عمر الشريف ورفاقه… فتية من الإسكندرية أصبحوا أبرز فرسان السينما المصرية

عمر الشريف

كانت مدينة الإسكندرية المصرية في أربعينيات القرن الماضي نموذجا للتعايش والتنوع الثقافي، امتزجت فيها الهوية المصرية بالأثر الأوروبي، فأضفى عليها ذلك طابعا فريدا ما زال يُحتفى به حتى اليوم.

كما كانت الإسكندرية قبلة للمصريين من شتى محافظات الوجهين البحري والقبلي، للعمل في الميناء الواقع على ساحل البحر المتوسط، أو العمل في الصناعات المزدهرة، أو الدراسة في مؤسساتها التعليمية، ومنها كلية “فيكتوريا كوليج” التي تأسست عام 1902، وكانت مبدأ أمرها تُدعى “إيتون الشرق”، نسبة إلى المدرسة البريطانية الشهيرة.

خرّجت “فيكتوريا كوليج” مجموعة من أشهر الأسماء، منهم الملك حسين بن طلال ملك الأردن، والكاتب والأكاديمي الفلسطيني إدوارد سعيد، ومن المصريين المخرج يوسف شاهين، والممثل العالمي عمر الشريف، والمخرج والفنان التشكيلي شادي عبد السلام، والمخرج الكبير الراحل توفيق صالح، وهؤلاء الأربعة ينتمون إلى الطبقة الوسطى العليا، وهي تنقسم إلى طبقة وسطى مصرية الملامح والقيم (شادي وصالح)، وأخرى نصف أجنبية (شاهين والشريف).

من فرسان السينما  المصرية

وكانت المدينة موطنا لليونانيين والإيطاليين والأرمن، وأسهموا في التجارة والصناعة والفنون، وعاشوا في أحياء مثل المنشية وكوم الدكة، فانعكس ذلك التنوع على الحياة الاجتماعية. كما شهدت تفاعلا ثقافيا ودينيا ملحوظا، وكانت المعابد والكنائس والمساجد مراكز تجمع مهمة، تعكس التعددية والتسامح بين المجتمعات.

ولم يكن ذلك التسامح إلا انعكاسا للحالة الليبرالية التي سادت في مصر النصف الأول من القرن الماضي، فأفرزت توجهات تجسدت في حركات فكرية، تبدأ من الإخوان المسلمين يمينا إلى “حدتو” الشيوعية، أو الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني يسارا، فنشأ جيل ديدنه التسامح مع الاختلاف والحوار مع المختلف.

وشهدت مقاعد “فيكتوريا كوليج” صِبا يوسف شاهين، وهو مولود بالإسكندرية في أسرة لبنانية مهاجرة تميل إلى الثقافة الفرنسية، وعمر الشريف وهو الابن الوحيد لأبيه ديمتري شلهوب أكبر تاجر أخشاب في مصر، أما أمه فهي السيدة كلير سعادة ذات الأصول الشامية، وقد أعدت ابنها بدنيا وذهنيا، وعلمته السلوك المتحضر، ليعرف كيف يستقبل الملك فاروق، وكان يزور بيتهم أحيانا.

كلية “فيكتوريا كوليج” بالإسكندرية

أما شادي عبد السلام، فقد وفد مع أبيه الطبيب من محافظة المنيا في صعيد مصر، أما توفيق صالح، فكان مع منتميا للطبقة الوسطى، لكن قراءاته المبكرة دفعته إلى تبني منظومة فكرية تناصر البسطاء، وتؤمن أن الفن وسيلة تغيير.

أنهى الأربعة دراساتهم، ثم انطلقوا فرسانا في عالم السينما، فحمل شادي هموم أجداده، وانتمى إلى تيار القومية المصرية، وكان الكاتب والمفكر لطفي السيد أهم رواده، لكنه رحل مبكرا، كما رحل التيار القومي المصري عن الحياة الفكرية المصرية.

