الفيديو يقود الثورة الإعلامية القادمة

محمد موسى

 

على رغم أنها انطلقت قبل أسابيع قليلة فقط وفي الولايات المتحدة حصراً، إلا أن النتائج التي حققتها خدمة الفيديو الجديدة الخاصة بموقع فيسبوك (Facebook Watch) حتى الساعة تعد لافتة وعلى أكثر من صعيد، فعدد مشاهدي الخدمة في ازدياد متواصل، وهناك ارتفاع في سعر أسهم شركة فيسبوك. في تأكيد أن الخدمة سيكون لها موقع مُهم بين المتنافسين على سوق الفيديو على شبكة الإنترنت، وبواسطتها ستحاول “فيسبوك”منافسة “يوتيوب” وربما إزاحته عن عرشه كأكبر منصة للفيديو على الإنترنت في العالم. كما تتيح خدمة الفيديو الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي الشعبي، بقاء الأخير في قلب ثورة الاتصالات التكنولوجية والتي يمثل الفيديو أهم ركائزها، حيث يُشَّكل اليوم أكثر من نصف المعلومات المتنقلة عبر الإنترنت، ويتوقع أن تصل هذه النسبة إلى السبعين بالمائة في الخمس سنوات القادمة.

وتجمع الخدمة الجديدة – التي لم يُعلن عن موعد تدشينها في مناطق أخرى بعد – الكثير من الفيديوهات المنشورة أصلاً على موقع التواصل الاجتماعي إضافة إلى مواد جديدة تُعد خصيصاً للموقع، حيث ستوزع على أقسام عديدة ليسهل على المتصفح الوصول إلى ما يرغب، كما أن خدمة “فيسبوك ووتش” ستبرز الفيديوهات التي حصلت على أكثر نسبة مشاهدة خلال اليوم والأسبوع والشهر، وهناك قسم خاص للبث الحيّ على الموقع، والذي مازال في بدايته، ليساعد المتصفح في الوصول إلى الفيديوهات الحيّة التي يصورها أفراد أو مؤسسات. وتمنح الخدمة الجديدة أيضاً مساحة للتغطيات الحيّة أو المسجلة للفعاليات العامة مثل الحفلات الموسيقية والمباريات الرياضية. وهناك أيضاً مساحة للفيديو الذي يدعمه “فيسبوك”، ومساحة للفيديوهات الخاصة بفيسبوك نفسه، إذ يخطط الموقع الأزرق لإنتاج مواد ترفيهية بميزانيات يُقال إنها ستصل إلى مئات الملايين من الدولارات الأمريكية.

تندرج الخدمة الجديدة لموقع التواصل الأكبر في العام ضمن الجهود التي تسعى لتنظيم استلام الفيديو، فبدل أن تبقى الفيديوهات مقتصرة على مجاميع الأصدقاء أو المشتركين في المجموعات العامة، تفتح خدمة “فيسبوك ووتش” الأبواب للجميع للتعرف والبحث عما يرغبون ضمن آلاف الساعات من الفيديوهات التي توضع يومياً على موقع التواصل الاجتماعي، حيث يرغب الأخير من الاستفادة من البنية التحتية التي يملكها حول العالم، للاستحواذ على حصة من سوق الفيديو، والتي مازالت وإلى حدود كبيرة بيد شركة “غوغل” التي تملك موقع “يوتيوب”.

النتائج التي حققتها خدمة الفيديو الجديدة الخاصة بموقع فيسبوك (Facebook Watch) حتى الساعة تعد لافتة

وللتنافس والاستثمار في سوق وتكنولوجيا الفيديو على الإنترنت أثارهما المباشرة على عوالم القنوات التلفزيونية، وكما بيَّن المؤتمر الأخير لاتفاقية الإذاعة الدولية “IBC” (International Broadcasting Convention) الذي عقد أخيراً في العاصمة الهولندية أمستردام (من 13 إلى 18 من شهر سبتمبر)، ويعد أكبر تجمع سنوي لتكنولوجيا صناع التلفزيون في العالم، إذ جذبت النقاشات والاختراعات المخصصة في الأساس لصناعة الفيديو لشبكة الإنترنت، الاهتمام الأكبر في هذا التجمع. كما لم تعد – وكما كان الحال في الماضي –  تكنولوجيا البث الفضائي للتلفزيونيات، هي التي تهيمن على هذه المؤتمرات، إذ تحل بدلها اليوم تكنولوجيا رخيصة كثيراً مقارنة بالسابقة، والتي تتميز بحجمها الصغير وسهولة استخدامها، ليجعلها مثالية في تغطية الأحداث السريعة، والتي يتطلب الوصول إليها عن طريق القنوات التقليدية للتلفزيون أوقاتاً طويلة نسبياً.

