حطين وصلاح الدين.. سهل وقائد يغيّران مسار التاريخ في الأرض المقدسة

اقترن اسم صلاح الدين الأيوبي بالقدس، وبه اقترنت آمال النصر الموعود، وبوارق الفتح المرتقب، وبه تسمى عشرات وربما مئات الآلاف من أبناء المسلمين، منذ أن ساقت له الأقدار على بساط طويل من الجد والعزم والنجدة والإقدام، أعظم نصر في تاريخ الحروب الصليبية، وأكبر قصة إلهام حضاري ما زال صليل سيوفها صادحا في وجدان المسلمين، وعلى صهوات الأيام وصفحات التاريخ.

تسنم صلاح الدين قمة عالية بين رموز الإسلام وعظمائه، وارتبط تاريخه بحطين التي انتقلت في وعي المسلمين من سهل هادئ في بلاد فلسطين إلى ميدان حرب لم يخمل ذكرها منذ ارتفع.

وبين حطين الأمس واليوم جرت تصاريف الأيام، فإذا حطين اليوم قرية صغيرة هدمها المحتل الإسرائيلي أكثر من مرة، وحولها في نهاية المطاف إلى مستوطنة، وإذا ذكرى تلك المعركة مجرد نداء يشق ظلام الاحتلالات والأغلال المتراكمة على الأجياد والسواعد المقدسية.

الدولة الزنكية.. بوارق الفتوة والنجابة في إمارة الموصل

ولد صلاح الدين الأيوبي في حدود عام 532هـ/1137م في قلعة تكريت، لأبوين من أعلى الهرم الاجتماعي في قبيلة الروادية الكردية التي عرفت بالنجدة والإباء، وكانت أسود الجبال ورماح الأمة الكردية.

وفي قلعة تكريت عاش الطفل يوسف بن أيوب (صلاح الدين) بدايات الحياة في أسرة أميرية الطباع، إيمانية التربية، كردية الصمود والإصرار، عربية اللسان والهوى، ومن قلعة تكريت هاجر صلاح الدين الأيوبي رفقة والده نجم الدين أيوب وعمه أسد الدين شيركوه، والتحقا بالأمير عماد الدين زنكي سلطان الموصل، فاهتزت لهما الإمارة الموصلية، لما مثله انضمامهما لها من بعد استراتيجي في تعزيز قدرتها العسكرية، وعمقها التخطيطي بفارسين من أهم وأقوى أبناء الجبال التركية، بمن معهما من قوة وعتاد ورجال.

لم يطل الترقب بالأميرين نجم الدين وأسد الدين، فقد أصبحا من خيرة رجال الإمارة وساعدا عماد الدين على تمديد ولايته ليفرض سلطانه على دمشق، وفي دمشق بدأت مخايل الفتوة والزعامة وبوارق القوة الفتاكة والولاء المفعم بالتقدير للأسرة الزنكية تنمو وتظهر على جسد ومواقف الشاب يوسف الذي حمل بعد ذلك وإلى الأبد اسم صلاح الدين.

وكما أخذ نصيبه الوافر غير المنقوص من فنون الفروسية والرمي والصيد والطراد، كان له نصيب غير ضئيل أيضا من المعارف الإسلامية الواسعة، بل كان محظوظا، إذ يمكن اعتبار عصره عصر تحولات دينية كبيرة في الشرق الإسلامي وخصوصا في العراق والشام، وذلك بفعل الجهود التربوية الحثيثة التي أداها أئمة أعلام عاصروه وسبقوه مثل الإمام أبي حامد الغزالي، فقد رأوا أن مقاومة الصليبيين بأمة مختلفة الأهواء قد رقّت فيها عزائم الدين ومصادر الإباء والنجدة، سيضفي هزيمة إلى أخرى، وتوجهوا بدلا من ذلك إلى التربية والإعداد الفكري والعلمي والروحي، وكان صلاح الدين من تلك الأجيال التي نالت نصيبها من “إحياء علوم الدين”.

