طوق نجاة من نيزك.. كيف يمكننا إنقاذ الأرض؟

 

يمان الشريف

قبل 65 مليون سنة شهد كوكب الأرض أعنف الهجمات النيزكية بسقوط نيزك ضخم بحجم 10 كيلومترات على ساحل الخليج المكسيكي

لم يكن يوما كسابقه، في لحظة وفي طرفة عين، وميضٌ ما يظهر فجأة في السماء، من لا شيء ومن دون سابق إخطار، زائرٌ ثقيل الظل يطرق أبواب السماء ويفتحها على مصراعيها عنوة ثم يحلّ بكامل ثقله على سطح الأرض، وبعدها يتغير كل شيء إلى الأبد.

حدث ذلك قبل 65 مليون سنة حينما شهد كوكب الأرض أعنف الهجمات النيزكية بسقوط نيزك ضخم بحجم 10 كيلومترات على ساحل الخليج المكسيكي، فأودى بحياة الملايين من المخلوقات، وتسبب بانقراض جماعي لعدد كبير من الكائنات الحية ومنها الديناصورات.

إن تبعات ذلك الارتطام المريع الذي يُدعى بحادثة تشيكشولوب لم تستغرق وقتا طويلا حتى تجلى في سحابة هائلة محمّلة بالغبار والأتربة وفتاتات أحجارٍ ملتهبة ومترامية رَفعت درجة الحرارة على نحو مفاجئ إلى 300 درجة مئوية، مما تسبب بتبخر الماء في أجسام المخلوقات ثم احتراقها وهي حيّة.

فضلا عن أن ما أحدثه هذا الاصطدام من موجات اهتزازية في قشرة الأرض تسببت بزلازل وأثارت حمما بركانية ساهمت في إمداد المزيد من الأدخنة الكثيفة التي أنتجت في النهاية سحابة ضخمة تحجب أشعة الشمس في جميع أقطار المعمورة، وعندئذ أظلمت الأرض لسنوات عديدة.

ويعتقد علماء الأرض أن هذه السحابة على مدار السنوات التالية تسببت بانخفاض درجة حرارة الأرض إلى درجة التجمد لعدم وصول أشعة الشمس إلى السطح، وبالتالي كان للحادثة تأثيراً حقيقيا على النباتات في عملية البناء الضوئي، مما أضر هرم السلسلة الغذائية للمخلوقات الحية بشكل خطير.

ويعادل الضرر الذي تسبب به هذا النيزك انفجار أربعة ملايين قنبلة نووية صنعها الإنسان، فهو بحد ذاته كفيل لتدمير كوكب بأكمله. وبحسب التقديرات، فإن نيازك بنصف حجم هذا النيزك تسقط على الأرض مرة كل عشرة ملايين سنة، فهل يا ترى ستشهد البشرية مشهدا دراميا آخر يقودها إلى نفس مصير الديناصورات؟

 

من أين تأتي النيازك؟

في بداية مراحل تكوين الشمس، كان كثير من الغبار الكوني والأحجار الصغيرة تسبح بشكلٍ عشوائي في الكون، ومع مرور ملايين السنوات أخذت الحجارة تتجمع حول نفسها وتلتصق، وشيئا فشيئا ازدادت الكتل الملتصقة ببعضها حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن من كواكب وأقمار في مجموعتنا الشمسية[1].

 إلا أن هناك أحجارا لم تستطع الالتحام مع بعضها لتشكيل أجرام سماوية أكبر، فاستقرت معظم هذه الأحجار في منطقة حزام الكويكبات الذي يقع على مدار حول الشمس بين كوكبي المريخ والمشتري، والذي يضم ملايين من الكويكبات بأحجامٍ متفاوته، أكبرها كويكب سيريس ويبلغ قطره 945 كيلومترا (وهو أكبر من النيزك الذي أباد الديناصورات بـ94 مرة). وعلى مدار مئتي عام تمكن الفلكيون من تحديد أكثر من نصف مليون كويكب.

