كريم بنزيما.. عواصف وانتكاسات في مسيرة مرصعة بالألقاب والكرة الذهبية

في منتصف العام 2009 وقف كريم بنزيما لأول مرة وسط ملعب “سانتياغو برنابيو” أمام مدرجات مكتظة بجماهير نادي ريال مدريد في أول مباراة له مع النادي. كان وجهه ذو الملامح القبائلية التي ورثها عن أبيه يوحي بهدوء غريب، وقال مُقدِّما نفسه لجماهير النادي الملكي بلكنة إسبانية سيئة “أنا سعيد جدا باللعب في النادي الذي لعب قدوتاي فيه: زيدان ورونالدو دي ليما”.

ومنذ ذلك التاريخ دخل اللاعب الفرنسي ذو الأصول الجزائرية الميادين مثل محارب، حُمل على الأعناق حين انتصر، وانهالت عليه سياط منتقديه حين خسر، حتى قيل إن عطاءه قد نضب، وإن وقت خروجه من مربّع النجوم قد حان.

كان كريم بنزيما طيلة الـ14 عاما من مسيرته في المنتخب الفرنسي والفريق الملكي الإسباني ينتفض من رماده مثل طائر فينيق تهتف الجماهير باسمه من جديد. يقول في شهادته أمام كاميرا مخرج الفيلم الوثائقي “ك. بنزيما” الذي عرض لأول مرة على نتفليكس في أسوأ فترات اللاعب الفرنسي في العام 2017 “لا أدري كيف أصف خروجي الآن أمام كل هذه الجماهير. إن الأمر يشبه خروج مصارع روماني”.

 

كوكو”.. كرة قماش تعبّد الطريق للاحتراف

وُلد كريم مصطفى بنزيما في الـ19 من ديسمبر/كانون الأول عام 1987 في مدينة برون في أحواز ليون جنوب العاصمة الفرنسية باريس، وكان أبوه من أصل قبائلي وأمه من وهران، وتربى وسط عائلة ممتدة، فهو الابن السابع ضمن ثمانية إخوة.

كان حي تيرايون الشعبي حيث بدأ كريم بنزيما أولى خطواته في لعب كرة القدم ميدانا كبيرا لعشاق هذه الرياضة، وتقول والدة النجم الفرنسي “كان كريم مولعا بكرة القدم منذ أن كان طفلا صغيرا، كان يلعب طيلة ساعات داخل شقتنا ويسبب ضجيجا كبيرا، فاضطررت لشراء كرة من قماش حتى يلعب قدر ما يشاء دون إحداث أي ضجيج في المنزل”.

من حفل تقديم كريم بنزيما لاعبا لريال مدريد سنة 2009

لم يبد على الطفل كريم الذي كان يحلو للمحيطين به أن يلقبوه بكنية “كوكو” أية نية لرسم طريق ما في عالم الرياضة، كما أن عائلته لم تكن تخطط لدفعه نحو حفر طريق له في ميادين كرة القدم، فقد بدا للجميع بما في ذلك كريم نفسه أن حبه لكرة القدم هو حب فطري مثل أي طفل في عمره.

يقول اللاعب عن طفولته “حين كنت في العاشرة من العمر كنت أشاهد التلفزيون، وأتمنى أن أكون محترفا ذات يوم، لكن لم أتخيل أن ذلك سيحصل أبدا”.

نادي الحي.. من هنا بدأ مشوار بنزيما الذهبي

يصف الكاتبان الفرنسيان “جيل فيرديز” و”جاك هانين” في كتابهما “منظومة بنزيما” لاعب النادي الملكي بأنه “كان طفلا متحفظا، وغالبا ما يكون صامتا ووحيدا ومنغلقا، يقضي وقته في الاستماع إلى موسيقى الراب أو لعب البلاي ستايشن”.

لا أحد يمكنه إنكار موهبة كريم التي لاحت مبكرا وأنقذته من العزلة التي كان يحبها حين قادته إلى أول ميدان احتضنه وهو نادي حيّه “سبورتينغ كلوب تيرايون”، فهناك انطلق كريم ولم يكن قد تجاوز التسع سنوات من عمره، ولم يكن من الصعب أن يمر دون أن تلاحظه أعين صائدي المواهب في نادي”أولمبيك ليون” آنذاك.  فخلال مباراة جمعت فريق “سبورتينغ كلوب تيرايون” وفريق “أولمبيك ليون” الذي يضم لاعبين بين سن التاسعة والعاشرة من العمر؛ سجّل كريم هدفين في المباراة، وكان أداؤه كفيلا لجذب مبعوثي أكاديميات تأهيل نخبة كرة القدم بمدينة ليون، ومن هناك بدأ مشواره الذهبي.

