عبد الرحيم كمال.. كنز الدراما المصرية

أسامة صفار

ليس أجمل من كتابات عبد الرحيم كمال التليفزيونية أو الأدبية أو السينمائية سوي عبد الرحيم كمال نفسه، فالجلوس معه في حوار طال أو قصر يؤكد – على عكس ما يبدو من أعماله –  أنه ليس من عالمنا أو أنه ولد منذ دقائق ولم يلحق به أي تغير أو تحول أو تشوه بعد.ولعل تلك البساطة التي تكسو شخصيته و ” اللين ” الذي يميز أداءه الإنساني هما ما يصنع المفارقة الأساسية ويشرح كيف تتحول على يديه أشد الحكايات الإنسانية تعقيدا وتركيبا إلى “حواديت” بسيطة تتعلق بها القلوب وتجد طريقها إلى الجمهور بكل أطيافه. جاء السيد “عبد الرحيم ” من قرية العيساوية بسوهاج محتفظا بألق الحكايات، فالصعيد -باختزال غير مخل -هو حكايات تحمل المعاني وتتوارثها الأجيال بإخلاص تام ومن غابة الحكايات هناك إلى المعهد العالي للسينما بالقاهرة ليتعلم كيف يحول الحكايات الصوتية وشخوصها الأسطوريين إلى بشر من لحم ودم.. وقد كان. ويستكمل السيناريست والروائي عبد الرحيم كمال ثورة صنعها في الدراما التليفزيونية بأخرى أطلق شرارتها بفيلم مختلف هو ” على جنب يا أسطي ” ثم أطلق ذروتها بفيلمه الذي حالة جل نقدي وجماهيري وهو ” الكنز ” مع المخرج شريف عرفة

صنع عبد الرحيم كمال ثورته في مجال صناعة السينما بالعودة إلى سيرتها الأولي بكتابة السيناريو واختيار الممثل الذي يصلح لأداء دوره بعد أن ساد لفترة طويلة العكس حيث يتم تفصيل السيناريو علي شخص الممثل وهو ما أدي بالسينما المصرية إلى حالة من الضحالة والتكرار والنمطية الفارغة وصنع أيضا ثورته الخاصة بالخروج من العباءة الصعيدية إلى رحابة مصر تاريخا وجغرافيا كموضوع للفيلم والذي تدور أحداثه في عام 1975، يقرر حسن بشر العودة من أوروبا بعد دراسته لعلوم المصريات إلى منزل العائلة في اﻷقصر، ويكتشف أن والده ترك له وصية مسجلة يروي فيها الكثير من تفاصيل حياته، كما ترك له برديات تعود لفترة حكم الملكة حتشبسوت، ومذكرات مكتوبة بخط اليد ومنسوبة للبطل علي الزئبق، وتنتقل اﻷحداث زمنيا بين العصر الفرعوني والعصر العثماني والنصف اﻷول من القرن العشرين خلال حكم الملك فاروق ليبحث حسن خلال كل هذا عما تركه والده له. أعاد سيناريو الكنز بعث الممثل محمد سعد إلى الحياة الفنية بعد أن تمسك بنمط ” اللمبي ” فأودي به في موسم عيد الفطر الأخير إلى مؤخرة قائمة الإيرادات لكن دور حسن بشر كان بمثابة قبلة الحياة له وجمع السيناريو بين أكثر من نجم ليعيد إلى السينما معناها الأهم كفريق عمل بلا من عروض ال “ “one man showالتي انطلقت مع نجاح فيلم ” إسماعيلية رايح جاي ” عام 1997ولم يكن ” الكنز ” آخر ما كتبه عبد الرحيم لكنه آخر ما عرض له حيث ظل لسبعة أعوام في التنفيذ والمراجعة بين المخرج والكاتب حتى استقر الأمر.

ولعل النجاح الذي حققه عبد الرحيم بمثابة وعي بتحولات جادة وحقيقية في السينما المصرية تعيد إليها بعضا من ألقها الذي فقدته. وواقع الأمر أنه لا يمكن تحليل نموذج نجاح السيناريست عبد الرحيم كمال دون الرجوع إلى أصوله الثقافية حيث القراءة بانتظام وكتابة الرواية والقصة القصيرة ففي الأصل كانت الكلمة ومنها تأتي الصورة.. ويقول عبد الرحيم في مقال له نشر بجريدة المصري اليوم المصرية عن المخرج الراحل محمد القليوبي ” كانت ثقافتي الأولى تعتمد بالأساس على الكتب والقراءة، لكن الرجل علمني أن الثقافة البصرية هي بحر آخر، يحلو للعاشق فيه أن يسبح وأن يغرق أيضا إن أخلص وأحب ” ولأن الأديب كان الأسبق فقد نُشرت له رواية ومجموعتان قصصيتان، ثم اتجه بعد ذلك للسينما، وكانت أولى تجاربه كسيناريست مع أشرف عبد الباقي في فيلم «على جنب يا أسطى»، وتدور أحداثه عن سائق تاكسي يمر عليه مختلف أنواع الزبائن، ومن خلالهم يتم عرض نماذج من المجتمع المصري. يحمل حوار عبد الرحيم كمال شاعرية وعذوبة الحوار الصعيدي، مضافا إليه الموهبة الأدبية، وذلك الحس الصوفي الرقيق والذي رفعه بجبروت الحب وطغيانه إلى إبداع النص التليفزيوني / الأدبي.