مصر الفاطميين.. بقايا سلطان عابث يوشك أن ينقض

انتقل صلاح الدين في فتوته إلى خدمة عمه الأمير أسد الدين شيركوه الذي يمكن اعتباره الوزير الأول في نظام الأمير نور الدين بن عماد الدين زنكي، ولم تخف القدرات الذهنية وسداد الرأي والبصيرة المتوقدة في عقل الشاب صلاح الدين، فيذكر المؤرخ الدمشقي أبو شامة أنَّ صلاح الدين تقدَّم بين يدي نور الدين فقبَّله، وأقطعه إقطاعا حسنا، وعوَّل عليه، ونظر إليه، وقرَّبه، وخصَّصه، ولم يزل يتقدَّم تقدُّما تبدو منه أسباب تقضي تقديمه إلى ما هو أعلى، وهكذا تحول صلاح الدين في فترة وجيزة إلى المرافق العسكري الخاص لنور الدين، وكاتم أسراره، وبريده المؤتمن إلى أنحاء الدولة ومراكز نفوذها.

وبين يدي الأمير نور الدين محمود زنكي وأسد الدين شيركوه، وضع برنامج الوحدة بين مصر والشام، وكان ذلك المعبر الأول إلى تحرير بيت المقدس، وكانت الخطوة الأهم التي كلف بها صلاح الدين هي تحرير مصر من حكم الفاطميين الذين عاثوا فيها في نهاية حكمهم فسادا وإرهابا، ولم يرفعوا راية لإنقاذ فلسطين ومدن الساحل الشامي من تمدد صليبي متفاقم، إذ كان فرسانه ينظرون إلى بلاد الحرمين بعيون مستذئبة تود الانقضاض عليها في أي وقت.

ومع منتصف العام الهجري 567 كانت مصر قد أصبحت عمليا جزءا من الدولة الزنكية، ثم أصبحت بعد ذلك دولة أيوبية بالفعل، تحت سلطان صلاح الدين الشاب ابن الـ34 ربيعا، يوم أصبح سلطان النيل والكنانة.

وفاة الأمير.. حمى الشتات تقطع أوصال الإرث الزنكي

كانت مصر يومها ممزقة الأركان مقطعة الأوصال ضعيفة البنية التحتية، فبدأ صلاح الدين تأسيس جيش قوي، وإقامة الحصون والمعسكرات، وكاد بناؤه الذي أسسه في سنتين من حكم مصر أن ينقض على أركانه بعد الوفاة المفاجئة لأميره الشجاع، وأستاذه النبيل نور الدين زنكي الذي أسلم الروح إلى بارئها في 569 هـ (1174م)، فبدأت حمى الشتات تقطع أوصال الإرث الزنكي، وبدأ الصراع يفكك شريان الوحدة بين الموصل وحلب ودمشق، وكان الصالح إسماعيل وريث والده نور الدين زنكي صبيا صغيرا تحت وصاية قادة الأسرة الزنكية، ولم يرق الأمر كثيرا لصلاح الدين، بل رأى أن البلاد ستعود إلى عهد ما قبل نور الدين وعماد الدين، وسينكسر كل شيء.

الأمير النبيل والشجاع نور الدين زنكي أستاذ صلاح الدين الأيوبي

أخذ صلاح الدين نصيبه من الصراع، وادعى أنه الأحق بالوصاية على الصالح إسماعيل لما يعرف الجميع من قربه من الأمير المتوفى نور الدين، منتقلا بين الشرح والإبانة إلى التهديد والوعيد المرعب الذي حرك الفزع في نفوس الأمراء الزنكيين، فغادروا دمشق إلى حلب، مصطحبين معهم ورقة الثقة الوحيدة “الأمير الصبي الصالح إسماعيل”.

وبوصول صلاح الدين إلى دمشق وسيطرته عليها، بدأت طريقه إلى فتح بيت المقدس تظهر معالمها، وتتمدد أرصفتها المفعمة بكثير من التخطيط والدهاء، وكثير من الصبر والمقاساة، فلم يكن للأمير وقت لغير الجد، بل لم يكن يضحك أصلا، مستحييا من الله تعالى “أن أضحك قبل تحرير المسجد الأقصى”.

