فاروق.. الملك الذي أزال رهطُ العسكريين عرشَه

“إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون”.. في ظروف دولية معقدة اتسمت بالحروب العالمية والثورات المحلية، كانت فترة آخر الملوك المصريين فاروق الأول.

تولى عرش مصر وخزائنها وراثة دون جهد وتعب، وأحبه الناس وأعطوه الولاء، لكن نزق المراهقة وانعدام الخبرة والمؤهلات العلمية أردى به إلى الهاوية، فزال ملكه وذهب طريدا بعدما كان ملكا معظما يهب النعم ويكشف الغم.

 

وقد أنتجت الجزيرة فيلما من جزأين بعنوان “فاروق.. الملك الأخير” يروي قصة حياته والأحداث التي صاحبت حكمه وكيف أطاح به تنظيم الضباط الأحرار.

في عائلة الملك

بعدما تولى العرش في ظروف غريبة سنة 1917، تزوج السلطان فؤاد الأول حاكم مصر وسليل عائلة محمد علي باشا من فتاة مصرية عادية تدعى نازلي عبد الرحيم صبري يوم 24 مايو/أيار 1919، وكان ذلك بعد شهرين من اندلاع الثورة المصرية المطالبة بالاستقلال عن إنجلترا.

وبعد أشهر معدودة من ذلك الزواج الذي جرت وقائعه في جو من الهدوء والتحفظ، رزق السلطان فؤاد ولدا في 21 فبراير/شباط 1920 سماه فاروق.

وعند مولده عم الفرح أرجاء البلاد ومُنحت إجازة للموظفين، وتم توزيع الصدقات والأعطيات على المحتاجين. وبعد مولده بفترة يسيرة، أُعلن أنه ولي العهد، وتم ذلك بمباركة الاحتلال الإنجليزي.

 

وكان من نتائج ثورة 1919 التي خرج فيها جميع المصريين، صدور دستور 1923 الذي نص على أن مصر مَلَكية وراثية، فأصبح فاروق ملكا للمستقبل بموجب النصوص الجديدة.

فشل في التعليم

بدأت حياة الابن بالتعقيد منذ طفولته، فقد كان يدرس في قاعة لا يدخلها غيره، ولم يُسمح له بمخالطة أحد ولا بالخروج من القصر.

وفي حديثه بالوثائقي قال الكاتب محفوظ عبد الرحمن “العادة أن يفتح الملوك مدارس خاصة يدرس فيها أبناؤهم مع مجموعة من أبناء الحاشية والمقربين من دائرة الحكم، لكن حالة فاروق كانت مختلفة، فلم يكن لديه أصدقاء من الطلاب وذلك ما جعل منه شخصية سلبية”.

وعندما وصل للخامسة عشرة من عمره، أُرسل لبريطانيا ليتعلم في مدرسة “وول ووتش” في لندن، لكنه لم يسجل فيها بشكل رسمي نظرا لصغر سنه وضعف معارفه، فبقي منتسبا مستمعا فقط.

ويقول الكاتب الصحفي الأستاذ حلمي النمنم إن الأكاديمية التي درس فيها دخلها كطالب منتسب لأنه لم يُقبل فيها بسبب مؤهلاته العلمية.

وفي رحلته لمدينة لندن رافقه وفد يضم الضابط عزيز المصري وأحمد حسنين للإشراف على دراسته ورعايته.

كان الضابط عزيز صارما في الرعاية وصاحب عقيدة عسكرية تميل إلى الانضباط والالتزام، بينما كان أحمد حسنين من أهل الأدب ويعشق الفن ويميل للطرب واللهو وحياة الترف.

تأثر الشاب بالمعلم أحمد حسنين وبدأ يرتاد أماكن المجون، فدخل الحانات وصحب الشقراوات، فعشق وهام وغرق.

يقول أستاذ التاريخ الحديث في جامعة حلوان إن عزيز المصري بعدما رجع من لندن ترك ولي العهد مع أحمد حسنين فأفسده إفسادا.

