دلال عبد العزيز.. حسناء السينما المصرية وحرباؤها المتلونة

“أنا هأفضل فاكرك علطول، مش هأنسى صوتك ولا عينيك أبدا”. إنها كلمات الفدائي الهارب طه السماحي (الممثل عبد العزيز مخيون) للفدائية الجميلة المتمردة على طبقتها الأرستقراطية نجاة، التي سرعان ما وقعت هي الأخرى في حبه فتزوجته، وتعلّق بها جمهور عريض من المشاهدين، وذلك ضمن أحداث الجزء الأول من مسلسل “ليالي الحلمية”(1987).

وكأن طه السماحي ينطق بلسان حالنا عقب سماعنا لخبر رحيل النجمة المصرية المبدعة والفنانة الشاملة دلال عبد العزيز التي كان البعض لسنوات طويلة يعتقدون أنها ابنة الفنانة زبيدة ثروت بسبب جمالها اللافت، إلى أن نفت ذلك في أحد البرامج.

إنها دلال عبد العزيز التي وصفها سمير غانم ذات يوم بأنها “حسب مقاييس الجمال المصرية والإغريقية، كل ما فيها جميل”، وذلك على لسان الصحفي فارس بطل مسرحية “فارس وبني خيبان” التي لعبت فيها دلال عبد العزيز دور الفتاة نجفة الدوكش تاجرة المخدرات في حي الباطنية الشهير.

قبل أن ترحل عن عالمنا وتفارقنا يوم السابع من أغسطس/آب الجاري كانت دلال عبد العزيز محمد قد شاركت في بطولة ما يزيد عن 200 عمل فني في السينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة على مدار أكثر من أربعة عقود، وذلك منذ بدأت رحلتها مع التمثيل في نهاية السبعينيات، فنجحت في تقديم أنماط فنية متنوعة، بدأتها بالفتاة الجميلة المدللة أو الخجولة البسيطة حينا، والمرأة “الشقية” أحيانا، أو الأنثى المدبرة لحياتها والصانعة للمؤامرات بمكر ودهاء كبيرين أحيانا.

كان يمكنها تقديم كل الأدوار التي تراوح بين الكوميديا والمأساة، وبين الخير والشر، فقد امتلكت القدرة على التنقل بمرونة ويُسر بين الفتاة الشعبية والمرأة الفلاحة، وبين السيدة الراقية بمهارة وإتقان كبيرين، بنفس قدرتها على المراوحة بين المرأة الضعيفة المسكينة التي لا حول لها ولا قوة، وتلك المرأة القوية المقتدرة المالكة لزمام أمورها.

كريمة مختار.. تذكرة العودة إلى عالم التلفزيون

ولدت دلال عبد العزيز يوم 17 يناير/كانون الثاني عام 1960 في قرية ديرب نجم بالشرقية، وقد التحقت بالسنة الأولى من كلية الزراعة بجامعة الزقازيق، وأتتها الفرصة الأولى في عالم التمثيل الاحترافي عندما ذهبت مع صديق والدها الذي يعمل في مبنى التليفزيون، فهناك قابلت المخرج نور الدمرداش مكتشفها الأول، فقدمت معه أول أعمالها مسلسل “بنت الأيام” (1977)، وكانت مشاركة في بطولته النسائية كريمة مختار.

نجحت التجربة ولفتت الأنظار إلى دلال، فعُرض عليها كثير من الأدوار في مسلسلات أخرى، لكن والدها رفض وأصرّ على أن تكمل دراستها، فبكت كثيرا، وقد أقنعتها الفنانة كريمة مختار -التي ربطتها بها علاقة قوية أثناء تصوير المسلسل- أن تحترم رغبة والدها وتستجيب له، ووعدتها بأن تُوفر لها فرصة عمل بالمسلسلات عندما تنتهي من دراستها، إذ كانت آنذاك زوجة المخرج نور الدمرداش. وبالفعل فقد اتصلت بها دلال عقب تخرجها وحصولها على بكالوريوس في الزراعة من جامعة الزقازيق، ونفذت كريمة مختار وعدها، وأوجدت لدلال دورا بمسلسل “أصيلة” (1980) من إخراج نور الدمرداش أيضا.

