عاطف الطيب.. رائد السينما الواقعية الجديدة

أن يبدأ مخرج هذا الفيلم الوثائقي الذي يحكي سيرة المخرج المصري الكبير عاطف الطيّب من حيث توقف نبض قلب الطيّب إثر عملية جراحية أجريت له في الـ26 من يونيو/حزيران عام 1995؛ فذلك يعني مدى تأثر وإحساس المخرج بالفقد حين يفاجأ المُشاهد بالنهاية قبل البداية.

لقد شكّل توقف قلب الطيّب توقفا لسلسلة أفلام تعتبر تاريخا سينمائيا صادقا ودقيقا لحياة المصريين السياسية والاجتماعية والاقتصادية طوال 47 عاما عاشها الطيّب الذي يطلق عليه “جبرتي” السينما المصرية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.

يتناول هذا الفيلم التسجيلي الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية بعنوان “عاطف الطيب.. سيرة ذاتية لوطن” قصة حياة المخرج المصري عاطف الطيب منذ ميلاده وحتى وفاته، مستعرضا كيف بدأ حياة فى ظروف أسرية صعبة، وظروف وطن مهزوم فى حرب 1967 وحلمه بالعبور، مرورا بمشاركتة بحرب 1973 وفرحته بالنصر وعرض أفلامه التى تركت بصمة فى تاريخ السينما العربية، وكذلك همومه بالطبقة الوسطى التى شكلت اهتماما خاصا فى أفلامه التى أطلق عليها الواقعية الجديدة.

“كانت عظمته في إخلاصه الجنوني وحبه وعشقه لمهنة السينما” كما يقول المخرج محمد ياسين، ويؤكد كلامه المونتير السينمائي أحمد متولي الذي يقول “كان الطيّب يعتبر نفسه المخرج والمنتج وصاحب الفيلم ولذلك كان يعمل لفترات طويلة جدا”.

ابن الطبقة الوسطى

لم تكن أفلام الطيّب سيرة ذاتية شخصية، وإنما كانت سيرة وطن يعيش فيه لحظة بلحظة، ولم تكن أفلامه انعكاسا لشخصيته الفنية وحسب وإنما لشخصيته الإنسانية.

لقد كان –كما يصفه المتحدثون في الفيلم- ابن الطبقة المتوسطة، ومخلصا لها ولإحلامها وآلامها، حمل هموم هذه الطبقة وأفكارها ومعاناتها وعبّر عنها في أفلامه، وكانت كل شخصيات أفلامه من هذه الطبقة.

يؤكد الناقد السينمائي “طارق الشناوي” أن الطيّب لم يبتعد عن التواصل مع الناس على المستوى الاجتماعي، وتكونت لديه ذاكرة إبداعية من مشاهداته وحياته، وظل داخل الحالة الإبداعية قادرا على تقديم الناس الذين يراهم على الشاشة.

الفنان نور الشريف كان يرى فيه "نجيب محفوظ الإخراج"
الفنان نور الشريف كان يرى فيه “نجيب محفوظ الإخراج”

أما الفنان نور الشريف فكان يرى فيه “نجيب محفوظ الإخراج”، ويتابع أن “نجيب محفوظ يعني الطبقة الشعبية والحيّ الشعبي حيث الدفء والعلاقات الحقيقية”.

ولد عاطف الطيّب في 26 ديسمبر/كانون الأول 1947 لأسرة صعيدية في قرية جنوب محافظة سوهاج، ثم نزحت إلى العاصمة القاهرة بحثا عن الرزق، وهذا التاريخ تزامن مع حركة الضباط الأحرار التي ستتحول فيما بعد إلى ثورة شعبية.

في هذا الصدد يقول “أيمن الطيّب” شقيق عاطف إنه “ولد في باب الشعرية ثم انتقل مع الأسرة إلى الدقّي، وفي هذه الفترة بين باب الشعرية والدقي سافر إلى سوهاج”.

تنقلت أسرته بين أحياء القاهرة المختلفة لنفس الهدف الذي جاء بهم من الصعيد، حيث يفتح الأب محل ألبان في حيّ الدقي المجاور للحيّ الشعبي العريق بولاق الدكرور، وتستقر الأسرة على مقربة من مصدر رزقها الوحيد.

وتعود أصول عاطف الطيّب في الصعيد إلى جزيرة تسمى الصورانية، وهذا يقتضي ركوب مركب للذهاب للمدرسة، وتربى فترة حياته الأولى في بولاق الدكرور التي تعطي صورة حقيقة عن الشعب المصري.

