركة، بل إنه كان يحتاج الى مساعدة طبية لكي يتنفس.

هكذا انهار عالم الممثل الأمريكي “كريستوفر ريف” بعد سقوطه عن حصانه عام 1995، وقد تبعت ذلك عشر سنوات مأساوية في حياته، حظيت باهتمام إعلامي وشعبي كبير، وهي موضوع فيلم وثائقي ضخم يعرض الآن على منصات شبكة “أتش بي أو” الأمريكية.

أُنتج فيلم “سوبر/ مان.. قصة كريستوفر ريف” (Super/Man: The Christopher Reeve Story) عام 2024، وقد تشارك إخراجه “إيان بونوت” و”بيتر أتيدغي”، وهو يُقارب حياة “كريستوفر ريف”، مع التركيز على السنوات القاسية، التي عانى فيها كثيرا لكي يجد طريقه، بعد الكآبة الشديدة التي أصابته.

كما يهتم الفيلم بمسيرته السينمائية وحياته العائلية، فيشكلان معا مسارات سردية بجانب الإعاقة، وقد سعى الفيلم في جزء منه إلى أن يجرّده من هالة الشهرة التي أحاطته، ويحلل الظروف الاجتماعية والنفسية التي عاش بها، وأوصلته إلى المكانة التي بلغها حينذاك.

رجل العائلة.. قصة الأب الدافئة بلسان الأبناء

يبدأ الفيلم زمنه بصوت أكبر أبناء الممثل الثلاثة، فيستعيد ذكرياته الأولى مع أبيه، وكان لا يلقاه إلا مرات قليلة في السنة، فهو يعيش مع أمه البريطانية، أما أبوه فكان يعيش مع زوجته الجديدة في الولايات المتحدة.

سوبرمان الذي أصبح معاقا

كانت شهادة الابن الأكبر -حالها حال شهادات الأبناء الآخرين- دافئة جدا، وتحمل ذكريات عاطفية عن الوالد، فقد كان مع انشغالاته الكبيرة يحافظ على علاقات ممتازة مع أبنائه.

يتنقل الفيلم في الزمن الذي سبق الحادثة، فيعود أحيانا إلى طفولة الممثل، ثم يقفز إلى شبابه وبداية شهرته، كما يفرد مساحات زمنية لأبنائه الذين وفروا نافذة مختلفة على الأب المتعدد الوجوه.

ولا يشكو الفيلم في نصفه الأول من المادة الأرشيفية، فهي كثيرة جدا، لكنها متنوعة بين الفيديوهات المنزلية، والفيديوهات التي صورتها الصحافة، وقد كانت تتعقب كل خطوة من حياته.

ملصق فيلم “سوبر/مان”

يمسّ النصف الأول من الفيلم علاقة الممثل المعقدة مع والده، فقد شكلت له عقدة نفسية في حياته كلها، فالأب لم يكن راضيا عن ابنه، حتى أنه عندما مُنح دور “سوبرمان” في السلسلة السينمائية الشهيرة، اتصل بأبيه ليخبره، فكان رده أن المسرح هو أهم للسينما، وأن السينما هي فن النسيان، أما المسرح فهو الفن الحقيقي.

موهبة تحت طبقة الوسامة

لعل دور النجم “كريستوفر ريف” في سلسلة سوبرمان السينمائية هو الأبرز في مسيرته السينمائية، بل غطى إنجازاته الأخرى، ولا سيما في المسرح، وهو الفن الذي بدأ به مسيرته الفنية.

لحظة وقوع الممثل “كريستوفر ريف” عن الحصان

وجد “كريستوفر” نفسه في تحدّ مبكر في بداية مسيرته الفنية، وهو تحدي الوسامة التي وهبه الله إياها في شبابه، ذلك أنه لم يرغب أن يوضع في أدوار الشاب الوسيم النمطية، بل إن أدواره على المسرح كانت تعكس موهبة فنية كبيرة، وقد أكد ذلك زملاؤه ونقاد المسرح، في شهادات للفيلم.

فجأة قرر “كريستوفر” أن يذهب إلى لندن، للمشاركة في اختبارات الممثل الجديد لبطولة سلسلة سوبرمان، وقد فاجأ ذلك زملاءه، فلم يكن يومئذ مجهولا لدى دوائر الصناعة السينمائية فحسب، بل كانت أدواره المسرحية تنبئ بممثل مسرحي ممتاز، ممن يلازمون المسرح طوال مسيرتهم الفنية.

بعد أن كان يطير في الفضاء صار “كريستوفر ريف” يجلس على كرسي

وقد جذبت موهبته ووسامته وبنيته الجسدي منتجي سلسلة “سوبرمان”، فغامروا باختياره، وتوقعوا أن تكون له نتائج مبهرة، وأن يحقق الفيلم إيرادات مالية كبيرة، وأن الفيلم المرتكز على المؤثرات الصورية سيكشف موهبة الممثل الشاب.

بل إن هناك من أرجع نجاح الفيلم الى حضور “كريستوفر”، وفهمه للتغييرات الاجتماعية التي حصلت في الولايات المتحدة، وأيضا فهم مكانة السلسلة السينمائية، وأهمية حضور “المخلّص” أو “البطل” في تلك السنوات من التاريخ الأمريكي.

حادثة مأساوية ومنعطف تاريخي حاد

ما من تسجيل يصور سقوط “كريستوفر” عن حصانه عام 1995، لكن الحادثة كانت محفورة في أذهان الحاضرين حينها، وهو لم يكن يومئذ يتدرب تدريبا استثنائيا، بل كان يتمرن على ركوب الخيل لدور سينمائي يتحضر له، ولم يكن يعلم أن سقوطا بسيطا ستكون له عواقب كارثية، منها شلله الكامل، وانتهاء حياته السينمائية، وبداية السنوات الصعبة.