آنذاك كان جورج سيدهم مشاركا في بطولة مسلسل “أصيلة”، وكان يُحَضِّر هو وسمير غانم لمسرحية “أهلا يا دكتور” من إخراج حسن عبد السلام، وكانت آثار الحكيم مرشحة لشخصية عصمت بالمسرحية، لكن عالم السينما اختطفها من المسرح، وأثناء رحلة البحث عن بطلة جديدة للدور ظهرت دلال في “أصيلة”، فرشحها جورج للمسرحية، وقال لها جملته الشهيرة “الفن مفيهوش واسطة.. لو بتمثلي كويس وموهوبة هيختاروكي وتكملي”، ثم اصطحبها للمسرح، وهناك أعطاها المخرج جملة وطلب منها أن تؤديها بمشاعر مختلفة عدة مرات، بينما ظل سمير غانم يراقبها من بعيد. كان هذا لقاؤهما الثاني، إذ تُؤكد دلال أن اللقاء الأول بينهما كان في الإسكندرية وهي طفلة، بينما كان هو ممثلا بفرقة ثلاثي أضواء المسرح، وأخذت تجري وراءه على الشاطئ إلى أن توقف وسلمت عليه.

نجحت دلال في الاختبار، وقدمت شخصية عصمت بخفة ظل تجمع بين الدلع والحزم والاسترجال، وبعدها انطلقت في أدوار مسرحية وسينمائية وتلفزيونية، فحققت انتشارا سريعا في تلك الفترة، وكانت فترة الثمانينيات خصبة إنتاجيا لها رغم الزواج وإنجاب ابنتيها دنيا وأمل الشهيرة بـ”إيمي”، لأن دلال كانت تسعى وراء الأدوار بجد واجتهاد لسببين -باعترافها في كثير من البرامج الحوارية معها-، أولهما عشقها لمهنة التمثيل، وثانيهما وقوعها في غرام سمير غانم ومطاردتها له، فكانت كلما علمت بوجود فيلم أو عمل فني سيقوم ببطولته تسأله” “وأنا مليش دور فيه؟”.

صورة تجمع الزوجين الفنانين دلال عبد العزيز وسمير غانم، بعد اعتراف الأخير بأن دلال هي سبب نجاح علاقتهما الزوجية

“كنت زي طفلة بتجري وراء نجم كبير ومشهور”.. رهان سمير غانم

ظلت حكاية غرام دلال عبد العزيز بسمير غانم تجوب الوسط الفني لسنوات، خصوصا قبل زواجهما عام 1984، لدرجة أن النجم الكوميدي الكبير فؤاد المهندس عندما اختارها لتُشاركه بطولة مسرحيته “هالة حبيبتي”، نادى عليها قائلا في أول لقاء بينهما: “يا دلال، عربيتك الجديدة عاملة كام كيلو؟”، فأجابته: “12 كيلو يا أستاذ”، فما كان منه إلا أن قال “منهم 11 كيلو بتلفي وراء سمير”. فضحكوا جميعا وذاب الجليد وكسر الرهبة منه، فاقتربت دلال من شخصيته سريعا.

كثيرون -ومنهم محمود مرسي ومحمود المليجي ويحيى العلمي وعبد المنعم مدبولي وجورج سيدهم- حذروا دلال ونصحوها بعدم الجري وراء سمير غانم لأنه لا يفكر في الزواج، فقد كانت له تجربتان سابقتان لم تتجاوز كل واحدة منهما الشهرين، وبعدها أقلع عن الفكرة تماما. لكن دلال رغم الفارق العمري بينهما -الذي يبلغ ثلاثة وعشرين عاما- لم تيأس، ولم تستمع لنصائح الجميع، ودخلت معهم في تحد، وكسبت الرهان بأنها ستتزوجه لأنها تُحبه.

وأمام دهشة الوسط الفني من إصرارها كانت في بعض المرات تحاول تفسير هذا التشبث قائلة “كنت زي طفلة بتجري وراء نجم كبير ومشهور، يمكن لو كان فيه حد تاني فيه نفس مواصفاته ونفس نجوميته كنت برضه حبيته وجريت وراه”.

لكن اللطيف أن سمير غانم نفسه يُؤكد هذا الحب القوي ويُفسر لماذا تزوجها قائلا “أثناء عملنا سويا مع فريد شوقي بفيلم “يا رب ولد” (1984) قال لي الملك فريد شوقي: “إنت ليه ما بتتجوزش دلال؟ دي بنت جميلة وزي القشطة وطيبة وبتحبك، اتجوزها”.

وهنا رد عليه سمير غانم “حاضر يا ملك”، ثم يُضيف “الحقيقة أنها هي السبب في نجاح علاقتنا الزوجية، وهي مَنْ كانت تُدير البيت، وهي من تولت كل أمور البنات”.

