اليمين المتطرف الأوروبي.. شتات عنصري يتوحد ضد المسلمين
أيوب الريمي
لم تمر الانتخابات الأوروبية في أجواء عادية هذه السنة، فالحملة الدعائية التي سبقت الاستحقاقات تعد من بين الأكبر والأهم في العالم، كانت مشحونة بالشعبوية والتطرف والكراهية ضد الأجانب والمهاجرين ومعاداة الاتحاد الأوروبي، وكان الإسلام خصوصا في القلب من هذه الحملة الانتخابية بسبب الهجمة غير المسبوقة التي تعرض لها مسملو أوروبا من طرف أحزاب اليمين المتطرف، مما أثار المخاوف إزاء مصير الاتحاد الأوروبي لو نجحت أحزاب اليمين الشعبوي في الظفر بصدارة الانتخابات التي شارك فيها 400 مليون مواطن من 28 دولة أوروبية، وهي مخاوف لها ما يبررها خصوصا في صفوف المسلمين وهم يشاهدون كيف أن زعيم حزب “تشديد الاتجاه” المتطرف في الدانمارك أقدم على حرق المصحف أكثر من مرة، وعودة الشعارات النازية في ألمانيا، والهجوم على الحجاب والرموز الإسلامية من طرف الجبهة الوطنية الفرنسية، وفي هولندا لم يدخر حزب الحرية جهدا في التحريض على المهاجرين وخصوصا المغاربة متوعدا بالتقليص من عددهم لو نجاح في الانتخابات.
كل هذه المواقف والتصريحات جعلت من الانتخابات الأوروبية محطة حاسمة، استرعت انتباها عالميا، بسبب المخاوف من تشكل أكبر تكتل برلماني لليمين المتطرف في العالم، وهو اهتمام عكسته حتى نسبة المشاركة التي بلغت 50%، وهي أعلى نسبة يتم تسجيلها منذ ربع قرن، بسبب التعبئة الكبيرة لأنصار اليمين المتطرف الذين كانوا يعتبرون أن هذه المحطة الانتخابية هي فرصتهم التاريخية لتصدر المشهد الأوروبي أمام ترهل الأحزاب التقليدية وضعفها سواء تعلق الأمر باليمين أو اليسار.
وعلى الرغم من أن نتائج الانتخابات الأوروبية لم تأت كما تشتهي سفن اليمين الشعبوي، بسبب الصعود المفاجئ للخضر في أوروبا، إلا أن الظاهرة في حد ذاتها تستحق الدراسة بعد أن بات اليمين المتطرف ثاني قوة سياسية في أوروبا ويحكم دولا مثل إيطاليا والنمسا ويحقق صعودا قويا في فرنسا وألمانيا والدول الإسكندنافية، خصوصا مواقف زعماء هذه الأحزاب من المسلمين والمهاجرين، فهؤلاء كانوا المادة الدسمة للحملة الانتخابية.
شعبوية مشتتة إلا على المسلمين
قد يكون من التعسف العلمي الحديث عن يمين متطرف لأوروبا موحد، له برنامج واحد ومشروع سياسي مشترك، صحيح أن زعماء الأحزاب اليمينية المتطرفة في كل من فرنسا وهولندا وإيطاليا والنمسا وألمانيا عقدوا لقاء قمة في إيطاليا قبل الانتخابات، لقاء كان له وقع الصدمة في القارة العجوز وفتح علامة استفهام إزاء إمكانية حكم أوروبا من طرف الشعبويين، لكن هذا التنسيق لا يُخفي أن لكل حزب أيدولوجيته ورؤيته السياسية وإن اجتمعت في الأرضية المتطرفة المعادية لكل ما هو أجنبي.
وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلتها مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية لتوحيد خطاب اليمين الشعبوي في أوروبا وتشكيل كتلة واحدة داخل البرلمان الأوروبي، فإن العديد من التفاصيل عصفت بحلمها هذا، خصوصا بعد أن مني حليفها الهولندي خيرت فيلدرز بخسارة فادحة ولم يتمكن من الحفاظ على مقعده البرلماني، في المقابل حصل شعبوي آخر على مقعد في البرلمان الأوروبي ويتعلق الأمر بتيري بودي صاحب المواقف المناوئة للمهاجرين والتنوع الثقافي ومع ذلك فهو يختلف مع مارين لوبان ويرفض التحالف معها.