صبي القدس المجذوم.. رياح الأزمات تعصف بإمارات الصليبيين

انطلقت عدوى مُلك الصبيان من دمشق بعد أن سيطر عليها الأمير صلاح الدين، لتظهر في مملكة بيت المقدس الصليبية، حيث خلف الصبي بالدوين الرابع والده الملك عموري الأول بعد وفاته عام 1174م.

وبدأ المتنافسون على الوصاية، يقتسمون تركة عموري، قبل أن تستقر أخيرا في يد ريمون كونت طرابلس الذي كان أقل عدوانية من بقية الأمراء، فسارع إلى مهادنة صلاح الدين، وكانت الهدنة أكثر فائدة على صلاح الدين، فتفرغ لقتال الأمراء الصغار المنتشرين على طول الخط الساحلي للشام، وقد استغرق إخضاع هذا الخط قرابة ثلاث سنوات، ثم استقر الملك، واستقامت قناة القتال، وبدأ الفتح المقدسي يخطو شيئا فشيئا بخطوات واثقة مثقلة.

وبتصفية آخر الجيوب الزنكية في حلب، أصبح الأمير صلاح الدين سلطان الشواطئ، مسيطرا على مملكة ضخمة ذات موارد بشرية هائلة، تمتد من نهر العاصي إلى الفرات، لتنضاف إلى منطلقها من ضفاف النيل.

كانت قوة صلاح الدين تتعزز، بينما تنخر الخلافات والأزمات أجساد الممالك الصليبية، فها هو الجذام يقضي على السلطان الصبي بالدوين، ليتحول الملك إلى أخته التي ألقت زمام الحكم إلى زوجها ليدزلزنيوه الموصوف في المصادر العربية والغربية بأنه طائش وضعيف، مما خلخل التماسك في صفوف الأمراء الصليبيين، وقوى نفوذ الأجنحة المتطرفة، وخصوصا حاكم الكرك “رينو ديشاتون”، المعروف في المصادر العربية بأرناط والمشهور بعدوانيته وغدره وحربه المستذئبة ضد المسلمين، وخصوصا في مسعاه إلى هدم الكعبة المشرفة ونبش روضة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو المسعى الذي فشل فيه، فقد أرسل صلاح الدين سرية لقطع الطريق أمام فرسان أرناط، واقتيادهم إلى القاهرة، حيث قطعت رقابهم أجمعين.

سهل حطين.. خلافات المعسكر الصليبي توقعهم في الفخ

كانت جرائم الكونت أرناط الوقود الأكثر سرعة في إشعال نيران الحرب، فقد كان هذا الأمير المحارب مبالغا في عداوة المسلمين، لا يتورع عن إبادة ما أمكنه من قوافل تجارية ومن عابرين وأبرياء، وكان تهوره المتزايد مسمار نعش في الجسد الصليبي في الشرق الإسلامي.

قرر صلاح الدين فرض زمان ومكان المعركة، وكان حريصا على أن تكون في داخل الأعماق التي تسيطر عليها الممالك الصليبية، وأن تكون أيضا خارج أسوارهم ومناطقهم المحصنة. ولأن الحرب على الأبواب ونذرها بدأت تقرع النواقيس الصليبية، ليحسم الجدال أخيرا بخروج الصليبين إلى لقاء صلاح الدين، مدججين بكتائب هائلة هي الأضخم منذ أن دخل الصليبيون إلى بيت المقدس سنة 1098 ميلادية.

وقعت معركة حطين في سهل حطين بين صفد وطبريا والناصرة

كانت عين صفورية المعسكر الأول للحشود الصليبية، وكان صلاح الدين حريصا على نقلهم من تلك المنطقة الاستراتيجيةكثيرة المياه إلى فضاء منبسط تكسوه الأعشاب، ويظلله حر المصيف، وتنعدم فيه مصادر الري، حيث تنهار قوتهم تحت حر الصيف الحارق وحز السيوف القواطع.

وقد ساهم في تحقيق ما يريد صلاح الدين حجم الخلاف وتعدد الآراء داخل المعسكرات الصليبية، وأخيرا انتصر رأي المتطرفين داخل الجيش الصليبي، وسار الجيش العرمرم عشرين كيلومترا على ظهور الخيل، بينما تدفق آلاف المشاة، يحملون الخوذات والعتاد والسيوف، وتلتهب فوق رؤوسهم شمس يوليو/تموز الحارقة، ليصلوا إلى سهل حطين للقاء حتفهم.. صلاح الدين.

