فكر قبل أن تنفق.. هل يجلب المال السعادة؟

تدخل الجزيرة الوثائقية عالَم الأموال عبر سلسلة وثائقية من ست حلقات بعنوان “فكّر قبل أن تنفق”، وتتناول السلسلة بعض الأفكار ووجهات النظر إزاء تعامل البشر مع المال سواء أكانوا أطفالا أم بالغين، والطرق المثلى في الإنفاق والاستهلاك، وإذا ما كان بإمكاننا التعامل مع المعاني السامية على أنها سلع تشترى بالمال كالحب والسعادة وغيرهما، كما تشرح السلسلة لنا ما الذي يحكم سلوكنا مع المال، وبعض الحيل البسيطة التي يمكن أن نستخدمها جميعا لاتخاذ قرارات أفضل بشأن الأموال التي نحصل عليها بعد شقاء. وفي الحلقة السادسة والأخيرة بعنوان “ثمن السعادة” نحاول معرفة الطرق المثلى لجلب السعادة عبر المال، وجعله وسيلة جيدة للعيش الرغيد على المدى الطويل، عوض أن يكون وسيلة لتوفير الرغبات والشهوات الآنية.
حسن العدم
لم يكن لدى إنسان الكهوف تصور واضح عن المستقبل، حيث كان جل اهتمامه هو اليوم الذي يعيش فيه، ولذلك يعتقد أن معدل حياة البشر آنذاك كانت قصيرة إلى حد ما؛ أقل من 20 عاما. أما اليوم، وعندما أصبح معدل أعمار البشر يتجاوز 80 عاما بالمجمل، فإن التفكير في المستقبل أصبح أكثر إلحاحا.
يتناول نايجل لاتا في الحلقة السادسة والأخيرة بعنوان “ثمن السعادة” من سلسلة “فكر قبل أن تنفق” والتي عرضتها قناة الجزيرة الوثائقية، الطرق المثلى لجلب السعادة عبر المال، وجعله وسيلة جيدة للعيش الرغيد على المدى الطويل، وليس وسيلة لتوفير الرغبات والشهوات الآنية.
ثمن السعادة
هل سيجلب المال السعادة الأبدية؟ يعتقد كثيرون من كبار السن أن الجواب هو “نعم”، ولكن على أن يأتي بكثير من الدراسة والتخطيط في سنٍّ مبكرة عن كيفية الاستفادة المثلى من المال الذي تجنيه، والطرق المثمرة للاستثمار والادخار، ووضع الأهداف البعيدة التي تحب أن تكون عليها حياتك في المستقبل.
ولدى توجيه نفس السؤال لشباب يافعين، كانت معظم إجاباتهم أن سن الستين ما زالت بعيدة، ولذا فإننا لا نحب التفكير في ذلك اليوم، ونريد أن نستمتع بكل لحظة من حياتنا اليومية.
يحب نايجل إجراء التجارب الطريفة، وفي هذه التجربة جمع عينة من الشباب اليافعين، ووضع كل واحد منهم في غرفة منفردة فيها كتاب عن المال والتقاعد، وقلم يلسع كهربائيا حين الضغط عليه، أي أنه ترك عندهم مصدرا للسعادة ومصدرا للألم، وطلب من كلٍ منهم المكوث في الغرفة مدة 20 دقيقة فقط.
معظم الشباب أصابهم الملل بعد بضع دقائق من تصفح الكتاب، وعمدوا إلى بعض اللسعات الكهربائية بالقلم لعل هذا الوقت الممل يمضي مسرعاً.
ولدى استطلاع آرائهم عن هذه التجربة كان معظم إجاباتهم أنهم لا يحبون التفكير في المستقبل، وأنهم غير معنيين بدراسة إستراتيجيات التقاعد والاستثمار فيه.
ولكن بعض كبار السن فضلوا تصفح الكتاب بنوع من الاهتمام، أكثر من لسعات القلم الكهربائي.

الفاكهة أم الشوكولاتة؟
عندما تخيّر الأشخاص بين تناول الشوكولاتة أو تناول حبة من الفاكهة، فإن الأشخاص الذين يهتمون بصحتهم سيختارون حبة الفاكهة، بينما الأطفال أو الأشخاص العاديون فسيعمدون إلى تناول قطعة الشوكولاتة.
إنها بالضبط نفس الطريقة التي يفكر بها الناس لدى الحديث إليهم عن التقاعد، ولهذا تعمد الحكومة النيوزيلندية إلى خدعة ذكية ولطيفة، وهي أنها تضع في حساب كل من يرغب أن يدخر في صندوق التقاعد؛ مبلغ ألف دولار تشجيعي، ولهذا تجد الآن أن ما يقرب من ثلاثة ملايين من الشعب النيوزيلندي مشتركون في صندوق التقاعد.

