لطفي لبيب: نجم الأدوار الثانية الذي شارك في حرب أكتوبر ورفض تكريم السفارة الإسرائيلية

غيَّب الموت الفنان المصري لطفي لبيب، الذي رحل عن عمر يناهز 77 عامًا، بعد مسيرة فنية طويلة قدَّم فيها عددًا من الأعمال التي تظل عالقة في الأذهان، حيث تميز بالأدوار ذات الطابع الكوميدي، كما نجح أيضًا في تقديم الشخصيات الدرامية.

لم يكن لطفي لبيب نجم الأدوار الأولى، بل كان الظل الذي يمنح الضوء بُعدًا، والبصمة التي لا تُقلّد، ولا يمكن الاستغناء عنها في حكاية الدراما المصرية. وكان أحد أبطال القوات المسلحة المصرية خلال حرب 1973 المجيدة. وتركَ إرثًا فنيًا سيظل حيًا في وجدان جمهوره ومحبيه”.

من معهد المسرح إلى المشاركة في حرب أكتوبر

وُلِد لطفي لبيب عام 1947، في مركز ببا بمحافظة بني سويف، وحصل على ليسانس الآداب ثم التحق بمعهد الفنون المسرحية، وتميز بأدائه التلقائي والكوميدي.

وكتب عددًا من مسلسلات الأطفال وساهم في إنتاجها. وقد بدأ لطفي لبيب مسيرته الفنية متأخرًا لعشر سنوات، فرغم تخرجه في المعهد العالي للفنون المسرحية في عام 1970، فإن تجنيده لمدة 6 أعوام، شارك خلالها في حرب أكتوبر 1973، ثم سفره خارج مصر لأربعة أعوام، أديا إلى تأخر مسيرته الفنية التي بدأها في عام 1981 بمشاركته في مسرحية “المغنية الصلعاء”، وبعدها مسرحية “الرهائن”.

انطلاقة في الدراما

وفي تسعينيات القرن الماضي، كانت الدراما المصرية تمر بمرحلة انتقالية من النمط الكلاسيكي الذي اعتمد على النجم الأوحد وقصص الأسرة الممتدة، إلى أعمال أكثر واقعية واجتماعية.

خلال هذه الفترة، ظهر لطفي لبيب كممثل ثانوي لكنه لافت، يجسد في الغالب أدوار الطبيب، الضابط، أو الموظف الوقور. أدواره كانت محدودة في الزمن لكنها مفتوحة في التأثير، حيث أضفى على تلك الشخصيات قدرًا من العمق الإنساني والصدق.

أعمال مثل “مسلسل المال والبنون”، و”مسلسل هوانم جاردن سيتي” و”مسلسل زيزينيا”، أبرزت بداياته، رغم أن وجهه كان جديدًا على الجمهور الواسع.

التألق في الألفية الثالثة

مع بداية الألفية الثالثة، شهدت الدراما المصرية تحولات لافتة، خاصة في تركيب الشخصيات وإيقاع السرد، هنا بدأ لطفي لبيب يحتل مساحة أكبر في الحضور، ليس من خلال البطولة المطلقة، بل عبر أدوار ذات طابع أيقوني. أصبح “الأب الطيب”، و”المدير الفهيم”، أو “الجار الحكيم”، وهي أدوار رسمت له مكانة فريدة لدى الأسر المصرية.

كان ظهوره في مسلسلات مثل “أحلام عادية”، و”الملك فاروق” و”الدالي” بمنزلة توقيع شخصي في كل عمل. لم يكن مجرد ممثل يؤدي دورًا، بل ممثلًا يحمل خلفه خبرة المسرح، وجدية العسكري السابق، وثقافة الكاتب.

مواكبة التغيرات الاجتماعية

بعد 2011، ومع التغيرات الاجتماعية والسياسية في مصر، اتجهت الدراما المصرية إلى معالجة موضوعات أكثر جرأة، واستكشاف وجوه المجتمع بشكل غير نمطي. في هذه الموجة، لم يتراجع لطفي لبيب، بل تكيّف مع المرحلة، مقدّمًا أدوارًا أكثر رمزية وشاعرية. ففي مسلسلات “سجن النساء” و”طايع” و”نيللي وشريهان”، لعب أدوارًا مركّبة تتجاوز حدود النمط، مثل الأب الذي يخفي سرًا كبيرًا، أو الشخصية التي تمثل صوت الحكمة وسط صخب الواقع، في هذه المرحلة، أصبح ظهوره، ولو في مشهدين، كافيًا لإضفاء مصداقية وجدانية على العمل.

