هتلر.. القائد الذي أعاد هيبة الجيش وتوعد بتدمير اليهود

من أعالي جبال الألب ذات القمة البيضاء، حيث جمال الطبيعة والمناظر الخلابة والنسيم العليل، كان القائد يقضي معظم وقته في القصر الذي صُمِّم وفقا لما أراد هو.

وفي قاعة العمل المطلة على التلال الملبدة بالثلوج، استقبل القادة والسياسيين، ووضع الخطط التي يراها مناسبة لبناء دولته التي يحلم بها.

كانت الخطط والقرارات التي يتخذها هتلر بوصفه زعيما وحيدا في الساحة؛ كافية لجعله رمزا وقائدا في نظر الشعب الألماني.

وضمن “سلسلة هتلر” التي عرضتها الجزيرة الوثائقية تأتي الحلقة الثالثة بعنوان “هتلر.. القائد” ناقشت المسار السياسي والعسكري الذي انتهجه بين عامي 1935 و1938، وأبرز الأحداث التي خاضها قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية.

تجاوز اتفاقية فرساي

بعدما أكمل قبضته على الساحة السياسية دون منازع واستبد بالسلطة، بدأ في تنفيذ خطته كمنقذ لألمانيا وشعبها. واقتنع به الشعب وأصبحت صوره في كل مكان، وعلى جميع الملصقات والماركات ولوحات الإعلان، وأصبح يُنظر إليه كقائد كاريزمي.

يرى أستاذ التاريخ غاي والترز أن شخصية هتلر كانت تغلب عليها النرجسية، وهو بحاجة دائما لإظهار التعبير عن التأييد المطلق والتزلف.

أُجبرت ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى على توقيع اتفاقية فرساي للسلام من قبل قوات الحلفاء، ومن أهم بنود هذه المعاهدة حظر التسليح الجوي على الجيش الألماني، وعدم السماح لجنوده بتجاوز عتبة 100 ألف مقاتل.

لكن هتلر كان من أولوياته بناء الجيش وإعادة تسليحه، فبدأ بخرق الاتفاقية وأنشأ سلاح الجو الألماني.

بعدما أكمل قبضته على الساحة السياسية دون منازع واستبد بالسلطة، بدأ هتلر في تنفيذ خطته كمنقذ لألمانيا وشعبها

وفي 10 مارس/آذار 1935 أعلن الجنرال هيرمان غورينغ إنشاء سلاح الجو الألماني، ودعا هتلر سفراء فرنسا وبريطانيا وإيطاليا في عطلة نهاية الأسبوع، وأبلغهم عزمه إعادة بناء الجيش الألماني، لكنه أكد لهم أن الهدف من هذه الخطوة هو المحافظة على بسط السلام.

وبعد أيام من اجتماعه مع السفراء الأجانب أعلن الجيش أن عدد أفراده قد انتقل من 100 ألف مقاتل إلى نصف مليون مسلح، فزاد فرح الجماهير بهذه الخطوة التي أعادت لألمانيا عظمتها ومكانتها بين الدول الكبرى.

وقد كانت اتفاقية فرساي تمنع على القوات الألمانية دخول ولاية راينلاند التي تقع قرب الحدود البلجيكية والفرنسية، لكن هتلر عزم على إعادة تسليحها ونشر قواته على أرضها.

وفي 7 مارس/آذار 1936 دخلت القوات المسلحة الألمانية مدينة راينلاند، ولم تعترض فرنسا على خطوته التي تعتبر أول حركة عملية قام بها لرد الاعتبار والكرامة لدولته.

وكان القائد الجديد يتبنى خطابا دينيا كلاسيكيا، حيث يقول: إن العناية الإلهية ترسم له طريق النجاح للنهوض بدولته، وإن الله أرسله لينقذ الشعب من الأزمة التي لحقت به بسبب الحرب العالمية الأولى.

اقتنع الألمان بأن القائد الجديد هو البطل الذي كانوا يحلمون به بعدما خرج على معاهدة فرساي ولم يرض لدولته بالتبعية والإهانة، لكن هتلر اعتبر أن هذه ليست سوى البداية على طريق استعادة الكرامة والعظمة.

