المصارعة في السينغال.. ميدان القوة والشعوذة والثراء

حبيب مايابى

المصارعة بالنسبة للسنغاليين لم تعد لعبة تراثية فحسب، وإنما مهنة تستقطب آلاف الشباب الحالمين

كغيره من أبناء الأحياء الريفية ترك “نكور نياخ” مقاعد الدراسة في الثانية عشر من عمره ليحمل معه أحلام أقرانه من الأطفال في الوقوف على حلبات المصارعة التي ستخرجهم من بؤس الفقر وضنك العيش إلى عالم الثراء والحياة الكريمة.

المصارعة بالنسبة للسنغاليين لم تعد لعبة تراثية فحسب، وإنما مهنة تستقطب آلاف الشباب الحالمين بغد أفضل، وتنظّم مسابقاتها بين نوادي المدن والشرائح الاجتماعية فيعلو ضجيجها وتزداد حدة المنافسة فيها فتمتلئ ساحات ملاعبها بالمشجعين.

هذه اللعبة ذات الجذور التراثية عند السنغاليين سلطت الجزيرة الوثائقية الضوء عليها، فأنتجت عنها فيلما بعنوان “المصارعة في السنغال”.

على وتر أنغام الموسيقى الصاخبة وأصوات الدفوف العالية والرقصات الفولكلورية تنظم مباريات الملاكمة وسط حضور شعبي كبير في جميع المدن السنغالية.

أبطال النزال يمثلون مدنهم وشرائحهم فتخرج كل قرية لتشجيع من يحمل اسمها وينتمي إليها، ولا فوارق في الجنس والأعمار بالنسبة للحضور.

 

التراث والترفيه

تعتبر المصارعة من أقدم أنواع الرياضة حيث كانت منتشرة في المجتمعات البدائية لإبراز البطولة والإقدام.

وفي أفريقيا تمارس تلك المهنة لبناء الأجسام والتعود على المشاركة في “أعمال العنف”، لكن الأمر يختلف بالنسبة للسنغاليين، فقد تعودوا على تنظيمها بعد انتهاء موسم الحصاد الزراعي الذي كان وسيلتهم الوحيدة للعيش حيث يتخذونها وسيلة للترفيه وقضاء أوقات الفراغ، وتقام حولها حفلات راقصة تمد جسور التواصل بين سكان القرى المتجاورة باختلاف شرائحها.

ومنذ القدم تعوّد السنغاليون أن تنظم كل قرية احتفالا مسائيا يحضره سكان القرى المجاورين، وتقام على هامشه ألعاب يتبارز فيها الرجال ويتباهون بعضلاتهم ويكون الفائز منهم محل إعجاب وتقدير من الحضور.

وفي حديث بوثائقي الجزيرة يقول علي تانديان “المصارعة بالنسبة لنا ليست رياضة فحسب بل هي عنصر محفز، وقد لعبت دورا مهما في التقريب بين المجتمعات والإثنيات المختلفة”.

منذ القدم تعوّد السنغاليون أن تنظم كل قرية احتفالا مسائيا يحضره سكان القرى المجاورين

فرصة للنجومية والثراء

في القرن الماضي كانت المصارعة في السنغال عبارة عن لعبة تقليدية يجتمع عليها الناس بهدف اللقاء وقتل الفراغ في مشاهدة بعض الحركات التي يطغى عليها جانب العنف.

لكن مع حلول عام 2000 تطورت اللعبة بتطور وسائل الاتصال والترفيه، فأصبحت النوادي مفتوحة أمام تكوين الأبطال للمشاركة في منافسات وطنية ودولية، وأصبحت تدرّ مردودا ماديا معتبرا لمن حقق فيها إنجازا، فأقبل عليها الأطفال والشباب، وتحولت القوة إلى وسيلة للعيش بين مجتمع لا يعرف الضعفاء ولا يقيم لهم وزنا.

تغيرت الفكرة وخرج الناس من دائرة المصارعة التقليدية التي تنظم في الأرياف إلى المصارعة المربحة المنظمة في العاصمة والمدن الكبرى.

أسس المستثمرون النوادي وفتحوا أبوابها أمام الشباب الحالمين فآووهم ووفروا لهم السكن واللباس واستغلوهم في حلبات الصراع.

