عوض دوخي.. «صوت السهارى»!

ياسر ثابت

المطرب الكويتي الراحل عوض دوخي

إنه «صوت السهارى» فعلًا، كما قالت أغنية شهيرة له، من كلمات وألحان نجيب رزق الله.

صوت مسكون بالألم والشغف والحنين، كأنه ساق وردة، تغذيها بالوجع المحبب الذي يزيدها جاذبية.

هكذا كان عوض دوخي رمزًا وأيقونة في تاريخ الغناء الكويتي والخليجي، بفضل صوته وألحانه على حدٍ سواء.

شارك المغني الكويتي عوض دوخي (1932- 1979) في إثراء مسيرة الغناء في الكويت، وترك بصمة واضحة في تاريخ الأغنية الكويتية الحديثة، كما قدم جميع الألوان الغنائية بصوته الشجيّ الذي ينتمي إلى طبقة «الباريتون» المتوسطة، مع استخدام الترعيد «العُرَب» الصوتية، أيْ الاهتزازات الصوتية، وفيها حلاوة وتطريب.

نشأ «دوخي» في عائلة فنية، وكان شقيقه الفنان يوسف دوخي كاتبًا وملحنًا وشكلا معًا ثنائيًّا مهمًّا، غنى عوض من كلماته وألحانه ثم توقف التعاون بينهما لإصرار شقيقه يوسف على التقيد بتراث الغناء الشعبي، في الوقت الذي بدأ به عوض دوخي يميل للمدرسة المصرية في الغناء.

تعلم على يدي أخيه الأكبر عبداللطيف دوخي أصول العزف على العود. وله من الإخوة أيضًا دوخي ومحمد وخليفة، والأخير هو من حبَّب إليه ركوب البحر. وعُرِف عن عوض دوخي طيبة قلبه وعطفه على الفقراء، وجمعته علاقة صداقة بالمطرب عبدالحليم حافظ.

تُوفّي والده وهو في عمر الخامسة، تلقى دروسه الأولى عند الملا بلال والملا زكريا حيث تعلم أصول القراءة والكتابة والقرآن الكريم، وبعد ذلك انتقل إلى «مدرسة النجاح»، ودرس معه في تلك المرحلة شقيقه يوسف دوخي. كان مغرمًا بالقراءة منذ صغره، ويهوى شراء كتب التاريخ والتراث، فاقتنى مؤلفات الراحل جورجي زيدان عام 1943 وهو لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره. ومن الكتب التي واظب على قراءتها «التمدن الإسلامي» و«تاريخ الإسلام» و«ألف ليلة وليلة» و«كليلة ودمنة». رافقته هواية القراءة إلى القاهرة، فبحث عن الكتب والمخطوطات القديمة في أسواق القاهرة وسراديبها، وجمع مكتبة ضخمة تقدر بعشرين ألف كتاب، بالإضافة إلى ما يقارب ألف مخطوطة.

عندما كان في سن الثانية عشرة ظهر عليه حُبُّ الغناء؛ حيث كان يؤدي أغاني المطرب محمد بن فارس ويقلد أصوات مقرئي القرآن مثل العراقي محمود عبدالوهاب، وعندما بلغ سن الرابعة عشرة انتقل مع والدته إلى فريج الشيوخ، والتقى هناك أحد أفراد عائلة الخليفة وهو سلطان أحمد الذي كان يعزف على العود، وشارك مع مجموعة أصدقاء في إقامة جلسات فنية كل يوم اثنين واشتركوا في شراء عود.

في هذه السن، سافر مع عبدالرحمن بن عثمان وعمل تبابًا في رحلات الصيد والغوص، وتوالت سفراته حتى عام 1948، وقد طلب منه النوخذة يوسف بن يعقوب السفر معه كبحّار، فقال له إنه ليس بحّارًا بل هو مطرب وأسمعه أغنية «يا غصين البان».

بدأ حياته الفنية في عام 1941 عندما كان يعمل نهامًا  على ظهر السفن في أيام الغوص، وغنى على الهواء مباشرة لإذاعة «شيرين» المملوكة لأولاد بهبهاني: «يشوقني برق من الحي لامع.. لعل به تبدو الربى والمرابع» للشاعر عبدالله محمد باحسن، وغيرها من الأغاني.

ووصل صوته إلى إذاعة الكويت في يوم السبت الموافق 11 نوفمبر 1959، بمساعدة من الفنانة عودة المهنا، وأول أغنية له في إذاعة الكويت كانت «يا من هواه أعزه وأذلني» كلمات الشاعر أبوالسعود الجارحي، في 11 نوفمبر 1959. وبعد تسجيل الأغنية تم إيقافه لمدة ثلاثة أشهر عن الغناء في الإذاعة من قِبل صالح عبدالملك الصالح، ولكن القرار أُلغي بعد يوم واحد.

تأثر الفنان عوض دوخي بأسماء عديدة من الفنانين والملحنين، مما أثرى تجربته الفنية ومن أهم هذه الأسماء المطرب البحريني الراحل «محمد بن فارس» رائد الطرب الشعبي في البحرين، واستفاد من أسلوبه وأدائه في الغناء، بالإضافة إلى استزادته من خبرة الملحن الكويتي «أحمد الزنجباري»، الذي التقى معه ما بين عامي 1945 و1946. كما تعرف إلى كبار المطربين –آنذاك- في الجلسات التي كانوا يعقدونها في منزل الزنجباري، ونشأت بينهما علاقة وطيدة فيما بعد، وغنى «دوخي» من ألحانه مجموعة أغنيات جميلة مثل «ألا يا صبا نجد» و«يا للي طال غيابك».

