“ديامس” والإسلام.. حين تتجاوز السعادة أضواء الشهرة ويشرق معنى الحياة

في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2009، سربت مجلة “باري ماتش” (Paris Match) صورا للمغنية الفرنسية “ديامس” متحجبة، أثناء خروجها من أحد مساجد باريس.
قرار شخصي سرعان ما أصبح قضية رأي عام، وسبب صدمة كبيرة للفرنسيين، وأثار ردود أفعال عنيفة سواء في الوسط الفني أو الإعلامي، فقد وصفت الممثلة “إيزابيل عجاني” الصور بأنها “صادمة”، وامتد الجدل حتى شمل شخصيات سياسية بارزة، منهم وزيرة الدولة المكلفة بالسياسة الحضرية يومئذ فضيلة عمارة، وقد قالت إن “ديامس” باتت تشكل “خطرا حقيقيا” على الفتيات، وتنقل صورة سلبية عن المرأة.
كانت هذه إحدى المراحل التي عاشتها والأشواط التي قطعتها “ميلاني جورجياديس” المعروفة بلقبها “ديامس”، وقد عادت إليها بعدما أخذت القصة وقتا طويلا من التناول والجدل، ولكنها لم ترد هذه المرة في حوار حصري، بل جاءت في وثائقي أنتج سنة 2022، وعرض بمهرجان كان السينمائي في الدورة 75 (قسم العروض الخاصة).
وقد فضلت المغنية المعتزلة عدم حضور العرض الخاص، على ما للحدث من أهمية، واكتفت برسالة مصورة بعثت بها للحضور، أكدت فيها أن غيابها ليس تعاليا أو ترفعا، بل يأتي حفاظا على الحياة البسيطة، التي تعيشها بعيدا عن أضواء الشهرة.

فيلم “سلام” (Salam) الوثائقي هو من إخراج “ميلاني ديامس”، بالاشتراك مع هدى بن يمينة وآن سيسي. وقد صرح المفوض العام لمهرجان كان “تييري فريمو” قبل عرض الفيلم قائلا: الحياة التي قررت “ميلاني” أن تعيشها لا تسمح لها بالحضور إلى هنا، وهي منسجمة مع نفسها.
تصالح مع الماضي ودفاع عن الحجاب والإسلام
لم تكن “ميلاني ديامس” في وثائقي “سلام” موضوعا للسرد أو قصة العمل فحسب، بل كانت الراوية والمخرجة وصاحبة الكلمة في كل تفصيل، فاحتلت المساحة الكبرى، ومنحت صوتها الزمن الذي تريد لتروي حكايتها كما يجب أن تُروى، وترد على منتقديها ولو بعد سنوات، وتتواصل من جديد مع ما بقي من محبيها.
لقد أصبحت تشعر اليوم أن لديها ما تقول، وحان الوقت لذلك، بعدما هدأت الزوبعة وتحررت من سلطة الإعلاميين التي تقطع ردها، وتحاصرها بأسئلة لا تمت لمسارها الجديد أو تحولها العميق بأي صلة.
وقد تتبع الوثائقي مسارات مهمة في حياتها، التي تحولت من أسوأ حال إلى أحسنه كما تقول، لكن مخرجة العمل لم تتبن فيه نهج المفاجآت، ولا كشفت خبايا جديدة لم ترو من قبل، غير التفصيل والتدقيق في كثير منها بفيض من الصدق والعفوية.

لقد زاد إسلامها شهرتها، فمع كل جدل جديد يثار في فرنسا حول الإسلام أو الحجاب، يعود اسمها إلى الواجهة، على سيل من التحليلات والتكهنات التي لا تنتهي، وكأن قصتها لا تزال تمثل لغزا لم يفك بعد.
أما هي فتتعامل مع الأمر ببساطة ووضوح، وترى أن حياتها الجديدة وقناعاتها الشخصية لا تستحق أن تعامل على أنها قضية جدلية، وحجابها لا ينبغي أن يُنظر إليه بغرابة، بل هو خيار حر منحها طمأنينة طالما افتقدتها، وترد على الذين ادعوا أن الحجاب سالب لحرية المرأة بقولها إنها اليوم تشعر -أكثر من أي وقت سبق- بأنها تشبه نساء العالم.
تفضل “ميلاني” منذ إسلامها أن تنادى باسمها الحقيقي، ولم تلغ إرث “ديامس” من ذاكرتها، بل ظل ماضيها جزءا حيا من رحلتها، فلا تتنكر لتلك الشهرة أو النجومية، بل تتصالح معهما تصالحا كبيرا، وقد عادت بعد 11 سنة إلى مسرح يعني لها الكثير، وكان شاهدا يوما على مجدها، لكنها دخلته هذه المرة في صمت، وأخذت تتأمل تفاصيل المكان الذي تعرفه جيدا.