إنجازات في الميدان

وفي صيف 1936 حقق هتلر نجاحات وطنية كبيرة، فقد أطلق أول شبكة طرق سريعة في العالم، واستضاف الأولمبياد التي احتل فيها الألمان الصدارة بحصولهم على 89 ميدالية.

وفي العام نفسه اكتمل إعادة تصميم قصر برغهوف الذي يقع وسط المروج الخضراء وتحيط به جبال الألب المدهشة، ليعكس مكانة الدولة وقيادتها.

وأصبح مقر برغهوف مكانا رائعا تمتزج فيه السياسة بمتعة الطبيعة، وتؤخذ فيه القرارات العسكرية وتدار منه أمور الدولة، ويشكل جمال بنائه رمزية لقوة الدولة وهيبتها.

وقد ضم المبنى بعد إصلاحاته ثكنات عسكرية لحراس هتلر، ومنازل فخمة للقيادات العليا، كما ضم عددا من الأنفاق والمخابئ السرية التي تُستخدم وقت الطوارئ.

في 7 مارس/آذار 1936 دخلت القوات المسلحة الألمانية مدينة راينلاند

وفي أغسطس/آب 1936 وُضعت في القصر الجديد “خطة السنوات الأربع” لتطوير الاقتصاد والجيش، وعمل هتلر على إقناع القادة الأجانب بها، وقدمها لهم في صورة إيجابية تعتمد على دعم الاستقرار السياسي والتطور الاقتصادي في أوروبا.

وفي 30 يناير/كانون الثاني 1937 سحب هتلر توقيع ألمانيا من معاهدة فرساي، وخرج في تجمع جماهيري وخاطب شعبه قائلا “بفضل المجتمع الذي أنشأته قمنا باستعادة تنظيم الجيش وتخلصنا من القيود المفروضة علينا، والتي كانت أكبر وصمة عار عرفها شعبنا”.

وكعادته في كل خطاباته، سحر الجماهير بنبرته القومية وفُتن به المواطنون وزادت شعبيته.

استعادة الأرض

بعد ثلاث سنوات من توليه مقاليد السلطة، أعطى للقوات المسلحة أولوية كبيرة من الدعم، وارتاح الجنرالات وقادة المؤسسات العسكرية بحصولهم على معدات ووسائل جديدة.

رأى هتلر أن الخطوة الأهم هي أن تستعيد البلاد جميع الأراضي التي كانت تحت سيطرتها قبل الحرب العالمية الأولى، فاجتمع بالقادة العسكريين وناقش معهم نيته استعادة الأراضي المحتلة، لكن الجنرالات لم يكونوا مقتنعين بالتسرع في دخول الحرب.

أبدى هتلر انزعاجه من معارضة قائد الجيش ودفعه لتقديم استقالته بحجة أنه لم يكن ملتزما أخلاقيا. وبعد استقالة قائد القوات المسلحة، أُعلن في الإذاعة أن هتلر أصبح هو القائد العام للجيش بعد شغور المنصب.

شخصية هتلر كانت تغلب عليها النرجسية

وبعد تفرده بقيادة الجيش والسلطة السياسية زاد شعوره بالعظمة وتضخم الذات، وبدأ يحسب نفسه واحدا من الزعماء الأبطال الأسطوريين الذين صنعوا التاريخ.

ومنذ صباه كان هتلر معجبا بملك روسيا فريدريك الأكبر الذي قاد الكثير من الحروب والحملات بجهوده الخاصة، ورأى أنه يتجسد في ذاته. وقد روج وزير الدعاية جوزيف غوبلز هتلر بأنه يمثل الملك المحارب فريدريك الذي نحت إمبراطوريته بمفرده.

احتلال النمسا

وبعدما تخلص من قائد الجيش، كانت خطواته الأولى في توسيع دائرة الأراضي الألمانية تتجه نحو بلده الأصلي النمسا، لأنه يرى أن النمسا وألمانيا تمثلان وطنا واحدا، ولا معنى للخط الحدودي الذي يفصل بينهما.