وتمسك توفيق صالح بمصالح البسطاء وانتمى لليسار، ثم هُزم وانسحب كما هزم اليسار. أما يوسف شاهين فقضى نصف عمره يعيش حياة مزدوجة، فكان مخرجا مصريا بسيطا حتى النخاع، وابنا لطبقة نصف أجنبية في حياته الاجتماعية إلى أن التأم النصفان، فجسّد الاتجاه الفرنكفوني في السينما، سواء من حيث الشكل أو المضمون.

عمر الشريف.. فتى إسكندراني اختطفته السينما

ولد عمر الشريف (ميشيل ديمتري شلهوب) في الإسكندرية عام 1932، ورحل في يوليو/ تموز 2015، وكان من أبرز الممثلين العرب الذين حققوا شهرة عالمية، ويعكس مساره المهني وفلسفته الشخصية جهدا متعمدا لتجاوز الحدود الوطنية، فأصبح “مواطنا دوليا” مرتبطا ارتباطا وثيقا بالثقافة والسينما الغربية، مع الحفاظ على روابط ضئيلة بوطن محدد. وقد أثرت هذه الهوية على مسيرته المهنية وإرثه.

نشأ الشريف في بيئة متعددة الثقافات، والتحق بمدارس النخبة مثل كلية فيكتوريا في الإسكندرية، وكانت تعتمد التعليم الغربي والقيم العالمية، وقد ساعدته إجادته للغات العربية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية في مهنته خارج مصر.

الممثل المصري العالمي عمر الشريف

تميز دخوله إلى السينما المصرية بأدواره في أفلام شهيرة، منها “صراع في الوادي” (1954)، من إخراج يوسف شاهين. ويعد الشريف اكتشافا حصريا لشاهين بتقديمه في هذا الفيلم، لكنه نال شهرته بزواجه من الممثلة المصرية فاتن حمامة، سيدة الشاشة العربية.

وكانت انطلاقته الدولية عام 1962 بدور الشريف علي في فيلم “لورانس العرب” (Lawrence of Arabia)، ولم يخرج من تجربة الفيلم باستحسان النقاد فقط، ولكنه وضعه على مسار النجومية العالمية، فقدم بعده فيلم “دكتور جيفاغو” (Doctor Zhivago) عام 1965، و”فتاة مضحكة” (Funny Girl) عام 1968، وعددا من الإنتاجات الأوروبية.

ويعكس قراره الانتقال إلى الغرب ومتابعة مهنة في السينما العالمية، رغبته في التحرر من قيود وصفه بأنه “ممثل مصري”.

مواطن عالمي يحن إلى مصر

كانت خيارات عمر الشريف المهنية تعني إبعاد نفسه عن مصر والعالم العربي، فإن طلاقه من الفنانة المصرية فاتن حمامة عام 1974، أضعف ما بقي من الروابط بينه وبين مصر، وكان يتحدث عنها بحب دائما، لكنه كان أقرب إلى حديث السائح، لا سيما أن حياته المهنية والاجتماعية كانت تدور حول الثقافة الغربية، وخاصة فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة.

عمر الشريف في دور الشريف حسين بن علي في فيلم “لورنس العرب”

وقد سمح له هذا الانفصال ببناء سمعة بوصفه مواطنا عالميا، غير مقيد بالتوقعات السياسية والثقافية، التي غالبا ما تُفرض على شخصيات من مكانته في مصر. ومع ذلك، فقد أدى ذلك أيضا إلى انتقادات بأنه “تخلى” عن جذوره العربية، مع تساؤل بعض الجماهير عما إذا كان نجاحه العالمي جاء على حساب هويته.

لم يكن تبنيه للأممية خاليا من التحديات، فقد تجنب الروابط القوية مع أي ثقافة واحدة، وغالبا ما وجد نفسه يتنقل بين العوالم، من دون انتماء كامل إلى أي منها. وكانت مسيرته المهنية في هوليود محدودة بالتصنيف، مع كونها مثيرة للإعجاب.