مصادر المياه.. خطة مناورة مستوحاة من غزوة بدر

استعار صلاح الدين تكتيكا حربيا نبويا من عهد معركة بدر الفاصلة، فاستولى على مصادر المياه، وأخذ العدة اللازمة، فارضا بذلك ميدان المعركة وزمانها.

وكانت أولى المناوشات قرارا من صلاح الدين، بإرسال مفرزة سريعة، ذبحت عددا من حراس المعسكر، وأشعلت النيران في الأشجار والغطاء النباتي المحيط بحطين، فهز الرعب نفوس الجيش الصليبي بسبب المباغتة، ثم مالت عليه ظلال الدخان، ولله جنود منها الدخان.

كان الإرهاق قد أخذ من الجنود الصليبين كل مأخذ، وكان المسلمون يحولون بينهم وبين طبرية، ورغم أن الجيش الصليبي كان يفوق جيش صلاح الدين بخمسة أضعاف، فقد هزمت 12 ألف فارس أيوبي جيش الصليب العرمرم الذي يجمع أكثر من 60 ألف جندي يجمعهم صليب واحد، ويفرقهم أمراء متصارعون.

انهيار جبل الصوف.. نهاية ملك صليبي عاث ببلاد الشام

في صباح 24 ربيع الآخر 583 هجرية الموافق 4 يوليو/تموز 1187، أخذت الرماح والسيوف الأيوبية تقتص رقاب الجيش الصليبي الذي انهار كجبل من الصوف، وتمرغت خيوله الفارة على جثث القتلى الذين يقدر عددهم بحوالي 30 ألف شخص، بينما دارت قيود الأسر على عدد مماثل، وفرت مئات قليلة نجت بجلودها من الموت الزؤام، وكان من بين الأسرى مئات الأمراء والملوك والكونتات والنبلاء الذين سيقوا تحت الأغلال إلى معسكر صلاح الدين أسرى نهاية ملك صليبي عاث في بلاد الشام قتلا وإرهابا، وسبح في الدماء قرابة تسعين عاما.

حين غزا الصليبيون بيت المقدس سنة 1098، قتلوا أكثر من 30 ألف مسلم في يوم واحد حتى غاصت ركب الخيول في الدماء

كان صلاح الدين حريصا على أن تكون الهزيمة مزلزلة، وأن يكون وقعها النفسي صادما، فركز على الصليب الضخم الذين يسمى صليب الصلبوت، ليختطفه جنوده من أيدي حماته النصرانيين الذين كانوا يرون فيه “ظل الرب” والمنقذ الذي لا يهزم من سار تحت ظلاله، وفي يوم من الصبر سحق صلاح الدين ما بنته أوروبا وجيوشها خلال تسعين سنة من الدم واللهب.

لم يمهل صلاح الدين الأيوبي فلول الصليبين، فانطلق خلفهم يحرر مدن الساحل الواحدة تلو الأخرى، ويستعيد القلاع والحصون، من أشقيف إلى عكا وصيدا وبيروت وجبيل، وغيرها من مدائن الخط الساحلي، وتوقف قبل أن يصل إلى مدينة صور التي كانت آخر وأقوى حصون الصليبيين، وقبل أن يتوجه إلى زهرة المدائن القدس، مدينة المآذن ومحراب الأنبياء، وأعلى أذن للأرض نحو السماء.

بوابة القديس ستيفان.. ثغرة تنهي حصارا راقيا على أم المدائن

كانت القدس تحت سيطرة القائد الصليبي ديبليان، فجمع المسيحيين وحلق رؤوس بنات النبلاء في طقوس من التضرع إلى “الرب” ليحمي القدس من الجيوش الأيوبية.

فرض صلاح الدين حصارا راقيا على المدينة، رافضا أن تدك بالمنجنيق، فقد كانت لديه من القداسة بمكان، ويرى في كل حصاة منها مرقاة نبي أو سجادة رسول.

