شارلوك هولمز.. المحقق الخالد

بلال المازني

المحقق الإنجليزي "شارلوك هولمز" عاش في العصر الفكتوري

في شارع بيكر ستريت رقم 221 في لندن، ظهر ظِلّ رجل معقوف الأنف يدخّن غليونا، ومنذ أول ظهور له لم يخلّد التاريخ المعاصر شخصية أدبية مثلما خلّد ذلك الظل الذي سُمّي بـ”شارلوك هولمز”، فالمحقق الإنجليزي الذي عاش في العصر الفكتوري والذي ابتكره الروائي الأسكتلندي “آرثر كونان دويل” في أواخر القرن التاسع عشر كان بطل أكثر من عشرات القصص والاقتباسات، وأكثر من 275 فيلما وسلسلة تلفزيونية في ما يقارب قرنا من الزمان، حتى أصبح شخصية خالدة استعصى عليها الموت والنسيان.

 

خطوات متعثرة لصناعة مجد هولمز

في العام 1887 صنع الروائي الأسكتلندي “آرثر كونان دويل” في رواية بعنوان “دراسة في اللون القرمزي” ملامح الرجل الأسطوري الذي أصبح الغليون والقبعة رمزا له. في تلك الفترة لم ينجح دويل في تشكيل الملامح الكاملة لشخصيته الرئيسية لذلك لم تحقق الرواية نجاحا كبيرا، ما حدا ببعض النقاد إلى القول إن “دراسة في اللون القرمزي والرواية التي تلتها (علامة الأربعة) التي نشرها المؤلف سنة 1890 فشلتا وأصابتا الجمهور بالإحباط”.

بعد عام من نشر روايته الثانية، أي في العامين 1891 و1892 تمكن دويل من فهم ما يطلبه الجمهور، ربما لأنه غاص أكثر في الوعي الجمعي لقرّاء بريطانيا، حيث فطن إلى أن القراء يفضلون القصص القصيرة غير المتسلسلة التي تكون على شكل حلقات منفصلة عن بعضها، وتكون كل حلقة مغامرة جديدة منفصلة عن سابقتها، حينها تمكن السير دويل من تشكيل الملامح الكاملة لشخصيته الأساس.

هذا التطور في بناء الشخصية جعل مجلة ستراند تتبنى نشر سلسلة “مغامرات شرلوك هولمز”، فقفزت مبيعاتها إلى أعلى مستوى وبلغ عدد الاشتراكات بها أقصاه، وهو ما شجّع المجلة لنشر بقية قصص مغامرات “هولمز” من خلال سلسلة “عودة شرلوك هولمز” بين العامين 1903 و1904، والتي ضغطت على الكاتب من أجل عودة هولمز، خاصة أن مبيعاتها قد تقلصت بشكل كبير بعد انقطاع دويل عن الكتابة.

وواصلت “ستراند” نشر قصص هولمز مثل “الظهور الأخير” بين 1908 و1913، و”قضايا شارلوك هولمز” بين العامين 1921 و1927، و”كلب آل باسكرفيل”، ليفوق بذلك عدد القصص خمسين قصة إضافة إلى الروايات الأربع.

في البداية أطلق السير آرثر دويل اسم “شرينغفورد هوب” على الشخصية التي ابتكرها، ويرجع لقبه إلى اسم سفينة صيد الحيتان التي كان دويل قد عمل بها، لكن وحسب راديو “بي بي سي” البريطاني كرهت زوجته اللقب واستبدله بهولمز، ورفض بضع ناشرين مجموعة قصص “شرينغفورد هولمز”، لكن دويل أعاد تقديم القصص باسم جديد للمحقق وهو اسم “شارلوك هولمز”.

أطلق آرثر كونان دويل اسم شارلوك هولمز على المحقق الخيالي، وقد استلهم اسمه من رجلين ألهماه

الخلطة السحرية لخلود هولمز  

لم تحفظ الذاكرة اسم المحقق “شارلوك هولمز” عبثا، فهو لم يكن مجرد رجل ذكي يحل القضايا المستعصية، فقد سبقه “الفارس سي أوغوست دوبين”، وهو محقق ابتكر شخصيته الكاتب “إدغار ألان بو”، وكان بطلا لعدة قصص مثل “جرائم شارع مورغ” سنة 1841، والتي ربما تكون أول قصة بوليسية على الإطلاق، لكن “شارلوك هولمز” كان أقرب إلى الشخص الحقيقي، وكان خلطة من الصفات الفريدة التي أكسبها السير آرثر دويل للمحقق هولمز، والتي استلهمها من شخصيات أثرت في حياته.