ورغم أن أدواره في البداية لم تكن كبيرة، فإن ملامحه المحببة، وأداءه السهل الممتنع، جعلاه سريعًا أحد أعمدة الكوميديا في السينما والتلفزيون والمسرح، خاصة خلال العقد الأول من الألفية الثالثة.

شارك لطفي لبيب في أكثر من 100 فيلم سينمائي وقرابة 30 عملًا دراميًا، ووقف أمام عدد من الممثلين الكبار، واشتهر بدور السفير الإسرائيلي في فيلم “السفارة في العمارة” مع الفنان عادل إمام، وكذلك دور السائق في فيلم “عسل أسود” مع الفنان أحمد حلمي، فضلًا عن تعاونه مع كبار الممثلين المصريين. قدَّم لبيب أيضًا عددًا من الأدوار المهمة الأخرى، مثل “يا أنا يا خالتي”، و”365 يوم سعادة”، و”أمير البحار”، و”بوبوس”، و”أنا مش معاهم”، و”واحد صفر”، و”سيد العاطفي”، و”صاحب صاحبه”.

أشهر الشخصيات

ولعل أبرز الأعمال التي تألق فيها لطفي لبيب وجسَّد فيها ببراعة شخصيات كوميدية، ما يلي:

عسل أسود

جسَّد لبيب خلال الفيلم شخصية “راضي”، والعمل بطولة أحمد حلمي، إدوارد، إنعام سالوسة، إيمي سمير غانم، و إخراج خالد مرعي، وتأليف خالد دياب.

الثلاثة يشتغلونها

جسَّد خلاله شخصية “الأستاذ صبحي”، والعمل بطولة ياسمين عبد العزيز، هالة فاخر، أمير المصري، صلاح عبد الله، وإخراج علي إدريس وتأليف يوسف معاطي.

طير أنت

قدَّم الفنان لطفي لبيب شخصية مدير حديقة الحيوان التي يعمل بها البطل “بهيج”، والفيلم بطولة أحمد مكي، ماجد الكدواني، إنجي وجدان، محمد سلام، تأليف: أحمد مكي عمر طاهر، إخراج أحمد الجندي.

زهايمر

جسَّد لطفي لبيب شخصية “المهندس مجدي”، وهو صديق مقرب لـ”محمود شعيب” (عادل إمام)، والفيلم بطولة بطولة عادل إمام، نيللي كريم، فتحي عبد الوهاب، رانيا يوسف، أحمد رزق، تأليف نادر صلاح الدين، إخراج عمرو عرفة.

كده رضا

جسَّد خلاله شخصية والد التوائم الثلاثة (رضا)، وهو شخصية محورية في بداية الفيلم. بطولة أحمد حلمي، منة شلبي، خالد الصاوي، يوسف داوود، المخرج: أحمد نادر جلال، وتأليف أحمد فهمي.

صايع بحر

قدَّم لطفي لبيب شخصية والد ياسمين عبد العزيز، والفيلم من بطولة أحمد حلمي، ياسمين عبد العزيز، أحمد راتب، سعيد طرابيك، وإخراج علي رجب، تأليف أحمد البيه.

عايز حقي

لعب خلاله شخصية وزير الاستثمار، وكان دوره مؤثرًا وكوميديًا رغم صغر حجمه. والعمل بطولة هاني رمزي، هند صبري، عبد المنعم مدبولي، إنعام سالوسة، وإخراج أحمد نادر جلال، وتأليف طارق عبد الجليل.

صاحب صاحبه

جسَّد دور ضابط أمن الدولة، ويظهر في مشاهد تحقيق واستجواب الأبطال، والفيلم بطولة محمد هنيدي، أشرف عبد الباقي، أحمد السقا، وإخراج سعيد حامد، تأليف ماهر زكي.

جاءنا البيان التالي

جسَّد دور مدير القناة التلفزيونية التي يعمل بها البطل “رؤوف” (محمد هنيدي)، وشارك في بطولة الفيلم حنان ترك، أحمد خليل، سليمان عيد، وإخراج سعيد حامد، تأليف محمد أمين.

بحبك وأنا كمان

لعب دور والد البطلة (سمية الخشاب)، وكان يجسَّد شخصية الأب الصعيدي التقليدي، الصارم، وشارك بطولة العمل كلٌ من بطولة مصطفى قمر، سمية الخشاب، رجاء الجداوي، إدوارد، وإخراج حسين كمال، تأليف مدحت العدل.

مرعي البريمو

أدى لطفي لبيب شخصية تُدعى “الحاج حسانين”، وهو تاجر كبير في سوق البطيخ، والفيلم بطولة كلٍّ من محمد هنيدي، غادة عادل، أحمد بدير، لطفي لبيب، مصطفى أبو سريع، نانسي صلاح، محسن منصور، علاء مرسي، وإخراج سعيد حامد، وتأليف إيهاب بليبل.