يُعد كوكب المشتري الحصن الرئيسي في عملية حماية الأرض من هذا العدد الهائل من الكويكبات الخطيرة على سطح الأرض، إذ إن جاذبية المشتري الضخمة تُبقي هذه الأجرام السماوية في مدارٍ حول الشمس بعيدة عن الأرض، ولكن قد تحدث بعض الظروف الدخيلة –كارتطام كويكبين- من شأنها أن تغير مسار أي كويكب إلى اتجاه مدار الأرض.

يُمثل معدن الحديد 80% من تكوين الكويكبات و20% خليط من النيكل والبلاتين والذهب والمغنيسيوم ومعادن أخرى نفيسة.

 

انفجار تونغوسكا

على الرغم من أن النيزك الذي أباد الديناصورات في ما سبق لا يسقط على كوكب الأرض إلا في فترات متباعدة تقدر بمرة واحدة كل 100 مليون سنة، فإنه بحسب دراسة النيازك وارتباطها بسطح الأرض وجد العلماء أن هناك نيازك تسقط بشكل دوري في فترات زمنية أقصر خلال مئتي عام أو ما شابه.

ففي عام 1908، انفجر نيزك قطره 45 مترا على أعلى نهر تونغوسكا في سيبيريا، وقد أثار حينها رعباً شديدا بين أهل المنطقة، وذهب الظن ببعضهم على أن نهاية العالم قد حانت بسبب هول الانفجار الذي من الممكن أن يبيد مدينة بأكملها، وتم تقديره بأكبر تصادم في التاريخ الحديث[2].

يعتقد العلماء أن نيازك بحجم نيزك تونغوسكا من المرجح أنها تسقط على سطح الأرض بشكلٍ دوري خلال فترات قصيرة. لذا فإن “المجتمع العلمي العالمي” قرر إبداء اهتمام أكبر لإيجاد حل فعّال لحماية الأرض من الغزو السماوي المدمر قبل أن تواجه البشرية مصيراً مشابهاً لما واجهته الديناصورات.

ففي عام 2009، عقد أول مؤتمر برعاية الأمم المتحدة لمناقشة سبل مواجهة النيازك ولتوضيح مدى خطورة التهديد الموجود ولو كان بنسبة ضئيلة.

يعتقد العلماء أن نيازك بحجم نيزك تونغوسكا من المرجح أنها تسقط على سطح الأرض بشكلٍ دوري

 

كيف نرصد النيزك؟

كان على علماء الفلك والباحثين أن يحددوا طريقة ما للكشف عن النيازك قبل أن تقترب من دائرة الخطر فيصعب تداركها، ولا سيّما أن الأجسام التي على وشك أن يتعامل معها الإنسان أكبر بكثير من المعدات التي يمتلكها.

ويزيد الأمر صعوبة أن سماء الأرض واسعة وتطل على جميع الاتجاهات في الكون، فلا أمل أن يتم مراقبتها يدوياً. وإنما تعمل التلسكوبات الآلية بمساعدة أجهزة الحاسوب على رصدها عبر التقاط صور متكررة للسماء ليلاً ثم تحليل حركة الأجرام السماوية.

فأي جسم مجهول يتحرك –ليس شرطا أن يكون كوكبا أو كويكبا معروفا- يتم الإبلاغ عنه ليتم تعقبه لاحقا[3].

تَمنح عملية تعقب الجرم السماوي لليالٍ عديدة القدرة للباحثين على الكشف عن السرعة التي يسير بها الجرم. وباستخدام معادلات رياضية يمكن الكشف عن المسافة التي يبعد فيها، وفي أي منحنى يتجه حول الشمس على نحو دقيق. ثم تبدأ المقارنة بين مسار الجِرم ومسار الكرة الأرضية للنظر في مدى إمكانية تشكيل أي خطورة على الأرض.

وقد أوجد الباحثون مقياس تورينو لقياس خطورة النيازك المحتملة (وهو يشبه مقياس ريختر لقياس شدة الزلازل) والذي ينسب لمدينة تورينو التي أقيم فيها المؤتمر العلمي لهذا المقياس في عام 1999.

