فكر قبل أن تنفق.. كيف تشتري السعادة؟

تدخل الجزيرة الوثائقية عالَم الأموال عبر سلسلة وثائقية من ست حلقات بعنوان “فكّر قبل أن تنفق”، وتتناول السلسلة بعض الأفكار ووجهات النظر إزاء تعامل البشر مع المال سواء أكانوا أطفالا أم بالغين، والطرق المثلى في الإنفاق والاستهلاك، وإذا ما كان بإمكاننا التعامل مع المعاني السامية على أنها سلع تشترى بالمال كالحب والسعادة وغيرهما. كما تشرح السلسلة لنا ما الذي يحكم سلوكنا مع المال، وبعض الحيل البسيطة التي يمكن أن نستخدمها جميعا لاتخاذ قرارات أفضل بشأن الأموال التي نحصل عليها بعد شقاء. وجاءت الحلقة الثانية من السلسلة بعنوان “كيف تشتري السعادة؟” لتبحث إذا ما كان المال نفسه يصنع السعادة، وكيف يمكنني أن أنفق هذا المال بطريقة تشعرني بالسعادة؟
حسن العدم
هل فكرت يوما كيف تبدو الحياة لو أصبحت مليونيرا، هل سيجلب لك المال السعادة؟
استطاع نايجل لاتا مقابلة زوجين شابين فازا للتو بجائزة مليون دولار في القمار، يقول الزوج ويدعى لي “لم أشتر السعادة بالمال، ولكنني أصبحت حرا أكثر وأصبحت لدي خيارات متعددة في أسلوب حياتي”. وتقول شريكته سارة “أصبحت حياتي مريحة أكثر، بالرغم من أنني لم أشعر بزيادة في مستوى سعادتي الداخلية”.
ويُجمع الزوجين الشابين على أن أسلوب حياتهما قد تغير بعد الحصول على المال وتحديدا في كيفية إنفاقه، فقد أصبح لديهم فرص متعددة لقضاء إجازات خارجية، وارتياد مطاعم لم يكونا يحلمان بزيارتها من قبل، وشراء حاجيات غالية الثمن، بل وأصبحا يفكران بالتقاعد وترك العمل.
لتكون سعيدا.. أنفق على الغير
ولكن كيف تشتري السعادة؟ لدى استطلاع آراء عدد من الأشخاص كانت الإجابات متفاوتة، البعض يعتقد أن المال سيجلب له السعادة في حال حصوله عليه، بينما يرى البعض الآخر أن المال مجرد وسيلة للحصول على الضروريات، وأن السعادة مبعثها الرضا والقناعة.
يعود ناجل إلى تجاربه الممتعة، وهذه المرة يعطي مبلغا من المال لعدد من الأشخاص ويطلب منهم أن ينفقوه بالكامل على أنفسهم، ثم يعطي مجموعة أخرى من الناس نفس المبلغ ويطلب منهم أن ينفقوه على أشخاص آخرين.
بعد إنفاق المال اجتمع نايجل بكل مجموعة على حدة، وعندما سأل كل فرد في المجموعتين عن مدى السعادة التي شعر بها بعد إنفاق المال كانت المفاجأة.. فالذين أنفقوا المال على الآخرين كانوا أكثر سعادة بنسبة 90% من الذين أنفقوا المال على أنفسهم فقط (67.5%)، وهنا نعود إلى النتائج غير العقلانية التي تحدثنا عنها في الحلقة الأولى.