العبور والانتصار

كان نزول عاطف الطيّب الباكر إلى سوق العمل كفيلا ليس فقط بانهيار مستقبله الدراسي، وإنما أيضا بإبعاده عن أي نشاط أو فكرة يمكن أن توصله لاجتياز اختبارات المعهد العالي للسينما قبل نكسة يونيو/حزيران بأشهر قليلة عام 1966.

ويذكر شقيقه أن عاطف كان يوفر نقودا ليذهب يومين بالأسبوع إلى سينما سماره وسينما مرمر المعروفتين في الدقي آنذاك دون علم والديه، ثم يرجع ليمثل ما رآه في السينما أمام إخوته ووالديه، حتى أنهى الثانوية العامة والتحق بالمعهد العالي للسينما رغم إصرار أمه على أن يلتحق بأي شيء آخر غير السينما.

وكما يذكر المصور السينمائي سعيد شيمي فإن الطيّب لم يكن ظاهرا أبدا في المعهد العالمي للسينما ولم يكن اجتماعيا، كان مبتسما وهادئا حتى مشروع تخرجه عن قصة لنجيب محفوظ، كان متواضعا وكان زملاؤه أفضل منه.

كان عاطف فخورا أنه شارك في الحرب، أعتقد أن مواجهة الموت في الحرب تخلق إنسانا مختلفا
كان عاطف فخورا أنه شارك في الحرب، أعتقد أن مواجهة الموت في الحرب تخلق إنسانا مختلفا

تخرج الطيب عام 1970 قبل أشهر قليلة من وفاة الرئيس جمال عبد الناصر بعد أن كان قد بدأ دراسته السينمائية قبل أشهر أيضا من النكسة عام 1967 لتشهد فترة دراسته للسينما انهيارا للمشروع الناصري الذي تربّى على أفكاره وحلم به جيل عاطف كله.

في حديثه يذكر الممثل أحمد بدير أنه قضى خمس سنوات مع عاطف في التوجيه المعنوي، حيث كان عاطف مهموما ويتساءل متى سنحارب ومتى سنعبر؟ ويقول إنه في لحظة انتشار خبر العبور قال لي عاطف “شفت، مش قلتلك حننتصر ونعبر”، أحسّ أنه هو الذي حقق هذا الانتصار.

وعن تلك الفترة يقول نور الشريف “كان عاطف فخورا أنه شارك في الحرب، أعتقد أن مواجهة الموت في الحرب تخلق إنسانا مختلفا، هناك ثيمة عند عاطف أنه لا يتردد في قبول مثل هذه الأعمال السينمائية لأنها تعكس آراءه الداخلية”.

بداية الألق

لم يُعق طول فترة التجنيد عاطف الطيّب عن ممارسة السينما التي يعشقها، فيصنع فيلمه التسجيلي الأول “جريدة الصباح” عام 1972 من إنتاج المركز القومي للسينما.

بعد ذلك أنتج فيلمه التسجيلي الثاني “مقايضة” عام 1978 بعد انتهاء مدة التجنيد بثلاث سنوات، حين منحه المخرج الفنان شادي عبد السلام فرصة إخراجه عن وحدة الأفلام التجريبية التي كان يترأسها في المركز القومي للسينما.

أنشأ شادي عبد السلام “المركز التجريبي” وكان يرعى الأشخاص الذين يشعر أن لديهم موهبة ويعطيهم إمكانيات للعمل ومن ضمنهم عاطف الطيّب.
في النصف الثاني من حقبة الثمانينيات من القرن الماضي الساخنة في الأحداث السياسية والاجتماعية المهمة دشنت السينما المصرية نوعا من الأفلام ظل رائجا إلى فترة طويلة يسمى “سينما المقاولات”، لكن عاطف الطيّب لم ينخرط في مثل هذه النوع من الأفلام، إنما عمل مساعد مخرج في الأفلام الأجنبية التي تصور في مصر بالإضافة إلى عمله مساعد مخرج مع المخرج العالمي يوسف شاهين.

