بطاريات “أيون الليثيوم”.. مخزن الطاقة الثوري

مراد بابعا
كم مرة تحسرت على نفاذها، أو خانتك في أوقات حساسة؟
نتحدث طبعا عن بطارية هاتفك المحمول أو حاسوبك الشخصي. هذه القطعة التي تمكنك من استعمال الأجهزة الإلكترونية المتنقلة في أي مكان والحفاظ على الطاقة اللازمة لعملها لمدة طويلة. لقد عمل العلماء لسنوات على تطويرها لتصبح في شكلها الحالي، صغيرة الحجم، وقادرة على تخزين أكبر كمية من الطاقة.
تعتبر حاليا بطاريات “أيون الليثيوم” الأشهرَ على الإطلاق والأكثرَ استعمالا، وبفضل دور العلماء في تطوير هذا النوع من البطاريات؛ مُنحت جائرة “نوبل” الأخيرة في الكيمياء لثلاثة علماء، هم الأمريكي “جون غودينوف”، والإنجليزي “ستانلي ويتنغهام”، والياباني “أكيرا يوشينو”.
ولا ننسى العالم المغربي الأصل “رشيد اليزمي” والذي ساهم في الثمانينيات من القرن الماضي في دمج الليثيوم بالغرافيت، لإنتاج ما يعرف الآن باسم “أنود الليثيوم-الغرافيت” العنصر الأساسي الذي يستخدم في بطاريات الليثيوم القابلة للشحن.
هذا النوع من البطاريات المستخدم تجاريا حول العالم في سوق تبلغ قيمته حوالي 158 مليار دولار؛ يوجد في كل الأجهزة المتنقلة، من الهواتف المحمولة إلى السيارات الكهربائية، وتوصف بـ”المخزن الثوري للطاقة”، لأنها تساهم في حل إشكالات عديدة، عرقلت في السابق من التطور التكنولوجي في مجالات متعددة.
فما هي إذن أهمية بطاريات “أيون الليثيوم” في حياتنا، وكيف سرّعت من التطور التكنولوجي في السنوات الأخيرة، وما هو مستقبل البحث العلمي في هذا المجال، وهل نجد في المستقل بديلا أكثر كفاءة وأمانا؟
البدايات.. ميلاد عصر الطاقة
لا يمكن أن نتصور العالم بشكله الحالي دون وجود البطاريات، فكل الأجهزة المحمولة ووسائل التحكم عن بُعد رهينة بقطعة أساسية تزودها بالطاقة، وتبقى دونها بلا أي فائدة.
كان أول استعمال تجاري للبطاريات سنة 1888 في الولايات المتحدة، وسميت آنذاك “بطارية كولومبيا الجافة”، وقبل ذلك بتسعين سنة استطاع الفيزيائي الإيطالي “أليساندو فولتا” اختراع أول بطارية في التاريخ عام 1799، وتُنسب إليه إلى يومنا هذا تسمية وحدة الجهد الكهربائي الشهيرة (فولت)؛ تقديرا لجهود العالم الإيطالي في هذا المجال.

وتوالت الأبحاث العلمية تباعا وصولا إلى الشكل الذي نعرفه حاليا، والمنقسم بين نوعين، بطاريات تسمى “البطاريات الأساسية” يتم استخدامها مرة واحدة فقط، وبمجرد انتهاء العناصر الموجودة داخلها تصبح غير صالحة للاستخدام. والنوع الثاني يسمى “البطاريات الثانوية” القابلة للشحن، ويمكن إعادة استخدامها مرة أخرى إذا ما تم توصيلها بالكهرباء.
ودون الخوض كثيرا في التفاصيل التقنية المعقدة، فالبطارية هي جهاز قادر على تخزين الطاقة الكهربائية على شكل طاقة كيميائية بين قطبين، قطب موجب (كاثود Cathode) وقطب سالب (أنود Anode)، وتحويلها مجددا بفضل تفاعل الإلكترونات إلى كهرباء عند الحاجة.