كانت الجوائز في المصارعة التقليدية عبارة عن ماشية أو كمية من المحصول الزراعي لكنها في العاصمة تكون نقودا كثيرة لا يخطر على بال قادم من الريف أنه سيوفرها يوما.

شكَّلت الجوائز المالية التي حصل عليها الفائزون في العاصمة دكار قصصا من أساطير الثراء عند الشباب فأصبح لقب المصارع يرمز للثروة في السنغال.

خرج أبناء العوائل المعدومة وغيرهم من الطامحين إلى النجومية من المدارس واتجهوا نحو عواصم المدن الكبرى للانخراط في نوادي المصارعة، وفي كازامانس تكثر نسبة التسرب المدرسي بسبب المصارعة.

مصطفى بابيس كابي منظم لقاءات مصارعة يقول للجزيرة الوثائقية “إن المدينة تشهد حالات خطيرة من عزوف الشباب عن الدراسة بسبب ألعاب المصارعة”.

ويضيف “لقد أصبحت المصارعة وسيلة لتوفير المال وهذا لم يكن معروفا عندنا وعلينا أن نخفف من الاهتمام بها قليلا، لأن الذين لا يصلون للنجومية وتحقيق الأهداف تضيع حياتهم للأبد ولا يعود أمامهم إلا الجريمة والتلصص”.

لكن الشباب الذين تحدثوا للجزيرة الوثائقية يؤكدون أن جني المال من المصارعة ساعدهم في توفير حياة أفضل لذويهم وهو ما لم يكن ليتحقق لو ظلوا على مقاعد الدراسة لعشرات السنين.

لا تختص المصارعة هنالك بالرجال فقط بل إن عدة نساء أحرزن بطولات وطنية ودولية

مصارعة حتى للنساء

لا تختص المصارعة هنالك بالرجال فقط بل إن عدة نساء أحرزن بطولات وطنية ودولية.

نجمة المصارعة السنغالية إزابيل سامبو المتوجة بالميدالية الأفريقية تقول للجزيرة الوثائقية إن حياتها بدأت مع ما حصدته من الفوائد المالية في البطولات الوطنية والدولية حيث ساعدتها النجومية في تغيير حياتها للأفضل والانتقال من قسوة الحياة في الريف.

ولا تعتبر النساء الشابات أن المصارعة تمنعهن من تكوين الأسر والدراسة، فتكوين الأسرة سيكون في نهاية المطاف عندما تكبر المرأة على حد تعبير بطلة الملاكمة هاوا.

يمارس رياضة المصارعة في السنغال نحو 10 آلاف وينخرطون في نواد خاصة بتكوين الشباب وتدريبهم

طقوس وشعوذة

يصاحب النزال في ميدان المنافسة فرق موسيقية تقوم بالرقص والغناء وقرع الدفوف لمناصرة المتصارعين وبث روح التنافس بينهم، وكل ناد له فرقته الغنائية التي تتولى مهمة تشجيع ممثله على حلبة الصراع.

وتشكل الهزيمة أثرا سيئا في نفوس المشجعين، وتفاديا لها يحرص المتنافسون على زيارة شيوخ الشعوذة، فيعلقون عليهم التمائم ويسقونهم ببعض الشراب ويسكبون الحليب على أجسامهم ويحثون التراب فوق رؤوسهم. ومن جانبهم يقوم المصارعون بصبغ أجسامهم بألوان مختلفة.

ويمارس رياضة المصارعة في السنغال نحو 10 آلاف وينخرطون في نواد خاصة بتكوين الشباب وتدريبهم.

ويلقى نجوم المصارعة اهتماما كبيرا من قبل السلطات ويحظون بتقدير واسع من قبل أطياف المجتمع، لدرجة أن وزيرا للتعليم اصطحب معه أحد الأبطال في جولة تفقدية من أجل حث التلاميذ على الاهتمام بالقراءة.

ويتربع على عرش المصارعة في السنغال الأسطورة إيموسين المعروف بملك الحلبات وينافسه البطل بومبارديه.

ويجني المتنافسون أرباحا معتبرة من تذاكر الدخول والإعلانات، وتجري المنافسة بحضور لجنة تحكيم مختصة وحضور جماهيري عريض.


إعلان