رائد العرب في السينما الغربية.. ضريبة باهظة

اعترف عمر الشريف بمشاعر العزلة وعدم الرضا في وقت لاحق من حياته، ومع أنه اشتهر عالميا، فقد أعرب عن ندمه لعدم الحفاظ على علاقات أوثق مع مصر وعائلته. وقال إن إدمانه للمقامرة كان تكلفة لاختياراته الشخصية، وسببا في معاناته المالية في السنوات اللاحقة.

عمر الشريف ينفصل عن زوجته فاتن حمامة في عام 1974

وقد كان لفكره “الأممي” تأثير عميق على حياته المهنية وإرثه، فقد أصبح رائدا للممثلين العرب الذين يسعون إلى فرص في السينما الغربية، مما يدل على إمكان تحقيق الشهرة العالمية، من دون تقيد بالهوية الوطنية أو الإقليمية.

في الوقت نفسه، تثير حياته تساؤلات حول تكلفة مثل هذه العالمية، فمن خلال قطع الروابط القوية مع وطنه، جسّد مفارقة الوجود في كل مكان وعدم وجوده في أي مكان، فأصبح شخصية مشهورة على المسرح العالمي، لكن ارتباطه بجذوره ظل ضعيفا.

يوسف شاهين.. هويات متعددة بين ضفاف الشرق والغرب

عاش المخرج المصري العالمي يوسف شاهين 82 عاما (1926-2008)، قضى أكثر من نصفها في التنقل بين أكثر من هوية، في محاولات مستمرة لاكتشاف عقله، وأفكاره الأساسية، وصولا إلى التوجه الفرنكفوني.

خاض يوسف التجربة الساذجة المفعمة بالأغنيات الوطنية والشعارات، وإعادة بناء التاريخ سينمائيا بشكل مثالي، وعاش تجربة الإيمان بأفكار المرحلة الناصرية، ثم كفر بالشعارات والفن الترفيهي بعد هزيمة 1967، ليعيد تقديم الواقع العربي والمصري بعين ناقدة ثائرة ومقاتلة، ولكنه انسحب بالتدريج إلى هويته الأولى، التي تتعلق بأصوله وقيم طبقته التي اختفت زمنا، تحت طبقة من الأفلام المصرية الخالصة.

المخرج المصري العالمي يوسف شاهين

وقد حمل هويات متعددة، فهو مصري الجنسية، ينتمي إلى قيم وتقاليد طبقة نصف أجنبية، عاشت في الإسكندرية في حالة اتصال مكاني وانفصال قيمي مع الطبقات التي تنتمي للتراث المحلي والقيم العربية، وهو السينمائي الذي فشل في تحقيق حلم عمره بأن يجسد “هاملت”، بسبب لون شعره وبشرته، وظل مرشحا لدور “عطيل” الشرقي فقط، فعاد من معهد “باسادينا” بكاليفورنيا بحلم جريح، لأن الغرب لم يقبله بتلك الملامح.

وقد كان محبا للأدب والفن الفرنسي، وعمل عن قرب مع المنتجين الفرنسيين في أفلام منها “وداعا بونابرت” (Adieu Bonaparte) عام 1985، وقد تناولت موضوعات تاريخية وسياسية مثيرة للجدل، كما نال موارد ودعما ماليا من خلال شراكته مع شخصيات مثل “أمبير بالزان”، وهو منتج فرنسي بارز.

وقد تكرر عرض أفلامه في المهرجانات الأوروبية، منها مهرجان “كان”، ونال عمله استحسان النقاد، فتعززت سمعته العالمية، وصعب على النظام المصري تهميشه دون المخاطرة بردود فعل دولية.

