يونس شلبي.. وجه الطفل وقلبه

بلال المازني

لقد خلا عُرسه من المطربين كما خلت جنازته من أصدقائه. إنها مفارقات غريبة حفّت حياة فنان أدخل الضحكة البريئة في قلوب ملايين العرب، إنه الفنان المصري يونس شلبي.

طلب من أصدقائه الفنانين ألا يحضروا عرسه لأنه لن يستطيع توفير الطعام إلا لعدد قليل من المدعوين هم أقاربه وأقارب عروسه، لكنهم جميعا كانوا هناك يتقدمهم “المشاغبون”. غير أنه حين شُيّعت جنازته في الـ12 من نوفمبر/تشرين الثاني 2007 غابوا جميعا؛ أصدقاؤه المشاغبون وزملاؤه الفنانون.

قالت المذيعة المصرية إسعاد يونس “ألحّ سعيد صالح عليّ بالذهاب لحفل زفاف يونس شلبي، وأنه لا يجوز عدم الحضور”. وأوضحت خلال حلقة من برنامج “صاحبة السعادة” أن صالح قام بجمع 400 شخص، الأمر الذي أصاب يونس شلبي بالصدمة خلال الفرح وطالبهم بمغادرة الحفل “لعدم وجود طعام”. حياة تكاد تكون مُعدمة رافقت ذلك الطفل الكبير “الغلبان”.

 

“بوجي وطمطم”.. مسلسل نجم لا يكبر

في 31 مايو/أيار 1941 كان ميدان الطمي في المنصورة بدلتا مصر شاهدا على ولادة نجم لم يكبر أبدا، وظلّ يعيش بقلب الطفل ووجهه وابتسامته. أحبه الأطفال وأحبهم وكان يقول “أهم مسلسل في حياتي هو مسلسل الأطفال بوجي وطمطم”، وهو المسلسل الذي ظلّ يقدمه لمدة 18 عاما منذ 1983 بأحداث مختلفة، حيث كان يُعرض كل عام خلال شهر رمضان.

عشق يونس شلبي -المولود في أسرة بسيطة بعيدة عن الفن- التمثيل منذ صغره، وعارض والدُه تلك الميول مُفضّلا لابنه أن يبحث عن وظيفة حكومية تضمن له راتبا يستطيع العيش منه وأولاده، لكن الفتى الذي عشق التمثيل وبدأه من المدرسة في عروض الفن والمسرح اتجه نحو القاهرة والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية عقب انتهائه من الثانوية العامة، واستطاع شلبي أن يلفت انتباه المخرج المسرحي نبيل الألفي عميد المعهد، وطلب من شلبي أن يشارك في أعماله التي يخرجها.

 

“مدرسة المشاغبين”.. نقطة تحوّل

شارك يونس شلبي في أول عمل مسرحي بعنوان “الغول” عام 1969، وذلك عقب حصوله على بكالوريوس الفنون المسرحية في قسم التمثيل، وانضم بعدها إلى فرقة الفنانين المتحدين مع نجمي الكوميديا “عادل إمام” و”سعيد صالح” الذي لفت انتباههما بأدائه.

وكانت مدرسة المشاغبين التي انطلقت عام 1971 هي نقطة الانطلاق الحقيقية لهؤلاء النجوم، فبعد كوميديا إسماعيل ياسين وعبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس، كانت مدرسة المشاغبين نقطة التحول لبداية تاريخ جديد في الكوميديا المصرية.

استطاع منصور ابن الناظر الذي يعاني من التلعثم في الكلام وعدم القدرة على نطق جملة مفيدة؛ أن يهزّ المسرح بقوة من الضحك فور تقمص يونس شلبي للدور، فخروجه عن النص بطريقة مُفاجئة كانفجار مباغت أعجز كلا من سعيد صالح وعادل إمام عن إخفاء ضحكاتهما وذهولهما من يونس شلبي الذي كان يُبدع ويُفجّر الضحك من القلوب والأفواه وهو يخرج عن النص باسترسال عميق ودون انقطاع، مُجسدا بذلك شخصية الفتى غير الناضج.