بعد دراسة نقاط الضعف في سور بيت المقدس، ضرب صلاح الدين بوابة القديس ستيفان بالمنجنيق فاقتحم على الصليبيين حصنهم

وأخيرا بدأ مهندسو الجيش الإسلامي يتحسسون نقاط القوة والضعف في السور، ليجدوا منطقة رخوة عند بوابة القديس ستيفان في الجهة الشمالية، فأحدثوا فيه ثغرة واسعة مكنت الجيش الإسلامي من الدخول وتحرير المدينة ومسجدها الذي حوله الصليبيون إلى كنيسة.

وبين دخول الصليبيين إلى القدس وخروجهم منها كان التاريخ شاهدا على تناقض عجيب، فقد دخلوها سابحين في بحار الدماء التي فجروها من أجساد أبناء الأرض وسكانها الأصليين، ثم خرجوا منها أذلة صاغرين، ولكنهم آمنون على نسائهم وأطفالهم وعجزتهم من أن تنالهم يد بطش أو تسطو عليهم نقمة انتقام.

“يا ليت ملوكنا مثلك في النبل والرحمة لرعيتهم”

خرجت عائلات النبلاء مقابل ضريبة رمزية، وكان من الغريب أن قادة وأحبار الصليبين فروا بأموالهم ولم يدفعوا درهما واحدا عن أتباعهم، أما الفقراء والعجزة فقد عاملهم صلاح الدين برحمة وهدوء، ولم يكلفهم دفع الفدية، وتركهم يغادرون الأرض التي كانوا عليها شؤما ودمارا وألما ماحقا.

ولقد كانت مواقف صلاح الدين هذه مثلا خالدا في شغاف التاريخ، وشهد به كل الذين كتبوا عنه أو عن حطين أو عن الحروب الصليبية بشكل عام، إذ يقول أستاذ التاريخ بجامعة “رويال هولو واي” بلندن، البروفيسور “جوناثان فيليبس”: اشتهر صلاح الدين في التاريخ بكرمه وعدله وقدرته على إثارة حماس شعبه، وقد أكسبه هذا الاحترام بين المسيحيين والمسلمين على حد سواء، فهناك كثير من القصص التي تشير إلى ذلك؛ إحدى هذه القصص أن امرأة من الفرنجة اختُطف طفلها وأُخذ إلى سوق المسلمين وبيع هناك، وكانت الأم مصدومة، فقال لها أحد الفرنجة: “اذهبي إلى صلاح الدين، أثق في أنه سيساعدك”، فهبّت إليه، فصحبها للبحث عن الطفل، ولم يهدأ له بال حتى وجده وسلمه إليها، فركعت عند قدميه تقول: يا ليت ملوكنا مثلك في النبل والرحمة لرعيتهم.

خطبة الجمعة على منبر الأقصى.. نبأ النصر الذي قتل البابا

بعد الفتح المقدسي ارتقى صلاح الدين منبر المسجد الأقصى وألقى أول خطبة جمعة إسلامية بعد 90 سنة من صداح النواقيس الصليبية، وكان صدى الخطبة مجلجلا في أنحاء العالم، فقد مات البابا مباشرة بعد أن بلغه نبأ الخطبة الصلاحية.

في دمشق عام 1193م كانت نهاية حياة صلاح الدين الذي هزم الصليبيين في بيت المقدس وأجبرهم على الخروج منها

واصل صلاح الدين جهوده وأعماله في استعادة المدن وفي إدارة الحرب والسلام، وفي التمكين للإسلام في الشام وفلسطين ومصر والعراق، قبل أن يرحل بهدوء في الرابع من مارس/آذار (589هـ/1193م) عن عمر لم يزد عن 56 سنة، مفعمة بالنجدة والإباء والعز والشرف.

وكما كان صلاح الدين عظيما في صناعة النصر، فقد كان عظيما أيضا في تدبير الملك، فخرج إلى عالم الخلود من دنيا ترك فيها مآثر خالدة، وتركة مالية زهيدة لم تزد على 94 درهما لا أكثر، أما رصيده من الشرف والخلود فما زال في تصاعد وارتفاع.