اكتشاف الماء في كوكب آخر.. هل يمكن أن نجد حياة خارج الأرض؟
مراد بابعا
لطالما شكل وجود حياة خارج الأرض مادة دسمة لنسج قصص خيالية أو كتابة أفلام سينمائية، آخرها فيلم المغامرة والخيال العلمي “آد أسترا” (Ad Astra) للممثل براد بِت، والذي يلعب دور “روي ماكبرايد” الذي يذهب إلى أبعد حدود في المجموعة الشمسية بحثا عن والده المختفي، وحل لغز يهدد الحياة على الأرض. لكن المغامر يكتشف أثناء رحلته معطيات تشكك في الوجود البشري ومكانتنا في هذا الكون.
أفلام أخرى مشهورة سلطت الضوء على إمكانية وجود حياة خارج الأرض، من أشهرها “حرب النجوم” (Star Wars)، وفيلم “بين النجوم” (Interstellar)، وأيضا فيلم “المريخي” (The Martian) وسلسلتي “كائنات فضائية” (Aliens) ” و”المفترس” (Predator)..
واليوم أصبح هذا الموضوع -الذي أرهق العقل البشري عبر العصور وألهم الكتاب والروائيين- يجد له بعض الإجابات العلمية المعززة بالدلائل والبراهين.
فقد تمكن فلكيون بداية شهر سبتمبر/أيلول الماضي من رصد آثار لبخار الماء في الغلاف الجوي لكوكب خارج المجموعة الشمسية اكتشفوه في 2015، وظلوا يراقبونه منذ ذلك الوقت بواسطة منظار “هابل” الشهير.
وهذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يعلن فيها علماء عن اكتشاف الماء خارج الكرة الأرضية، خصوصا أن هذا الكوكب المسمى “كي2-18 بي” (K2-18b) يُظهر درجات حرارة مناسبة لعيش البشر.
فما هي إذن أهمية هذا الاكتشاف الجديد، وهل المعطيات المتوفرة كافية فعلا لتأكيد وجود حياة بعيدا عن الأرض، وما الذي يجنيه البشر من أبحاث الفضاء التي تكلف مليارات الدولارات سنويا؟
اكتشاف غير مسبوق
أن تجتمع ثلاث كلمات “كوكب” و”ماء” و”غلاف جوي” في اكتشاف فلكي أمر يجعل العقل البشري يذهب مباشرة إلى التفكير في وجود حياة أو كوكب يشبه كوكب الأرض.
فالعالم استفاق صبيحة الأربعاء 11 سبتمبر/أيلول 2019 على وقع خبر العثور على بخار الماء بالغلاف الجوي لكوكب “كي2-18 بي” حسب بحث أجراه فريق من العلماء بكلية لندن الجامعية نشر في دورية ناتشر أسترونومي (Nature Astronomy).
أكد البحث أن الكوكب الصخري الجديد يشبه الأرض إلى حد كبير من حيث الطقس العام الذي يتميز بالدفء، وأيضا من حيث دورانه حول نجم بعيد خارج نظامنا الشمسي، وهو ما يحاكي دوران الأرض حول الشمس.
كوكب “كي2-18 بي” الشبيه بالأرض كانت عثرت عليه مركبة “كيبلر” الفضائية التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” قبل أربع سنوات، ويتراوح حجمه بين حجم الأرض وكوكب “نبتون”.
وهذا الكوكب الذي يبعد عنا بنحو 110 سنوات ضوئية (السنة الضوئية تعادل 9640 مليار كلم تقريبا) أثار دهشة العلماء على اعتبار أنه يدور حول نجم في النطاق الممكن أن يوجد فيه الماء في الحالة السائلة بين صفر و40 درجة مئوية.
ورغم أهمية الاكتشاف من الناحية النظرية، فإن الوصول إلى معلومات إضافية في الوقت الحالي تبقى صعبة جدا، في انتظار دخول مناظير (تلسكوبات) جديدة أكثر تطورا حيز الخدمة خلال الأعوام العشرة المقبلة لتحديد ما إذا كان الغلاف الجوي لـ”كي2-18 بي” يحتوي على غازات يمكن أن تنتجها كائنات حية أم لا.
واستطاع علماء الفلك في السنوات الأخيرة اكتشاف أكثر من أربعة آلاف من الكواكب من كافة الأنواع والأحجام خارج المجموعة الشمسية، لكن لا تتوفر فيها الشروط الأساسية للحياة، إما بسبب حجمها الكبير، أو بسبب قربها أو بعدها عن النجوم؛ مما يجعل حرارتها مفرطة أو باردة جدا.
وعندما نتحدث عن إمكانيات وجود حياة في كوكب ما، فما يبحث عنه العلماء هو فقط كائنات مجهرية دقيقة حية أو منقرضة، لكنها قد تحمل معها إجابات لفهم تركيبة الكون وأصل الحياة.
دلائل تحتاج إلى تدعيم
هذا الاكتشاف غير المسبوق بوجود بخار الماء في الغلاف الجوي لـ”كي2-18 بي” يبقى مبنياً فقط على استنتاجات متأتية من حسابات خوارزمية ونظرية معقدة جدا توصلت فقط إلى وجود بخار الماء، وبالتالي توقعت تكوّن سحب ونزول أمطار وتجمع ماء سائل على السطح. لكن يبقى كل هذا مبنيا على نظريات، وعلى بعد 110 سنوات ضوئية يستحيل تأكيد هذا المعطى في الوقت الراهن.