لكن الحنين الذي يسكن خطواتها وصوتها وكل زاوية وغياب الجمهور، جعل هذا الفضاء مرآة للفجوة الزمنية والنفسية التي فصلت بين “ديامس” و”ميلاني”، فهما شخصيتان مختلفتان جمعهما جسد واحد، ظلت صاحبته تبحث عن معنى للحياة والسعادة التي لاحقتها في كل مكان ولم تجدها، ومن شدة يأسها ظنت أنها غير موجودة في هذا الوجود.
توديع حياة صاخبة واستعداد لاستقبال أحسن منها
عاشت “ديامس” حياة يتقاطع فيها البريق مع العتمة، حياة لا يدرك حقيقتها إلا أولئك الذين اقتربوا منها حد إبصار الحزن، الذي يسكنها في ذروة مجدها وانتشارها، فالأغاني التي كتبت كلماتها لتعالج ألمها بها، وأدتها أمام الملايين ليست إلا لحظات خاطفة من الفرح المتوهج، وهروبا مؤقتا ودت لو امتد ساعات أطول، كي لا تعود إلى سجن أفكارها وهواجسها التي جعلتها تقدم على الانتحار أول مرة وهي ابنة 14 عاما، فلم تكن تلك الحشود تعلم أنها ما إن تنطفئ الأضواء وينفض الناس من حولها، يغمرها الشعور بالفقد والوحدة، وتنهش تفكيرها الأسئلة الوجودية التي لا تجد لها إجابات منطقية.

كل الشهادات التي تضمنها وثائقي “سلام” تؤكد أن الشهرة التي عانقتها “ديامس” في سن مبكرة، والقاعات التي تعج بالمعجبين، وتفاعل الجماهير مع أغانيها، لم تحقق لها السلام الذي كانت تحتاجه وتبحث عنه، ولم يلامس كل هذا قلبها إلا بعض الوقت، فكان ذلك شعورا عابرا، ولم يجد لها حلولا للمشاكل والأزمات النفسية التي عانت منها.
لم يكن سهلا على نجمة الراب الأولى في فرنسا أن تجد نفسها بين جدران مستشفى للأمراض العقلية في باريس، وتخضع لجلسات علاج مكثفة، انتهت بتشخيص إصابتها باضطراب ثنائي القطب، وقرار طبي صادم يلزمها بشرب الأدوية مدى الحياة، وكاد يودي ذلك الواقع بحياتها، لولا الصدفة التي قادتها إلى دين لم تكن تعرف عنه إلا القليل.
تحمل المشاهد والكلمات التي تؤديها “ديامس”، وتستغني فيها عن الموسيقى، شهادة صادقة على رحلتها الداخلية، فقد دفعها الاكتئاب الحاد والفراغ الثقيل -الذي قادها لمحاولة الانتحار أكثر من مرة- إلى مواجهة أفكارها والتخلي عن حياتها السابقة، كان هذا الصراع العميق دافعا لها للبحث عن طريق أكثر هدوء، بعيدا عن الأجواء الصاخبة والمظاهر التي لم تمنحها السلام.