اعتلاء العرش

في 28 أبريل/نيسان 1936 غيب الموت بشكل مفاجئ السلطان أحمد فؤاد، وكان ابنه الوحيد حينها في لندن. وبعد يومين من وفاته أصدر مجلس الوزراء مرسوما بتسمية فاروق ملكا على مصر وتشكيل لجنة وصاية على العرش لغاية بلوغه السن القانونية.

كان يدرس في قاعة لا يدخلها غيره
الملك فاروق كان يدرس في قاعة لا يدخلها غيره

وخوفا على مستقبل ولدها وسعيا في المحافظة على ملكه، أصرت والدته الملكة نازلي على استدعائه من لندن.

وقبل قدومه إلى مصر تحركت الماكينة الإعلامية في الترويج لشخصية الملك الجديد الذي لا يزال في مرحلة الطفولة من أجل إقناع العامة به، لكن ما خفي حينها عن المصريين هو أن ملكهم الجديد لم يأخذ من المعارف والعلوم ما يهيئه لتولي إدارة المملكة المصرية.

فقد كان فاروق شبه جاهل ولم يحصل على مؤهل علمي في حياته حتى شهادة الابتدائية، فلعبت الظروف والزمان والأقدار والحظ بالملك أسوأ الألعاب.

يقول رئيس قسم التاريخ بجامعة عين شمس إن مسألة تعليم فاروق يرى البعض أنها تركت فيه الكثير من العقد.

وبعد قدومه من بريطانيا على متن سفينة مدنية في 6 مايو/أيار 1936 استُقبل استقبالا شعبيا حاشدا مصحوبا بمظاهر السلطة والملك وقد امتدت الاحتفالات من الإسكندرية حتى القاهرة. ويرى بعض المتابعين أن مظاهر الفرح والاستقبال التي حظي بها يوم قدومه ضخمت النزعة الذاتية في شخصيته.

وفضلت الحكومة حينها أن يقطع فاروق دراسته ويذهب في جولة خارجية يتعرف خلالها على نظرائه في العالم فتزداد اكتشافاته ويتوسع أفقه. وبعد الرجوع من رحلته وبلوغه السن القانونية بالحساب الهجري الهلالي تولى العرش في 29 يوليو/تموز 1937، وأدى القسم في مجلس الأمة.

متاعب الملك

كان رئيس حزب الوفد المصري مصطفى النحاس على رأس الحكومة أيام جلوس فاروق على العرش بموجب الانتخابات التشريعية، وهو من المؤمنين بالأفكار الديمقراطية ويسعى لتطبيق المقولة التي تقول إن الملك يسود ولا يحكم.

عندما وصل للخامسة عشرة من عمره، أُرسل لبريطانيا ليتعلم في مدرسة "وول ووتش" في لندن
عندما وصل للخامسة عشرة من عمره، أُرسل لبريطانيا ليتعلم في مدرسة “وول ووتش” في لندن

وفي سعيه لأخذ كامل الصلاحيات، شكل النحاس الحكومة دون علم الملك فاروق لأنه كان ينظر له كصبي لا يفقه في أمور الحكم والسياسة. وقد قال الكاتب الصحفي صلاح عيسى إن مصطفى النحاس كان يصف الملك بالصبي ويعتبر أنه في جيبه.

ومن جهته كان الملك غير معجب بالنحاس وجماعة حزب الوفد الذين يسيطرون على مقاعد البرلمان لأنهم شكلوا عقبة في وجه والده. وفي حدثيه بالوثائقي قال الدكتور عصام الدسوقي إن الملك فاروق ورث الخلاف والعداء مع جماعة الوفد من والده حيث نافسوه في شعبيته.

وبعد الكثير من الشد والجذب وتبادل الاتهامات أقال الملك حكومة الوفد في 30 ديسمبر/ كانون الأول 1936، وشكل أخرى من الأقليات الحزبية والسياسية.

تلقى الشارع خبر إقالة الحكومة بقبول حسن، لأن الملك كان شابا وصنعت منه الدعاية الإعلامية شخصية استثنائية تعلقت بها قلوب الشباب والحالمين بمستقبل أفضل.

وبعد إقالة الحكومة تزوج الملك الشاب من فتاة أنيقة في الملبس، رقيقة الجسم طويلة القامة، تدعى صافيناز ذو الفقار وأطلق عليها اسم الملكة فريدة.