كريم بنزيما عندما كان لاعبا لفريق أولمبيك ليون والذي كان يحمل فيه رقم 10

تدرج كريم بنزيما سريعا من فريق الأصاغر ليلتحق بفريق أكابر أولمبيك ليون في العام 2005، ولم يكن عمره قد تجاوز الـ17 عاما. وفي مباراة البطولة الفرنسية ضد فريق “ميتس” ساهم في تسجيل أحد أهداف فريقه ضد خصمه، وبدأت موهبة الفتى تفرض على النادي إمضاء عقد احترافي معه حتى لا تستقطبه الفرق الأخرى، فكان ذلك في عام 2005، إذ أمضى بنزيما مع نادي أولمبيك ليون عقده الأول لمدة ثلاث سنوات.

“أولمبيك ليون”.. اللاعب رقم 10 في أعرق نوادي فرنسا

في موسم العام 2007/2008 جلس كريم بنزيما أمام “جان ميشال أولاس” رئيس نادي أولمبيك ليون شاخصا بنظره إلى وثيقة تمديد عقده لمدة عامين مع ناديه، منتظرا دوره في التوقيع، وكان ذلك العقد بمثابة حلم له، ولم يكن يتوقع أن باب أحد أعرق أندية كرة القدم في فرنسا سيُفتح له.

منذ ذلك التاريخ حمل كريم هوية جديدة، وهو القميص رقم عشرة الذي لم يكن من السهل على بنزيما وهو في عمر العشرين أن يثبّت ذلك الرقم كتميمة يحملها مشجعو الفريق.

 

يقول “أرموند غاريدو” الذي كان مدربا في أكاديمية كرة القدم في فريق أولمبيك ليون وعرف بنزيما في بداياته الأولى في الفريق الفرنسي “في البداية كانت تنقصه الثقة، وهو شديد الحساسية، وكان لا بد لشخص ما أن يعزز ثقته وذلك كاف لإطلاق موهبته”.

كان كريم بنزيما النار التي تطبخ الفوز حتى وإن أخفته ظلال أسماء لاعبين كبار في فريقه آنذاك، لكن رغم ذلك لم يكن لأحد أن ينكر ما قدمه للفريق في أول مسيرته الاحترافية، فقد كان في رصيده 31 هدفا سجلها في 51 مباراة، وشارك في صناعة فوز فريقه ببطولة فرنسا في الأعوام 2005 و2006 و2007 و2008، كما أنه لم يكن يَخفى على مشرفي نادي أولمبيك ليون أن اللاعب الشاب يملك موهبة نادرة لا يمكن أن يفهمها سوى المتخصصين في كرة القدم.

كريم بنزيما أمام المحكمة الفرنسية في نوفمبر 2015

يصف “أرموند غاريدو” تلك الموهبة بالقول “في بداياته كانت الموهبة واضحة جدا، فقد كان بنزيما يتمتع بمميزات تقنية كبيرة، كان لاعبا متميزا في وضع اللمسة الأخيرة قبل تسجيل الهدف، إضافة إلى أنه هدّاف جيد. بنزيما له قدرة عجيبة على رمي الكرة في الاتجاه المناسب دائما، وهي موهبة لا يمكن أن تُكتسب بالتمرين، بل هي ملكة وُلدت معه، لكن الشيء السلبي أن أداءه لم يكن منتظما خلال المباريات، كما أنه كان يغرق في لحظات كبيرة من التحفظ”.

في طريق المجد.. من “أولمبيك ليون” إلى “ريال مدريد”

بدأ بريق اللاعب الفرنسي يخطف أنظار النوادي الكبرى في أوروبا، ويحصد مديح المدربين عندما مكّن ناديه أولمبيك ليون من التعادل مع عملاق الدوري الإنجليزي خلال بطولة رابطة أبطال أوروبا، حينها بدأ الحديث عن ميلاد زين الدين زيدان جديد، أو ربما نسخة أفضل منه، ففي إحدى المصادفات التي جمعت في مبنى قناة “كانال بلوس” بين كريم بنزيما -وقد بدأت شهرته تكبر آنذاك وهو في عمر العشرين- وبين أيقونة السينما الفرنسية الشهير “ألان دولان”؛ قال الممثل ممازحا بنزيما “لا يوجد زيدان جديد، ولا ألان دولان جديد. هناك بنزيما واحد، وهناك دولان واحد”.