تركز الاهتمام في مؤتمر “أي بي سي” الأخير على آخر التطورات التي تخص البرامج الإلكترونية التي تسهل تحويل الفيديو المصنوع عن طريق كاميرات أو هواتف نقالة إلى بث حيّ تنقله مباشرة محطات تلفزيونية محافظاً على نسبة معقولة من دقة الصورة والصوت، وهما الأمران اللذان كانا عقبة في الماضي بوجه البث الحيّ الذي تصوره أجهزة الهاتف الصغيرة. كما عرضت الكثير من الشركات المتخصصة بإنتاج البرامج الإلكترونية نسخها الحديثة من البرامج التي تحفز المشاهد على التفاعل مباشرة وعن طريق ما يعرف بالشاشة الثانية مع البرامج سواء المعروضة على القنوات التلفزيونية التقليدية او الإنترنت، وهو الأمر الشائع اليوم كثيراً مع برامج اختيار المواهب الموسيقية التلفزيونية التي تطلب من مشاهديها التصويت عبر أجهزة الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية المحمولة لاختيار ما يرونه الأفضل.

اهتم مؤتمر القنوات التلفزيونية في أمستردام بالخيارات المتاحة لخزن ومونتاج الفيديو في الحوسبة السحابية “الكلاود”، حيث تتصدر شركة “أمازون” هذا المجال بما توفره من إمكانات لخزن والتعامل مع المواد المصورة المخزونة. هذا علاوة على ما تقوم به شركة Twitch والمملوكة لـ “أمازون”، بتطوير برامج تفاعلية مثيرة، وتوفير إمكانات كثيرة للتفاعل مع المحتوى المعروض على الشاشة الرئيسية من قبل الذين يتابعون البرنامج، أو حصره بفريق القناة المتوزع على دول، وهي العملية التي كانت تتطلب في الماضي جهود نقل تلفزيونية كبيرة وتكاليف باهظة.

وكما يحدث في كل عام في تجمع “أي بي سي”، يستأثر خبر أو تقنية ما على الحدث السنوي. هذا العام كان من نصيب اليابان التي تطور حالياً بثاً حيّاً بجودة صورة  “”8K، وهي التكنولوجيا التي تشتغل عليها منذ سنوات شركات يابانية استعداداً للأولمبياد القادم في طوكيو في عام 2020 . تزيد دقة هذا النظام الجديد بأربع مرات عن نظام “4K”، وثماني مرات عن نظام “HD”. وإذا كانت الكثير من الأجهزة الإلكترونية وشبكة الإنترنت غير جاهزة حالياً لنقل هذا النظام، الا أن قنوات تلفزيونية تخطط لبث جزء من مباريات الأولمبياد بهذا النظام، معلنة عودة اليابان إلى عالم الاختراعات الجديدة وبعد غياب طال سنوات عديدة.

الخدمة سيكون لها موقع مُهم بين المتنافسين على سوق الفيديو على شبكة الإنترنت، وبواسطتها ستحاول “فيسبوك”منافسة “يوتيوب” وربما إزاحته عن عرشه كأكبر منصة للفيديو على الإنترنت في العالم

المستقبل

حتى سنوات قليلة ماضية، كان النقل التلفزيوني الحيّ يعني شاحنات خاصة تنقل معدات وزنها بالأطنان، وفريق من الاختصاصين. هذه المفاهيم في طريقها إلى التلاشي مع توفر البدائل الرخيصة، والتطور المذهل الذي يسير بوتيرة سريعة للغاية في دقة الأجهزة الإلكترونية مثل الكاميرات الصغيرة التي تتصل مباشرة بالإنترنت، علاوة على تقدم شبكة الإنترنت ذاتها، وقدرتها اليوم على نقل ملفات الفيديو الكبيرة نسبيا دون مشاكل كبيرة وكما كان يحدث في الماضي. هذا كله سيفتح الأبواب الواسعة لمشاركة ناس عاديين في رسم معالم المشهد الإعلامي المستقبلي، وإنهاء هيمنة وتحكم المحطات التلفزيونية أو مواقع الإنترنت العملاقة في ما يصل إلينا من معلومات.


إعلان