وكان الملك الشاب قد تعرف على زوجته خلال رحلته إلى أوروبا، وبعد الحفل الكبير الذي أقيم بمناسبة زواجه، تصدر خبر الزفاف وسائل الإعلام وأصبح حديث الشارع.

وبذلك الزواج أكمل الملك اللوحة التي كان يريد أن يرسمها لنفسه في ذاكرة الشعب المصري، فأصبح الشاب الملتزم الذي يجالس العلماء وينفق على التعليم ومؤسساته.

ومن أجل أن تمتد جسور ملكه خارج الحدود المصرية، زوّج أخته فوزية ذات الجمال الفاتن بولي عهد إيران محمد رضا بهلوي.

ورغم أن أفراح القصر واحتفالاته صرفت انتباه الشارع عن الأجواء السياسية حيث شارك المصريون في الفرح، فإن الوزير المقال وحكومته ركزوا على الشارع في تأليبه على الملك الجديد الذي وصفوه بأنه منقلب على الديمقراطية.

توجه الملك نحو العامة عبر الكثير من الخطابات التي تتميز بفصاحة اللغة وجمال الأسلوب، وهو ما ساعده في التقرب من الناس، وأصبحت الساحة ميدانا للسباق نحو قلوب الشعب وخطْبِ وده.

وفي أحد خطاباته الشهيرة الموجهة للشعب قال الملك فاروق “ما استحق الحياة من عاش لنفسه فحسب”، في إشارة منه إلى أنه يريد حكومة للجميع وليست لجهة سياسية معينة.

استغل الملك فاروق الشباب لقربه منهم في خلق أرضية من التأييد والدعم تمكنه من الانتصار على النحّاس والوفد.

سنة التزوير

وفي ظل أزمة إقالة حكومة الوفد، نُظمت انتخابات تشريعية شابها تزوير كبير لم تشهد الساحة المصرية مثله من قبل. وعلى أثر تلك الانتخابات فاز حزب الأحرار وأسندت مهمة تشكيل الحكومة لرئيسه، وبدأ عهد جديد من الحكومات الخارجة من رحم التزوير بعيدا عن إرادة الشعب.

استغل الملك فاروق الشباب لقربه منهم في خلق أرضية من التأييد والدعم تمكنه من الانتصار على النحّاس والوفد
الملك فاروق استغل الشباب لقربه منهم في خلق أرضية من التأييد والدعم تمكنه من الانتصار على النحّاس والوفد

 

وفي حديثه للوثائقي قال صلاح عيسى إن الملك فاروق كان إذا أراد أن يقيل الحكومة يعطل الدستور ويدعو لانتخابات جديدة.

لكن فاروق لم تكن أزمته مع السياسيين المصريين فقط، وإنما كانت مع اللاعبين الأقوياء في الساحة من سلطات الإنجليز.

كان الملك الشاب يشعر بذاته كسليل لأسرة محمد علي ويكره الوجود الإنجليزي في مصر، كما أن البريطانيين لم ينظروا للملك الجديد بكثير من الاعتبار والاحترام، فعندما تزوج أرسلوا له هدايا تتمثل في ملابس رياضية وهدايا أخرى تافهة، بينما أرسل له هتلر سيارة فاخرة وهدايا قيمة.

تقول أستاذة التاريخ الحديث في جامعة بنها الدكتورة لطيفة سالم إن سفير بريطانيا في مصر بعث بتقارير لوزارة الخارجية يقول فيها إن الملك فاروق لا بد من إنزاله من العرش وإبعاده من الحكم.

الأزمة مع بريطانيا

وفي سنة 1939 أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا ردا على غزو ألمانيا لبولندا في نفس العام. وكانت مصر وبريطانيا قد أبرمتا معاهدة من قبل عُرفت بمعاهدة 36 تقتضي التحالف في الحروب، لكن مصر لم تنفذ الاتفاقية عندما دخلت حليفتها في الحرب.