أطلق آرثر كونان دويل اسم شارلوك هولمز على المحقق الخيالي، وقد استلهم اسمه من رجلين ألهماه؛ الأول هو عازف الكمان الألماني ألفرد شارلوك الذي كان دويل متيما بموسيقاه، والثاني أوليفر وندال هولمز وهو طبيب وشاعر، هذا ما ذكره كتاب “مغامرات كونان دويل: حياة مبتكر شارلوك هولمز” للكاتب تشارلز هاغام. لم يكن هذا الاختيار اعتباطيا، فإضافة إلى إعجاب دويل بالرجلين، فإنه أكسب المحقق هولمز صفاتهما، وهي البراعة في علم التشريح وفي العزف على الكمان.

يقول السير آرثر كونان دويل إن “شرلوك هولمز هو تجسيد لذكرياتي عن أستاذ الطب في جامعة إدنبرغ”، وفي رسالة إلى أستاذه جوزيف بيل الذي استلهم منه حيل البحث والاستنتاج كتب دويل “يعود الفضل لك في ظهور شخصية هولمز”. فقد كان البروفيسور بيل يملك قدرة عجيبة على الاستنباط، وكان يقدم استنتاجات عن مرضاه عن طريق ملاحظة تفاصيل دقيقة، وقد عمل الكاتب في عيادة البروفيسور بيل مدونا للملاحظات، واستفاد من مهارات الدكتور بيل عند تشكيل شخصية هولمز، لكن لم يكن جوزيف بيل الشخص الوحيد الذي ألهم السير آرثر دويل، بل شكل المتخصص في الطب الشرعي الأسكتلندي “هنري ليتلغون” جزءا من شخصية هولمز.

خلق السير دويل شخصية بتفاصيلها الإنسانية المتناقضة المتفردة وغير المستحبة أحيانا

هولمز.. أسطورة أم حقيقة؟

لم يكتف السير دويل بانتقاء ما يثير إعجابه من أستاذيه، فقد كان هولمز رجلا بألف وجه، فشخصية المحقق كانت أيضا خليطا من صفات أشخاص قابلهم خلال سفره، ففي كتاب “عالم كونان دويل الواسع: الرحلات التي ألهمت شارلوك هولمز” للكاتب آندرو ليسيت، يذكر المؤلف أن الأماكن التي زارها دويل مثل أفريقيا ومصر وشرق آسيا لم تساهم في إثراء تفاصيل مغامرات شارلوك هولمز فحسب، بل كان لبعض الأشخاص الذين قابلهم فضلا في تشكيل صورة المحقق.

لقد خلق السير دويل شخصية بتفاصيلها الإنسانية المتناقضة المتفردة وغير المستحبة أحيانا، مثل تعاطي هولمز الكوكايين وانعزاله عن العالم الخارجي بما في ذلك النساء، مما جعل الكثيرين يعتقدون أن دويل استنسخ بطله من شخص حقيقي.

ففي كتابها “شارلوك هولمز الحقيقي.. القصة المخفية لجيروم كامينادا” كتبت أنجيلا باكلي أن شارلوك هولمز حقيقي، وأن هذه الشخصية الأسطورية لم تكن سوى “جيروما كامينادا”، وهو محقق في شرطة مانشستر ولد عام 1844 وتوفي سنة 1914، وعاصر السير آرثر كونان دويل، وتشير إلى أنه يوجد تشابه كبير بين طريقة عمل المحققين، حيث يستخدم كلاهما شبكة من المخبرين وتقنيات كبيرة في التنكّر، وقد تقلد المحقق جيرروم كومينادا أعلى رتبة في مهنته بعد أن تمكن من حلّ أكثر من ألف قضية حسب ما ذكره موقع “الشرطة الفكتورية”، لكن السير آرثر كونان دويل لم يشر صراحة إلى كامينادا في علاقته بالمحقق هولمز، وفي الواقع لا يوجد سبب منطقي لعدم ذكره إذا كان فعلا قد رسم شخصية “شارلوك هولمز” استنادا إلى عمل المحقق “جيروما كامينادا”.

في الواقع لم يكن المحقق "شارلوك هولمز" شخصية خيالية بسيطة، بل كان انعكاسا لما يريد أن يكون مبتكره

هولمز.. انعكاس لشخصية مُبتكرِه

في الواقع لم يكن المحقق “شارلوك هولمز” شخصية خيالية بسيطة، بل كان انعكاسا لما يريد أن يكون مبتكره. يقول هولمز بلسان الشخصية التي تقمصت دوره في مسرحية ألفها آرثر دويل “لقد قضيت حياتي كلها في سلسلة من المساعي المحمومة للهروب من وجود كئيب شائع”.