زوجتك والمال
هل يمكن تقييم العلاقة الزوجية من جهة الالتزامات المالية على أنها صفقة؟
ليس بالضبط، ولكن الجانب المالي جزء هام من حياتنا، ويجب أن نوليه عناية خاصة.
في الماضي لم يكن للمال تلك المساحة الكبيرة من تفكير الأزواج، وربما اكتفوا بدخل واحد وحساب بنكي مشترك في أكثر الأحيان. أما هذه الأيام فيجب أن نعترف أن الوضع مختلف، وتكاليف الحياة لم تعد بتلك البساطة.
في لقائنا مع “جيمس” و”إيمي” وهما زوجان حديثان، بدت إجاباتهما سريعة وعفوية ومتفقة جدا عندما كنا نسأل عن حياتهما الشخصية، ووجهة نظرهما من حيث الحب وإنجاب الأطفال وما شابه، ولكن عندما تحولت بوصلة الأسئلة نحو المال، ظهر التردد والتفكير العميق واختلاف وجهات النظر هي السمة السائدة في إجاباتهما.
هل يعني ذلك أنهما غير متفقين؟ ليس شرطا، ولكنها طبيعة البشر عامة تجاه المال، الشيء الوحيد الجامع بينهم أنهم لا يفكرون عميقا في المسألة المالية وخصوصا حين يتعلق الأمر بالتقاعد.

الانحياز للتفاؤل
وإذا كان ماضينا يحمل ذكريات حسنة وسيئة بشكل متوازن تقريبا، فإن معظم الناس يحرصون على التفاؤل في وصف وتخيّل حياتهم في المستقبل، وهذا الانحياز للتفاؤل يجعلنا في كثير من الأحيان لا نفكر في الاشتراك في برنامج تأمين صحي مناسب مثلا، ولا يجعلنا نكترث لفكرة الانضمام لصندوق التقاعد.
هنالك سبب آخر لهذا الانحياز من الناحية الفسيولوجية، فقد لاحظ العلماء أن مقدمة الدماغ تتحفز بشكل ملحوظ عندما تفكر في نفسك أو تتحدث عنها، ويخفت هذا التحفز عندما تفكر في الآخرين أو تتحدث عنهم.
ونفس هذه الظاهرة تم تسجيلها عندما تفكر في شخصك في المستقبل، مما يعني أننا نرى أنفسنا في المستقبل (أو الأنا المستقبلية) على أننا أشخاصٌ مختلفون عنا في الحاضر.
يرى “ستيوارت دو” -وهو مستشار مالي- أن التخطيط الجيد للإنفاق والادخار المبكر ولو بشيء قليل من المال وإعداد الموازنة الشهرية أو السنوية، والاشتراك في برامج التقاعد والتأمين الصحي؛ هي عوامل تساعد على النجاح في إدارة المال لدى الأسرة، وأن الطوارئ التي تطرأ على الأسرة مثل إنجاب الأطفال أو وقوع حادث، يمكن مواجهتها من المدخرات البسيطة التي ادخرناها في السابق.

وصفة سحرية
“بِين” و”هيلين” زوجان شابان أراد فريق “نودج” أن يقدم لهما مساعدةً للتفكير في مستقبلهما عبر مشهد تمثيلي طريف. لقد أحضر الفريق ممثّلَيْن مسنَّيْن قاما بتمثيل مشهدين مختلفين يمثلان اثنين من سيناريوهات حياة الزوجين الشابين عندما يكبران. أحد هذين المشهدين سلبيٌ ويوحي بالتشاؤم، والمشهد الآخر تفاؤليٌ يوحي بحياة رغيدة يعيشها هذان الشابان في آخر حياتهما.
في السيناريو الأول، كان تخطيطهما المالي قليلا وتفكيرهما لحظيا، ولم تكن لهما أي نظرة جادة فيما يتعلق بالتقاعد والتأمين الصحي، وها هو “بين” المسنّ تعرض لحادث ولم يتمكن من معالجة نفسه، وهما بحاجة للمال لأمورهما اليومية البسيطة ولا يجدانه، وقد اضطرا لبيع سيارتهما وكثيرا من مقتنيات منزلهما من أجل توفير المال اللازم لضرورياتهما اليومية.
في الجانب المشرق من حياتهما المستقبلية، وجد الزوجان نفسيهما في بيت واسع مريح، وحوله حديقة غنّاء واسعة تزينها الزهور والحيوانات الأليفة، والزوجان المسنان يمارسان لعبتهما المفضلة في دعة واستقرار، ويخططان لكيفية قضاء عطلتهما القادمة في سنغافورة من أجل حضور سباق الجائزة الكبرى “الفورمولا ون”.
وجد الزوجان الشابان أن السر يكمن في التخطيط الجيد والرؤية الإستراتيجية الشاملة، وإعداد الموازنة الشفافة التي تعكس الوضع المالي الحقيقي، والإنفاق باعتدال وحسب الحاجة، وتجنب استخدام البطاقة الائتمانية ما أمكن، والادخار المستمر مهما كان قليلا، والاشتراك في صناديق التأمين الصحي والتقاعد، وفي البداية والنهاية أن يكون لهما أهداف قريبة وبعيدة يسعيان بجد إلى تحقيقها.