نعيم عيسى.. الفنان الذي عرف الجمهور أدواره وجهلوا اسمه

صنع الفنان نعيم عيسى من اللقطات الخاطفة زمنا خالدا، ففي الدقائق القليلة التي كان يظهر فيها على الشاشة أو على خشبة المسرح، استطاع سرقة الأنظار، بفضل عوامل كثيرة، منها خِفة الظل وقوة الصوت وتمكن الأداء، ومؤهلاته الجسمانية التي تجعله قريبا من عينة عدلي كاسب، وإسماعيل فايق، ويوسف داود، وغيرهم من الممثلين، الذين اشتهروا بضخامة الجسم والحس الكوميدي.
حقق هذا الممثل معادلة صعبة لم يتسن للآخرين تحقيقها؛ فاستطاع مشاركة الشاشة مع أكبر نجوم الفن في مصر على مر التاريخ. وعبر مسيرته الفنية، وقف أمام فريد شوقي، وعبد المنعم مدبولي، ومحمود مرسي، وعادل إمام، ومحمود ياسين، وأحمد زكي، ومحمود عبد العزيز، ونور الشريف، وسمير غانم، وكذلك فاتن حمامة، وشادية، وسهير البابلي، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
نشأة بجوار دار السينما في الإسكندرية
ولد نعيم عيسى في 6 يناير/ كانون الثاني 1933 بمحافظة الإسكندرية، ونشأ في منزل بمنطقة محرم بك بجوار سينما صيفي، ومن هنا بدأت علاقته بالفن، فكان يحرص على مشاهدة الأفلام فيها مع والدته أسبوعيا، خلال عقد الأربعينيات.
في شبابه، التحق بقصور الثقافة، وبدأ من هناك رحلته الفنية، وتألق في عدد من العروض المسرحية بمدينة الإسكندرية والمسرح العسكري البحري.
انضم في عام 1975 إلى فرقة عبد المنعم مدبولي، ثم فرقة الإسكندرية، فبدأ مساره الحقيقي في عالم الفن، متنقلا بين القاهرة والإسكندرية، مُقدّما أدوارا تنوعت بين الكوميديا والدراما.
أحب العمل مع “وحش الشاشة” فريد شوقي، فشارك معه في أكثر من 35 عملا، وقال عنه: كان يوجهني في بداية حياتي الاحترافية.

مكتبة أثرت المسرح والسينما والتفزيون
قدّم نعيم عيسى أدوارا ثانوية في نحو 300 عمل متنوع، بين السينما والتليفزيون والإذاعة، فأصبحت علامة فارقة في ذاكرة السينما والمسرح في مصر والعالم العربي.
شارك مع عادل إمام في 30 عملا فنيا، بدأت بفيلم “جواز ع الهوا” (1976)، ثم أتبعه بأفلام أخرى من أبرزها “المتسول” (1983)، و”الهلفوت” (1984)، و”مين فينا الحرامي” (1984)، و”رمضان فوق البركان” (1985)، و”خلي بالك من عقلك” (1985)، و”كراكون في الشارع” (1986).
ومن أعماله السينمائية مع ممثلين آخرين، نذكر: “الانتقام” (1986)، و”سري للغاية” (1986)، و”الجوع” (1986)، و”أصدقاء الشيطان” (1988)، و”الإمبراطور” (1990)، و“الباشا تلميذ” (2004).
ولم يغب عن الشاشة الصغيرة، بل شارك في أعمال درامية مهمة، منها: “سفر الأحلام” (1986)، و”صابر يا عم صابر” (1988)، و”ضمير أبلة حكمت” (1991)، و”ليالي الحلمية” (1989)، و”ناس وناس” (1989-1990)، و”رحلة أبو الوفا” (1991)، و”سر الأرض” (1994)، و”أيام المنيرة” (1994)، و”شارع عبد العزيز” (2011).

