قرى بدون رجال.. حكاية قرى مغربية طرد الفقر رجالها
حبيب مايابى
فاطمة خدود ربة منزل وأمازيغية تبلغ من العمر 19 عاما يحسبها الناظر خمسينية، إذ أفقدها الكدح بهاء وجمال الشباب. فقد هاجر عنها زوجها وترك لها صبية صغارا تعيلهم بمفردها في ظل ظروف تتسم بالشح والقساوة.
وبين تلال جبال الأطلس المتوسط وأوديته، وعلى ثاني أكبر شاطئ في المملكة المغربية حيث الشلالات والمناظر الخلابة الآسرة، يخيم الحزن على ساكني قرى وادي أم الربيع حيث أجبرت ظروف الحياة وضنك العيش رجال تلك القرى على الخروج من ديارهم بحثا عن طلب الرزق، تاركين خلفهم نساء لا حول لهن ولا قوة ولكنهن يرفضن الاستسلام.
الجزيرة الوثائقية سلطت الضوء على معاناة نسوة عيون واد أم الربيع فأنتجت عنهن فيلما بثته عام 2017. بعنوان “قرى بدون رجال”.
أسباب المأساة
رغم المقومات السياحية الكثيرة في عيون أم الربيع فإن الاستثمار يكاد يكون منعدما، فلا وجود لفنادق ولا منتجعات ولا معالم يمكن أن تجذب السياح لهذه الأماكن الجميلة.
وفي الربيع المزهر والصيف الحار يأتي عديد من المتنزهين لهذه العيون لكنهم ملزمين بالعودة على أدراجهم مع انتهاء النهار، إذ لا وجود إلا لمساكن على مجرى الوادي، وهي مساكن متواضعة أغلبها من الخشب والطين.
الواقع الهش في هذه القرى جعل استفادتهم من السائحين قليلا. كذلك غياب الأراضي المستصلحة والمهيأة للزراعة هو الآخر ساهم في رسم لوحة البؤس على ساكني هذه القرى.
الفقر يطرد الرجال
في ظل انعدام بيئة ومناخ يساهم في خلق فرص للعمل لا يجد الرجال بدا من هجرة بلداتهم بحثا عن طلب الرزق وتأمين جزء من متطلبات العيش.
تقول فاطمة كدجيل وهي ربة منزل “لا تسمح الظروف للرجال بالجلوس مع أبنائهم وتحمل مسؤولياتهم”، ولا شك في أن خروج الرجال عن عوائلهم يسبب متاعب للرجال ومعاناة، وتقلل من قيمة المردود المالي لهؤلاء الرجال.
أما العامل الموسمي عبد الله حسبي فيقول “إن الرجال يعانون في غربتهم عن عوائلهم كثيرا، والمشكلة ليست مشكلتنا نحن الذين تعودنا على هذا النمط من الحياة، فالمشكلة الأكبر هي الجيل القادم الذي لا ينبغي أن يعيش هذه المعاناة، فلا بد أن تجد هذه المناطق حقها في التنمية”.
كما أن انعدام التعليم في هذه المناطق يفرض على أهلها نمطا من العمل، فلا سبيل أمامهم إلا الأعمال الشاقة وقد لا تتوفر في قراهم.
نساء من حديد
وسط قرى أعيت الرجال أن يجدوا بها سبلا للعمل، تعيش نساء أم الربيع وخنيفرة وتيفليت على الكدح ومكابدة الحياة، ينحتون من الجبال بيوتا ويتخذون من الغابات قبلة للتكسب.
لا تعرف نسوة هذه المناطق شيئا عن حال الدنيا الفسيحة التي يعيشون فيها غير حياة روتينية تعودوا عليها في جبالهم وضفاف أنهارهم.
وتقول فاطمة خدود “نحن لا نسافر ولا نتنزه وليس لدينا الحق إلا في العمل وبحكم الظروف الصعبة لا عطلة لدينا”.
