زياد الرحباني.. رحيل الفنان المتمرد الذي كتب وجع الناس

برحيل الموسيقار اللبناني زياد الرحباني، طُويت صفحةٌ مهمة من تاريخ الموسيقى والغناء في لبنان والعالم العربي.
فقد نشأ في بيئة فنية غنية، لكنه سرعان ما شق طريقه الخاص ليؤسس أسلوبًا فريدًا يمزج بين العمق الفني، والفكاهة السوداء، والنقد السياسي الجريء.
عُرف عن زياد الرحباني، لا سيما في شبابه، أنه صاحب أفكار يسارية متمردة، وكان عازفًا بارعًا، خصوصًا على آلة البيانو. تنوعت أعماله الموسيقية بين الجاز والموسيقى الشرقية.
هو فنانٌ متعدد المواهب، أضحك الجمهور كثيرًا بنقده الساخر، لكنه لامس الواقع اللبناني المرير من الطائفية والعصبيات والتقاليد. ولم يسلم من انتقاداته حتى فن والديه التقليدي والفولكلوري.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4صنع الله إبراهيم.. الروائي الذي رفض الجوائز وقاوم التطبيع
- list 2 of 4سميحة أيوب.. سيدة المسرح العربي تسدل الستار بعد عقود من العطاء
- list 3 of 4نعيم عيسى.. الفنان الذي عرف الجمهور أدواره وجهلوا اسمه
- list 4 of 4الكشري هندي والفول مصري والملوخية طعام الملوك.. تاريخ أشهر الأطعمة الشعبية
وداع فيروز: “أنا الأمُّ الحزينة”
نعته والدته، المطربة الكبيرة فيروز، عبر حسابها على منصة “إكس”، حيث نشرت صورة تجمعها بابنها الراحل وعلّقت:
“دايمًا بالآخر في آخر.. في وقت فراق.. وداعًا زياد الرحباني (1956–2025)”.

وفي تدوينة أخرى كتبت:
“أنا الأمُّ الحزينة وما مَن يُعزّيها”.
أما الرئيس اللبناني جوزيف عون، فقال في بيان رسمي:
“لم يكن زياد الرحباني مجرد فنان، بل كان حالة فكرية وثقافية متكاملة، ضميرًا حيًّا وصوتًا متمرّدًا على الظلم، ومرآة صادقة للمعذبين والمهمّشين”.
بداية مبكرة وموهبة نادرة
وُلد زياد الرحباني في 1 يناير 1956، وهو ابن المطربة فيروز والموسيقار عاصي الرحباني. عمل ملحنًا، كاتبًا مسرحيًا، ناقدًا سياسيًا، معلقًا إذاعيًا وصحفيًا.
انطلق فنيًا في سن المراهقة، وكانت بدايته الكبرى عام 1973 عندما لحّن أغنية “سألوني الناس”، التي غنّتها والدته تعبيرًا عن غياب زوجها المريض آنذاك.

ألحان لا تُنسى
لحّن زياد لفيروز العديد من الأغاني الخالدة، منها:
“كيفك إنت”، “أنا عندي حنين”، “حبيتك تَنسيت النوم”، “سلملي عليه”، “وحدُن”، “عندي ثقة فيك”، “مش قصة هاي”، “بعتلك”.
كما كتب أغنيات شهيرة أدّتها والدته، مثل:
“عودك رنان”، “صباح ومسا”، “تنذكر ما تنعاد”، “البوسطة”.
أما أعماله بصوته، فقد شكّلت هي الأخرى علامات فارقة، مثل:
“بلا ولا شي”، “عايشة وحدا بلاك”، “أنا مش كافر”.

مسرح سياسي ساخر
يُعد زياد الرحباني أحد أبرز المجددين في المسرح السياسي اللبناني والعربي، حيث قدّم أعمالًا مسرحية لاذعة، من أبرزها:
“سهرية”، “نزل السرور”، “شيء فاشل”، “بالنسبة لبكرا شو؟”، “بخصوص الكرامة والشعب العنيد”.
وفي عام 1980، لاقت مسرحيته “فيلم أميركي طويل” نجاحًا كبيرًا، حيث عالج فيها مشكلات المجتمع اللبناني في مستشفى للأمراض النفسية، كمجاز عن واقع الحرب الأهلية.
برامج إذاعية وصوت متمرّد
شارك زياد في برامج إذاعية عديدة خلال فترة الحرب الأهلية، منها:
“بعدنا طيبين… قول الله”، “نص الألف خمسمية”، “العقل زينة”.
كما أنتج سلسلة حلقات “الإعلان رقم 1، 2، 3، 4” عقب اغتيال رفيق الحريري.
كانت تعليقاته الساخرة ومصطلحاته السياسية اللافتة تُقتبس كثيرًا في الأوساط الإعلامية والثقافية.
كتب أيضًا مقالات صحفية، أبرزها عموده في صحيفة “الأخبار” اللبنانية بين عامي 2006 و2018.
أعمال سينمائية وموسيقية
شارك زياد الرحباني في تأليف موسيقى تصويرية لأفلام مثل:
“نهلة” (1979 – فاروق بلوفة)”وقائع العام المقبل” (1985 – سمير ذكري)”بيروت: الفيلم الرئيسية الأخيرة” (1987 – جنيفر فوكس)”طيارة من ورق” (2003 – رندة الشهال)”ظلال الصمت” (2006 – عبد الله المحسن)
كما شارك كممثل في بعض هذه الأعمال، بدور العازف أو بشخصيته.
الحب والخصام
تزوج زياد من دلال كرم وأنجب منها ابنًا، لكن الزواج لم يستمر.
ارتبط لفترة طويلة بالفنانة اللبنانية كارمن لبّس، في علاقة استمرت 15 عامًا وانتهت بالفراق.
اضطربت علاقته مع والدته فيروز في مرحلة معينة، بعد تصريحات مثيرة أطلقها زياد حول إعجابها بشخصيات سياسية مثيرة للجدل، ما دفع شقيقته ريم الرحباني إلى تكذيبه، واستمرت القطيعة بينه وبين والدته نحو ثلاث سنوات.
معاناة صحية منذ الطفولة
تحدث زياد عن معاناته الصحية التي بدأت منذ كان في الثانية عشرة، حين عزف على البيانو لمدة 14 ساعة متواصلة، وأصيب بانحناء في الظهر وآلام مستمرة في الكتفين.
أخبره الأطباء أن الشفاء مرهون بالتوقف عن العمل، فابتعد لعامين عن العزف.
لاحقًا، أصيب بمشكلات في البنكرياس، وذكرت مصادر أنه توفي بسبب تشمع في الكبد.
وفي تأبينه، قال وزير الثقافة اللبناني غسان سلامة:
“كنا نخاف من هذا اليوم لأننا كنا نعلم تفاقم حالته الصحية وتضاؤل رغبته في المعالجة… رحم الله رحبانيًا مبدعًا سنبكيه بينما نردد أغنياتٍ له لن تموت”.