يبدو أن حياة آرثر كونان دويل في إدنبرغ التي شهدت جرائم كثيرة روعت سكانها في ذلك الوقت كان لها تأثير في صياغة مغامرات المحقق هولمز وشخصيته أيضا، بل يمكن القول إن ابتكار شخصية هولمز كان حاجة ملحة لدويل الذي ربما كان يخاف أن يكون ضحية أحد الجرائم يوما ما. 

كانت ملامح السير آرثر واضحة في شخصية المحقق هولمز، وهو ما أكده له الدكتور جوزيف بيل حين كتب له “أنت هو شارلوك هولمز، ومن المهم أن تعلم ذلك”، فهناك بعض السمات التي تميّز المحقق هولمز والتي شاركها مع مبتكره، فالرجلان على دراية واسعة بمواضيع في مجالات كثيرة مثل الطب والموسيقى والفلاحة، وهما مفتونان بالإثارة التي تصحب كل جريمة.

لقد انتقى دويل ملامح شخصيته بدقة متناهية، فكان يمثل انعكاسا للجانب الذي لا يظهره للمجتمع، كان هولمز ظلّ دويل، فهو يحب العزلة لكنه يعشق الموسيقى، وكان عازف كمان جيّد استحق أن يشارك ألفرد شارلوك عازف الكمان الألماني الذي أحبه دويل موسيقاه واسمه.

لم يكن المحقق شارلوك هولمز الوحيد في سلسلة قصص دويل الذي حمل جزءا من شخصية مبتكره

واتسون وهولمز.. وجهان لعملة واحدة

لم يكن المحقق شارلوك هولمز الوحيد في سلسلة قصص دويل الذي حمل جزءا من شخصية مبتكره، فقد ابتكر الكاتب أيضا شخصية الدكتور “جيمس واتسون” شريك هولمز في الغرفة وكاتب مذكراته وناقل مغامراته.

كان واتسون نقيض هولمز لكنه كان الأقرب إليه، فهو نافذته إلى العالم الخارجي ومساعده. لقد كان الدكتور جيمس واتسون أيضا انعكاسا لشيء من شخصية السير دويل، فالدكتور واتسون شارك في الحرب الأفغانية الثانية مثلما شارك دويل في الحرب البريطانية الأفغانية الأولى.

كان هولمز والدكتور واتسون يعيشان بتناغم داخل شقة وسط لندن، وكان هذان الرجلان يكمل كل واحد منهما الآخر، وفي الواقع كان هولمز وواتسون الجانبين المتعارضين لشخصية دويل، فواتسون كان الجزء الاجتماعي في شخصية الكاتب، وهو الجانب الذي يعرفه جيدا الجمهور، في حين كانت شخصية هولمز هي الجزء الخفي من شخصية دويل، وهو ما ذكره الكاتب “شارلز هاغام”.

يتميز المحقق شارلوك هولمز والطبيب جيمس واتسون بخصائص مماثلة لتلك الموجودة في مبتكرهما، بما في ذلك حب القراءة الذي كان الدكتور واتسون يتميز به، وكان رفيق هولمز اجتماعيا وصادقا، وباختصار كان هوية دويل التي يعيش بها داخل المجتمع، في المقابل كان هولمز ملاكما شغوفا ومبارزا جيدا وهو أكثر تحفظا ودراية، وهو ما يتميز به دويل الذي كان متميزا في الملاكمة وكان أول الأعضاء المنتمين لنادي لندن الرياضي الوطني الذي أسس سنة 1881.

كان هولمز وواتسون وجهان لشخصية المؤلف، وهما جزءان يعملان لخلق توازن متكافئ نسبيا في شخصية دويل.

 

هل قُتل المحقق الأسطوري؟

في أوج شهرة المحقق الأسطوري، قرر الكاتب آرثر كونان دويل قتل هولمز، وكان هذا القرار شبيها بقرار النحات الإغريقي “بيغماليون” الذي نحت تمثال امرأة كانت في خياله سمّاها جلاتيا، وفي الأخير حطمه بعد أن تلاعب بآلهة أولمب التي نفخت الروح في التمثال استجابة لطلبه.