كما أن التوصل إلى وجود ماء سائل ليس دليلا كافيا لتأكيد وجود حياة على كوكب ما خصوصا خارج مجموعتنا الشمسية، فالعلماء لم يتوصلوا بعد إلى تحديد كل الغازات التي يمكن أن تنتجها الكائنات الحية، وذلك يتطلب بحث التركيب الكيميائي لمئات من الكواكب وفهم طريقة تكوينها وتطورها.
من جهة أخرى، شكك بعض علماء الفلك في الطابع الصخري للكوكب الشبيه بالأرض، إذ إن مكتشفيه أكدوا أن شعاعه يفوق شعاع الأرض بـ2.3 مرة، وكثافته تتراوح ما بين 6 و10 مرات أكثر من كثافة الأرض. إلا أن هذه الأبعاد لا تنطبق على الكواكب الصخرية، فإذا أخذنا بعين الاعتبار شعاع الكوكب “كي2-18 بي” وافترضنا سلفا أنه صخري، فإن كثافته يجب أن لا تقل عن 20 مرة كثافة الأرض.
شكلت هذه الكواكب البعيدة عن الأرض موضوع أبحاث لسنوات عبر بعض الصور والبيانات والموجات الكهرومغناطيسية التي ترسلها مركبات وكالات الفضاء وعلى رأسها الوكالة الأمريكية “ناسا”.
فالمركبات الاستكشافية التي بعثها البشر وعادت إلى الأرض بصور ودلائل لم تتمكن من أن تتجاوز حدود المريخ، بينما المركبات الأخرى الذي ذهبت أبعد من ذلك فإنها لا تعود، وتبقى ترسل إشارات وتسبح في الفضاء، ومن أشرها مسبار “فوياغر2” (voyager 2) الذي أطلقته “ناسا” منذ 1977 واستطاع نهاية العام الماضي تجاوز حدود نظامنا الشمسي في ثاني مرة في التاريخ.
ميزانيات ضخمة.. ما الفائدة؟
قد يرى البعض في الأموال الضخمة التي تصرف على الأبحاث الفضائية تبذيرا للأموال، خصوصا أن هذه الأبحاث لا تنعكس مباشرة على الحياة اليومية للبشر، وتظل مجرد توقعات وتقديرات بالنظر إلى المسافات الكبيرة التي تفصلنا عن هذه الكواكب التي تتم دراستها.
فالولايات والمتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي تخصص مليارات الدولارات سنويا لتمويل وكالاتها للأبحاث الفضائية. والنفقات المخصصة للأقمار الصناعية والصواريخ والمركبات الفضائية ومئات آلاف الأشخاص العاملين في هذا المجال تتزايد سنوياً بنسبة 1% تقريباً.
فمثلا الميزانية السنوية لوكالة الأبحاث الأمريكية “ناسا” تقدر بـ20 مليار دولار، وتسعى إلى رفعها في أفق 2024 من أجل تمويل مشروعها “أرتيمس” (Artemis) لإعادة رواد الفضاء إلى القمر.
وروسيا من جانبها تتعاون حاليا مع وكالة الفضاء الأوروبية في إطار البرنامج الأوروبي الروسي “إكزومارس” للبحث عن علامات لحياة سابقة وحالية على كوكب المريخ، وهي مهمة تصل كلفتها بما في ذلك المرحلة الثانية في العام 2020 إلى نحو 1.4 مليار دولار تسهم فيها روسيا بالقدر الأكبر.
كما تتعاون روسيا مع الصين لإنتاج مشترك لـ”صاروخ حامل” سيمكّن رواد الفضاء من القيام برحلة فضائية حول القمر، ومن المتوقع الانتهاء من تصنيعه بحلول 2025، مما سيشكل نقلة نوعية في تطوير المركبات المأهولة.
أما محطة الفضاء الدولية فقُدرت كلفت إنشائها بأكثر من 150 مليار دولار بتعاون كل من الولايات المتحدة وروسيا، وبتمويل من كندا واليابان و10 دول أوروبية، وتعتبر المشروع العلمي والتكنولوجي الأكثر تطورا والأعلى كلفة على الإطلاق الذي أنشأه البشر.
أبحاث الفضاء وحياة الناس
لا شيء يمكنه أن يبرر الميزانيات الضخمة التي تصرف على الأبحاث والمشاريع الفضائية سوى الفائدة التي يمكن أن نجنيها نحن البشر من ورائها، وهنا لا بد أن نتحدث عن هذه الفوائد، والتي كثيرا ما تتوارى خلف أخبار البحث عن الكواكب والبحث عن علامات الحياة بعيدا عن الأرض.
فأهم اختراعات البشر بفضل أبحاث الفضاء هي الأقمار الاصطناعية التي تدور حول الأرض وتسهل علينا الحياة اليومية، كالاتصالات ومشاهدة القنوات الفضائية، واستعمال أنظمة تحديد المواقع (GPS) والتنبؤ بأحوال الطقس..
كما أن الأقمار الاصطناعية أساسية في الأمن العسكري، ومراقبة وحماية أمن حدود الدول، وذلك من خلال الصور التي تلتقطها بشكل دائم، كما تساعد أيضا فرق الإنقاذ خلال الكوارث الطبيعية.
وفي الجانب البيئي تراقب “ناسا” طبقة الأوزون، وذوبان الغلاف الجليدي لقطبي الأرض، وتتعاون مع منظمات محلية ودولية في مشاريع مثل “أقمار مراقبة غازات الدفيئة”.
وكالة “ناسا” كانت أيضا سببا في تطور الأطراف الاصطناعية التي يستعملها البشر كبدائل للأطراف المبتورة، وذلك من خلال أبحاث الوكالة الأمريكية لتطوير الروبوتات ومواد امتصاص الصدمات الخاصة برواد الفضاء.