التحق الطيب بالمعهد العالي للسينما رغم إصرار أمه على أن يلتحق بأي شيء آخر غير السينما
التحق الطيب بالمعهد العالي للسينما رغم إصرار أمه على أن يلتحق بأي شيء آخر غير السينما

وتعرض جريدة الإهرام عنوانا بارزا “الطيّب نهض بالسينما والسماسرة نزلوا بها إلى الحضيض”. لم يكن عاطف الطيّب بعيدا عن التفكير في إبراز نفسه مخرجا شابا في بداية الثمنينات مستفيدا ومعتمدا على ذاكرته ومشاهداته التي عاشها كطفل وشاب حيث التقطت عيناه أدقّ تفاصيل الحياة المصرية، ثم ليخطو أولى خطواته في مجتمع سينمائي مرتبك ومجتمع محليّ مرتبك أيضا متزامنا مع اغتيال رئيس الدولة آنذاك الرئيس محمد أنور السادات.

يقول المخرج محمد النجار إن “عاطف معجون في تراب مصر، وبعدما عجن وطحن في طين مصر خرج مثل مارد يعبّر عنها”، كما يصفه المتحدثون بأنه كان مستمعا جيدا وينفذ ما يراه مناسبا، وكان متمكنا من حرفته، يعرف اللغة السينمائية جيدا، وكان من نوع المخرجين الذي يرى فيه المشاهد عاطف على الشاشة.

ويتفق الفنان نور الشريف مع سابقيه، فيقول إن البطل في أفلام الطيّب في لحظة ما يجب أن ينفجر لأن الوضع من حوله محبط ومسيء ويؤدي إلى عنف بالسلوك، “كنت أحس أن داخل عاطف ما يشبه الشخصيات التي يتبناها في أفلامه، إنه يريد أن ينفجر هو أيضا”.

يسفر هذا الانفجار لعاطف الطيّب عن 21 فيلما يصنعها في 15 عاما فقط منها الغيرة القاتلة وسوّاق الأوتوبيس والتخشيبة والزمّار والبريء وملف الآداب وضد الحكومة. وهي نسبة كبيرة مقارنة بأبناء جيله من المخرجين. كان عاطف في كل فيلم يضع بعضا من روحه ونفسه وأفكاره ليصنع فيلما بالمواصفات الخاصة مثل بصمة الإصبع فريدة وغير متكررة.

مفجر ثورة السينما الواقعية الجديدة

كان السيناريو عند الطيّب بسيط وغير معقد في السّرد، والسّرد خطي ومباشر وبسيط وهدفه الأساسي توصيل الفكرة، لقد كانت علاقته مع كاتب السيناريو بشير الديك تحديدا علاقة مميزة كما يقول الناقد السينمائي عصام زكريا، وقد قدّما مع بعضهما أفضل أعمالهما، وعندما كانا يبتعدان عن بعضهما يختلف عالمهم.

كان الطيب قادرا على أن يجمع حوله دائرة من المؤلفين يلتقط منهم ما يناسبه للتعبير عن هاجسه الحقيقي، بالإضافة إلى قدرته على التقاط التفاصيل واللحظة التي تتغير فيها مصر كل يوم.

كان السيناريو عند الطيّب بسيط وغير معقد في السّرد، وهدفه الأساسي توصيل الفكرة
كان السيناريو عند الطيّب بسيط وغير معقد في السّرد، وهدفه الأساسي توصيل الفكرة

ويشير الكاتب بشير الديك إلى أن عاطف لم يكن له ملاحظات قوية على السيناريو، ولديه ميزة أنه يحفزك على أن تخرج أفضل ما لديك.

لقد استطاع عاطف من خلال موضوعاته التي اختارها أن يعبّر عمّا فشل فيه كثير من المخرجين حتى وإن أجادوا اختيار الموضوعات، وهذا سبب جمعه بين إعجاب النقّاد السينمائيين والنجاح الجماهيري اللافت، وكان يهتم بالجمهور البسيط؛ الجمهور الشعبي.

ابن الأسرة المصرية

لم يكن تعبير عاطف عن الشخصية المصرية ليكتمل إذا لم يضع الشخصية في إطارها الصغير “العائلة” ويظهره بنفس الصدق والواقعية. وبرز اهتمامه بالكائن المصري داخل الأسرة والمجتمع في الوقت الذي عوّدتنا السينما أن البطل ليس له أسرة أو عائلة.

لقطة من فيلم ضد الحكومة من إخراج عاطف الطيب
لقطة من فيلم ضد الحكومة من إخراج عاطف الطيب

وفي هذا الصدد يتحدث المخرج محمد ياسين عن مشهد في فيلم “الهروب” للفنانة “زوزو نبيل” حين تزور الأم ابنها أحمد زكي أثناء التحقيق معه، فالمشهد فيه قدر كبير من الفهم لأشياء كثيرة في الحياة التي نعيشها، مثل ارتباط البطل بأمه لتعرف كمّ الإنسانية وكمّ النبل الكريم.