يأتي انتقالها من المسرح -ذلك الفضاء الذي تقف عليه كأنها تودع ذكريات لم تعد تنتمي إليها- في مشهد يغلب عليه الحزن والسواد، إلى لحظة التحول الحاسمة، تتبدل الحياة في عينيها، وتنتقل الكاميرا إلى مشهد أكثر إشراقا وانعتاقا، تتجلى فيه قدرتها على استكشاف معان أعمق للحياة والوجود، خارج إطار الشهرة التي لم تمنحها الطمأنينة، ليست مجرد وداع لمرحلة مضت، بل انطلاقة نحو مسار جديد أكثر انسجاما مع قيمها، وهنا تبدأ سرد تفاصيل الحقبة الأهم في حياتها.
سجدة غيرت الحياة وانبثق فيها نور الإيمان
ما يميز وثائقي “سلام” هو العمق الإنساني في السرد، والانسيابية التي منحتها لها حريتها في البوح بما كانت وباتت تشعر به، فقد استعادت “ميلاني” صوتها من جديد، واستحضرت اللحظات التي لم تسعها الكلمات سابقا، وبدت مرتاحة في حكايتها كما لم تكن من قبل.
حاولت وصف السعادة التي غمرتها في سجدتها الأولى مع إحدى صديقاتها المسلمات، حينما لامس جبينها الأرض، وشعرت أنها أصبحت إلى الله أقرب، فقالت وملامحها تمتلئ بهجة وفرحا: هذا مكاني، أنا حيث يجب أن أكون، أريد أن أعيش هذا الشعور من جديد، يجب أن أتعلم الصلاة، أنا بحاجة إليها.
استدرجت ذاكرتها إلى لحظة الصفاء التي جعلتها تقبل على الحياة، وتعتزل فكرة وضع حد لوجودها، فالحياة قبل إسلامها لم يكن لها معنى، وبعد لأي اكتشفت ما ظلت تبحث عنه ولم تجد طريقا إليه، إلا بتلك الصدفة التي غيرت الأقدار تماما.

اقتربت مخرجات الوثائقي من شخصيات كان لها دور محوري في حياة “ديامس” قبل الشهرة ومسيرتها، أثناء الاعتزال والإسلام وبعده، فمنهم والدتها “دومينيك ماري”، ومديرة أعمالها “نيكول شلوس”، وصديقتها المغنية “شارلوت” التي شكلت علاقتها بها نقطة تحول عميقة، لحظة فارقة غيرت حياتها كليا.
حدث ذلك عندما طلبت “ديامس” الإذن من إحدى صديقاتها للصلاة بجانبها، فسجدت وشعرت بقربها بما كانت تبحث عنه، وكأنها وجدت الطريق الذي تحتاجه، وأثناء رحلة نقاوة قادتها إلى جزيرة “موريس”، حملت معها كتبا عن الإسلام، رغبة في فهم تعاليمه وأركانه، مثل الإيمان والحج والصيام وغير ذلك.
لم تبحث “ميلاني” عن كل هذا وأكثر في المصحف الذي رافقها في رحلتها، بل أرادت التدرج في فهم هذا الدين واستيعاب جوهره بالكتب التي انتقتها، وعندما أدركت الترابط العميق بين المظاهر الدينية والآيات القرآنية، وجدت نفسها تغوص في سرده، متأملة معانيه، ومنجذبة إلى قصصه، لا سيما قصة سيدنا موسى عليه السلام، التي تركت أثرا بالغا في نفسها.
كانت تلك اللحظة بداية رحلة بحث عميقة، زادت معها ساعات قراءتها للمزيد من السور، لتجد الراحة التي كانت تفتقدها، وتكتشف إجابات للأسئلة التي لطالما شغلتها، وحين تأملت جمال الكون حولها، أدركت أن الله هو خالق هذا الإبداع، وكان ذلك منعرجا حاسما جعلها تدرك معنى حياتها للمرة الأولى.