“أهلا يا دكتور”.. مسرحية انفصال الثنائي

كانت مسرحية “أهلا يا دكتور” عملا كوميديا مليئا بالحوارات حول الأخلاق والمجتمع ومهنة الطب، حيث الطبيبان نادر ابن عميد كلية الطب (الممثل سمير غانم) وصديقه الطبيب الشريف الزناتي خليفة (الممثل جورج سيدهم) الذي قضى سبع سنوات في الصعيد.

إنها صديقان لكنهما مختلفان، فنادر قد اتخذ من عمله مصدرا للثراء على حساب أخلاقيات المهنة، بينما ظل الزناتي مخلصا لمهنته وللإنسان، وأثناء الصراع والمنافسة بين الصديقين؛ تُثبت دلال عبد العزيز مرونتها بفن الأداء، وحِسّها الكوميدي من خلال شخصية الممرضة عصمت التي تنجح في تطوير هيئتها الرجولية واستبدالها بأخرى أنثوية بالغة الجمال والرقة.

بعد تلك المسرحية انفصل الثنائي سمير وجورج، وتعترف دلال أنها الوحيدة التي استفادت من هذا الانفصال، لأنها كانت تعمل في مسرحيات جورج، وكذلك مع سمير حتى بعد زواجهما.

إذن لم تكن “أهلا يا دكتور” العمل الوحيد الذي يجمع بين دلال وسمير، فإلى جانب الأفلام المتعددة، فقد شاركته بطولة مسرحية “فخ السعادة الزوجية”، كذلك مثلت معه بفوازير “فطوطة”، ثم قدما معا مسرحية “فارس وبني خيبان” (1987)، و”أخويا هايص وأنا لايص” (1992). وفي العملين تلعب دلال شخصية فتاة شعبية الأولى اسمها نجفة الدوكش، وهي تاجرة المخدرات في حي الباطنية، والشخصية الثانية هي حواء التي تشارك في اختطاف سياسي أمريكي.

سيدهم والمهندس.. تحرر من قبضة نجومية سمير غانم

يبدو أن دلال كانت سجينة أدوار محددة مع سمير، وهي شعرت أن نجوميته طاغية، لذلك كانت تبحث عن أدوار بعيدة عنه، ومنها دور البطولة الرئيسية أمام جورج سيدهم في مسرحية “جواز مع الاشتراك في الأرباح” (1984)، ثم “حب في التخشيبة” (1994)، وكان الفارق بين الدورين كبيرا ويصل لحد التناقض، ففي الأولى تُجسد دلال شخصية هيام الفتاة الشابة الرقيقة المهذبة الخجولة التي يأتيها خبر أنها ورثت عمارة وربع مليون جنيه عن عمها، فتنتشي بالفرح مهللة “وداعا أيها الفقر، وداعا أيها الفَلَس”.

أما في مسرحية “حب في التخشيبة” فتقدم شخصية الرائد شيرين الحازمة التي تثير الرعب في نفوس العساكر بالقسم، وكذلك الصول مرسي -جورج سيدهم- من شدة التزامها وحزمها، لكن المدهش بالمسرحية أنها في أحد المشاهد الغنائية الراقصة بقسم الشرطة تنزع عن نفسها تدريجيا ملابس الرائد، وتكشف ببراعة كبيرة -كأنها نجمة إغراء بصوتها قبل إيماءات جسدها- عن الجانب الأنثوي الطاغي في أعماقها، مستعينة بالرقص والغناء.

الأمر الملفت أن النجم الكوميدي الكبير فؤاد المهندس اختار دلال عام 1985 للوقوف أمامه وتجسيد دور البطولة النسائية بمسرحية “هالة حبيبتي”، لكنه فعل شيئا مختلفا عن مسرحيات جورج وسمير، فقد كان بطلا ثلاثي أضواء المسرح يقدمان أغنيات بصوت أخريات، ويكتفيان بجعل دلال تُحرّك شفتيها كأنها تُغني، أما فؤاد المهندس في مسرحيته فتركها تُغني بصوتها الحقيقي كأنه مؤمن بجمال أدائها الصوتي.

“جوازة طلياني”.. مزيج الزوجة الشرسة والأم الحنون

وقفت دلال عبد العزيز أمام الفنان يحيى الفخراني عدة مرات، فقد اختارها لتشاركه بطولة مسلسل “لا” (1994) عن رائعة الكاتب الكبير مصطفى أمين، وكذلك مسلسل “للعدالة وجوه كثيرة” (2001)، أما في عام 1998 فاختارها الفخراني لتشاركه البطولة بدورين متشابهين، لكنهما مختلفين أشد الاختلاف؛ الأول مسرحية تُجسد فيها دلال عبد العزيز شخصية امرأة مسنة، بينما كانت لا تزال دلال آنذاك في ربيعها الثامن والثلاثين، فقدمت حينها أحد أبرز أدوارها عن الأمومة، وذلك من خلال شخصية “فيلومينا” بمسرحية “جوازة طلياني”.