موقف فاروق في الانحياز للألمان كان نابعا من العداوة مع المحتل الإنجليزي
موقف فاروق في الانحياز للألمان كان نابعا من العداوة مع المحتل الإنجليزي

كان موقف فاروق ورئيس حكومته علي ماهر في البداية موفقا، حيث بقيت مصر في الحياد وتجنبت الدخول في ويلات الحرب ودمارها. وفي تصريحه للفيلم قال وزير الثقافة المصري الأسبق عماد أبو غازي إن موقف فاروق في البداية كان نتيجة لتأثير حاشيته في القصر حيث كان معظمهم من الإيطاليين. بينما قال النمنم إن موقف فاروق في الانحياز للألمان كان نابعا من العداوة مع المحتل الإنجليزي، وقد اعتبر أن عدو العدو صديق وانخرط في اتجاه النازيين.

ورغم أن فاروق جنب بلاده دخول الحرب فإن موقع مصر الإستراتيجي جعل أرضها وجهة للصراع بين القوات المتحاربة.

وقد شهدت الأراضي المصرية معارك ضارية بين الألمان وقوات المحور، فنجح الألمان فيها نجاحا باهرا في البداية. وفي ظل تلك الأحداث ساءت الأوضاع الاقتصادية وزاد ضغط الإنجليز، فأقال فاروق حكومة علي ماهر وكلف حسين باشا لكن الأخير سرعان ما قدم استقالته.

وخوفا من خروج الأوضاع عن السيطرة، فرض “لامبسون” سفير بريطانيا في مصر على الملك فاروق تكليف النحاس بحكومة جديدة مهددا إياه بالعزل عن الحكم إن لم ينفذ الأمر في غضون ساعات.

وعند السادسة مساء اصطحب السفير البريطاني قائد قوات دولته في مصر، واتجها نحو قصر عابدين يحملان معهما وثيقة لتنازل الملك عن العرش ليوقعها، بعدما حاصرت الدبابات البريطانية محيط القصر.

وبعد تدخل الإنجليز بقي الملك دون حيلة واستدعى النحاس في القصر وكلفه بتشكيل حكومة جديدة كان ولاؤها للإنجليز وليس للملك ولا لمصر، كما قال عصام الدسوقي.

وبعد حكومة النحاس أصبح الملك ساقطا في أعين العامة وينظرون إليه بازدراء، وعندها بدأ الملك يشعر بالحصار وأن بقاءه ليس أبديا.

تصفية أعداء الملك

في سنة 1943 وقع حادث القصاصين، حيث اصطدمت سيارة الملك بشاحنة عسكرية إنجليزية، ويرجح أن الحادث كان مدبرا من البريطانيين.

وخلال علاج الملك في المستشفى العسكري بالإسماعيلية، تعرف فاروق على الطبيب الضابط يوسف رشاد، الذي أقنعه بإنشاء جهاز سري من الضباط المخلصين للعرش تكون وظيفته تصفية أعداء الملك والمناهضين لسياسته.

الملك فاروق كان إذا أراد أن يقيل الحكومة يعطل الدستور ويدعو لانتخابات جديدة
الملك فاروق كان إذا أراد أن يقيل الحكومة يعطل الدستور ويدعو لانتخابات جديدة

اقتنع الملك فاروق بالفكرة وأنشأ جهازا سماه “الحرس الحديدي”، وكان أنور السادات من أبرز العاملين فيه، ويعتقد أنه من قام باغتيال أمين عثمان وزير الخارجية في حكومة النحاس.

وقد قام الحرس الحديدي بالكثير من العمليات، لكنه فشل في اغتيال مصطفى النحاس بعد محاولات متعددة.

وبعد ثلاثين شهرا من العمل المتواصل، رجع الملك لهوايته القديمة وأقال حكومة الوفد من جديد في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 1944، لكنه في هذه المرة كان أكثر شراسة حيث شكل لجنة تحقيق في تهم بالفساد وتبذير المال العام التي وجهت للحكومة في فترة تسييرها.

لم يعترض لامبسون والقوات الإنجليزية هذه المرة على قرار الملك لأنهم كانوا قد تحققوا من النصر ضد النازيين ولم يصبح الوضع المصري مؤثرا عليهم.

وبعد إقالته للحكومة كلف أحمد ماهر بقيادة حكومة جديدة تكون منسجمة مع قرارات الملك وسياساته. وكانت الحكومات التي تخرج بموجب تعطيل الدستور تتخلى عن كثير من صلاحيتها للملك لأنها ليست من إرادة الشعب وإنما بقرار من الملك، وبذلك تتميز بالانسجام وعدم التجاذب السياسي.