 

لم يكن موسم العام 2008/2009 جيدا بالنسبة لنادي أولمبيك ليون الذي خرج من المنافسة على بطولة الدوري الفرنسي بعد أن احتكرها النادي طيلة أربعة مواسم متتالية، كما أن كريم بنزيما لم يكن في كامل تألقه بداية الموسم، لكن في شهر مايو/أيار من العام 2009 أُعلن عن الخبر الذي غيّر حياة الشاب الفرنسي إلى الأبد: انتقل كريما بنزيما إلى فريق ريال مدريد الذي كان في أوج مجده، وذلك بصفقة قيمتها 35 مليون يورو.

غادر كريم بنزيما فريقه أولمبيك ليون حاملا نياشين ألقاب حصدها منذ العام 2004، وهي أربع بطولات للدوري الفرنسي وكأس السوبر الفرنسي في العامين 2006 و2007، وكأس فرنسا في موسم 2007/2008، وجائزة “برافو” الفرنسية التي حصل عليها في العام 2008، إضافة إلى أفضل لاعب في الدوري الفرنسي في العام ذاته.

الفريق الملكي.. زيدان يساند لاعب الوسط رغم التعثر

يقول “فلورانتينو بيريس” رئيس نادي مدريد في شهادته في فيلم “ك. بنزيما” “حين جئت على رأس نادي ريال مدريد في العام 2009 كان هدفي الأول انتداب ثلاثة لاعبين هم كريستيانو رونالدو وريكاردو كاكا وكريم بنزيما، وهو أول شيء نفذته بعد أسبوع من تسلم مهامي في رئاسة النادي”.

لعب كريم بنزيما أول مباراة له مع فريقه الجديد في الـ20 من يوليو/تموز من العام 2009 ضد فريق “شامروك روفرز” الإيرلندي، وسجّل هدف الفوز لفريقه رغم أنه لم يكن في التشكيلة الأساسية، ورغم ما قيل عن الأداء المتذبذب لبنزيما، فإنه كان هدّاف الفريق صحبة اللاعب “راؤول” خلال الاستعدادات لبداية الموسم الرياضي.

كريم بنزيما يحمل كأس عصبة الأبطال الذي توج به 5 مرات مع الفريق الملكي

لم يفوّت بنزيما أية فرصة للتهديف رغم أن أداءه لم يكن بالمستوى الذي يتطلع له محبو فريق ريال مدريد، فقد واجه صعوبة في الاندماج والتواصل بسبب عدم إجادته للغة، وبسبب وجود كبار ينافسونه مثل اللاعب “هيغواين”، أو ربما بسبب خجله المفرط وتقوقعه.

يقول اللاعب الفرنسي زين الدين زيدان واصفا كريم بنزيما في بداية مشواره مع الفريق الملكي: “كريم شخص كتوم بعض الشيء، مثلي أنا تماما في بداياتي، وأعتقد أنه يجب التقرب منه شيئا فشيئا ومساعدته حتى يتمكن من تقديم كل ما لديه. تقاربنا وتحدثنا وساندته ونصحته في بعض الأحيان، هو لاعب يملك موهبة كبيرة، فرغم أنه لاعب وسط الميدان، فإنه حين نشاهد لعبه نراه مهاجما”. وبالفعل كان زيدان أول من نصح بنزيما بالذهاب إلى إيطاليا لخفض وزنه الزائد الذي لم يكن مناسبا للاعب كرة قدم.

مهمة صعبة.. عندما تكون في مكان يعج بالنجوم

في مواسم العام 2009/2010 و2010/2011، لم يكن كريم بنزيما أحد دعائم فريق ريال مدريد، فقد اختار مدرب الفريق “جوزيه مورينهو” رونالدو على اللاعب الفرنسي، وكان بنزيما يلعب في الاحتياط، لكنه رغم ذلك كان يسجل الأهداف، حتى إنه أنهى موسمه هدّافا ثانيا بـ26 هدفا خلف اللاعب البرتغالي “كريستيانو رونالدو” في موسم العام 2010/2011. لكن في المقابل لم تغفر له تلك الأرقام، وظل الجميع يستحضرون فشله في تسجيل أي هدف طيلة شهرين كاملين صحبة فريقه في بداية ذلك الموسم.