ملامح سينما جديدة

في نهاية السبعينيات بدأت ملامح المجتمع تتغير بفعل التحوّل الحاد ّوالمفاجئ في نمط الاقتصاد المصري إلى نظام الانفتاح الاقتصادي الكامل، وهذا التحوّل ترك أثره على بقية النظام الاجتماعي، وشغل عقل عاطف ووعيه في معظم أفلامه.

ويؤكد هذا الممثل نور الشريف حين يقول “نحن كجيل ينتمي للفكر الناصري والقومية العربية والعدالة الاجتماعية وفجأة وجدنا المجتمع يتغير بشكل مخيف نحو الانفتاح”، وبقي الانفتاح وآثاره هو الشاغل الرئيسي لعاطف وتأثيره على الحياة الاجتماعية والعاطفية.

كان طبيعيا عند عاطف الذي يشكّل عنده موضوع الفيلم وشخصياته الهمّ الأكبر، أن يولي اهتمامه كله للممثل
كان طبيعيا عند عاطف الذي يشكّل عنده موضوع الفيلم وشخصياته الهمّ الأكبر، أن يولي اهتمامه كله للممثل

كان يجنح نحو تسجيل اللحظة التي تمر بها مصر أولا بأول كي يرصد في بداية الثمنينيات مع صعود مبارك إلى الحكم بداية تغوّل الدولة ذات الطابع الأمني، لقد كان لديه أرق دائم من قهر السلطة على الإنسان المصري، وهذا تجده في أغلب أفلامه.

يقول طارق الشناوي “لم تكن معركة عاطف مع الوزارات، كانت معركته الحقيقة مع المواطن الذي ينبغي أن يتحرك، فلم يكن يريد الصدام كي تخرج أفكاره من هذه القيود”.

الطيب يسبب الذعر لإسرائيل

يذكر الممثل نور الشريف أنه أثناء تصوير فيلم “ناجي العلي” في بيروت عام 1991 كانت جريدة أخبار اليوم هي التي تتابعنا وتكتب: نور الشريف يتسبب في عطلة المرور في بيروت، عاطف الطيّب يسبب الذعر في إسرائيل، طائرات إسرائيلية تحلّق فوق لبنان أثناء تصوير فيلم ناجي العلي”.

يتابع نور الشريف: كنت أتوقع هجوما من خارج مصر، “ولكن للأسف جاء من الداخل وتمّ اتهامي بأني وعاطف خونة ولسنا وطنيين”.

استطاع عاطف من خلال موضوعاته التي اختارها أن يعبّر عمّا فشل فيه كثير من المخرجين
استطاع عاطف من خلال موضوعاته التي اختارها أن يعبّر عمّا فشل فيه كثير من المخرجين

وفي هذا السيّاق يقول المونتير السينمائي أحمد متولي “لما كتب إبراهيم سعدة عن فيلم ناجي العلي كان يعرف أن نور الشريف انفعالي وأنه سيرسل إلى رئيس الجمهورية وفعلا هذا ما حدث”.

ولمّا طلب الرئيس مبارك مقابلة إبراهيم سعدة وسأله لماذا رفض الفيلم ومنع دعايته؟
أجابه إبراهيم سعدة: أنا يا سيدي رفضت الفيلم حماية لك.
فقال الرئيس: وما علاقتي أنا بناجي العلي؟
أجاب إبراهيم سعدة: هو الذي عمل نكتة “لافش كيري” في الخليج.

فصمت الرئيس.

الطيّب ومعاييره الخاصة

كان طبيعيا عند عاطف الذي يشكّل عنده موضوع الفيلم وشخصياته الهمّ الأكبر، أن يولي اهتمامه كله للممثل الذي يعتبر الوسيط الأبرز القادر على نقل كل ذلك على الشاشة، وأن يكون له مكانة مرموقة وخاصة لديه، حتى يوشك أن يكون نصف الرؤية ونصف الثّقل في الفيلم، لذا فقد أعطى الممثل كل الاهتمام في الاختيار والتوجيه خلف الكاميرا.

يؤكد هذا الأمر الناقد السينمائي “عصام زكريا” حين يقول أول عامل يحدد من البطل هو ملامحه وقدْر المصريّة فيه والعاديّة، يعني كم يشبه الممثل الرجل المصري العادي.

ويقول المخرج محمد ياسين “في ظنّي أن عاطف اختار أبطال أفلامه الذين يشبهونه”.