وتعتبر بطاريات أيون الليثيوم (Lithium-Ion Battery) الأشهر والأكثر استخداما في وقتنا الحالي، ويتكون قطبها الموجب من أكسيد ليثيوم كوبالت، وقطبها السالب من الكربون، وقد بدأ استخدامها على نطاق واسع منذ عام 1991، لكن اكتشاف تركيبتها كان لأول مرة من طرف الكيميائي الأمريكي “جيلبرت لويس” في عام 1912.
رهان السرعة والأداء
ينطوي عمل البطاريات على مراعاة التركيبة الكيميائية المعقدة التي تميزها بشكل يجعل أداءها قويا، وسرعة شحنها سريعة، وفترة حياتها طويلة، بالإضافة إلى ضمانها شروط استخدام آمنة تتأقلم مع كل الظروف الخارجية.
ويعتبر خلق التوازن بين هذه الخصائص هو التحدي الذي يواجه العلماء حاليا رغم الأشواط الكبيرة التي تم قطعها في السنوات الأخيرة، إذ أصبحت بطاريات (أيون الليثيوم Li-ion) الأكثر استجابة للمعايير المطلوبة بفضل قدرتها على تخزين كمية طاقة كبيرة في حيز صغير جدا، لكن رغم ذلك ما زالت بطاريات “الليثيوم أيون”، في حاجة إلى مزيد من التطوير لجعلها أكثر كفاءة، خصوصا من أجل استعمالها في الأجهزة عالية الأداء، كالسيارات الكهربائية والطائرات بدون طيار.
وبحسب ما نقَل مؤخرا موقع “ديلى ميل” البريطاني، فقد توصل مهندسون في جامعة “بنسلفانيا” في الولايات المتحدة إلى تطوير تقنية قد تُحدث ثورة في قيادة السيارات الكهربائية، وذلك عن طريق شحن بطارية سيارة في غضون عشر دقائق، قادرة على السير ما بين 320 إلى 500 كيلومتر، وتعتمد هذه التقنية على شحن بطارية “الليثيوم” في درجات حرارة مرتفعة عن طريق تزويدها بهيكل تدفئة ذاتي.
وسيتمكن الاكتشاف الجديد –في حال المصادقة عليه- من تحقيق زمن قياسي في عملية الشحن مع الحفاظ على البطاريات لمدة طويلة قد تفوق بـ40 مرة دورة حياتها الحالية.
وتبقى السلامة الهاجس الأكبر أمام بطاريات (Li-ion) التي تظل قابلة للاشتعال إذا تم شحنها أكثر من اللازم، أو إذا تسبب عطل داخلي في حدوث ماس كهربائي، وبسبب هذه الأخطار المحتملة، اتخذت منظمة الطيران المدني الدولي قرارها عام 2016 بمنع شحن بطاريات “الليثيوم أيون” على طائرات الركاب.
وقد تسبب هذا النوع من البطاريات سنة 2016 أيضا بخسائر فادحة لشركة “سامسونغ” الكورية الجنوبية، قدرت بـ17 مليار دولار بسبب مشاكل احتراق البطارية في هاتفها “غالاكسي نوت 7”.
البحث عن البدائل الآمنة
دفعت حوادث احتراق بطاريات “أيون الليثيوم” العلماء إلى التفكير في إيجاد بدائل أكثر أمانا، دون فقدان قدرات التخزين الهائلة التي يتمتع بها هذا النوع من البطاريات، وما زالت الأبحاث متواصلة في هذا الاتجاه، وتوصل بعض الباحثين إلى بدائل ممكنة، لكنها لم تتعدَّ بعدُ مرحلة التجريب.
وقد كثُر الحديث في السنوات الأخيرة عن عدة اكتشافات قد تعوض الليثيوم، من أبرزها ما توصل إليه علماء في المركز المشترك لبحوث تخزين الطاقة الأمريكي، عبر استعمال “الماغنسيوم-أيون” بالحالة الصلبة، والذي يعول عليه لتطوير بطاريات ذات سعة كبيرة، وفي الوقت ذاته آمنة وغير قابلة للاشتعال.