في لحظة صفاء روحي، رفعت “ديامس” رأسها إلى السماء، وأعادت استحضار المشهد الذي قالت فيه: ما من شهود، ولهذا أشهدك ربي أنني لا أريد سواك، وأني أود أن أسلم، ونطقت بالشهادتين باللغتين العربية والفرنسية.
يضعنا صدقها في السرد عند شعور اللحظة، والسعادة التي غمرتها وكأنها لم تعرفها من قبل، مع كل ما حققت من نجاحات، ولكن الوحدة طاردتها طويلا، ومنعت عنها لحظات كهذه.
وفي يوم غد، قررت أن تواجه الواقع الجديد بوضوح، فكتبت خطتها، وبدأتها بضرورة إخبار والدتها والمقربين منها بتحولها الديني وقرارها الجديد، وتغيير رقم هاتفها، ووضع حد لمسيرتها الفنية بكتابة آخر ألبوم، وتأسيس جمعية لرعاية الأيتام، والابتعاد عن الصحافة، لأنها لن تستطيع شرح تحولها لهم، ومع ما لحقها من جدل كبير أثارته قصتها في الإعلام الفرنسي، فقد وجدت الدعم من والدتها، فاحترمت خيارها ما دام يمنحها السعادة والسلام.
مواجهة الإعلام والمجتمع بعد صمت طويل
عادت “ديامس” في هذا الوثائقي إلى تقارير إعلامية وصور تعدت فيها مجلة “باري ماتش” على حياتها الخاصة، وسرقت جزءا مهما منها، في وقت تقول فيه: لم أكن متأكدة أنني سأتحجب أو قادرة على أداء صلوات المسلمين، كنت في مرحلة اتخاذ القرار وعدم الرجوع عنه.
وبكثير من الغضب والتأثر، عبرت عن امتعاضها من الطريقة التي عرف بها جمهورها خبر إسلامها وتحجبها، ولم تنكر تبعات ذلك فنيا وجماهيريا، فقد قُسي عليها وفُسخ بعض عقودها، لكنها تجاوزت كل ذلك بقوة إيمانها، وإدراكها قيمة اللحظة التي تعيش.
اختارت “ديامس” يومئذ (عام 2009) الصمت، وفضلت عدم الرد على الانتقادات التي طالتها، أو الانخراط في سجالات إعلامية، لن تغير قناعاتها، ولن تؤثر على التحول الجذري، الذي أرادت أن يظل في نطاق الخصوصية، واكتفت بمتابعة المجلة قضائيا، كما تقول “نيكول شلوس” مديرة أعمالها سابقا.
وبعد سنوات اتخذت موقفا أكثر ثباتا، للدفاع عن خياراتها التي خلفت هجوما غير مبرر عليها عدة سنوات، وتشويها متعمدا لصورتها من قبل الصحافة الفرنسية، فتلك الصحافة لم تخف انزعاجها من حجاب “ديامس” وإسلامها، بل طرحت فرضيات عن احتمال وقوعها تحت ضغوطات خفية قادتها إلى هذا القرار، والحق أن هذا التحول كان ثمرة قناعة شخصية وتجربة روحية عميقة.
في عام 2012، عادت الصحافة لفتح النار عليها، عقب ظهورها في لقاء تلفزيوني حصري انفردت به قناة “تي إف1″، وتكرر اللقاء مع نفس البرنامج “سبعة إلى ثمانية” سنة 2015، فبدأ الإعلام الفرنسي يصف مظهرها بلباس شرعي يغطي كل الجسد عدا الوجه واليدين بأنه “إهانة”، وكان قبل ذلك يلقبها بالأيقونة المتمردة.
فلم يعد إسلامها وتحجبها واعتزالها الفن حدثا ولا قرارا شخصيا، بل بات حديث العام والخاص في فرنسا، وتصدر محتوى اللقاء عناوين الصحف، وأثار نقاشا مستفيضا حول الإسلاموفوبيا، والحريات والاختيارات الفردية، وشكك بعض الإعلاميين في المقابلة، ووصفوها بأنها تمثيلية معدة، مشيرين إلى نوعية اللقطات والزوايا التي اعتمدها المخرج، وكأنها جزء من سردية مدروسة بعناية.
كانت لحظة انقسم فيها الإعلام الفرنسي بين مشكك في سلامتها النفسية، مستندين إلى تاريخها الطويل مع الاكتئاب ومحاولات الانتحار، زاعمين أن تحولها الروحي ليس إلا رد فعل ناتجا عن ألم داخلي، وأثرا جانبيا للأدوية ورحلة العلاج الطويلة، وبين محلل لأبعاد اللقاء التلفزيوني الذي اشترطت “ميلاني” حضور والدتها وزوجها فيه.
ولم يسلم زوجها من الاتهامات، فقيل إنه هو من أرغمها على تبني هذا المسار، لكن “ميلاني” ظلت تدافع عن التحول الذي أشعرها بالأمان والسعادة، وتؤكد في كل مرة بأن اختيارها لم يكن إلا نتيجة رحلة تأمل وبحث عن السلام الداخلي، بدأت في لحظة صدق مع النفس، حين عرفت الإسلام، وتدبرت في عظمة الكون، وسلطان الخالق في الأرض والسماء.
اختيار شخصي ألقى بظلاله على الجدل العام، لا سيما بين أصدقائها والمحيط الفني، وفي هذا الصدد يقول المنتج بن يمين أفراح إن “ديامس”، -التي كانت من أكثر الناس تأثيرا في فرنسا- أصبحت بصورتها الجديدة تمثل شريحة واسعة من الناس، الذين لا يسمع صوتهم، ولا يرى حضورهم في المجتمع.