إفيهات لا تُنسى

اشتهر لطفي لبيب بإفيهاته التي أطلقها في عددٍ من أفلامه، لتصبح راسخة في أذهان الجمهور. ولعل من أبرز هذه الإفيهات التي لا ينساها جمهوره ما يلي:

“ارحم أمي العيانة” و”زيرو ونين”، من فيلم “عسل أسود” مع أحمد حلمي، الذي عُرض عام 2010.

“الحب هو الغاز الذي نشعل به البوتاجاز”، قالها في فيلم “طير إنت”، حيث كان يُقلد المذيع المصري أسامة منير الذي يُقدّم برامج عن شؤون الحُب.

“وأنتِ يا أرواح سايبة البيت من غير ستروباري”، من فيلم “إتش دبور” مع أحمد مكي، والذي عُرض عام 2008.

“اللهم ارزقها بسيارة مفخخة أو شحنة ناسفة”، قالها في فيلم “حاحا وتفاحة” عام 2006، مُجسِّدًا دور والد الفنانة لقاء الخميسي.

“داخلي بالخيل وعاملي فيها كبير الدهاشنة”، قالها في فيلم في “محطة مصر” عام 2006، خلال مشاركته إلى جانب كريم عبدالعزيز. والمقصود أنه ينتقد أسلوب كريم عبد العزيز الذي يحاول أن يعطي انطباعًا مبالغًا فيه عن نفسه.

“يا جماعة ده إحنا ولاد عم”، و”أنا ديفيد كوهين السفير الإسرائيلي”، وهي من أشهر جُمله في فيلم “السفارة في العمارة”، الذي عُرض عام 2005.

“ابعت يا اللي بتبعت”، قالها للفنان محمد هنيدي في فيلم “يا أنا يا خالتي ” (2005).

“ابنك مجنون يا حاج”، إفيه شهير في فيلم “كركر” مع الفنان محمد سعد، وعُرض عام 2007.

سر الكتيبة 26

ولعل كثيرين لا يعرفون أن لطفي لبيب ألَّف كتابًا بعنوان “الكتيبة 26” وهي  أول كتيبة مصرية عبرت قناة السويس يوم السادس من أكتوبر واقتحمت حصون الاحتلال الإسرائيلي. وتحدَّث لبيب في كتابه عن تجربته الشخصية خلال حرب أكتوبر،  انطلاقًا من تجربته في القوات المصرية خلال الفترة من سبتمبر 1973 وحتى فبراير 1974.

ويُذكَر للفنان لطفي لبيب أنه رفض دعوة لتكريمه من قِبل السفارة الإسرائيلية في مصر عقب أدائه دور السفير الإسرائيلية في فيلم “السفارة في العمارة” أمام الفنان عادل إمام. وقال لبيب إنه لا يمكنه قبول التكريم من عدو سبق له أن حاربه وخاض معارك ضده لتحرير شبه جزيرة سيناء خلال حرب أكتوبر 1973.

موقف آخر كشف عنه لبيب في لقاء تلفزيوني آخر؛ إذ تحدَّث عن سبب غياب اسمه من تتر مسلسل بطولات المخابرات المصرية “رأفت الهجان”، موضحًا أنه أدى دورًا صغيرًا لإحدى الشخصيات اليهودية التي كانت تعيش في مصر قبل مغادرتها، لكنه لم يكن مرتاحًا لهذا الدور.

وأكد لطفي لبيب قائلًا: “أستاذ يحيى العلمي (المخرج) قال لي أنت معايا وعملت دور واحد من اليهود اللي موجودين في مصر قبل الهجرة وقلت له أنا مش سعيد ويا ريت متكتبش اسمي في التتر؛ ولذلك لا يوجد اسمي في التترات خالص”.

في الشهور الأخيرة، أصيب لطفي لبيب بسلسلة أزمات صحية، مما قلَّص من حجم مشاركاته الفنية. أدواره في مسلسلي “رجالة البيت” و”أحسن أب” عكست هذا الحضور الرمزي، وأثبتت أن الجمهور بات يتعامل معه بوصفه أيقونة لها حضورها الإنساني أكثر من كونه ممثلًا يؤدي دورًا تقنيًا.

وأدخل المستشفى قبل أيام، وتم نقله للعناية المركزة نتيجة إصابته بالتهاب حاد في الحنجرة والرئة، مما تسبب في منعه التام من الكلام، وهو ما زاد من تدهور حالته بعد خروجه، ليعود مرة أخرى إلى العناية المركزة قبل أن يفارق الحياة.