علاقات السينما.. شكل من أشكال القوة الناعمة

امتدت علاقات يوسف شاهين إلى ما هو أبعد من السينما، فقد أظهرت قدرته على عرض أعمال مثل “كاليغولا” للكاتب “ألبير كامو” في كوميدي “فرانسيز” في باريس، علاقاته بالمؤسسات الثقافية الفرنسية المرموقة، مما عزز مكانته بوصفه فنانا ذا مكانة دولية.

كما كانت هذه العلاقات شكلا من أشكال القوة الناعمة، فكان كل هجوم مباشر على عمله أو شخصه يمكن أن يثير عواقب دبلوماسية أو ثقافية، كما أن انحيازه إلى الشبكات الثقافية والسينمائية الفرنسية مكنه من التعبير عن آراء سياسية مثيرة للجدل، فانتقد الاستبداد في فيلم “العصفور” (1973)، من دون مواجهة الثقل الكامل للرقابة المحلية أو الانتقام، وكانت هذه الحماية شهادة على النفوذ الذي يمكن أن توفره الشراكات الدولية في الصناعات الإبداعية.

بعض أفلام المخرج يوسف شاهين

قدم يوسف أفلاما تغذي الشعور الوطني المصري، في ظل الحماس الذي أنتجته خطب ضباط يوليو العاطفية، وقرارات التأميم، وبناء السد العالي، فأسهم بفيلم “ابن النيل” (1951)، وقدم فيلم “الأرض” (1970)، وتدور أحداثه في قرية مصرية، فجاء الشكل قرويا مصريا بامتياز.

لكن قيم الفيلم جاءت أبعد كثيرا عن القيم السائدة في المجتمع المصري، فما من أب صديق لابنته في ثلاثينيات القرن الماضي، ولا قصة حب يمكن أن تنشأ ببساطة بين فتى وفتاة ثم يزوجهما الأب. لقد كانت قرية من خيال غربي تماما، ربما نبع من تصورات المؤلف عبد الرحمن الشرقاوي عن الغرب، لكنه جُسد بمشاهدات يوسف القادم من طبقة تتسع قيمها المجتمعية في ذلك الحين لقصص الحب في مدينة عالمية منفتحة كالإسكندرية.

ومع ما نال الفيلم من نجاح واحترام لدى النقاد المنتمين إلى ذوق الطبقة الوسطى المثقفة، التي تطمح إلى تحول مجتمعها إلى نسخة غربية، بقي السؤال حول ذلك الخيال الدرامي القادم من الخارج.

صدمة النكسة.. سينما المراجعة الشاملة للذات والآخر

واجه يوسف شاهين هزيمة 1967 بمراجعة شاملة للذات والآخر، وقدم نقدا سياسيا واجتماعيا بمجموعة من الأفلام، تخلى فيها عن يقينه السابق وإيمانه بالنظام السياسي وشعاراته، ومنها “الاختيار” (1971) و”العصفور” (1972)، ثم انتقل إلى مراجعة الذات في “عودة الابن الضال” (1978) و”حدوتة مصرية” (1982).

بدا أن مراجعة الذات أثمرت توجها فرانكونيا جاء كأنما هو رد فعل انسحابي، بعد خذلان الهزيمة من جهة، والخذلان الجماهيري من جهة أخرى، فانكفأ يوسف شاهين على هويته الأسرية، وكأنه شاب واجهته أزمة، فلجأ للاحتماء بقيم الأسرة التي احتضنته وحمته كطفل.

فيلم “الناصر صلاح الدين” من إخراج يوسف شاهين

كان يوسف معروفا جماهيريا بأفلامه المعقدة، ومع أنه عانى من قلة الإقبال الجماهيري، فقد استطاع أن يصمد بسبب التمويل الفرنسي، وأن يحتمي بشهرته ومكانته من بطش النظام، لا سيما أنه لم يتورع عن انتقاده، والمشاركة في المظاهرات أحيانا كثيرة.