“فيلومينا” هي امرأة من قاع مدينة نابولي الإيطالية، تعيش مع “دومينكو سوريالو”، ذلك الرجل الذي يعيش لملذاته فقط، فهو لا يعترف بالقيم ولا بأي مسؤولية، لكن “فيلومينا” ترغمه على أن يتزوجها بعد أن أصبحت مسنة، وذلك بعد أن ادّعت أنها تحتضر، لكن بعد الزواج ندرك أنها كانت خدعة لتنتزع لنفسها ولأبنائها الثلاثة حياة كريمة.

يُقاوم البطل في بداية الأمر، لكن يسقط في يديه حين يعلم أنه والد أحد الأبناء الثلاثة من دون أن تحدد “فيلومينا” من هو حتى تحافظ كأم على المساواة بين الثلاثة في المعاملة والحقوق، وأثناء ذلك تأخذنا البطلة لسنوات مديدة عبر الفلاش باك بأدائها الصوتي لتسرد علينا -في مشهد يُعتبر أفضل مشهد لها “ماستر سين”- كيف قادتها أيام الفقر والاحتياج إلى الرذيلة، لكن تلك الرذيلة أيضا لم تحجب عن بصيرتها قيمة الأمومة والإيمان بها.

كانت دلال عبد العزيز تمتلك أسلوبها في توصيل المشاعر مع السيطرة على الانفعال، فهي لا تنفعل في المشهد الواحد بنفس الدرجة، بل تقدم تنويعات متألقة في صدقها، وكأنها تعزف لحنا أدائيا له سُلّم ونوتة موسيقية، وكأنها تُمثل بكل جزء فيها بصوتها وعيونها وإيماءات جسدها.

نتعرف في “جوازة طلياني” على ممثلة بارعة قادرة على أن تجعلنا نصدق أنها المرأة سليطة اللسان التي تردح في وصلات ممتدة، نندهش عندما نجد فمها يقذف كلمات مسمومة وأوصاف زميمة جارحة، وهو ذاته الفم الذي يتحول إلى الرقة، وإلى نبع للحنان الأمومي حين تلتقي بأبنائها فتتحول إلى الرحمة.

“مبروك وبلبل”.. ظروف المجتمع التي صنعت فتاة الليل

العمل الآخر الذي وقفت فيه دلال عبد العزيز أمام يحيى الفخراني هو فيلم “مبروك وبلبل”، حيث تلعب شخصية فتاة من الطبقة المتوسطة في الثمانينيات، تقودها ظروفها الاجتماعية الصعبة وتخلّي والدها عنها لأن تتحول من بلبل إلى سوسو فتاة الليل.

ورغم خطوط التماس والتشابه بين الدورين، فإن مهارة دلال عبد العزيز خلقت شخصيات درامية مختلفة، وهي هنا تذكرنا بتعريف الاندماج عند “برتولت بريشت” (كاتب ومخرج مسرحي ألماني)، إذ كان يطلب من الممثل “أن يرتبط بعلاقة معينة مع الشخصية التي يندمج بها، أن يضيف إليها تقيمها من الناحية الاجتماعية، وتمثيل حالاتها ومواقفها”.

مشهد من مسلسل “سابع جار” الذي قامت فيه دلال عبد العزيز بدور لمياء، ووُصفت هنا بأنها أفضل أم في الدراما المصرية عام 2017

“أنا أبقى راجل بمزاجي، وأبقى ست في الوقت اللي أعوزه”

تُعتبر فترة الثمانينيات هي البداية القوية لابنة الشرقية الجميلة، فقد كانت مرحلة خصبة جدا زاخرة بالأعمال المتنوعة مع كبار النجوم المختلفين، فتنقلت من الفتاة الريفية الخجولة “الجدعة” الشهمة، إلى المرأة الشعبية القوية الرقيقة الحازمة، وإلى المرأة الأرستقراطية المناضلة والعاشقة في آن واحد، وذلك كما في “ليالي الحلمية”، إلى الرائد شيرين في “حب في التخشيبة”، ومن قبلها جسّدت دور الملازم أول نادية عبد المولى في “البوليس النسائي”، إذ تضطر للتنكر كفتاة بيانولا (آلة موسيقية) في الشارع للمشاركة في القبض على أحد المجرمين.