وفي 12 فبراير/شباط 1938 زار المستشار النمساوي فاكناري شوشنيك ألمانيا وعقد لقاء مطولا في قصر برغهوف مع نظيره الألماني، وتطرقا لموضوع استقلال النمسا، وحينها أبدى هتلر رغبته في تشكيل اتحاد قوي ومتين بين الدولتين.

هتلر كان يكره دولة تشيكوسلوفاكيا لأنها تشكلت بعد معاهدة فرساي.

وبعد الكثير من الضغوط والحملات الدعائية دخلت القوات الألمانية إلى النمسا في 12 مارس/آذار 1938 بأوامر مباشرة من القائد، ولم يواجه الجنود الألمان أي مشكلة، بل قوبلوا بالزهور والفرح والترحيب من السكان النمساويين.

وبعد انتهاء دخول الجيش كان هتلر يقود موكبا خاصا ويتجول في المكان الذي قضى فيه السنوات الأولى من حياته.

ويرى روبرت سيتينو أستاذ التاريخ في جامعة نورث تكساس أن تلك الحادثة كانت من أجمل اللحظات التي عاشها هتلر في حياته. وبعد عودته إلى برلين، خرج جميع الألمان ليعبروا عن فرحهم بانتصار قائدهم الملهم.

صانع السلام

وقبل انتهاء الفرح بالنصر الذي حققه في ضم النمسا دون قتال، كان هتلر قد وضع خطته للتوجه نحو تشيكوسلوفاكيا، وهي البلد الذي يتكون من ثلاثة ملايين نسمة يتحدثون اللغة الألمانية.

وتقول مؤلفة كتاب “الوساطة مع هتلر” إيما كرايجي إن هتلر كان يكره دولة تشيكوسلوفاكيا لأنها تشكلت بعد معاهدة فرساي.

وفي ربيع 1938 أمر هتلر القوات المسلحة بالتحضير لغزوها وضمها لدولته، لكن فرنسا وبريطانيا وقفتا إلى جانب تشيكوسلوفاكيا، وخوفا من وقوع الحرب أُعطي هتلر إقليم ستودينتلاند.

وبعد الحصول على ستودينتلاند أقام هتلر الاحتفالات وتم وصفه بصانع السلام، لكنه كان يشعر بالانزعاج لأنه يعتقد أن الأبطال يحققون النجاح والنصر على أرض المعارك وليس في قاعات المفاوضات.

تدمير اليهود

يعتبر عام 1938 فترة المواجهة والحرب على اليهود الذي طالما وصفهم هتلر بالسرطان الذي ينخر الجسم الألماني. وفي حديثه للوثائقي قال ريتشارد أوفيري: إن عام 1938 شكل مرحلة من زيادة الأنشطة المعادية لليهود في ألمانيا.

وفي المدن النمساوية بدأ النازيون باتخاذ إجراءات عملية لطرد اليهود ومصادرة ممتلكاتهم وقتلهم.

في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 1938 كانت “ليلة الزجاج المكسور” التي تم فيها تحطيم المنازل والمعابد والمحال التابعة لليهود

وفي 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1938 قام يهودي بولندي بإطلاق النار على مسؤول نازي في السفارة الألمانية في باريس وتوفي على أثرها، فكان ذلك سببا في فتح باب التنكيل باليهود. وبعد تخطيط من وزير الدعاية جوزيف غوبلز خرجت المظاهرات الشعبية الغاضبة ضد اليهود في ألمانيا.

وفي 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 1938 كانت “ليلة الزجاج المكسور” التي تم فيها تحطيم المنازل والمعابد والمحال التابعة لليهود، وحينها بدأت الحكومة الألمانية في اعتقالهم وإرسالهم للسجون المخصصة لهم. وقتها شعر هتلر بالارتياح للانتقام من اليهود الذين كان يعتبرهم أعداء الشعب الألماني.

ورغم ما كتبته الصحافة الدولية حينها عن الجرائم التي ارتكبت بحق اليهود، فإن هتلر حافظ على صورته كرجل يصنع السلام ويسكن في الريف وفقا لوصف مجلة الحدائق البريطانية.

وفي 30 يناير/كانون الثاني 1939 خرج هتلر في مسيرة ليلية، وأطلق أيدولوجيته الجديدة، حيث قال إنه سيعمل على تدمير العرق اليهودي في أوروبا.