ومع أن أغلب أفلامه حملت موضوعاتها هموما محلية، فإن السرد غير الخطي يعكس تأثرا واضحا بالسينما الفرنسية، لا سيما المخرج “جان لوك غودار” والمخرج “فرانسوا تروفو”، ويرسم تناوله لموضوعات الحرية والتبادل الثقافي شيئا من ملامح السينما الأوروبية، من حيث الموضوعات والقيم.

أفلام تجسد رحلة حياة متقلبة

جاء فيلم “وداعا بونابرت” من بطولة الفرنسيين “ميشيل بيكولي” و”باتريس شيرو” عام 1985، ومشاركة إنتاجية فرنسية، وكان تدشينا مرحلة جديدة من حياة يوسف الفنية، تتبنى النموذج الثقافي والفكري الفرنسي في السينما المصرية.

ومع أن العمل لم يكن مرضيا لدى الطرف الفرنسي، فإنه أثار غضب الطرف المصري أيضا، فقد استبعد المخرج الحدث التاريخي الرئيسي؛ ألا وهو الحملة العسكرية، ثم تناول التبادل المعرفي والحضاري عبر أبطال العمل، معترفا بعظمة الماضي المصري، وهيمنة الحاضر الفرنسي.

وجاء فيلم “اليوم السادس” (1986) من بطولة المصرية الفرنسية “داليدا” بعده، ثم العودة إلى السيرة الذاتية في “إسكندرية كمان وكمان” (1990).

الملصق الدعائي لفيلم “اليوم السادس”

ثم قدم فيلم “المهاجر” (1994)، لكنه ووجه بغضب الجماعة السلفية، واتُهم بتجسيد النبي يوسف عليه السلام في العمل. ومع ذلك فقد رقص فرحا، فقد حقق أحد أفلامه أول نجاح جماهيري كبير، بسبب القضايا التي انتشرت أخبارها إعلاميا، وكانت بمنزلة دعاية له. ثم استكمل ذلك التوجه بتقديم قصة الفيلسوف ابن رشد في فيلم “المصير” (1997).

ثم لخص رؤيته للعالم في فيلم “الآخر” (1999)، فطرح التسامح حلا نهائيا للصدام المفتعل بين الحضارات. وفي فيلم “سُكوت ح نصوّر” (2001)، بدا كأن المخرج الذي بنى جسرا ثقافيا مصريا فرنسيا، كان يحاول مراجعة شغفه الأول بالأفلام الموسيقية.

وحاول أن يحقق أحلامه التي أهدرها الواقع في “إسكندرية- نيويورك” (2004)، فقد كُرم في هوليود، ورُزق أطفالا، وعاد إلى حبيبته الأولى في الفيلم فقط، وفي آخر أفلامه “هي فوضى” (2007)، قدم النبوءة الأخيرة بثورة يناير 2011.

شادي عبد السلام.. عبقرية مخرج تسكنه روح الفراعنة

كانت مصر الفرعونية شغلا شاغلا للمخرج ومهندس الديكور ومصمم الأزياء شادي عبد السلام (1930-1986)، وقد عاش حياة قصيرة تشبه التوجه الذي تبناه منذ بداية حياته، قدم فيها فيلما روائيا واحدا هو “المومياء: يوم أن تحصى السنين” (1969).

كما صنع مجموعة أفلام وثائقية قصيرة في الاتجاه نفسه، وهي:

  • “الفلاح الفصيح” (1970)، وموضوعه إحدى البرديات الفرعونية القديمة تُسمى “شكوى الفلاح الفصيح”.
  • “جيوش الشمس” (1974).
  • “كرسي توت عنخ آمون” (1982).
  • “الأهرامات وما قبلها” (1984).
  • “رمسيس الثاني” (1968).
    المخرج ومهندس الديكور ومصمم الأزياء شادي عبد السلام

وعمل مصمم ديكور في:

  • “وإسلاماه” (1961).
  • “ألمظ وعبده الحامولي” (1962).
  • “الخطايا” (1962).
  • “رابعة العدوية” (1963).
  • “الناصر صلاح الدين”، من إخراج يوسف شاهين (1963).
  • “السمان والخريف” (1967).
  • “أضواء المدينة” (1972).