كما جسّدت في “الراقصة والحانوتي” باحتراف كبير شخصية الراقصة توتة التي توافق على أن تشارك حبيبها حياته في العمل كحانوتي، فتتنكر في زي رجل لتساعده نهارا وتقود له السيارة، بينما تعيش ليلا حياتها كامرأة راقصة تعشق الدلع والفرفشة، فتتنقل بأدائها بين ليونة الحركة والرقص والدلع، إلى محاكاة حركات وإيماءات جسد الرجال، حيث إظهار القوة العضلية عند اللزوم، لتدافع عن نفسها قائلة “أنا أبقى راجل بمزاجي، وأبقى ست في الوقت اللي أعوزه”.

جسّدت دلال عبد العزيز أدوار الفتاة الفقيرة والغنية، شخصية المرأة النقية التقية حينا، وفتاة الليل المفعمة بالأنوثة القادرة على ممارسة الغواية أحيانا أخرى، ولئن تكررت مشاهدها مع الرقص والغناء، فإن هذا لم يمنعها من تقديم تنويعات على دور الأم الحنون بأشكال متفاوتة جذبت إليها جمهورا عريضا في كل مرة، حتى أنها وُصفت بأنها أفضل أم في الدراما المصرية عام 2017، وذلك عقب تجسيدها شخصية لمياء بمسلسل “سابع جار”.

كما تألقت في أدوار السيدة الشريرة في “سعد اليتيم” و”للعدالة وجوه كثيرة” و”الناس في كفر عسكر”، حيث لعبت فيه دور فطوم، تلك الشخصية الأقرب لذات الهمة، أو الجازية في حكايات أبي زيد الهلالي، امرأة تتحكم، بل تحكم وتتحكم في مجالس الرجال، حيث كانت تخطط وتدبر وتدير الأمور، وتقدم المشورة الآمرة لأكبر وأقوى الرجال في دائرتها ومحيطها. لذلك لم يكن مستغربا أن تنال جائزة عن هذا الدور، إضافة إلى جائزة أخرى عن تقمصها لشخصية أخرى شريرة بالمسلسل الشهير “سعد اليتيم”.

وكان لديها أيضا حِس كوميدي لطيف التقطه عدد من النجوم، ومنهم عادل إمام، فاختارها مع شريف عرفة لتلعب دور زوجته إلهام بفيلم “النوم في العسل”.

الفنانة المصرية دلال عبد العزيز التي أتقنت دور الفتاة الشعبية

أفروديت السينما المصرية.. عبق عابر للأجيال الفنية

قد يخطر للبعض أن دلال عبد العزيز كانت فنانة محظوظة، لأنها عملت مع عمالقة الفن في مصر، مثل فؤاد المهندس وجورج سيدهم ويحيى الفخراني ونور الشريف وصلاح السعدني وعادل إمام ومحمود الجندي ومحمود مرسي وسمير غانم وفريد شوقي وفاروق الفيشاوي وكريمة مختار ومحمود المليجي وعبد المنعم مدبولي، ومع مخرجين عظماء مثل نور الدمرداش وحسن عبد السلام ويحيى العلمي وإسماعيل عبد الحافظ، وغيرهم من النجوم والنجمات والمخرجين.

كما شاركت دلال عبد العزيز البطولة مع عدد من أبناء وبنات جيلها، وحتى من الأجيال الشابة الذين حققوا أعلى الإيرادات، مثل أحمد حلمي وأحمد مكي وتامر حسني، لكن الحقيقة أن هذا لم يكن حظا فقط، فقد كانت دلال امرأة وممثلة دؤوبة منذ بداية مشوارها، فكانت تبحث عن الأدوار الجيدة بنفس عشقها وشغفها بفن التمثيل.

لم تكتفِ تلك الفنانة الموهوبة بجمالها، لكنها وظفته لخدمة فنون الأداء لتقنعنا بالشخصية أيّا كانت الشخصية التي تقدمها، حتى أنها في مرحلة مبكرة من حياتها شوّهت هذا الجمال لتقوم ببطولة أدوار تتطلب ذلك، مما يجعلنا نتساءل: إن لم تكن هذه الفنانة منفعلة بأدوارها حتى الأعماق فكيف تقنعنا بذلك؟

إن الانفعال عندها ضروري -مع الشخصيات الجميلة والقبيحة- لكنها ظلّت سيدة نفسها، تتحكم بالانفعال ومقداره. من هنا نجحت أفروديت (إلهة الحب والجمال في الأساطير الإغريقية) السينما المصرية في ترسيخ هذه المكانة المميزة في الإبداع السينمائي والمسرحي والتلفزيوني بمصر.