ويروي المتحدثون كيف راهن الطيب في اختياره عددا من الممثلين لأداء أدوار لا تتناسب مع مجمل أدوارهم وكيف نجح في ذلك، ومن ذلك اختيار الفنانة لبلبة في دور محامية يسارية في فلم “ضد الحكومة”، وأحمد بدير في دور درامي في فلم “ملف الآداب”.

اتّهم النّقاد السينمائيون أفلام عاطف الطيّب ببعض الضّعف في التكنيك
اتّهم النّقاد السينمائيون أفلام عاطف الطيّب ببعض الضّعف في التكنيك

يقول نور الشريف إن “الجلسات التي يجلس فيها عاطف مع كل ممثل لوحده ويناقش فيها الدّور، يتسلل لوجدان وعقل الممثل بذكاء شديد ويوصل الأحاسيس التي يريدها أثناء التصوير”.

ويروي الشريف تجربته في فيلم “ليلة ساخنة” قائلا “قدمت مع عاطف أصعب تجربة تمثيل في العالم؛ 70% من الفيلم داخل السيارة وبالتالي أنا محروم من عين المخرج، وأنا الذي أدير الكاميرا وأعمل الكلاكيت وغيرها، لكن في النهاية كانت الجائزتان الدوليتان الوحيدتان اللتان أخذتهما مع عاطف هما فيلم “سوّاق الأوتوبيس” في نيودلهي، و”ليلة ساخنة” في مهرجان القاهرة الدولي”.

يذكر الناقد السينمائي طارق الشناوي أن أبرز جوائز عاطف هي جائزة الهرم الفضّي (1994) عن فيلم ليلة ساخنة في مهرجان القاهرة كأفضل مخرج، ونور الشريف كأفضل ممثل.

لا للزخرفة.. نعم للفكرة

اتّهم النّقاد السينمائيون أفلام عاطف الطيّب ببعض الضّعف في التكنيك، وهو ما يفسّر ربما قلّة عدد الجوائز التي حصل عليها في المهرجانات الدولية خارج مصر، لكن المخرج محمد ياسين يقول إنه لم تكن عند عاطف الاهتمام بأن تصل الصورة لحالة الكمال الفظيع، الأهم عنده التعبير عن هذه اللحظة.

ويؤكد هذا الناقد السينمائي طارق الشناوي أن “المستوى الجمالي عند عاطف كان موجودا، لكن لم يكن يهمه الجانب الزخرفي بقدر أن يوصل الفكرة، لكنه كان مبدعا”.

وفي السياق ذاته، يقول عصام زكريا “أنا أعتقد أن عدم اهتمام عاطف بالجماليات السينمائية هو جزء من تركيبة المجتمع الذي يهتم بالحكاية أكثر من الصورة، والثقافة البصرية ليست متوفرة جدا، وهذا من الأسباب التي جعلت عاطف يخجل من الاهتمام بالصورة أكثر”.
وسواء وصل عاطف بأفلامه إلى ذلك المستوى المبهر فيما يخص الشكل والتقنية السينمائية أم لم يصل، فإن ما يبقى بالفعل في مشواره الفني على تنوعه واختلافه هو ذلك العنصر الذي ضمن لأفلامه البقاء طويلا وجعلها خاضعة لمزيد من التحليل والنقد وإعادة الاكتشاف، وهو عنصر الصّدق الفني والإخلاص والتفاني في محبة ذلك العمل الذي امتهنه بعشق ظاهر.

ويختم الفيلم بشهادات للمتحدثين عن إخلاص الطيب في عمله واجتهاده ومثابرته على حساب صحته ووقته، “كان من الممكن أن يعمل لـ24 ساعة في اليوم بطريقة عجيبة وغريبة ولا يكلّ ولا يملّ”.

ورأى بعضهم أن التعب والإجهاد وتأثره الشديد بالمشاكل الإنسانية من حوله سرّع بوتيرة المرض الذي كان يعاني منه وأدّى في النهاية لاحتياجه عملية بالقلب، مات على أثرها.

يقول المخرج محمد ياسين “أنا أتذكر لحظة دخوله غرفة العمليات، كان على كرسي متحرك ورفض السرير، وقبل أن يدخل المصعد قال: أنا أسمع موسيقى جميلة وحلوة جدا، ولم يكن هناك موسيقى. كانت مدة العملية من ست إلى سبع ساعات، ولكنه بقي في العملية 13 ساعة، وعرفتُ أن قلبه لن يحتمل كل هذه الساعات”.