وعمل مديرا لمركز الأفلام التجريبية بوزارة الثقافة المصرية عام 1970، ودرّس بالمعهد العالي للسينما في قسم الديكور والملابس والإخراج، ما بين 1963 إلى 1969.

“المومياء”.. قصة فيلم من أهم الأفلام في تاريخ السينما

عُرض فيلم “المومياء” عام 1975، واحتل شادي عبد السلام مكانة خاصة بفضله، وأصبح واحدا من أبرز مخرجي العالم، بعد أن اختير فيلمه ضمن أهم 100 فيلم في تاريخ السينما العالمية، من لدن رابطة النقاد الدولية في فيينا، كما احتل المرتبة الأولى في استطلاع الأفلام الأجنبية الذي جرى في فرنسا عام 1994.

يتناول “المومياء” قضية الهوية المصرية والمحافظة على التراث المصري، فقد حرص شادي على التعبير في بداية الفيلم عن شخصية الإنسان المصري ذي الأصول الحقيقية والتاريخ الكبير، بعبارات استهل بها الفيلم، منها “يا من تذهب سوف تعود، يا من تنام سوف تصحو، يا من تمضي سوف تبعث، فالخلد لك”، وهي عبارة مأخوذة من “كتاب الموتى” الفرعوني.

“المومياء” الفيلم الوحيد الذي قدمه شادي عبد السلام

أُخذ الفيلم من قصة اكتشاف مخبأ المومياوات بالدير البحري عام 1881، وقد ضم مومياوات أعظم فراعنة مصر؛ “أحمس الأول”، و”سيتي الأول”، و”رمسيس الثاني”، ويرصد الفيلم أحداثا حقيقية، حيث تعيش قبيلة “الحربات” في صعيد مصر، وقد اشتهرت بالتنقيب عن الآثار الفرعونية وبيعها، وبعد موت شيخ القبيلة قرر أولاده ترك سرقة الآثار، فقُتل أحدهم على يد عمه، أما الثاني فقد أبلغ بعثة الآثار بمكان المقبرة التي تبيع قبيلته محتوياتها.

لم يكن شادي يؤمن بالارتجال، لذلك لم يسمح للصدفة بأداء دور في تصويره للعمل، فكل لقطة وكل إطار سينمائي خُطط له بدقة، لذلك لم يكن غريبا أن يستغرق الإعداد لفيلمه التالي “أخناتون” نحو 14 عاما، لكنه توفي بعد أن انتهى من إعداد نسخة سيناريو التصوير، محددا فيها كل تفصيلة في العمل.

شادي عبد السلام ونادية لطفي

قوبل فيلم “المومياء” بعاصفة من الانتقاد، وطالبت بعض الصحف بمحاكمة المسؤولين عن إنتاجه في مؤسسة السينما، وهي الجهة المنتجة له، وذلك بسبب المبالغة في تكلفة الإنتاج، لا سيما في تلك السنوات التي تلت هزيمة يونيو/ حزيران 1967، بما لها من آثار اقتصادية.

واليوم يُعد الفيلم تحفة لا تقدر بثمن، وكان قد نال عدة جوائز، منها جائزة “جورج سادول” في باريس عام إنتاجه 1970، وفي 2009 اختارته المؤسسة العالمية للسينما أحد أهم الأفلام في تاريخ السينما العالمية، ورممت النسخة الأصلية، واحتُفي به في مهرجان كان السينمائي في نفس العام.