علِم بنزيما أنه يجب أن يحارب من أجل تثبيت مكانه في نادي ريال مدريد في فترة بدا أن الجميع قد بدأ في التشكيك فيه بما في ذلك مدرب المنتخب الفرنسي، ففي تلك الفترة التي دُعي فيها للمشاركة في المنتخب الوطني الفرنسي قبل تصفيات كأس العالم 2010 فشل بنزيما في أن يكون في التشكيلة الأساسية للمنتخب.

كريم بنزيما فرض نفسه وسط هجوم ملكي مدجج بالنجوم

يقول بنزيما في شهادته في وثائقي “ك. بنزيما”: “نادي ريال مدريد كان حلم حياتي، سأعمل من أجل افتكاك مكاني. ليس من السهل افتكاك مكانك في مكان يعج بالنجوم”.

أنهى كريم بنزيما موسم العام 2010/2011 بأول تتويج مع فريقه بعد فوز ريال مدريد بكأس الملك الإسباني. ورغم دخوله في محيط الشك في إمكانياته، كان مشرفو الفريق يؤمنون أن اللاعب الفرنسي لم يفجر كل طاقته بعد.

عصر بنزيما الذهبي.. مواسم التألق والفوز

بدأ كريم بنزيما يعزز مكانه في فريقه ريال مدريد منذ الموسم 2011/2012، وهو موسم تألقه بامتياز، فاقتلع مكانه في التشكيلة الأساسية في أول مباراة له مع فريقه في كأس السوبر الأوروبي وسجل هدفا لصالح ناديه، وحفر اسمه في سجل أسرع هدف في تاريخ الكلاسيكو الإسباني، وذلك حين سجّل هدفا في الثانية الـ21 من انطلاق المباراة في شباك نادي برشلونة غريم الريال الأبدي.

طيلة قرابة خمس سنوات قدم كريم بنزيما اللعب والفن والأهداف، فامتدحته الصحافة الإسبانية، وكان محل إعجاب مشرفي ناديه بما في ذلك زين الدين زيدان، فقد ظهرت مواهبه للعيان، فهو لاعب وسط ميدان متقدم، تارة يطبخ الأهداف لزملائه ومنهم نجما الريال “غاريث بيل” و”كريستيانو رونالدو”، حتى بات أحد أقانيم الفريق المعروف باسم “بي بي سي” نسبة لبنزيما وبيل وكريستيانو، وتارة أخرى يسجل الأهداف في شباك الخصوم، فيهدي الفوز لفريقه ويمهد لتتويجه حين سجّل مثلا هدف انتصار الريال على فريق “بايرن ميونخ” في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا في العام 2014، فكان جديرا بمكافأة تمديد عقده مع النادي الملكي لمدة خمس سنوات أخرى في العام 2014.

 

ظل كريم بنزيما يحصد النجاح والألقاب مع فريقه، فانتزع مكانا مستحقا في قائمة أفضل هدّافي دوري أبطال أوروبا عبر التاريخ، وذلك حين سجل هدفه الـ51 في البطولة خلال المباراة التي فاز فيها على نادي نابولي الإيطالي في ذهاب دوري أبطال أوروبا في فبراير/شباط من العام 2016.

كانت الأعوام الفاصلة بين 2011 و2016 سنوات ذهبية بالنسبة للاعب الفرنسي الجزائري، فخلال تلك السنوات حصد ألقابا مع فريقه، بدءا من الفوز بكأس إسبانيا في موسمي 2010/2011 و2013/2014، وبطولة إسبانيا في موسمي 2011/2012 و2016/2017، وكأس السوبر الإسباني في العامين 2012 و2017، وحصل أيضا على لقب أحسن لاعب فرنسي في ثلاث مناسبات في العام 2011 و2012 و2014، وفاز مع فريقه بكأس رابطة أبطال أوروبا في ثلاثة مواسم، بدءا من العام 2013 إلى غاية موسم العام 2016/2017، وشارك أيضا في تتويج النادي الملكي ثلاث مرات بكأس السوبر الأوروبية في الأعوام 2014 و2016 و2017، وحصد رفقة فريقه لقبين عالميين حين فاز فريق ريال مدريد ببطولة العالم للأندية في عامي 2014 و2016.