ويتراوح مقياس تورينو من الصفر إلى العشرة، فالصفر يشير إلى عدم وجود أي خطر، أما العشرة فتشير إلى اصطدام كارثي على سطح الأرض. وأعلى ما تم رصده وتقييم خطورته كان كويكب 99942 الذي اكتُشف عام 2004 وقد حصل على تقييم أربع درجات على مقياس تورينو. ولكنه لاحقاً خرج من القائمة السوداء بعد أن اكتشف العلماء خطأهم في تقدير مداره حول الشمس ليحصل على تقييم صفر.

أوجد الباحثون مقياس تورينو لقياس خطورة النيازك المحتملة

 

فرضية القنبلة النووية

يُعد الصاروخ النووي أحد الحلول التي طُرحت، ولم يكن أكثر من مجرد حل من حلول أفلام الخيال العلمي، فليس أمتع على عين المشاهد من أن يرى حربا يلمؤها الضجيج الضوضائي في السماء مباشرة.

لم يكن هذا الحل واقعياً لأنه أسوأ سيناريو قد يحدث كما تبيّن، والمشكلة الأساسية هي أن تأثير القنبلة النووية شديد، إذ إنها تتسبب بتفجير وتحويل النيزك إلى نيازك أصغر بدلاً من أن تقوم بإبعاده عن الأرض، مما يَنتج عنه خطر من عدة نيازك عوضا عن نيزك واحد. وأي نيزك قطره أكبر من 30 مترا سيسبب خطرا كبيرا على الأرض دون شك.

وإذا لم تتعرض الأرض لأي من تلك النيازك المترامية في ذلك الحين، فربما تتعرض لها لاحقا حينما تعود إليها مجددا في المستقبل. والسبب في عودة النيازك إلى الأرض هو وجود ما يعرف بمصطلحها العلمي “مداخل المفتاح في الجاذبية”، ويُشار بها إلى المواقع التي تتواجد حول كوكبٍ ما، وتجبر الأجرام السماوية المارة بها إلى العودة بسبب تأثير جاذبية الكوكب.

ومثال على ذلك كويكب أبوفيس99942 الذي سيعبر قريبا من الأرض عام 2029، وقد كانت هناك مخاوف بأن يمرّ عبر أحد تلك المواقع حول الأرض، مما يستدعي عودته نحونا مباشرة عام 2036. لكن وكالة ناسا الفضائية نفت احتمالية حدوث أي خطر بحسب آخر التحديثات عن مسار الكويكب[4].

تأثير القنبلة النووية شديد، إذ إنها تتسبب بتفجير وتحويل النيزك إلى نيازك أصغر

 

المسبار الحركي والسلاح الخفي

لعل العلماء أدركوا بأن مواجهة النيازك بقوى مضادة سيعود بالسلب على الكرة الأرضية، لذا اتجهوا إلى الحلول العقلانية بدلا من محاولة إبراز عضلات أسلحة الدمار.

يعد المسبار الحركي بمثابة المنقذ الخفي لكوكب الأرض، فتأثيره على النيزك لا يتعدى تغيير مساره وحسب. وهو شبيه بأي صاروخ لكن دون رأس متفجرة، ويعتمد المسبار الحركي بفعاليته على الطاقة الحركية والزخم بداخله، وعند ارتطامه بالنيزك يتسبب بتغيير مساره إلى جهة أخرى بعيداً عن الأرض.

وللتحقق من مدى فعالية هذه الفرضية، استخدمت وكالة ناسا حيلة مشابهة بمهمة تدعى “ديب إمباكت/تأثير عميق” (Deep Impact) عام 2005، بعد أن قامت باطلاق قذيفة وزنها 400 كيلوغرام نحو مذنب “تمبل9” (9P/Tempel) لتستقر فيه محدثة حفرة على سطحه. وكان الغرض من المهمة هو دراسة تركيبة المذنب وتكوينه، والأمر مشابه جداً من حيث آلية التطبيق عند صنع انحراف لمسار النيزك[5].