غنى العديد من الألوان الموسيقية مثل أغاني «الصوت» و«السامري وأغاني البحر والنهمة والأغاني العاطفية وأغاني الطنبورة والأغاني الوطنية، وأول أغنية وطنية له كانت باسم «الفجر نور يا سلام» في ستينيات القرن العشرين التي أذيعت يوم إعلان استقلال الكويت في 19 يونيو 1961.

سجَّل عوض دوخي 197 أغنية لإذاعة الكويت، كما سجَّل 175 أغنية لإذاعة البحرين، وتعاون مع مجموعة من كتاب وشعراء الأغاني مثل خالد العياف ويوسف ناصر وعبدالمحسن الرفاعي وسليمان الظفيري وعبدالعزيز البصري، وغنى من ألحان عبدالله الفرج وأحمد باقر ونجيب رزق الله وسعيد البنا ومرسي الحريري وكمال الطويل بالإضافة إلى ألحان شقيقه يوسف دوخي.

من ألوان الغناء العاطفي قدم «دوخي» الكثير مثل «أسأل العشاق»، «البارحة عيني»، «أنت يا غدار»، «جسمي لطيف الكرى»، «دع الوشاة»، «ساحر العشاق»، «صدفة حلوة»، «عذروب خلي»، «على دمع عيني»، «قل للمليحة في الخمار الأسود»، «لا تقول صافحني»، «من أول يوم»، «ما أغفر أنا خطاك»، و«يا ويل ويلي».

ومن أغانيه في المناسبات الوطنية «الفجر نور يا سلام»، «وسط القلوب يا كويتنا»، اللتان ظلتا تذاعان في الإذاعة بشكل يومي لمدة أربع سنوات بِناءً على طلب الشيخ عبدالله السالم الصباح، وأغنية «أبدي باسمك يا كويت»، و«رايات الفرح»، و«عادت الأفراح»، و«حماة الدار»، و«الاستقلال» و«قصر دسمان»  ، وغنى أغنية عن الشيخ عبدالله السالم الصباح وهي «عبدالله السالم أميرنا»  .

كما قدم بعض الأغاني الدينية منها «خير الشهور»، و«باركوا يا أحباب» وكانت له مشاركات في العديد من الحفلات في البلاد العربية، وتميز أيضًا بالعزف على الطبلة والعود، ويعتبر أول من أدخل الكورال النسائي في الأغنية الخليجية.

سجل مجموعة من الأغاني البحرية بصوته في فيلم سينمائي عن الغوص بعنوان «السامر» مدته نصف ساعة مع فرقة العميري الشعبية، وشاركه في الغناء راشد الجيماز وأخرج الفيلم بدر المضف.

«كلثوم الخليج» لقب أطلق على عوض دوخي من شدة تأثره الشديد بأغاني وصوت أم كلثوم منذ طفولته، لدرجة أنه كان يستأجر جهاز التسجيل القديم «الفونوغراف» وعلى فترات متقطعة كلما توافر لديه بعض المال للاستماع إلى أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب والشيح زكريا أحمد وسعاد محمد، وألحان رياض السنباطي ومحمد القصبجي.

يقول «دوخي» في أحد لقاءاته عن أم كلثوم: «أنا عشت معها كثيرًا، سنين طويلة، أسمع وأترنم بصوتها العظيم، يا أخي إنها سيدة الغناء العربي فعلًا، على فكرة أنا أحب أغانيها، فأنا أحبها أكثر مما تتصور»  .

وهذا التأثر لم يذهب سدى حيث أعاد بصوته -ابتداءً من مطلع السبعينيات – بعض أغاني أم كلثوم، ولكن بلون عوض دوخي، كونه ينفرد بهوية وإحساس خاص بالغناء.

طربت سيدة الغناء العربي وهي تستمع لأغانيها بصوته معبرة برأيها حول هذه التجربة بأن عوض دوخي لم يكن مقلدًا لها ولم يشوه أغانيها بل قدمها بأسلوبه الخاص، من ضمن هذه الأغاني التي تغنى بها من أعمال كوكب الشرق «دليلي احتار»، «عوّدت عيني»، «أنا في انتظارك»، «الأمل»، «شمس الأصيل»، «حسيبك للزمن»، «إنت عمري»، «حيرت قلبي معاك»، «على بلد المحبوب»، «الحلم»، «أروح لمين» و«أهل الهوى».

تزوج الفنان عوض دوخي عام 1956 وأثمر الزواج عن خمسة أولاد وابنة. قبل وفاته في شتاء 1979 أخذ يداهمه المرض وبقي مواظبًا على تأدية رسالته الفنية، عندما عاد من رحلة العلاج الأولى قدّم ثلاث أغنيات وهي «إشاعة» و«عاكسني الهوى» وآخرها «يا جزيل العطاء» وبها كان يستشعر دُنوّ أجله وهو يغني «يا جزيل العطاء نسألك حسن الختام.. فرّج الهم واكشف مضيقه.. واجعل المصطفى شافعي يوم الزحام.. يوم يفر الشقيق من شقيقه».