“كريستوفر ريف” في محنته محاطا بحب عائلته

يقول أحد مساعديه في شهادته للفيلم: كانت أمّه تريد من الأطباء أن يوقفوا كل أجهزة التنفس الصناعي، وأن يتركوه يموت.

لم تكن الأم قاسية القلب، لكنها لم ترغب بأن يعيش ابنها مشلولا، لا سيما بعد أن سمعت من الأطباء أن الإصابة بالغة للغاية، وأنه سيكون عاجزا حياته كلها، وأنه ربما يحتاج إلى مساعدة في التنفس.

تتعاظم في النصف الثاني من الفيلم المساحة الزمنية لزوجته الثانية الأمريكية “دانا ريف”، وقد رفضت تماما إيقاف العلاج عن زوجها، وقادت عمليات العلاج المعقدة الباهظة التكاليف، كما أمسكت بزمام عائلتها، وأدارت أيضا كل ما يتعلق بزوجها، حتى وفاته في عام 2004.

مجال العمل الإنساني.. نهضة من الرماد

عانى “كريستوفر ريف” من الكآبة الحادة، ولم يجد خلال سنوات سببا لبقائه حيا، وتظهر فيديوهات منزلية من سنوات إعاقته الأولى أنه لم يكن قادرا على الحركة، بل كان خائفا كثيرا من توقف تنفسه الصناعي.

وقد نال رعاية طبية تعد الأفضل في العالم، وحظيت تلك المرحلة من العلاج الطبي بمساحة مهمة في الفيلم، ويستعيد وصوله إلى عيادة خاصة للتأهيل في الولايات المتحدة، وقد حظي ذلك بتغطيات إعلامية كبيرة.

“كريستوفر ريف” يشارك في الحفلات الخيرية

لكنه استغرق وقتا طويلا قبل أن يجد رسالة حياته الجديدة، ألا وهي إلهام المرضى الذين يعانون من الشلل، لمواجهة الحياة. وهو يروي بصوته من كتاب له ذكريات تلك السنوات القاسية.

هذه المذكرات التي يرويها بنفسه، تقود أحيانا السرد في الفيلم، وتتحول لما يشبه تعليقا صوتيا عن حياته السابقة، بفرحها وأحزانها.

وفي غضون سنوات قليلة أصبح “كريستوفر” وجه الإعاقة والشلل بكل أنواعه في الولايات المتحدة، وقد وجد القوة ليكون ضيفا في إحدى حفلات الأوسكار، وهي مناسبة كانت لها قيمة رمزية كبيرة، فهي أول ظهور علني له منذ إصابته.

ثم تلت ذلك الظهور إطلالات إعلامية عدة، لا سيما بعد أن أنشأ منظمة تعنى بمرض الشلل العام، وهي تحاول حتى اليوم أن تنال دعما لمواصلة البحوث في هذا المرض، على أمل علاجه في المستقبل.

“روبن ويليامز”.. صداقة منذ الشباب حتى اللحظة الأخيرة

يتميز الفيلم بوفرة المعلومات والصور والتفاصيل التي يريد يعالجها، وكثرة نجوم السينما الذين ظهروا فيه، وتذكروا صديقهم الراحل في شهادات عاطفية مؤثرة.

ومن النجوم الذين أطلوا في الفيلم مرارا الكوميدي المعروف “روبن ويليامز”، وكان من أعز أصدقاء “كريستوفر ريف” منذ شبابهما، وقد دخلا معا عالم الفن منتصف السبعينيات.

لا يحتاج الفيلم لتأكيد صداقة الممثلَين، فقد كان “روبن” حاضرا في كل مراحل حياة “كريستوفر”، ولا سيما بعد الإصابة، وتظهرهما فيديوهات نادرة من سنوات الإعاقة.

تقول صديقتهما الممثلة “غلين كلوز”: لو كان “كريستوفر” حيا لما انتحر “روبن ويليامز”.

الكوميدي المنتحر “روبن ويليامز” الصديق المقرب لـ”كريستوفر ريف”

بدا “ويليامز” حزينا وساهما عندما كان يتوقف عن إطلاق النكات كما كان يفعل بالعادة، ويؤكد ذلك حقيقة الكآبة الشديدة التي كان يعاني منها، حتى قادته للانتحار عام 2014.

محطة نهاية الرجل الخارق

كانت وفاة “كريستوفر ريف” عام 2004 مفاجئة قليلا للمحيطين به، لكنها لم تكن غريبة لمن يعانون من إصابات مثله، فقد توقف جسده عن المقاومة، وسلم الروح إلى بارئها بعد 10 سنوات من الصراع المتواصل.

ويبقى الفيلم بعد وفاته مع عائلته، ودورها في مؤسسته الإنسانية، ثم يمر بعدها بمحطة وفاة زوجته المفاجئة، فقد قضت نحبها بعد عام واحد، ولم تكن تعاني من أي مرض، حتى قبيل وفاتها بأشهر قليلة.

أخذ الفيلم على عاتقه استعادة حياة الفنان الحافلة، وارتكز على أرشيف ضخم من المواد الأرشيفية المتنوعة. ولئن كان يبدو استعراضا احتفاليا بمنجزاته ولا سيما سنوات نشاطه الإنساني، فإنه لم يُدر وجهه عن مواقف إشكالية من حياته، سواء على الصعيد الشخصي أو العام، فهو يعرض للنقد الذي وُجه للممثل حين ادعى أن هناك علاجا قريبا للشلل.

كما ينتقد بعض مواقفه العائلية، ولا سيما في علاقته الأولى مع صديقته البريطانية، التي انتهت بسبب طيشه ونزواته وعلاقاته النسائية المتعددة.


إعلان