لغز الرحلة 990.. هل اتهم الأمريكان ربّانها ليتستروا على بوينغ؟
خاص-الوثائقية
“بسم الله الرحمن الرحيم، توكلت على الله، في إيه، شد معايا”.. كانت هذه آخر كلمات قائد ومساعد الطائرة المصرية المنكوبة رقم 990 التي سقطت في المحيط الأطلسي عام 1999.
يقول القبطان كريستوفر لوتينز أحد شهود العيان على سقوط الطائرة “كنت في عرض البحر، أطل على مساعدي من نافذة القارب، وفجأة سمعت صوتا لا يصدق، صوت لم أسمع مثله من قبل في حياتي، كان أول ما خطر ببالي أن مدينه نيويورك تعرضت لهجوم نووي”.
استمرت التحقيقات بشأن سقوط الطائرة لسنوات، وتضاربت الاستنتاجات إزاء سبب سقوطها، فكيف سقطت طائرة مصر للطيران -في رحلتها 990- بالمحيط الأطلسي عام 1999، وهل كان إسقاطها متعمدا أم لخلل فني فيها، ولماذا كلفت مصر الولايات المتحدة بقيادة التحقيق في الحادثة ولم تتولها هي، وكيف ألصِقت تهمة إسقاطها بمساعد الطيار وتم إهمال الخلل الفني في نظام الطائرة؟
حاول تحقيق استقصائي بثته قناة الجزيرة أمس ضمن برنامج الصندوق الأسود في حلقة بعنوان “لغز الرحلة 990” الإجابة على هذه الأسئلة وحل خيوط اللغز وتتبع الرحلة منذ لحظوة إقلاعها فجر يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 1999 وحتى نهاية التحقيقات.
تحقيق أمريكي.. أثار الشكوك
بدأ معد البرنامج الاستقصائي العملَ عليه عام 2014 بعد نشر تشكيك في معلومات التحقيق الأمريكي في الحادثة الذي أغلق عام 2002، وكذلك إثر حصوله على تسجيلات قمرة قيادة الطائرة المفقودة، مما كشف أن نتائج التحقيقات الأمريكية في الحادث أثارت من الأسئلة أكثر مما قدمت من أجوبة بشأن السبب الحقيقي للسقوط، خاصة أن شهود العيان بمنطقته نفوا رؤيتهم أي صواريخ أو مقاتلات استهدفت الطائرة.
وبدأت القصة في صباح 31 أكتوبر/تشرين الأول 1999 عندما استيقظ المصريون على خبر مقتل 289 مصريا (منهم 33 عسكريا كانوا يتدربون في أمريكا) جراء سقوط طائرة بوينغ 767 تابعة لشركة مصر للطيران كانت في رحلتها من نيويورك إلى القاهرة ثم اختفت فجأة من شاشات الرادار لتسقط على بعد 60 ميلا بحريا من جزيرة نانتوكيت بالمحيط الأطلسي، ثم عثر على حطامها بعد انشطارها نصفين.
فور إعلان نبأ سقوط الطائرة، كلفت الحكومة المصرية المجلس الوطني الأمريكي لسلامة النقل بالتحقيق في الحادث، ونظرا لوجود أمريكيين في الطائرة واحتمال وجود شبهة عمل جنائي فقد كان موظفو مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (إف بي آي) من أوائل من وصلوا إلى موقع الحادثة. وقد طلب المجلس من مكتب التحقيقات قيادة التحقيق بعد العثور على تسجيلات القمرة في النصف الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الموالي.

عبارة مبهمة للبطوطي
كان من المفترض أن يتولى قيادة الطائرة طاقمان، وكان في الاحتياطي مساعد الطيار جميل البطوطي الذي تولى القيادة من المساعد عادل أنور بعد 20 دقيقة فقط من الإقلاع، ثم بعد يومين فقط من حادثة السقوط –وقبل تحليل أي بيانات أو العثور على تسجيلات- خرجت تسريبات للإعلام الأميركي باتهام البطوطي بإسقاط الطائرة.
وفي 19 أبريل/نيسان 2001 نشر المجلس الوطني الأميركي لسلامة النقل المسودة الأولى لتقريره بشأن السقوط الذي توصل فيه إلى أن السبب المحتمل هو تصرفات البطوطي، وتمحور الاتهام حول قول البطوطي بعد توقف الطيار الآلي عن العمل الساعة 1:49 دقيقة “توكلت على الله” (كررها 9 مرات)، وقد ترجمها المحققون الأميركيون “اعتمدت على الله” رابطين بين ما هو تعبير إسلامي عادي و”العزم على ارتكاب عمل إرهابي تقربا إلى الله”.
وقد طلب معد البرنامج هذه التسجيلات من المجلس لكنه رفض توفيرها، ثم تمكن من الحصول عليها نهاية 2017 لتبرز لديه شكوكٌ تجاه التحقيق الأميركي، حيث أقلعت الطائرة في تمام 1:20 فجرا ومرت 20 دقيقة دون مشاكل، ثم جرى حديث عادي بين أفراد الطاقم، وبعد 27 دقيقة تسلم البطوطي قيادة الطائرة من القائد الذي ذهب لينام، وبعد تسلمه لها بـ10 ثوان تلفظ بعبارة “توكلت على الله”.
وتوصل البرنامج -من خلال الاستماع لتسجيلات قمرة القيادة (مدتها 31 دقيقة و45 ثانية) وتحليلها فنيا- إلى أنها لم تتضمن ما يدل على حدوث توتر أو خلاف بين أفراد الطاق، وأن توقف الطيار الآلي –وهو النظام المعني بقيادة الطائرة آليا- كان سببا لاتهام البطوطي، خاصة وأن جمال عرام –وهو أحد ملاحي هذه الطائرة سابقا- أكد للمحققين أنه “لم يكن مرتاحا لأداء الطيار الآلي”. كما أثارت الشكوكَ طريقةُ تعاطي المحققين الأمريكيين مع ما سموها العبارة المبهمة وهي كلمة قالها مساعد القائد ولم يُفهم معناها.

بعد حظر بوينغ.. هل يفتح التحقيق مجددا؟
ولعل ذلك ما جعل وزارة الطيران المدني المصرية تطعن حينها في نتائج تقرير المجلس الأميركي وفقا لتحقيق خاص أجرته في الحادثة، قائلة إنه “استخدم بشكل انتقائي بعض الحقائق وبعض الاستنتاجات المفترضة لدعم نظرية سبق الجزم بها”. كما أن مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي قال في تحقيقه “إن الحادث لم يكن جنائيا ولا إرهابيا”، ولكن المكتب لم ينشر هذه النتيجة إلا في عام 2010.
وفي يناير 2014 أقرت إدارة الطيران المدني الفدرالية في أميركا بوجود خلل في ذيل بوينغ 767، وبذلك خلصت إلى ما يعتقد الخبراء أنه كان سبب سقوط الطائرة المصرية، وذلك قبل أن يتم حظر تحليق هذا الطراز من بوينغ مطلع عام 2019 بعد حادثيْ سقوط متتاليين، وهو ما يؤكد وفق هؤلاء الخبراء أن البطوطي لم يسقط الطائرة وإنما حاول إنقاذها، وأنه لا شيء سيُظهر الحقيقة سوى فتح التحقيق مجددا في الحادثة.