سقوط مدوٍ.. قضية جنسية تطمس نجم اللاعب رقم 9

علا نجم كريم بنزيما حتى استبشرت الجماهير برقم قميصه، فأصبح يُكنّى بـ”إل نويفي”، أي رقم تسعة، و”ك.ب.9″، قبل أن ترتج الأرض من تحت قدميه ليفقد توازنه ويدخل في دوامة من التشكيك وصلت حد التخلي عنه في تشكيلة المنتخب الفرنسي، ودعوات لخروجه من ريال مدريد.

المدرب الفرنسي الجزائري زيدان الذي تألق بنزيما في حقبته

يقول كريم بنزيما: “عرفت مرحلتين في تجربتي مع ريال مدريد، مرحلة حلقت فيها عاليا، ومرحلة فشل”. ففي آخر العام 2015 أصبح كريم بنزيما طرفا رسميا في القضية المعروفة بـ”الشريط الجنسي” التي اتهم فيها بنزيما بالمشاركة في ابتزاز زميله “ماتيو فالبوينا” للحصول على 150 ألف يورو حتى لا يتم نشر فيديو جنسي ظهر فيه فالبوينا، حينها أعلن “نوييل لو غريت” رئيس جامعة كرة القدم الفرنسية أنه سيتم استبعاد كريم بنزيما من المنتخب الفرنسي إلى حين استكمال التحقيق.

ظلت القضية تعصف ببنزيما طيلة خمس سنوات كاملة، حتى بدا أنها انعكست على أدائه في الميدان، فبدا لاعبا بمؤهلات عادية، ولم يعد في حجم ريال مدريد.

كريم بنزيما يحمل جائزة أفضل لاعب في عصبة الأبطال في نسختها الأخيرة

في العام 2017 لم يسجل كريم بنزيما سوى هدفين في “الليغا” الإسبانية، وهو ما أجج الانتقادات بخصوص أدائه في إسبانيا، حتى إن صحيفة “ماركا” الإسبانية كتبت أن بنزيما لم يعد نفسه الرقم 9 الذي عشقه الجمهور، وكتبت الصحيفة أن الوقت حان لتوديع بنزيما وخروجه من الريال، رغم أنه لم يمض سوى بضعة أشهر على تمديد عقده لمدة أربع سنوات.

وتوقعت الصحافة الإسبانية التخلي عنه بعد صيف موسم 2017/2018، ووصفت اللاعب الفرنسي بأنه يعاني من فتور في تسجيل الأهداف، كما كشفت صحيفة “موندو ديبورتيفو” الإسبانية في العام 2018 أن بنزيما تقهقر إلى المرتبة السابعة في قائمة هدّافي الفريق الملكي في ذلك الموسم، وكتبت أن بنزيما و”غاريث بايل” لم يعودا قادرين على إثارة إعجاب جماهير النادي، وبالتالي فإن اللاعبين يستعدان لحزم أمتعتهما لمغادرة العاصمة الإسبانية في نهاية موسم العام 2017/2018.

عنصرية.. “حين أسجل أنا فرنسي، وحين أفشل، أصبح عربيا”

كان كريم بنزيما بصدد حزم حقائبه لمشاركة منتخب فرنسا في نهائيات كأس العالم 2018 في روسيا، وكان قرار المدرب “ديدييه دي شامب” قد أعاد قضية “بنزيما فالبوينا” إلى السطح، فيما تحدث اللاعب الفرنسي الجزائري عن عنصرية تجاهه.

كريم بنزيما بقميص منتخب فرنسا والذي يعول عليه كثيرا للحفاظ على لقب كأس العالم

يقول الكاتب حاتم بزيان في مقال بعنوان “كرة القدم.. ثنائية المعايير والإسلاموفوبيا”: إن بنزيما كان قد صرح سابقا “حين أسجل أنا لاعب فرنسي، وحين أفشل في التسجيل أصبح لاعبا عربيا”.

وكان كريم بنزيما قد اتهم مدرب المنتخب الفرنسي “ديدييه دي شامب” في العام 2016 في تصريح له في صحيفة “ماركا” الإسبانية بأن المدرب خضع لضغوط من اليمين الفرنسي المتطرف، وعزز ذلك الافتراض تصريح “جاي رو” الذي درب سابقا فريق “أوكسير” معلقا لصحيفة “لوباريزيان” الفرنسية عن استبعاد بنزيما من المنتخب بتعلة قضية الشريط الجنسي، لقد “كان يمكن أن يتم التعامل مع الأمر بشكل مختلف لو لم يكن يحمل اسم كريم”.