فضائح القصر

ورغم الانتصار الذي سجله الملك على خصمه اللدود مصطفى النحاس وجماعة الوفد، حيث أقالهم ولم تعترض قوة الإنجليز، فإنه لم يذق طعم سعادة الانتصار السياسي بسبب الفضائح القاتلة التي برزت له في دائرة المحيطين به، كالعلاقة العاطفية التي ظهرت بين أمه وأقرب المقربين منه رئيس ديوانه أحمد حسنين.

كانت مصر وبريطانيا قد أبرمتا معاهدة من قبل عُرفت بمعاهدة 36 تقتضي التحالف في الحروب، لكن مصر لم تنفذ الاتفاقية
مصر وبريطانيا أبرمتا معاهدة من قبل عُرفت بمعاهدة 36 تقتضي التحالف في الحروب، لكن مصر لم تنفذ الاتفاقية

وقد ساهمت تلك الفضيحة بشكل كبير في تشويه صورة الملك فاروق عند العامة. ورغم الحديث عن وجود زواج عرفي بين الملكة نازلي وأحمد حسنين، فإن فاروق لم يتقبل الأمر واعتبر أن الموضوع خيانة له ولوالده، لكن الأم لم تستجب لأوامر ولدها الملك واستمرت في علاقتها الغرامية.

وفي تلك الفترة كانت علاقة فاروق بزوجته تمر بمرحلة من الفتور، إذ لم تنجب له وليا للعهد وإنما ثلاثا من البنات.

كان الملك يبحث عن جديد تسكن إليه نفسه، فقاده ذلك لأحضان الفاتنات ذوات الكواعب الأتراب، فجالسهن وداعبهن حتى أزكمت علاقاته الغرامية أنوف المصريين.

وبعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وانتصرت بريطانيا ودول المحور، كان فاروق والملتفون حوله يشعرون بالشماتة والإحباط، فانزلق أكثر عن الطريق المستقيم، وبدأ يجد الراحة في الملاهي ودور القمار.

وفي مشاركته بالوثائقي يقول النمنم “إن علاقات الملك مع النساء كان مبالغا فيها، كما أن الحادث الذي تعرض له أصابه بضعف جنسي”.

ويؤكد أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية في القاهرة خالد فهمي أن فاروق كان يعاني نفسيا وعنده خلل في الشخصية.

عام المتاعب

وبين فساد القصر وخلافات السياسيين، كانت أحوال المصريين تزداد سوءا بفعل الأوضاع المعيشية التي لم تجد الحكومة لها حلا.

وفي عام 1946 خرجت مظاهرات حاشدة ضد الملك وحكومته وخصوصا في الأماكن التي كان الملك الشاب يحظى فيها بدعم وتأييد كنقابات الطلاب.

علاقات الملك فاروق مع النساء كان مبالغا فيها
علاقات الملك فاروق مع النساء كان مبالغا فيها

تقول الدكتورة لطيفة سالم إن سنة 1946 كانت بداية العد التنازلي للملك فاروق حيث هتف المتظاهرون أول مرة باسمه أثناء حضوره داخل الحرم الجامعي.

ويقول مراقبون إنه أحس في العام نفسه أن فترته قد انتهت ولم يعد الوضع لصالحه كما لم يبق أمامه إلا يسير من الوقت.

وقد ركز في تلك الفترة على جمع الأموال ودخول الصفقات، وبدأ المقربون منه يستغلونه في الحصول على الامتيازات وجمع أموال الشعب.

وبعدما تزايدت الضغوط عليه خرج في صيف 1946 لقضاء عطلة في قبرص، وكانت أول رحلة له خارج البلد بعد توليه مقاليد الحكم، وبدأ في عزلة عن السياسة والظهور.

وفي العام نفسه كان أحمد حسنين باشا قد توفي، وبقي الملك بدون ناصح يتصرف على هواه وهوى الطامعين وعديمي الخبرة والكفاءة. وإثر وفاة أحمد حسنين سافرت الملكة نازلي نحو باريس للعلاج رفقة ابنتيها، لكنها لم ترجع رغم محاولات فاروق استعادة أختيه إلى مصر.