فرعون سينمائي بين المريدين والمنكرين

أحيط شادي بمجموعة من المريدين، كأنه شيخ صوفي، أو كاهن في معبد فرعوني، وقد عُرفوا بمجموعة شادي، ومنهم الفنانة نادية لطفي، ومهندس الديكور والمخرج الراحل صلاح مرعي، والمخرجة الوثائقية نبيهة لطفي.

كان شادي عبد السلام رهين محبسين منذ صباه؛ المرض والتوجه الفرعوني التاريخي، وقد أجبره مرض القلب على ملازمة الفراش عامين منذ بلغ 14 عاما، وأجبرته دقته في العمل، وتمسكه باختياراته الفنية على ملازمة البيت.

معرض “عالَم شادي عبد السلام” بمكتبة الإسكندرية

فلم يقبل المنتجون المصريون التعاون مع مخرج يحمل توجها فرعونيا تاريخيا، ويلتزم بالهوية الفرعونية في وقت تتبنى السلطة فيه توجها قوميا عربيا، وحين عرض عليه منتج أمريكي إنتاج فيلمه “أخناتون” على أن يقبل ببعض التغييرات رفض تماما، قائلا إن تلك التغييرات ستشوه العمل.

وقد أقامت مكتبة الإسكندرية بمصر عام 2005 متحفا خاصا به، كأنه أثر فرعوني، يحتوي على لوحاته ولقطات سينمائية مأخوذة من أفلام شارك فيها أو أخرجها، وكذلك بعض مقتنياته الشخصية، مثل قطع أثاث مكتبه ومكتبته.

توفيق صالح.. سينما حياة الناس البسطاء

أعلن توفيق صالح انحيازه للفقراء، حين قدم فيلمه الأول “درب المهابيل” (1955)، وأعلن المنتجون والجمهور موقفهم منه أيضا، حين صرخت امرأة من الجمهور في وجه زوجها بعد مشاهدة الفيلم، احتجاجا على اختياره للفيلم، فكان رده أنه فيلم واقعي، فصرخت ثانية أنها ترى هذا الواقع كل يوم، وجاءت لتنساه لا لتشاهده.

المخرج توفيق صالح

هكذا كشف توفيق صالح في فيلمه الأول أزمة التلقي لدى جمهور يرغب في مشاهدة الأفلام هربا من واقعه، أما هو فكان مخرجا متحمسا ملتزما بقضايا البسطاء، وقد عزم على صنع التغيير بالسينما، وتحولت أزمته مع المتلقي إلى أزمة مع “سلطة السينما”.

فقد أصبحت تلك الرؤية موضوع خلاف حاد مع المخرج صلاح أبو سيف، رئيس مؤسسة السينما يومئذ، وهو خلاف أدى الدور الأكبر في تجميد مسيرة توفيق صالح، ونفيه إلى خارج مصر، بسبب الحصار الذي فرض عليه.

“درب المهابيل”.. بداية قوية في رحلة مضطربة

عاش توفيق صالح 87 عاما، غُيب فيها مرغما عن شغفه وحبه الكبير، ولم تتح له الفرصة إلا لإخراج 5 أفلام روائية فقط، احتلت 4 منها أماكنها في قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، وقضى الرجل حياته المهنية سينمائيا بين الأمل والرجاء والإحباط.

وقد قدم الحارة المصرية في “درب المهابيل” بأسلوب واقعي، ومما ساعده على توضيح ذلك الواقع مشاركةُ نجيب محفوظ له في كتابة السيناريو، ودارت القصة حول ورقة يانصيب (لوتاري)، يتنازع عليها أهل الحارة الفقيرة، فيفوز بها مجنون الحارة، وهو ما أدى بها في النهاية إلى معدة ماعز.

بعد خمسة أعوام، فاز الفيلم بجائزة في المهرجان القومي للسينما، مناصفة مع فيلم “رد قلبي” للمخرج عز الدين ذو الفقار، الذي غضب وطلب أن يشاهد الفيلم الذي تقاسم مع فيلمه الجائزة، وحين شاهده، استدعى توفيق صالح وكلفه بفيلم “صراع الأبطال” (1962).

