أفافا ينوفا.. أغنية تحكي يوميات الأمازيغ منذ القدم

خاص-الوثائقية

 

أرجوك افتح لي الباب … يا أبي إينوفا

رجرجي أساورك … يا ابنتي غريبا

أخشى وحش الغابة … يا أبي إينوفا

وأنا أيضاً أخشاه … يا ابنتي غريبا

بعد يوم من العمل الشاق في قطف الزيتون أطبق الليل على الحقول، وعادت الفتاة الجميلة غريبا الى البيت، لكن والدها العجوز لم يتجرأ على فتح الباب لها خوفا من أن يكون الطارق وحشا يفترس أطفاله الصغار. وأمام هذا الخوف، طلب الكهل إينوفا من ابنته أن تحرّك أساورها حتى يتعرف عليها ويفتح لها الباب، لتدخل وتنضم لإخوتها الصغار المتحلّقين على الموقد يستمعون لحكايات والدتهم العجوز.

تحكي الأسطورة قصة تضحية فتاة من أجل إخوتها وأبويها، وتحتل زخما في التراث الشعبي لأمازيغ الجزائر. وفي سبعينيات القرن الماضي، تحولت الأسطورة إلى أغنية أمازيغية، وشهدت نجاحا كبيرا في الوسط الفني، وترجمت إلى العربية وأكثر من عشرين لغة أخرى.

وفي فيلم قصير تروي الجزيرة الوثائقية قصة أفافا ينوفا ضمن “سلسلة حكاية أغنية” التي تبث في رمضان الحالي.

 

سيرورة الحياة.. تاريخ العائلة الأمازيغية

يبدأ الفيلم بمشهد من قرية جبيلة تطوقها المروج الخضراء، فيما تتبع الكاميرا عجوزين تسيران بزقاق ضيق وتدخلان بيتا متواضعا يتوهج في وسطه موقد الحطب، وتردد النسوة والصغار كلمات الأغنية باللغة الأمازيغية.

تروي السيدة لاكروت التي تعمل في النسيج أن هذه الكلمات تذكرها بكبار السن في ذلك الزمان والأغصان وموقد الحطب والفقر والصقيع خاصة عندما يتساقط الثلج.. وباختصار فإن أبيات هذه القصيدة تختزل تاريخا كاملا.

وتحكي أن النسيج هو عمل المرأة القبلية “وخلال العمل تردد النسوة أغانيَ مختلفة خاصة أفافا ينوفا”.

كانت المرأة في العصور القديمة تعمل لكسب القوت، وكان كبار السن يروون القصص القديمة للأحفاد، فكانت كلمات ينوفا تختزل سيرورة الحياة في قرى الأمازيغ.

ومن البيت الجبلي المتواضع تنتقل الكاميرا إلى محلات الأعمال اليدوية والتحف المنزلية وأواني الفخار، حيث تلتقي بكاتب كلمات الأغنية محمد بن حمدوش. يروي حمدوش أنه التقى بالفنان إيدير (جميت شريت) “وبعد السلام، سألني: هل تعرف حكاية يا أبي إينوفا؟”.

رد حمدوش بأنه حفظ لحن الحكاية القديمة وقام بتطويره، لكن الفنان إيدير طلب منه كتابة مقطعين آخرين.

يُعتبر إيدير سفير الأغنية الأمازيغية في مختلف أنحاء العالم، وعندما غنى “أبي إينوفا” أكسبها زخما كبيرا في الجزائر وخارجها.

 

وصف الأدوار.. لوحة موسيقية بكل ألوان الطيف

في حديثه بوثائقي الجزيرة يقول حمدوش: وصفتُ دَور كل فرد في العائلة؛ الفتاة التي تقطف الزيتون وتطهو في المساء، والعجوز المكلفة بسرد الحكايات، والكهل الجالس أمامها الذي يمثل الذاكرة كونه يعرف كل القصص، ويمكن أن يصحح لها عندما تخطئ.

ورغم عملها المرهق فإن الفتاة معنية بالاستماع أكثر من غيرها لأنها تعرف أنها ستحمل المشعل لاحقا، وما لم تتعلمه في بيت أبويها ستتعلمه لاحقا في بيت زوجها.

ويقول دحموش إن هذه الأغنية تم تصويرها للتلفزيون الوطني، وأذيعت في بقية أنحاء العالم.

ويعود الوثائقي لمقطع قديم من الأغنية:

الشيخ متلفع في برنسه منعزلا يتدفأ
وابنه المهموم بلقمة العيش يعيد في ذاكرته أصباح الأمس
والعجوز خلف المنسج تشد المشابك
دون توقف تحيك الخيطان
والأطفال حول العجوز تلقنهم ذكريات الماضي

أما الفنانة ياسمين طالب فتقول: خالاتي كنّ يغنين هذه الأغنية باستمرار، ووالدتي تعاني من صمم شبه كلي، وكانت تتعرف على الموسيقى بمجرد تشغيل الصوت، وتقول: هذا إيدير.

وتروي الشابة الأمازيغية أن الحظ أتاح لها أن تغني برفقة إيدير عندما اتصلت بها الإذاعة الجزائرية “ولم أصدق حتى رأيته أمامي”.

وبينما كانت تُغالب الدهشة والانبهار غنت ياسمين مع إيدير:

وحطبة البلوط تحل محل حصيرة الصفصاف

العائلة مجتمعة تستمع بشغف للحكايات القديمة

أرجوك يا أبي إينوفا افتح لي الباب.


إعلان