جاري يا حمودة.. أغنية من الزمن القديم

خاص-الوثائقية

ذات يوم بأرخبيل قرقنة التونسي، قيل للفنان الشعبي علي واردة إن جاره الأعرج غاضب منه، فما كان منه إلا أن توجه إليه مسرعا وغنى له "جاري يا حمودة"

ذات يوم بأرخبيل قرقنة التونسي، قيل للفنان الشعبي علي واردة إن جاره الأعرج غاضب منه، فما كان منه إلا أن توجه إليه مسرعا وغنى له عتاباً وترضية:

جاري يا حمودة
يا جاري دبّر عليّ يا امّه

الناس تبات رقوده
وأنا نومي حرم عليّ يا امّه

حمودة يا غالي
يا اللي عليك دلالي سيدي خويا

عيون الريم الجالي
جفاني وبعده بدّع بيّا

كان ذلك في أربعينيات القرن الماضي، وما لبث أهالي جزر قرقنة أن استعذبوا كلمات الأغنية المرتجلة فغُنيت في الأعراس والمناسبات، وطَرب لها البسطاء، وتمايلت على إيقاعها زوارق الصيادين.

وعندما وصلت إلى مدينة صفاقس القريبة لُحنت وأدخلت عليها إضافات، وفي السبعينيات غناها الفنان التونسي الكبير أحمد حمزة لتحظى بزخم كبير في تونس والمنطقة العربية.

لكن حمزة ادعى لاحقا أنه هو صاحب الكلمات وأنه استلهمها من تراث جزيرة قرقنة، وأنكر أن يكون علي واردة غنى هذه الكلمات لجاره حمودة في الأربعينيات.

 

أغنية من الزمن القديم

وضمن سلسلة حكاية أغنية التي تبث في رمضان الحالي، تسرد الجزيرة الوثائقية قصة أغنية “جاري يا حمودة”، وتتحدث للوسط الثقافي في تونس وتقتفي أثر الفنانَيْن لتعرف أيهما أولى بأن تنسب له هذه الكلمات.

يقول الفنان الشعبي علي حشيشة إن أحمد حمزة كان يعزف على العود وكان مغرما في بداياته بمحمد عبد الوهاب “ثم تعرّف على أغان تونسية منها جاري يا حمودة”.

وبعد أن أعلن حمزة ملكيته للأغنية في السبعينيات اتصلت جمعية حقوق المؤلف بحشيشة وعينته حكما للفصل في مدى مصداقية هذا الزعم.

ويوضح حشيشة أنه اتصل بفناني قرقنة مثل علي السويسي ومنصور بوجمعة وأكدوا له أن “جاري يا حمودة” كانت تغنّى قديما في أعراس وحفلات الجزيرة.

وقد سافرت كاميرا الجزيرة الوثائقية في الأزمنة والأمكنة القديمة وتجولت بين أزقة صفاقس وقرقنة لتسأل الناس عن تاريخ هذه الأغنية.

 

زمان الوصل

وعلى أطلال منزل علي واردة وقف حفيده ليحكي أن الأغنية ولدت في هذا المكان، ثم قاد فريق الوثائقية إلى بيت الجار حمودة وإلى حيث كان الرفاق ينعمون بالوصل فيتبادلون النكات ويعزفون ويغنون.

وفي ذات المكان روى العجوز محمد الهادي يوسف جانبا من علاقة أخيه حمودة بالفنان علي واردة، إذ “كان يزوره في بيته ويغني ويمشي معه إلى الأعراس.. وفي تلك الفترة طلّع عليه الأغنية”.

أما زهرة واردة فلا تزال تذكر تفاصيل لحظة ميلاد الأغنية قائلة “طلعتْ عام 1940. حينها كنتُ في السابعة من عمري وهو (حمودة) جارنا”.

وتضيف أن حمودة كان غاضبا فأراد علي واردة ترضيته، ومن غير ترتيب أخذ الدف وتوجه إليه وبدأ يعزف ويغني:

جاري يا حمودة
يا جاري دبّر عليّ يا امّه

الناس تبات رقوده
وأنا نومي حرم عليّ يا امّه

ولئن كانت ملكية الأغنية محل خلاف بين الراحلَين حمزة وواردة، فإنه لا خلاف على عشق التونسيين لها، وقد غناها العديد من الفنانين مثل عبد الله بلخير وعليّة التونسية ولورا خليل من لبنان.


إعلان