اتخذ دويل قرار دفن أسطورة شارلوك هولمز في العام 1893، وأصر على موقفه قائلا في سيرته الذاتية “حياتي المغامرة” “سأتخذ القرار حتى لو دفنت حسابي البنكي”. فكرة قتل هولمز تخامر دويل بشدة، لذلك كتب إلى أمه ماري دويل التي كان يستشيرها في تفاصيل الكتابة، وأسرّ لها في إحدى رسائله نيته التخلص من محققه قبل نهاية العام 1891، لكنها عارضت ذلك بشدة لتتمكن من “إنقاذ” هولمز في مرة أولى من موت محقق، وبرّر دويل هذا القرار بالقول “أفكر في قتل هولمز وتصفيته نهائيا، إنه يبعدني عن أفضل الأشياء التي أحبها”.

لم يتمكن هولمز من الصمود كثيرا، فأحداث كثيرة في حياة الكاتب آرثر كونان دويل عجّلت بنهايته، كان الضغط كثيرا على السير دويل من قبل إدارة مجلة “ستاند” التي تنشر مغامرات هولمز، وكان على الكاتب بذل مجهود مضاعف للكتابة، وتذمر من ضيق الوقت ومن الضغط، وكان ذلك من ضمن الأسباب التي جعلته يلقي بمحققه في شلالات الرايشنباخ في سويسرا، وذلك خلال مواجهته مع عدوه مورياتي في قصة “المشكلة الأخيرة”.

لقد حمّل دويل المحقق هولمز مسؤولية ابتعاده عن عائلته وسرقة وقته على حساب زوجته الأولى التي كانت تعاني من مرض السل الذي أودى بحياتها، كما كان يتذمر من نجاح مغامرات المحقق الذي غطى على روايات تاريخية مثل رواية “الشركة البيضاء” (1890) والتي اعتبرها أفضل ما كتبه.

لقد كان السير آرثر كونان دويل يعتبر أن كتابة مغامرات هولمز هي وسيلة لكسب المال من أجل تمويل الفن الذي يتقنه ويحبه، وهو كتابة روايات عميقة ذات بعد فكري وسياسي، وكان يعتبر القصص التي ينشرها عن هولمز عمل تجاري لم يكن سوى بابا لجني المال فحسب.

عند إعلان موت هولمز ثار جمهور المحقق الأسطوري غضبا، فقد كان مصدر إلهام لهم، وكان أيضا يبعث الأمان في نفوسهم، خاصة أن الوضع الأمني كان مترديا بفعل قضايا قتل فظيعة شهدتها لندن، مثل قضية قتل بائعات الهوى التي ارتكبها سنة 1888 مجرم يدعى "جاك السفاح" والتي لم تُحلّ.

حين تنتصر الشخصية على الكاتب

عند إعلان موت هولمز ثار جمهور المحقق الأسطوري غضبا، فقد كان مصدر إلهام لهم، وكان أيضا يبعث الأمان في نفوسهم، خاصة أن الوضع الأمني كان مترديا بفعل قضايا قتل فظيعة شهدتها لندن، مثل قضية قتل بائعات ا��هوى التي ارتكبها سنة 1888 مجرم يدعى “جاك السفاح” والتي لم تُحلّ.

استمر ضغط الجمهور والجريدة على السير دويل الذي بدأت أوضاعه المادية في التدهور، وبعد ثماني سنوات من إعلان موت هولمز وربما مجبرا على ذلك، عاد دويل لانتشال شخصيته من غياهب شلال الرايشنباخ، وكتب قصة بعنوان “كلاب باسكرفيل” دارت أحداثها قبل موت المحقق، وقد كان الإعلان الرسمي لعودة هولمز عام 1903 من خلال قصة “مغامرة المنزل الكبير”، وتبين أن عدوه مورياتي هو الذي مات، وأن موت هولمز كان تمويها من أجل حلّ جرائم أخرى.

في الحقيقة وفي متناقضات غريبة استطاعت الشخصية التغلب على كاتبها، إذ لم يستطع دويل بمجرد جرّة قلم أن يتخلص من هولمز، خاصة وأن هذا الأخير أصبح جزءا لا يتجزأ من ذاكرة لندن.

 

أفلام ومسلسلات خلّدت هولمز

صنفت موسوعة غينيس للأرقام القياسية هولمز على أنه أكثر شخصية وقع تمثيلها في الأفلام، حيث أدى ما يفوق السبعين ممثلا دور شارلوك هولمز.