أما المغنية “شارلوت” فترى أن هذا التحول نقلها من رمز فني ملهم إلى إحدى أكثر الشخصيات إثارة للجدل، فأصبحت محور نقاشات متواصلة في الأوساط الفنية والإعلامية. ووصف لاعب كرة القدم الدولي سابقا “نيكولا أنيلكا” خطوتها بالجريئة، وقال: ليس يسيرا على أي فنان بلغ مراحل متقدمة من الشهرة، أن يتخلى عن حياة النجومية، سهل جدا القول إنني سأعتزل، ولكن يعسر تجسيد القول وتحويله إلى فعل، ولكنها كانت قوية وحققت ما أرادت.
وثائقي يعيد الفنانة المعتزلة إلى جمهورها
اختارت “ديامس” طريقا بعيدا عن الأضواء، واكتفت بهذا القدر من الفن والمال والشهرة، وفضلت -منذ اعتزالها الغناء عام 2012- التفرغ لحياتها الأسرية، والانخراط في العمل الإنساني بمؤسستها “بيغ أب”، التي تعنى برعاية الأيتام في أفريقيا، وقد رسمت هذه الرحلة الجديدة ملامح فيلمها الوثائقي، الذي بدأ وانتهى بمشاهد تبرز المكانة التي تحتلها أسرتها اليوم في حياتها، وكأنها تؤكد أن هذا هو جوهر الحياة ومحور اهتمامها الآن.
كان الفيلم فرصة لرواية رحلتها، ومسارها الذي وجدت فيه أجوبة لأسئلتها ومعنى أعمق للوجود، اليوم تعد واحدة من أبرز المدافعين عن الإسلام، فقد برأته مرارا من الأفعال الإرهابية التي تُنسب إلى المسلمين، مؤكدة أن الدين الذي وجدته كان طريقا للسلام الداخلي، وليس مصدرا للعنف كما يظن البعض.

موقفها هذا عززته في حواراتها القليلة، وكتابها “ميلاني.. فرنسية ومسلمة”، وقد سردت فيه رحلتها الفكرية والروحية، وأبدت مرة أخرى تصالحها مع حاضرها وماضيها، واحترامها للجميع باختلافاتهم، فلم تتبن أي فكرة، ولم تدع أحدا للإسلام في وثائقيها، وإنما أرادت مشاركة رحلتها نحو السلام الداخلي، دون أن تحاول التأثير على الآخرين، أو إقناعهم بتبني طريقها.
كما تقر دوما بأن التحول الأكبر في حياتها جاء بعد إسلامها، فقد استطاعت التصالح مع والدها الذي غاب عن حياتها منذ عامها الرابع، ومنحها ذلك إحساسا بالاكتمال النفسي والتصالح مع ماضيها.
وجدير بالذكر أنها من مواليد 25 يوليو/ تموز 1980، أما أبوها فقبرصي وأما أمها ففرنسية، وقد ركزت في الفيلم على مسائل بعينها، وأبقت تفاصيل أخرى غامضة، منها الأسباب التي دفعتها لمغادرة فرنسا والاستقرار في السعودية.
وبرغم الجدل والحملات الإعلامية التي شنت ضدها سنوات، لا تزال من الشخصيات المهمة والمؤثرة والملهمة في فرنسا، فقد تفاعل كثير من الفرنسيين -لا سيما الشباب- مع مضمون العمل، وطريقتها في طرح فكرة إسلامها، ورؤيتها الذكية للأمور كما كانت تفعل دائما، ففي غضون 48 ساعة استقطب الفيلم أكثر من 90 ألف مشاهد.
لقد عُرفت “ديامس” على مدار مسيرتها بجرأتها في تناول القضايا السياسية والاجتماعية بتصريحاتها وأغانيها، فلم تتردد في انتقاد اليمين المتطرف، ووصف “نيكولا ساركوزي” بالفاشي الدهماوي، فوصفته في أغنيتها الشهيرة “الزلابية” (La Boulette) قائلة: “في فم ساركو طعم دهماوي”، وهو ما يعكس شخصيتها القوية، ومواقفها الحادة من هؤلاء القوم، ومناهضتها للتمييز ضد المهاجرين.
وعلى الصعيد الفني بلغت مبيعات ألبوماتها أكثر من 1.3 مليون نسخة في جميع أنحاء العالم، ويعد ألبوم “في فقاعتي” (Dans ma bulle) الصادر سنة 2006 الأكثر مبيعا، فقد بيع منه نحو مليون نسخة عالميا، منها 750 ألف نسخة في فرنسا فقط، فأكسبها شهادة “الدياموند”، وسجل أكثر من 196 مليون استماع على موقع “سبوتيفاي” (Spotify)، مما يؤكد أن أغانيها وشعبيتها مستمرة حتى بعد اعتزالها الغناء، بألبوم “سوس” (SOS)، أي النجدة، وقد صدر سنة 2009.
إسلام مشاهير العالم.. لغط إعلامي يلاحق الخارجين عن السرب
ليست “ديامس” أول المشاهير الذين غيروا دياناتهم وأسلموا، ولن تكون الأخيرة، فقد قوبل خبر إسلام الملاكم العالمي “محمد علي كلاي” سنة 1964، بموجة من الانتقادات، لا سيما أنه جاء في ذروة انتصاراته، وقد وُصف بالمتطرف، وانتُزع منه لقب بطل العالم بعد رفضه أداء الخدمة العسكرية والانضمام إلى الجيش الأمريكي، ومُنع من الملاكمة أكثر من 3 سنوات، وحكم عليه بالسجن 5 سنوات.
وردت محطات مهمة من حياة محمد علي كلاي وإسلامه ومساره (1942-2016) في عدة أفلام ووثائقيات منها:
- فيلم “علي” (Ali)، وقد عُرض سنة 2001، وقام ببطولته الممثل “ويل سميث”.
- فيلم “ما اسمي؟ محمد علي” (What’s my Name: Muhammad Ali)، وقد أُنتج سنة 2019، وعرض أرشيفا نادرا ومهما.
- سلسلة وثائقيات أنجزت سنة 2021 بعنوان “محمد علي” (Muhammad Ali)، وجاءت شاملة لمسيرته الرياضية، ومواقفه السياسية المعارضة للعنف والحرب، وراصدة لتحوله الديني.
ولعل ظروف إسلام الملاكم الأمريكي “مايك تايسون” جاءت مختلفة عن محمد علي كلاي، فقد أسلم وهو في السجن، لذلك لم يثر الخبر نفس الجدل، مقارنة بالمشاهير الآخرين الذين أسلموا، وقد قال “تايسون” إن هذا التحول الجذري غير حياته، وزاد انضباطه، ومنحه السلام والسكينة التي افتقدها طويلا.