سعادة كبيرة بثمن قليل
قام نايجل بعدها بزيارة عائلة روز في نيوزيلاندا، وهي عائلة متوسطة الحال بين جيرانها، ولا تملك المال الذي يؤهلها ليكون أصحابها من الأثرياء، ولكنها عائلة سعيدة للغاية. وعندما سألهم نايجل عن سر هذه السعادة كانت الإجابة بسيطة: هنالك أشياء في الجوار يمكن الاستمتاع بها مجانا، الحدائق والساحات العامة وحدائق الحيوان يمكن أن تضفي على الأطفال وجميع أفراد العائلة قدرا من السعادة لا يضاهى.
إنهم يعتبرون الذكريات الحلوة التي يحتفظون بها بعد هذه التجارب أكثر سعادة من الاستمتاع بوجبة باهظة الثمن في مطعم فاخر، ويرون زيارة حديقة الحيوان أكبر قيمة من صرف مبلغ كبير من المال لقاء رحلة خارج البلاد.
وحسب دراسة قدمها نايجل عن العائلات السعيدة والمستقرة ماليا، وجد أن معدل الإنفاق لديها على التجارب والرحلات الاستكشافية الترفيهية ذات الكلفة البسيطة يبلغ 40% من دخلهم السنوي، بينما ينفقون 25% على الفواتير والالتزامات والأشياء الأخرى، و10% على العطاء المتمثل في الهدايا والتبرعات، و25% على المدخرات والاستثمار. أي أن مساحة كبيرة من الإنفاق تكون على ما يثري حياتهم من الذكريات السعيدة.
إن الطريقة التي ندفع بها مقابل السلع والخدمات هي بحد ذاتها باعثة على السعادة أو الألم، فباستطلاع عينة من الناس الذين قاموا بالشراء عبر الإنترنت عن طريق الدفع المسبق كانوا أكثر استمتاعا بالسلعة أو الخدمة المقدمة لهم من أولئك الناس الذي اشتروا السلعة أو استمتعوا بالخدمة ثم قاموا بالدفع نقدا، مع أن الطرفين متساويان تماما في الخدمة أو السلعة.

علاج بدواء وهمي
يتذكر نايجل تلك الخدعة التي كان الأطباء يقومون بها في الخمسينيات لعلاج بعض الحالات المرضية، وذلك عن طريق إجراء عمليات جراحية مزيفة، والمدهش في الأمر أن نسبة لا بأس بها من أولئك المرضى كانوا يتماثلون للشفاء بعد تلك العملية.
ذلك ما كان يسمى “الدواء الوهمي”، وهو ما يعني بناء توقعات ما بناء على واقع معين، وهو ما سيَظهر لنا في هذه التجربة الطريفة التي سيجريها نايجل الآن.
يقوم نايجل بتعبئة ماء عادي من صنبور مكتبه في مجموعتين من عبوات الماء؛ المجموعة الأولى عبوات زجاجية غاية في النقاء عليها علامة تجارية مرموقة وبجانبها أكواب زجاجية فاخرة وموضوعة على طاولة أنيقة مغطاة بستار جميل، والمجموعة الثانية عبوات بلاستيكية عادية في غرفة أخرى وبجانبها أكواب بلاستيكية كذلك، وموضوعة على طاولة خشبية عادية من دون غطاء.
طلب نايجل من مجموعتين من الناس أن يشربوا من تلك العبوات المختلفة التي تحتوي على الماء نفسه، وكانت النتيجة مذهلة..
فالذين شربوا من الزجاجات الفاخرة أعطوا تجربتهم ما يعادل أكثر من 95% كمستوى للرضا الذي شعروا به، بينما كانت نسبة رضا المجموعة الأخرى التي شربت من العبوات الرخيصة تعادل نحو 55%، وقد كان لزاما على نايجل أن يعتذر من المجموعتين، ثم يوضح لهم أنه بإمكانهم أن يعيشوا لحظات السعادة دون أن يدفعوا الكثير، وأن السلع الغالية الثمن يمكن أن نجد لها بدائل تؤدي الغرض نفسه ولكن بسعرٍ أقل.

الوقت يعادل المال
يشكو كثير من الناس من الصعوبات التي تواجههم عند شراء سلعة ما، وتتمثل في أنهم لا يريدون أن ينفقوا كثيرا من المال الذي جمعوه بصعوبة بالغة على سلعة يعتقدون أنهم سيجدون مثيلا لها بسعر أقل، ولذلك فإنهم يمضون وقتا طويلا في البحث في المتاجر أو عبر الإنترنت ويعقدون مقارنات مضنية للحصول على أحسن نوعية بأقل كلفة.
ولكن لا يدور بخلدهم حقيقة أن هذا الجهد المضني والوقت المهدر يمكن اختزالهما بدفع مبلغ أكثر بقليل والحصول عل أحسن ما تريد من أول متجر، فكم ستوفر من المال إذا استغرقت ذلك الوقت الطويل لاتخاذ القرار؟
الأمر لا يحتاج كل ذلك الوقت، المال موجود لإدخال السعادة على قلبك وليس لجلب الشقاء، فاستمتع به على أية حال.