كما تعاونت أيضا جامعة تكساس مع “جون غودينوف” أحد مخترعي بطارية “الليثيوم أيون” والحائز على جائزة نوبل الأخيرة في الكيمياء، من أجل تطوير بطارية تعتمد على الزجاج الصلب، منخفضة التكلفة وأكثر أمانا، وقادرة على تخزين الطاقة بنحو ثلاثة أضعاف بطاريات “الليثيوم أيون”.
ونجح أيضا فريق من الباحثين بجامعتي سري “Surrey” وبريستول “Bristol” البريطانيتين، في تطوير مواد جديدة من أجل استخدام “المكثفات الفائقة”، والتي تمتاز بإمكانية شحنها بسرعة هائلة، وتدوم لمدة أطول، كما أنها أكثر أمانا، لكن كثافة طاقتها القليلة جدا ما زالت العائق الأساسي دون استخدامها تجاريا.
وتُعقد الآمال على الأبحاث الجارية لإيجاد بديل أفضل من البطاريات الحالية يكون أكثر أمانا، وبسرعة شحن أسرع وعُمر أطول، وأيضا بتكلفة إنتاج رخيصة، على اعتبار أن بطاريات “الليثيوم أيون” تعتمد في تصنيعها على مواد نادرة في الطبيعة مثل “الكوبالت” الذي تحتكر دولة الكونغو الديمقراطية 70% من إنتاجه العالمي.
نحو طاقة نظيفة ومتجددة
تعتبر البطاريات في وقتنا الحالي من العناصر الأساسية التي تعتمد عليها الأجهزة الإلكترونية في الاشتغال، إذ تمكننا من حمل هذه الأجهزة واستعمالها في أي مكان، كما أصبحت تعوض الوقود الأحفوري في بعض السيارات والدراجات الكهربائية، وفي الطائرات بدون طيار “الدرون”.
لكن استعمال البطاريات لا يقتصر فقط على تخزين الطاقة اللازمة لعمل الأجهزة والمحركات الكهربائية، بل أصبحت قدرات التخزين مطلوبة بإلحاح في مجال الطاقات المتجددة، فبالإضافة إلى السلع الاستهلاكية، يعتبر تخزين الكهرباء أساسيا لتطوير قطاع الطاقة في العالم، والتي يشكل توفيرها أحد أبرز التحديات أمام البشرية، فالتحول نحو الطاقات النظيفة، كالطاقة الشمسية يبقى رهينا بالحصول على قدرات عالية للتخزين وهذا يمر حتما عبر البطاريات، وهنا نتحدث عن بطاريات من الحجم الكبير قادرة على تخزين الكهرباء الزائدة لتصديرها أو استعمالها في أوقات الذروة، أو عندما تغيب الشمس وتضعف سرعة الرياح.
وقد ساهم تراجع أسعار البطاريات في السوق العالمي، في النمو الذي شهدته قطاعات الطاقات المتجددة في السنوات الأخيرة، وبحسب مؤسسة بلومبرغ الأمريكية لتمويل الطاقة المتجددة، فقد شهد سعر خلايا البطاريات انخفاضا كبيرا بحوالي 80%، فقد انخفضت من 1000 دولار أمريكي لـ”الكيلو وات” سنة 2010 إلى حوالي 200 دولار حاليا.
وتعتبر بطاريات “أيون الليثيوم” من أكثر الأنواع التي تستعمل في حالات تخزين الطاقة الثابتة، ومنخفضة الجهد، كالمساكن التي تمتلك ألواح الطاقة الضوئية على سطحها، وبعض حالات تخزين الطاقة الاحتياطية في الشبكات الوطنية.
وتتوقع العديد من المؤسسات أن تنخفض تكلفة بطاريات “أيون الليثيوم” في السنوات المقبلة بحوالي 50 إلى 60% بحلول عام 2030.
ويعوِّل قطاع صناعة السيارات الكهربائية على انخفاض تكاليف إنتاج البطاريات من أجل تطوير هذا القطاع، الذي تتوقع الوكالة العالمية للطاقة المتجددة أن يشهد قفزة نوعية مستقبلا، لتصل نسبة السيارات الكهربائية إلى 30% من مجموع السيارات في الصين، وإلى 20% في ألمانيا وبريطانيا.