طُرح في “صراع الأبطال” موضوع مواجهة العلم للفقر والجهل، وتدور أحداثه أثناء انتشار وباء الكوليرا في مصر عام 1948، وتبنى بطل العمل خطاب المرحلة الناصريّة، ومشروع تطوير المجتمع، ومحاربة الإقطاع والفساد، ونشر العلم.

ومع ذلك فقد رفضت الرقابة على المصنفات الفنية الموافقة عليه، ولم يسمح بعرضه إلا بعد موافقة رئيس البلاد، الذي رويت على لسانه جملة علم بها توفيق صالح بعد 20 عاما، فقد قال: لو أُنتجت خمسة أو ستة أفلام من هذا النوع، ستكون لدينا سينما جيدة.

“المتمردون”.. مخاض عسير لفيلم رفضته سلطة الرقابة

يقول توفيق صالح في حوار صحفي عن فيلم “المتمردون”: كتبت هذا الفيلم بين عامي 1965-1966، وكان الوضع السياسي في مصر إلى انهيار. وبدأت التصوير في يونيو/ حزيران 1966، وكان جاهزا تقريبا في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، وأرسل للرقابة، فلم تسمح به، فذهبت لأعرف السبب.

ثم يقول حول الأسباب: جاء أحدهم يسألني عن رمزية الماء في الفيلم، وآخر يسأل عن رمزيّة الشمس، وأنا أقول لهم: الماء ماء والشمس شمس، لكنّهم رأوا أن لكل لقطة ولكل شخصية أبعادا رمزية، علما بأن الفيلم من إنتاج القطاع العام.

فيلم “المخدوعون” عن رواية “رجال في الشمس” لغسان كنفاني، من إخراج توفيق صالح

مُنع الفيلم سنتين، ولم يُعرض إلّا سنة 1996. وتدور أحداثه بأحد المستشفيات الحكوميّة، التي ينقسم مرضاها إلى نوعين؛ أحدهما نخبة تنعم بالمال والرعاية والعلاج، والنّوع الثاني -في الأقسام المجانية- يفتقدون لأبسط شروط العيش من ماء ودواء، فيموت هؤلاء المحرومون من العطش، حين يتدافعون لشرب الماء من الخزّانات.

تكرر الأمر في فيلم “السيد البلطي” (1967)، و”يوميات نائب في الأرياف” (1968)، فأدرك توفيق صالح استحالة الاستمرار مع رقابة تتحسس المسدس مع كل فيلم يقدمه، فأقر بالهزيمة ورحل إلى سوريا.

أفلام المنفى

قدم توفيق صالح في أيامه بسوريا فيلم “المخدوعون”، وهو مقتبس من رواية “رجال في الشمس” للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، وكانت التجربة أكثر قسوة، فلم يسمح بعرضه، ثم اختاره مهرجان “كان” للعرض، فأُرسلت لجنة خلت من اسم مخرجه، فقد منع من السفر.

قصة حياة صدام حسين في “الأيام الطويلة” إخراج توفيق صالح

ثم فتحت له العراق أبوابها منفى جديدا، وكلف بتقديم قصة حياة صدام حسين في عمل سينمائي، أطلق عليه اسم “الأيام الطويلة”، وأثناء عرض العمل أول مرة، أمر صدام بوقف العرض مستنكرا “آهة ألم” صدرت من الممثل الذي يجسد شخصيته، وقال: “صدام حسين لا يتألم”، فكان أوان العودة إلى مصر، مهما كانت النتيجة.

عاد توفيق صالح إلى مصر متحمسا، والتقى عددا من المنتجين، لكن الأجواء كانت أكثر عدائية منها في لحظة السفر، فقضى سنواته الأخيرة حتى الرحيل مدرسا في المعهد العالي للسينما بمصر.


إعلان