ويحسب له في المسلسل نفسه تقديمه الشخصية السودانية لأول مرة بشكل منصف في الدراما والسينما والمصرية ومن دون سخرية في شخصية الشيخ السوداني. ثم ذلك التقمص المبهر  من قبل الكاتب نفسه الذي حول من خلاله رائعة شكسبير ” الملك لير ” إلى مسلسل مصري صعيدي يبدو كما لو كان قطعة أصلية وهو مسلسل «دهشة» عن الباسل حمد الباشا وهو أغنى رجال قرية «دهشة» وأكثرهم سيطرة وسطوة، حين يقرر توزيع أمواله على بناته الثلاث ويخص النسبة الأكبر من أمواله لبنته الصغرى، فقد أراد ان يشعر بمدى حب بناته له، وطلب من كل واحدة التعبير عن مدي حبها له، أُغرق بالكلام المعسول من ابنتيه الكبرى والوسطى، أما ابنته الصغرى، قرة عينه وأكثرهم قربًا له، فلم ترد قول كلمة واحدة، ورأت أن المدح في وقت توزيع المال نفاق، ورفضت الكلام ولو كلفها ذلك أن تعيش فقيرة محرومة من أموال أبيها طوال عمرها. وبعد توزيع كل أمواله على ابنتيه، رضخت كل بنت لطمع زوجها، وأهملت أبيها، وأصبح وجوده ثقيلًا عليهن، واستمرت دراما «دهشة» الشكسبيرية، ومرت بأحداث مأساوية كثيرة.

وبالحرفية نفسها يقدم شخصية «ونوس» في مسلسل قام خلاله بتحويل فاوست إلى عمل محلي تماما وفاوست هي الشخصية الرئيسية في الحكاية الألمانية الشعبية عن الكيميائي الألماني الدكتور يوهان جورج فاوست الذي يحقق نجاحاً كبيراً ولكنه غير راضٍ عن حياته فيُبرم عقداً مع الشيطان يسلم إليه روحه في مقابل الحصول على المعرفة المطلقة وكافة الملذات الدنيوية. وأصبحت هذه القصة أساساً لأعمال أدبية مختلفة لكتاب مختلفين حول العالم.وينطلق عبد الرحيم بروح الباحث واجتهاد الكاتب وخيال إبداعي نادر في «شيخ العرب همام»، وينحاز للقصص الشعبي متجاهلا التاريخ المكتوب ويركز على الصراعات الإنسانية لهمام القائد العادل الحنون على قومه، الذي يدافع عن قبيلته ضد العدوان المملوكي، الذي يشغل كل تركيزه في رفعة شأن وكرامة أهل الصعيد. وكذلك مشكلته مع الإنجاب وزيجاته المتعددة. ومرارة غدر أقرب الأحباب، ركز كمال على كل هذه الجوانب على حساب الأحداث التاريخية.

صدر للكاتب والأديب عبد الرحيم كمال روايتان هما “المجنونة” 2003 و”بواب الحانة” 2013 ومجموعة ” أنا وأنت وجنة شهد ” 2014وكتاب في الحكي الصوفي بعنوان ” ظل ممدود” 2015. وتدور أحداث ” بواب الحانة ” بداخل حانة بمصر القديمة.. وهناك نجد العراقي الذي نام بنهر دجلة ليستيقظ ويجد نفسه في نهر النيل بمصر القديمة، وأول ما أبصر على الشط كانت امرأة طلبت منه أن يتزوجها، ثم تعود زوجته من العراق على إثر حلمٍ جاءها فيه من يدعى حسان ليخبرها بمكان زوجها لتصل له وتظل معه في مصر. وحسان والشيخ ذو النشأة الأزهرية الذي يحث الناس يومًا على الاعتداء على أحد السكارى في الشارع ليندم بعدها ويعكف في الحانة سنة يشرب فيها الخمر ويذهب للصلاة في ميعادها، وبعد هذه السنة يترك شرب الخمر ولكنه يظل في الحانة ساقيًا فيها فبوابًا عليها ثم صاحبًا لها، ثم يصبح ذا كرامات وأشياء جيدة تحدث للناس بسببه تساعد بعضهم على ترك الخمر. ومن رواد الحانة البرديسي الصعيدي مقاول الأنفار، وفريد الإعلامي المنافق المخضرم، وإبراهيم الباز الحكّاء المبهر والروائي، والشاعر وزوجته، وحياة التي أحبها حسان وسيترك الحانة من أجل أن يحاولا الوصول إلى حبيبها الذي لا تستطيع العيش بدونه. وفي مجموعته ” أنا وأنت وجنة شهد ” يظهر الوجه الشاعري للكاتب عبر مجموعة من القصص تقترب من أجواء الواقعية السحرية.