الحالة الطبيعية في قرى أطلس المتوسط تقتضي أن تقوم النساء بكل شيء حتى بما في ذلك حلب الماشية ورعيها والذهاب للغابة.
فاطمة الزهراء وهي ربة منزل تعول ستة أطفال تلخص قصتها مع العمل اليومي فتقول “أستيقظ عند الساعة السادسة صباحا وأبدأ يومي من صناعة الخبز وتجهيز الأطفال للمدرسة والعناية بالبقرة والذهاب بها للرعي والمشي للغابة لجلب الحطب حتى أبيعه، وهكذا لا نعرف الراحة حتى الليل”.
ولا يمكن أن يصبر على هذا النمط من الحياة إلا سكان هذه القرى، فالسيدة حفيظة حيدرال التي قدمت من أكادير حيث تعرفت على زوجها هنالك؛ تؤكد أنها لم تكن تتوقع قساوة الحياة بهذا الدرجة، ولسان حالها يقول “إذا لم يكن إلا الأسنة مركبا
فما حالة المضطر إلا ركوبها”.
لم تكن الفتاة القادمة من مدينة أكادير تحسب أن الحياة في قرية فارس الأحلام تقتضي جلب الحطب من الغابة. وكل ما تتمناه حيدرال هو أن يأتي عيد يكون زوجها حاضرا بجانبها، فقد أصبحت تشعر بالحرج من سكناها مع أخيه رغم المعاملة الحسنة التي تجدها في بيته.
الموت خير من الطلاق
الزواج المبكر في هذه القرى يخطف طفولة البنات ويسرق براءتهن، لكنهن لا ينتظرن شيئا غير هذا الواقع، فالنتيجة الحتمية هي الزواج، والطموح هو تكوين أسرة، والواقع هو أن تعمل المرأة في الغابة أو في النسيج والصوف من أجل الحصول على قطع من الخبز.
لا ترغب نساء الريف أبدا في الطلاق، فالعمل على الأكتاف والمبيت على الطوى وغياب الزوج أكثر رحمة من الطلاق.
وتقول الفتاة عائشة “إذا ما وقع الطلاق فإن المرأة تفقد الاحترام بين الناس وتفقد الأمل في الحياة، وينظر الناس لها نظرة دونية وتسبب حرجا لعائلتها، فالطلاق عندنا عيب كبير.”
مواويل الجبل
الغناء بالنسبة لأهل الجبل هو وسيلة التعبير عن الأفراح والأتراح. ويعتبر الفن المعروف محليا أحيدوس جزءا من حياة الأمازيغ وتراثهم في منطقة الأطلس المتوسط، ويعبر عن حياتهم اليومية، وذلك لأن أشعاره وكلماته تستقى من واقع الحياة المعاش.
نسوة وادي عيون أم الربيع لا تشغلهم المشاكل عن المواويل، إذ يجدون راحتهم في الغناء وأحيدوس الذي يذهب بهم بعيدا عما يكدر صفو الحياة من المتاعب.
تحكي عائشة “الغناء هو ما نجد فيه طعم الحياة، وهو وسيلتنا الوحيدة للترويح عن النفس”. وتعتبر الأعياد والحفلات العائلية مدعاة لإقامة الأماسي الغنائية وتبادل التهاني والزيارات بين السكان.
ورغم قسوة الحياة وصعوبتها حيث ينعدم المال ويغيب الرجال تبقى نساء قرى وادي أم الربيع يعشن على الآمال رغم الآلام وتحدوهن الأحلام في حياة بجوار رجالهن وكلهن أمل في أن تعيش البنات حياة أفضل من حياة أمهاتهن.
ولا تمنع الظروف وشحها ساكني هذه القرى من الابتسامة رغم الحزن، فالبشاشة والبساطة وكرم الضيافة سمات عند سكان الريف المغربي عموما وعند ساكني قرى وادي أم الربيع بشكل أخص