ومثال آخر على الطرق الأكثر سلامة هو الاستفادة من قوة الجاذبية في الكون عن طريق إرسال مركبة فضائية ضخمة تسير بمحاذاة نيزك فتقوم بجذبه لينحرف عن مساره بالاعتماد على قانون نيوتن للجاذبية، ونسبة الانحراف الذي تُحدثه المركبة تُعد ضئيلة جداً ولكنها كفيلة بأن تُبعد الجرم السماوي عن كوكب الأرض. لكن المشكلة الوحيدة في الأمر أن هذه العملية تستغرق وقتا طويلا وقد تصل إلى عدة سنوات لإحداث ذلك الانحراف البسيط.

الأجسام التي تدور حول نفسها في الفضاء تتعرض لقوة ناتجة من إشعاعات منبعثة من سطح الجسم

 

تأثير ياركوفيسكي

ربما أكثر الأفكار جنونا هي الفكرة المستنبطة من اكتشاف العالِم الروسي إيفان ياركوفيسكي في القرن التاسع عشر، إذ يقول إن الأجسام التي تدور حول نفسها في الفضاء تتعرض لقوة ناتجة من إشعاعات منبعثة من سطح الجسم.

وفي العادة تدور الأجرام السماوية حول نفسها أثناء رحلتها في الفضاء، وأثناء دورانها يتعرض نصفها المواجِه للشمس للحرارة ثم يتبدل الوجه بالوجه الآخر، وأثناء عملية الدوران يفقد الجسم الحرارة من الوجه المعاكس لجهة الشمس، وذلك من خلال انبعاث فوتونات عبر الموجات الكهرومغناطيسية، مما يُنتج زخما حركيا بنسب ضئيلة، لكنْ على مدار سنوات طويلة يمكن لتلك النسب أن تُحدث فارقا في تحديد مدار الجسم حول الشمس[6].

ويكمن جنون الفكرة هنا في إمكانية استغلال هذا التأثير عن طريق تغيير لون النيزك، فلكل لون قابلية لامتصاص أشعة الشمس بنسب متفاوته (الأسود أكثر الألوان امتصاصاً لأشعة الشمس وعكسه الأبيض)، فلو زادت الحرارة المنبعثة من الجسم سيزداد الزخم وبالتالي سيتغير مسار الجسم. ولكن العائق الأكبر هو أننا بحاجة إلى إرسال طاقم يضم عددا كبير من رواد الفضاء وبأيديهم أكبر علبة طلاء يمكن صناعتها.

إعلان الاحتفالية العربية باليوم الدولي للكويكبات.. حيث المحاضرات والأرصاد الفلكية

 

اليوم الدولي للكويكبات

يحتفل العالم يوم 30 يونيو/حزيران من كل عام ومنذ عام 2016 باليوم الدولي للكويكبات (Asteroid Day) حيث يتم توعية الجماهير وطلاب المدارس بخطر الكويكبات والنيازك التي يمكن أن تسقط على الأرض، وتنظم المؤسسات والجمعيات الفلكية بهذه المناسبة ندوات وأرصاد لمثل هذه الكويكبات خاصة المقتربة منها من الأرض.

 

المصادر:


[1] Norton O., Chitwood L. – Field Guide to Meteors and Meteorites

[2] Phillips, T. (Ed.) The Tunguska Impact–100 Years Later. https://science.nasa.gov/science-news/science-at-nasa/2008/30jun_tunguska

[3] Bonilla E. (Ed.)   How Do We Detect Asteroids? NASA, https://www.nasa.gov/content/asteroid-grand-challenge/detect/how-do-we-detect-asteroids

[4] Dunbar B. “NASA Rules Out Earth Impact in 2036 for Asteroid Apophis.” NASA, www.nasa.gov/mission_pages/asteroids/news/asteroid20130110.html.

[5] “Deep Impact.” NASA, www.jpl.nasa.gov/missions/deep-impact/.

[6] Neal-Jones N. Asteroid Nudged by Sunlight: Most Precise Measurement of Yarkovsky Effect. NASA, https://www.nasa.gov/topics/universe/features/yarkosky-asteroid.html


إعلان