وشارك في كثير من المسرحيات الشهيرة، منها: “شاهد ماشفش حاجة” (1976)، و“ريا وسكينة” (1982)، و”الواد سيد الشغال” (1985)، و”فارس وبني خيبان” (1987)، و”الزمبليطة في الصالون” (1988)، و”المتزوجون في التاريخ” (1993).
مشاركته الفنية الأخيرة كانت في فيلم “حسن دليفري”، الذي عُرِض عام 2016.
بين الشاويش والمأذون.. أدوار خالدة في ذاكرة الجمهور
كانت أدوار نعيم عيسى على مدار مسيرته كثيرة، لكن الجمهور حفظ له أدوارا مسرحية تألق فيها، منها دور الشاويش حسين في “شاهد ماشفش حاجة”، ودور جميل عكاوي في “ريّا وسكينة”، ودور المأذون في “الواد سيّد الشغال”، ودور المعلم تاجر المخدرات في “فارس وبني خيبان”.
وفي دور المأذون بمسرحية “الواد سيد الشغال”، صنع ثنائيا ناجحا مع النجم عادل إمام، انتزع ضحك الجمهور، فأصبحت نكت هذا المشهد الطويل راسخة في ذاكرة الجمهور.
غضب شادية وسهير البابلي.. طرافة العفوية
يحفظ نعيم عيسى في ذهنه شريطا طويلا من الذكريات الفنية، ففي لقاء تلفزيوني عُرض قبل بضع سنوات، استعاد تفاصيل موقف حدث في كواليس مسرحية “ريا وسكينة”، التي شارك فيها مع شادية، وسهير البابلي، وعبد المنعم مدبولي.
فقد غضبت عليه سهير البابلي بشدة، بعد أن ظل ينادي شادية قائلا “ست الكل”، فعاتبته سهير قائلة: نعم يا أخويا، هو كله ست الكل يا ست الكل، مفيش أنا خالص!
فاستجاب لها وناداها قائلا: أنتِ ست ست الكل، هاتوا الكرسي لست الكل.
ثم سألها قائلا: مبسوطة؟
فأجابته: أيوة كده.
وكان قد ذكر في لقاء سابق أن شادية غضبت عليه في نفس المسرحية، حينما سألها على خشبة المسرح عن اسمها، فأجابت “زبدة”، ثم سألها عن اسم أختها فقالت “قشطة”، فرد عليها ارتجالا: تسلم الجاموسة اللي خلفتكوا.
وقد أغضبها رده، لكنه برر ذلك بكون الموقف هو سبب تلك الإجابة المرتجلة، وأمام رد فعل الجمهور والضحك العالي، طالبه المخرج بتكرار هذه الإجابة في كل ليالي العرض.
أمنية ووصية
في عام 2020، نشر سامي نعيم عيسى مقطع فيديو لأبيه وهو يتفاعل مع مسرحية “ريا وسكينة”، وحظي بتفاعل واسع انعكس عليه شخصيا؛ فقال: روحي المعنوية ارتفعت 100%.
وفي آخر ظهور إعلامي له مع عمرو الليثي في برنامج “واحد من الناس” عن أمنيته، أعرب نعيم عن رغبته في امتلاك شقة يورثها لأبنائه، لا سيما وهو يدفع شهريا 1200 جنيه، قيمة إيجار الوحدة السكنية التي يعيش فيها هو وأسرته.

وكان من أمنياته قبل وفاته، أن يؤدي مناسك العمرة هو وابنته، وقد أوصى في لقائه التلفزيوني الأخير أبناءه بأن يتمسكوا بالحُب والمودة التي بينهم.
وتحدّث نعيم عيسى بمرارة عن معاناته من الظلم، فلم يعرف الجمهور اسمه، برغم شهرته في كثير من الأعمال المسرحية، فأصبح الجمهور يعرفه بالدور فقط، من دون تذكر اسمه.
الأيام الأخيرة
في أيامه الأخيرة، تدهورت حالته الصحية، واحتُجِز في العناية المركزة، نتيجة مضاعفات إصابته بالتهاب حاد في الشعب الهوائية، حتى أعلن ابنه سامي نعيم وفاته يوم 5 مايو/ أيار 2025.
ونعته نقابة الفنانين المصرية في بيان رسمي، عبر صفحتها على موقع “فيسبوك”، جاء فيه: تنعى نقابة المهن التمثيلية ببالغ الحزن والأسي وفاة الفنان القدير نعيم عيسى، وتتقدّم نقابة المهن التمثيلية برئاسة د. أشرف زكي ومجلس الإدارة لأسرته بخالص التعازي، داعين المولى عز وجل أن يتغمد الراحل بواسع رحمته، وأن يُلهِم أهله وذويه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا اليه راجعون.