لا يمكن حصر الأفلام التي كان بطلها شارلوك هولمز، لكن يمكن الإشارة إلى أن أول ظهور لهولمز على الشاشة كان من خلال فيلم بعنوان “حيرة شارلوك هولمز” سنة 1900 والذي عرض بواسطة آلة الميتوسكوب، وكان فيلم “عودة شارلوك هولمز” الذي عرض في العام 1929 هو أول فيلم صوتي عن المحقق هولمز، كما قدمت شركة “ستول” بين عامي 1921 و1923 مجموعة من أفلام الأبيض والأسود الصامتة المستوحاة من مغامرات المحقق.

ورغم العدد الهائل من أفلام هولمز فإن أشهرها هي تلك التي قام الممثل البريطاني باسيل راثبون بتقمص دور هولمز فيها، وذلك في مجموعة تتكون من 14 فيلما أمريكيا أنتجت أغلبها شركة “أستوديوهات يونيفيرسال”، كما أنتجت شركةأفلام فوكس للقرن العشرين” فيلمين بين عامي 1939 و1946، وعرض المسلسل الأمريكي “شارلوك هولمز” سنة 1954، وهو سلسلة تضمنت 39 حلقة أدى الممثل البريطاني رونالد هاورد دور هولمز، إلى جانب الممثل هاورد ماريون كراوفورد الذي تقمص دور الدكتور “واتسون”، وقد تغيرت بعض  شخصيات هذا المسلسل مقارنة بالقصص الأصلية التي كتبها “كونان دويل”. وبعد أربع سنوات أنتجت شركة “أفلام هامر” فيلما بعنوان “كلب آل باسكرفيل” سنة 1959، وهو أول فيلم يظهر فيه هولمز بالألوان.

لم ينضب الإلهام الذي تعطيه مغامرات هولمز لمنتجي الأفلام، ففي عام 1970 قام المخرج الأمريكي بيلي وايلدر بإخراج فيلم بعنوان “الحياة الخاصة لشارلوك هولمز” أدى بطولته الممثل البريطاني روبرت ستيسفنز، وتواصل حضور هولمز على الشاشة، وغادر بريطانيا في فيلم “شارلوك هولمز في نيويورك” سنة 1976.

يصنف النقاد مسلسل “مغامرات شارلوك هولمز” الذي تم بثه في العام 1984، والذي قام فيه الممثل البريطاني جيرمي بريت بتقمص شخصية شرلوك هولمز هو الأكثر وفاء للنسخ الأصلية لمغامرات هولمز التي ألفها السير دويل، ويعتبر المسلسل نسخة مرئية للقصص الأصلية دون أي تحريف في التفاصيل، فقد حافظ على الأحداث نفسها والحوار ذاته، إضافة إلى المشاهد نفسها، كما ظهر شكل هولمز وصديقه واتسون متطابقا للوصف الذي جاء في القصص الأصلية.

 

هولمز.. التراث الأدبي الإنساني الخالد

واليوم ورغم مرور أكثر من قرن وربع القرن على ظهور المحقق شارلوك هولمز، لم يتمكن السير “آرثر كونان دويل” من التخلص من ظل هولمز، فالشاشة الذهبية والفضية لا تزالان تخلدان هذا المحقق الأسطوري رغما عن أنف مبتكره، فقد عرض فيلم “شارلوك هولمز” سنة 2009، وأدى دور هولمز الممثل روبرت داوني جونير، وتقمص الممثل جود لو دور الدكتور واتسون، وكانت حياة هولمز وانطواؤه هي القصة التي ارتكز عليها الفيلم الذي فاز بـ”جائزة غولدن غلوب“، وبعد نجاح الفيلم صدر جزء ثان للفيلم بعنوان “شارلوك هولمز.. لعبة ظلال” في العام 2011.

لعب الممثل البريطاني إيان ماكيلين دور المحقق هولمز في فيلم “مستر هولمز” الذي عرض سنة 2015، وكانت قصته طريفة حيث تناولت حياة هولمز الشيخ البالغ 93 سنة والذي كان يصارع من أجل تذكر تفاصيل حكايته الأخيرة، واستلهم مؤلف قصة الفيلم “ميتش كولن” الأحداث من قصة خدعة عقلية بسيطة.

ولا تزال بريطانيا تعتبر هولمز -الذي أقامت له متاحف وشقة يزورها معجبوها- فخرا للمملكة، وقد عرضت قناة “بي بي سي وَن” مسلسل “شارلوك” سنة 2010، وتناول عرض مغامرات هولمز في لندن المعاصرة، وتقمص الممثل البريطاني بيندكت كامبرباتش ومارتن فريمان دوري هولمز وواتسون.

في الأخير تجاوز هولمز الزمان والجغرافيا وانتصر على كاتبه، وأصبح ببساطة تراثا أدبيا إنسانيا خالدا.