قرار الحرب

وبعد قيام دولة إسرائيل عام 1947 وجد الملك فرصته في تحسين صورته وأعلن بمفرده قرار الحرب على إسرائيل واجتمع بالزعماء العرب.

ورغم أنه تلقى تقريرا من الجيش يؤكد أن وسائله لا تسمح له بدخول الحرب، فإنه بوصفه قائدا للقوات المسلحة صمم على منازلة الإسرائيليين، وعندما نشبت الحرب عام 1948 كانت النتيجة هي الهزيمة للجيش المصري والقوات العربية.

فاروق بصحبة أحمد حسنين في لندن
فاروق بصحبة أحمد حسنين في لندن

وكانت زوجته الملكة فريدة تحظى باحترام داخل الأوساط المصرية، وعندما طلقها سنة 1948 خرج المتظاهرون للشارع يرددون “تخرج الطهارة من بيت الدعارة”.

وقد شهد عام 1948 مظاهرات تسُب الملك وعائلته حيث رفعت شعارات تقول “من لا يحكم أمّه، لا يحكم أمة” في إشارة لهروب والدة الملك نحو فرنسا.

لم تساعد نتائج الحرب فاروق في استعادة هيبته ومكانته في نفوس المصريين بل سقط في أعينهم أكثر، ورأوا أنهم قد ضلوا به من قبل، فزاد أسفه وغضبه وكثرت عثراته.

فرح الملك وحرق العاصمة

وفي سنة 1950 نُظمت انتخابات تميزت بالنزاهة ونجح فيها حزب الوفد، ورجع النحاس لقيادة الحكومة من جديد.

وفي 11 فبراير/شباط 1950 تزوج الملك من فتاة من العامة تدعى ناريمان قيل إنها كانت في خطوبة قبله، وخرج بها في رحلة سماها وداع العزوبية.

في منفاه تفرغ فاروق لهوايته وانشغل فيما أفسد ملكه
في منفاه تفرغ فاروق لهوايته وانشغل فيما أفسد ملكه

وبعد فترة يسيرة رزق الملك وليا لعهده في 16 يناير/كانون الثاني 1952 وسماه أحمد فؤاد، وبينما كان الملك يقيم مأدبة غداء فاخر في قصره بحضور الساسة والقادة العسكريين بمناسبة ميلاد ولي العهد الجديد، التهمت النيران شوارع القاهرة، وفي غضون ساعات قليلة خلفت الكثير من الخسائر في المنشآت والمحال التجارية، وهو حادث تم تسجيله ضد مجهول.

نهاية ملك

كانت الأزمة السياسية وصلت لمرحلة الانسداد، ولم تعد الأوضاع تسمح باستمرار فساد الملك وإفساده.

وقد كان الجيش متذمرا منذ حرب 1948 التي دخلها دون مشورته، وخوفا من الفوضى وتفاديا للغليان الداخلي قامت حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو/تموز 1953 بمحاصرة قصر الملك وإجباره على التنازل لصالح ولده الذي مازال رضيعا.

على أثر حركة الضباط الأحرار خرج فاروق منفيا إلى إيطاليا
على أثر حركة الضباط الأحرار خرج فاروق منفيا إلى إيطاليا

ويقول كثير من المتابعين إن الملك كان وطنيا، فرغم أن القوات البحرية كلها كانت معه وكذلك كبار القيادات العسكرية فإنه لم يرض بتبادل إطلاق النار بين جيش وطنه، وفضل الرضوخ لأوامر الضباط الثائرين.

وعلى أثر حركة الضباط الأحرار خرج منفيا إلى إيطاليا، وبعد أقل من عام على خروجه أعلن قادة الثورة إنهاء النظام الملكي وقيام الدولة الجمهورية.

وفي منفاه تفرغ فاروق لهوايته وانشغل فيما أفسد ملكه، فصحب الفاتنات وعانق كل ناهد وذات خد أسيل، واستمر في غيه حتى وافته المنية في 18 مارس/آذار 1965، ونقل جثمانه لمصر ودفن بها بعد وساطة من الملك فيصل.