ولأن هذا الخطوة جاءت في ظروف خاصة، فقد شككت بعض وسائل الإعلام في تحول “تايسون”، وكان قد أشهر إسلامه سنة 1992، وأدى مناسك العمرة أول مرة سنة 2010، وانتشرت صوره محرما قرب الكعبة المشرفة. وبعد وثائقي “تايسون” (Tyson) عام 2008، و”ميك” (Make) سنة 2022، أعلنت منصة “نتفليكس” سنة 2024 نيتها إنتاج سلسلة وثائقية تشمل ثلاثة أجزاء.
وفي سن الأربعين، اتخذ الكاتب والمخرج الأمريكي “مايكل وولف” قرارا غيّر مسار حياته، فأعلن الإسلام، وأثار لغطا كبيرا في الإعلام الأمريكي، بالنظر إلى جذوره اليهودية المسيحية، وقد أدى مناسك الحج أول مرة عام 1990، وكرس جهوده لتوثيق هذه التجربة بمؤلفات عن الحج، منها “رحلة أمريكي إلى مكة” و”ألف طريق إلى مكة”، كما أنجز وثائقيات عن حياة النبي ﷺ، منها “محمد إرث نبي”، و”مدن النور.. صعود الأندلس الإسلامية وسقوطها”.

وبعد إسلامه عام 1977، غير المغني البريطاني ” كات ستيفنس” اسمه إلى يوسف إسلام، وابتعد عن عالم الموسيقى، وتفرع للتعليم والأعمال الخيرية، لكنه عاد بعد سنوات إلى الغناء، بأسلوب لا يعارض قيمه الجديدة، فقدم أعمالا موسيقية إنسانية روحية.
وبرغم مرور أكثر من 15 سنة على وفاة “مايكل جاكسون”، لا تزال التساؤلات تحيط بحقيقة إسلامه، وانتشرت شائعات حول إسلام أخته “جانيت جاكسون” بعدما تزوجها رجل أعمال عربي مسلم.