ألفُ مذاق.. البيتزا الإيطالية التي عشقها الفرنسيون

 

حبيب مايابى

للتعرف على مذاقات الناس تجوّلت كاميرا الجزيرة الوثائقية في 20 مدينة فرنسية، فكانت البيتزا الوجبة المفضلة إذ تُقَدم في 200 مطعم وعلى الشوارع وفي الأسواق والأماكن العامة.

وفي فيلم بثته الوثائقية، وثقت الجزيرة الوثائقية عشق الفرنسيين لهذا الطبق الذي احتل صدارة الوجبات السريعة منذ حقبة من الزمن.

لا يعود تاريخ البيتزا لفترة قريبة، بل إن وجودها قديم في جميع الحضارات. وتقول الخبيرة في المنتجات الإيطالية “سيلفيا ساشير”: إن تاريخ البيتزا بوصفها من الخبز يعود لتاريخ اكتشاف القمح، ذلك أن الخبز المسطح كان موجودا في قديم الزمان.

وفي مدينة نابولي الإيطالية ظهرت الوجبة في القرن السادس عشر حيث كان أهل المدينة يقومون بطهي الخبز ويغطونه بالريحان وزيت الزيتون وبعض الخضار.

كانت البيتزا في إيطاليا وجبة شعبية يرتاد أماكنها الفقراء والأطفال العائدون من المدارس قبل أن ينقلها المهاجرون الإيطاليون وتصبح وجبة عالمية.

وكانت الإضافات التي تغطى بها هذه الوجبة وتحضّر بها لا تتجاوز قليلا من اللحم والجبن والزيت، ولم يكن الإيطاليون يأكلون الطماطم لاعتقادهم أنها مسممة.

 

بيتزا الملكة مارغريتا

وفي عام 1889 زارت الملكة مارغريتا سافايو -زوجة ملك إيطاليا أومبيرتو الأول- مدينة نابولي فأراد الطاهي رافييلا سباسيتو أن يقدم للضيفة ما تشتهيه نفسها ويبقى في ذاكرتها، فصنع لها بيتزا تجمع اللون الأحمر المكون من الطماطم والأبيض من الجبن والأخضر من الريحان، ليرسم العلم الإيطالي على الوجبة، فعُرفت بـ”بيتزا مارغريتا” منذ تلك الفترة.

ساهمت هجرة النابوليين في انتشار ثقافة البيتزا فأدرجوها في الوجبات السريعة ليفتحوا لها مطاعم خاصة بها.

وتُعتبر مدينة مرسيليا الفرنسية من أول المدن التي انتشرت فيها مطاعم خاصة بهذه الوجبة، وقد عرفتها قبل أن تدخل روما حتى أصبحت بالنسبة للفرنسيين هي المكان الأصلي لهذا المأكول، ويتحدث الناس عن مطاعمها وجودة مذاقها.

وفي عام 1962 قام شاب فرنسي في مرسيليا يدعى جانو مورتيه بإنشاء مطعم في سيارة متجولة في الشوارع والقرى، وبعد فكرته بـ10 سنوات أصبح في المدينة 325 عربة متجولة لبيع البيتزا.

انتشرت ثقافة الوجبات السريعة في فرنسا بشكل كبير ولقيت رواجا كبيرا بين الناس، فلا يوجد شارع أو مجمع للتسوق إلا وبه محل لإعداد هذه الوجبة.

ونظرا لمكوناتها البسيطة -وهي عبارة عن عجين خبز وجبن وبعض الإضافات القليلة الخالية من المواد الحافظة- أصبحت من الطعام المفضل عند الفرنسيين.

 

المرأة.. المستفيد الأول

تقول “أليساندرا بيرني”: إن البيتزا ظاهرة في فرنسا أكثر من إيطاليا، والسبب في نجاحها أنها أعفت المرأة الفرنسية من المطبخ لأنها مشغولة عنه بالعمل.

ويعطي الفرنسيون اهتماما كبيرا لمطاعم الوجبة الإيطالية حيث يتجولون للمفاضلة بين منتجاتها، والزائر لمحلات تقديم الوجبات في باريس لا يفوته كثرة الإقبال والزحام على تلك الوجبة المفضلة عندهم.

 

ويلاحظ المتجول في المطاعم الفرنسية أن طهاة البيتزا تتميز محلاتهم بموسيقى الراب، وعلى سواعدهم وشم أزرق أو أسود، وعليهم مسحة من جمال الشباب وريعانه، فتلك شروط ضرورية لمن أراد أن يكون محله ناجحا في مدينة باريس.

ورغم أن البيتزا عالميا تحمل اسما واحدا وبكل اللغات، فإنها تختلف من حيث المذاق، ذلك أن الطعم الأصلي لوجبة نابولي لا يقدر عليه إلا القليل من الطهاة، فطريقة التحضير التي تبدأ من اختيار أجود القمح والمحسّنات الأخرى هي السر في نكهتها وجلب الزبائن.

وحسب الإحصائيات فإن أكثر خدمات المطاعم انتشارا في باريس ومرسيليا هي خدمات توصيل البيتزا والحافلات المتنقلة لبيعها.

 

ماراثون ألف مذاق

وتوجد في فرنسا مطاعم عديدة اشتهرت بجودة ما تقدمه من هذه الوجبة المتنوعة. لكن ماراثون البحث عن ألذ طعام من بين ألف مذاق في فيلم الجزيرة الوثائقية -الذي تم إعداده برفقة خبراء في الوجبات والمنتجات ذات الصلة- خلص إلى مطاعم صُنفت أنها الأكثر جودة في طعم البيتزا.

وهذه المطاعم هي:

• مطعم “ليزاموري” بمدينة نيس الذي يعتبر مطعما يشعر المستهلك أنه تناول وجبته في نابولي رغم أنه في فرنسا.
• مطعم “دالماتا” في باريس الذي يقدم وجبة البيتزا بالخبز الرقيق مع إضافة الثوم، فإنه يستقطب رواده مرة تلو الأخرى، ويعتبر من أفضل المطاعم المنتشرة في المدينة.
• مطعم “لا بون مير” في مرسيليا، ويصنف على أنه من أكثر المطاعم جذبا للزبائن بلذة مذاقه وأسعاره المعقولة.
• مطعم “لوبيكوتوم” ذو العربات الصغيرة المتجولة في باريس الذي يعتبر من أشهر المطاعم وله نكهته الخاصة.

ورغم أن المطاعم منتشرة بكثرة في جميع مدن فرنسا، فإن المنافسة لم تنعكس إيجابا على الأسعار.

 

البيتزا في العالم

أما عالميا فإن أصحاب المطاعم يحترمون الشكل الأصلي لوجبة نابولي، فلا تقدم إلا في خبز مسطح ودائري، وقد أدرجتها اليونسكو ضمن برنامج التراث العالمي.

ولا تقف شهرة البيتزا عند حدود نابولي أو مرسيليا، بل أصبحت وجبة عالمية ذائعة الانتشار، ففي سنة 1958 أطلق في الولايات المتحدة الأمريكية مطعم “بيتزا هت” الذي يقدم جميع أنواع الوجبات المتعلقة بهذه الأكلة.

وفي 1960 تأسس في أمريكا أيضا مطعم “دومينوز بيتزا”، وهي شركة عالمية ولها فروع في جميع أنحاء العالم. لكن المذاق الأصلي لهذه الوجبة يعتبر محله في فرنسا حيث المحلات الكثيرة والزبائن الأوفياء.