في العام 2017 صرح “خوسيه مورينهو” مدرب فريق “مانشستر يونايتد” مؤيدا فرضية العنصرية التي واجهها بنزيما عند استبعاده من المنتخب الفرنسي قائلا: “هناك أسباب خاصة أو ربما سياسية وراء ذلك الاستبعاد، إنه لشيء مؤسف بالنسبة للاعب بمثل موهبته في أحسن فترات مسيرته الكروية التي بدأ يكتسب فيها الخبرة والنضج”.

 

في المقابل واجه “نويل لو غريت” رئيس الجامعة الفرنسية لكرة القدم انتقادات شديدة من بنزيما والمحيطين به، وذلك حين قال في حوار مع راديو “آر إم سي” في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2019: “كريم بنزيما لاعب جيد، لكن وجوده انتهى في منتخب فرنسا”. ورد اللاعب الفرنسي على تلك التصريحات بتغريدة على تويتر قال فيها: “نويل، اعتقدت أنك لا تتدخل في قرارات مدرب المنتخب، وأعلم أنني أنا الوحيد الذي أقرر إنهاء مسيرتي الدولية من عدمها”.

واتهم كريم الجزيري أحد أصدقاء بنزيما المقربين الجمهور الفرنسي بالعنصرية تجاه صديقه، ومست تلك الاتهامات رئيس الجامعة الفرنسية لكرة القدم نفسه، وصرّح كريم الجزيري لإذاعة “آر إم سي” الفرنسية في العام 2019: “إذا كنتم تظنون أنه لا توجد عنصرية في فرنسا فأنتم مخطئون. لقد تلقى الرئيس غريت الأشهر الماضية آلاف الرسائل التي كتب على أغلبها اطردوا ذلك الأبله والموت للعرب، كنت في مكتبه ورأيت بأم عيني محتوى بعضها. وحين طلبت منه ترتيب لقاء بين كريم وبين ديشامب قال ليس بوسعي فعل شيء وأنا لست عربيا مثلكم”.

“ليس وطنيا”.. لماذا رفض غناء النشيد الفرنسي؟

عاش كريم بنزيما في دوامة من التوتر العاصف الذي فاحت منه رائحة العنصرية، وبدا أنه فقد الأمل في العودة إلى قائمة المنتخب الوطني، وذلك حين صرح لقناة “كانال بلوس” الفرنسية: “طالما أن ديديه ديشامب سيكون مدرب المنتخب، فإنه لن تكون لي فرصة للعودة إلى الفريق الوطني الفرنسي”.

في ذلك الوقت انهالت عليه المعاول لتدفن اسمه في المنتخب، حتى إن “ليليان تورام” مدافع المنتخب الفرنسي المعروف بعنصريته اتهم بنزيما قائلا “كريم لا يحب منتخب فرنسا”، وبدأ الحديث عن أن بنزيما لا يغني النشيد الوطني الفرنسي، وهو ما يعني أنه لا يحب فرنسا، وهي اتهامات أجاب عليها بنزيما قائلا إنه لا يغني النشيد الوطني الفرنسي لأنه يدعو إلى الحرب، وقال في أحد التصريحات الإعلامية: “لم أغن النشيد الوطني الفرنسي، وهذا لا يعني أنني أقل وطنية من بقية الفرنسيين، لم أنشده ولن أنشده”.

يقول الكاتبان “جيل فيرديز” و”جاك هينن” في كتابهما “منظومة بنزيما”: إن كريم بنزيما هو أحد أفضل لاعبي كرة القدم في العالم. من الخلافات إلى الفضائح ظل نجم ريال مدريد يرتفع دائمًا حتى عندما توقع البعض سقوطه.

من تحت الرماد.. بنزيما ينتفق ويعود لفتح ملاعب أوروبا

في العام 2008 صرح “ريموند دومينيك” المستشار الفني في المنتخب الفرنسي لكرة القدم الذي أشرف على اصطياد أحسن اللاعبين بين العام 2004 و2010: “في عمر الـ21 عاما يريد كريم أن يكون أحسن هدّاف، واللعب في أكبر الأندية في العالم، وأن يكون بطل أوروبا وبطل العالم، ويريد تحقيق ذلك بسرعة، يجب الانتظار لنصدر حكما نهائيا على عبقريته”.