وهو ما حدث أيضا في مسرحية “العيال كبرت” (1979)، إذ خرج يونس شلبي بشخصية الولد “عاطف” عن النص أيضا عندما قال “كلهم بيهزوا دماغهم”، في إشارة لنوّاب البرلمان المصري، وقامت بعض الفضائيات المصرية بحذف تلك الجملة عند إعادة عرض المسرحية.

شارك يونس شلبي بأدوار صغيرة في نحو 77 فيلما سينمائيا
صورة تجمع الفنان يونس شلبي بالفنان المصري أحمد بدير في أحد المشاهد التي مثلا فيها معا

 

النجاح والسقوط المدوّي

استحق يونس شلبي لقب صانع البسمة ومنتزع الضحكة، إنه الفنان الذي يُضحك الجميع بمجرد أن يُطلّ بوجهه البريء وقبل أن ينطق بكلمة واحدة، فهو من جيل مدرسة المشاغبين الذي فجّر عاصفة الكوميديا المصرية.

شارك يونس شلبي بأدوار صغيرة في نحو 77 فيلما سينمائيا، كما قام ببطولة عدد قليل من الأفلام التي يعتبرها النقاد والسينمائيون ذات طابع تجاري قليل القيمة فنيا، ومنها “العسكري شبراوي” و”مغاوري في الكلية” و”سفاح كرموز” و”الشاويش حسن” و”عليش دخل الجيش” و”رجل في سجن النساء”، لكن أدواره الأكثر أهمية في رأي النقاد كانت في أفلام قام ببطولتها آخرون، ومنها “الكرنك” و”شفيقة ومتولي” للمخرج علي بدرخان و”إحنا بتوع الأوتوبيس” للمخرج الراحل حسين كمال.

ويبدو أن عبقرية يونس شلبي الفنية لم تشفع له في الكثير من الأفلام التي كانت تتراوح بين الرديئة والمتوسطة، فقد استنقصت الكثير من الأدوار التي اختارها شلبي قيمته الفنية وتفرده الأدائي، وجنت عليه أدوار البطولة غير المدروسة ووضعته في خانة أقل من زملائه.

شارك يونس شلبي أيضا في أكثر من 20 مسلسلاً تلفزيونياً منها “عيون” و”الستات ما يعملوش كده” و”أنا اللي أستاهل”، إضافة إلى “بوجي وطمطم”.

 

الموت المُرّ

تضاءل نشاط شلبي الفني بسبب المرض مع بداية الألفية، إذ أُصيب بالسكري وبالقلب، وتدهورت حالته المالية والصحية، ومنحه عادل إمام دورا صغيرا معه في فيلم “أمير الظلام” (2002) كـحكم مباراة، وكانت ملامح المرض بادية عليه، وختم يونس شلبي بصافرة الحكم في طيور الظلام أدوار مسيرته المُضنية التي خاضها بقلب طيّب وبسذاجة طفل يبتسم في وجه الجميع.

اشتدّ عليه المرض وبدأ رحلة علاجه الطويلة والمرهقة صحيا وماديا، إذ أجرى أكثر من عملية لزراعة الشرايين في ساقه وقلبه الذي بدأ يُنبئ بدقات هذا الفنان الأخيرة.

ومن مفارقات الدنيا أن الغلبان يونس شلبي وفي تلك المحن المتكررة تخلّت عليه نقابة الفنانين، كما خذله الأصدقاء والزملاء حتى بالسؤال عنه عدا القليل منهم.

أتعبهُ قلبه الذي لم يستطع تحمّل المعاناة، ولم يستطع الصمود كثيرا رغم كفاح يونس شلبي الدائم. “الحمد لله، أنا في طريقي للشفاء التام”، هذا ما قاله لجمهوره عام 2006 على برنامج “البيت بيتك”، وربما كان يقصد أن الموت هو الشفاء الوحيد.

توفي يونس شلبي فقيرا بعد أن باع ممتلكاته من أجل العلاج في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2007 بأزمة تنفسية حادّة، وذلك بعد 66 عاما منحنا منها 32 عاما من البهجة والسعادة، وشُيّعت جنازته دون أن يرافقها أحد من أصدقائه المشاغبين ولا أحد من زملائه الفنانين، ودُفن في مقابر العيسوي بالمنصورة.