لم ينتظر “ريموند دومينيك” كثيرا، ففي ظرف ثلاث سنوات ثبّت كريم بنزيما قدميه في نادي ريال مدريد، ولم تتأخر كذلك نبوءة “فلورانتينو بيريس” رئيس نادي ريال مدريد سابقا الذي قال في العام 2017: “إذا واصل كريم اللعب بكل ذلك الثبات والهدوء ستكون الكرة الذهبية من نصيبه”. واليوم وبعد خمسة أعوام كاملة يعود بنزيما إلى أمجاده في سن الـ34 بعد أن رُشح بقوة لنيل جائزة الكرة الذهبية التي سُيعلن عن نتائجها في أكتوبر/تشرين الأول القادم.

 

في سنة 2021، بدا أن كريم بنزيما قد طوى صفحة الانتكاسات ووقف بصلابة في وجه الدوامات التي حاولت ردمه، حتى إن الصحافة الإسبانية قد عادت للحديث عن اللاعب الفرنسي وعن إبداعه، فكتبت تفكك أسرار لياقته البدنية العالية، فيما شبهه “برنارد لاكامب” أحد مشرفي نادي أولمبيك ليون بمستوى عمالقة الريال السابقين قائلا: “حين كنت طفلا كنت أشاهد مباريات ريال مدريد من أجل “دي ستيفانو” و”بوسكاس” اللذين كانا عملاقين، وحين أرى أن كريم تجاوز مستوى دي ستيفانو لا يمكن ألا أشعر بالفخر”.

في 26 أبريل/نيسان الماضي دخل كريم بنزيما سجل التاريخ خلال مباراة فريقه ريال مدريد مع فريق مانشستر يونايتد الإنجليزي في نصف نهائي رابطة أبطال أوروبا، وذلك حين سجّل ضربة جزاء لفريقه حسمت النتيجة للنادي الملكي، وذلك باستعمال تقنية تعرف بـ”بانينكا” أو الملعقة، وهي تقنية تعتمد على تسديد الكرة بلمسة خفيفة من الأسفل فترتفع ثم تدخل المرمى، واستخدمت هذه التقنية في مرات نادرة من قبل نجوم كرة القدم بسبب إمكانية ضياع التسديدة خارج المرمى.

يدخل كريم بنزيما عامه الـ35 الذي يفترض أنه عمر أفول نجوم لاعبي كرة القدم محملا بنياشين البطولات التي ربحها مع ناديه. إلا أن كريم انتفض من رماده ليلهب ميادين كرة القدم من جديد، وبدا أن التاريخ قد عاد لينصفه.

“لم أستسلم أبدا”.. هدية مرصعة بالذهب إلى فرنسا

كان الموسم الكروي للعام 2021-2022 محتدما كالعادة بين كبريات الفرق الأوروبية، وبدأت أقدام أبطال الكرة في أوروبا تركض نحو المرمى، وفي نفس الوقت نحو جائزة الكرة الذهبية، وبدا منذ نصف الميدان أن كريم بنزيما سيصل قبل الجميع رغم أن منافسيه من طينة الأبطال المحاربين مثل محمد صلاح عن فريق “ليفربول” و”ساديو ماني” عن فريق “بايرن ميونيخ” و”كيليان مبابي” عن فريق “باريس سان جيرمان”.

في 17 من أكتوبر/تشرين الأول وصل بنزيما إلى مرماه وسجل كرة ذهبية في شباك تاريخه. في ذلك الاجتماع المهيب الذي تنظمه دوريا مجلة “فرانس فوتبول” (France Football) لتتويج أفضل لاعب في أوروبا، تقدم بنزيما إلى منصة مسرح شاتليه بكثير من الهدوء والثقة، وكأن كل نكباته وهزائمه في تاريخه الرياضي والشخصي صنعت منه رجلا حكيما.

تسلم بنزيما الجائزة من قدوته زين الدين زيدان بشيء من التأثر وقال: أنا أتذكر منذ الصغر كل العمل والمثابرة، لم أستسلم أبدا.

بعد دقائق يقفز الرئيس الفرنسي بتغريدة متناسيا التمييز العنصري على اللاعبين العرب والأفارقة ويقول: بعد 24 سنة من فوز زين الدين زيدان، ها هو كريم بنزيما يهدي فرنسا الكرة الذهبية.