وهكذا سيتشكل في البرلمان الأوروبي فريقان برلمانيان ينتميان لليمين المتطرف، فضلا عن اللامنتمين الذين يحملون أفكارا عنصرية تتفوق حتى على أفكار الشعبويين وهي أقرب للنازية؛ أفكار تؤمن بتفوق العرق الأبيض وتطهير أوروبا من المهاجرين بكل الطرق.
ومن بين الأسباب الأخرى للخلاف بين أحزاب أقصى اليمين المشروع الاقتصادي، فهناك أحزاب تؤمن بالليبرالية الاقتصادية وما تقتضيه من حرية حركة الأموال والبضائع، بينما هناك أحزاب تدعو لمراقبة الحدود وفرض رسوم جمركية على التجارة وتفضل تدخلا أكبر للدولة في الدورة الاقتصادية.
مستقبل أوروبا مع الحكام المتطرفين
وتبقى الرغبة الجامحة في قلب الطاولة داخل الاتحاد الأوروبي من أجل تغيير سياساته المتعلقة بالهجرة ورفضه منح حقوق للأقليات الثقافية خصوصا المسلمة هو ما يجمع هذه الأحزاب. أما على مشروع تسيير الدولة داخليا، فسنجد تباينات كبيرة، بين حزب رابطة الشمال الذي يرى أن النموذج الأنسب هو النظام الفدرالي حيث تحافظ كل جهة على مواردها الخاصة لتدبير شؤونها، أما حزب “فوكس” الإسباني فهو يطالب بتمتع كل جهات إسبانيا بالحكم الذاتي، وفي المقابل تنادي الأحزاب الشعبوية الألمانية والفرنسية بدولة مركزية قوية، وحتى على مستوى العلاقات الخارجية سنجد أن هناك أحزابا مقربة من روسيا كما هو الحال بالنسبة للجبهة الوطنية الروسية التي حصلت على قروض من مؤسسات بنكية روسية من أجل حملتها الانتخابية، وفي المقابل هناك أحزاب أخرى تعتبر العلاقة مع موسكو خطا أحمر، وينطبق هذا الوضع على الأحزاب المتطرفة في بولونيا والنمسا.
وأخيرا هناك الموقف من الاتحاد الأوروبي بحد ذاته، فبينما تسعى أحزاب لتصحيح سياسات الاتحاد (فرنسا وإيطاليا)، ترى أحزاب أخرى أن الحل هو الانسحاب من الاتحاد الأوروبي (نموذج حزب البريكست البريطاني وزعيمه نايجل فرج)، أما حزب البديل الألماني فهو يرى أن بلاده يجب أن تكون له اليد العليا في الاتحاد لأنها الأقوى اقتصاديا، بينما تحرص الأحزاب اليمينية في الدول الصغيرة على الحفاظ على تماسك الاتحاد الأوروبي لأنها تستفيد من الدعم المالي الذي يقدمه لإنقاذ اقتصادها من الانهيار.
هذه التباينات تجعل من تشكيل يمين متطرف أوروبي موحد وواحد أمرا صعب التحقيق إن لم يكن مستحيلا، ولمحاولة التغطية على هذه الاختلافات التي تصل حد التناقض يسلط زعماء هذه الأحزاب جام غضبهم على الحلقة الأضعف والأكثر دغدغة لعواطف كتلتهم الانتخابية، ويتعلق الأمر بالمهاجرين وفي القلب منهم المسلمون، ولهذا سنستعرض في الفقرات القادمة تعامل كل قادة الأحزاب المتطرفة مع المسلمين.
بقي فقط الإشارة إلى أن محاولات هذه الأحزاب تصوير نتائج الانتخابات الأوروبية كأنها نصر مبين، هي محاولات فيها الكثير من المغالطات، فقد حصلت هذه الأحزاب مجتمعة على 178 مقعدا داخل البرلمان الأوروبي مقارنة 155 مقعدا في انتخابات 2014، وإذا ما تم حذف مقاعد حزب البريكست البريطاني (28 مقعدا) الذي سينسحب بخروج بريطانيا من الاتحاد، يظهر أن اليمين المتطرف يعيش حالة جمود إن لم يكن تراجعا، لكن إستراتيجية اليمين الشعبوي بصفة عامة تعتمد على التهويل والاستثمار في مشاعر الخوف عوض الخطاب العقلاني التحليلي.
إسبانيا.. آخر الملتحقين بالشعبويين
إذا كان صعود اليمين المتطرف ظاهرة عامة في جل الدول الأوروبية وتمكن هذا التوجه السياسي من اختراق حتى الدول المعروفة بنماذجها الناجحة في التعايش كبريطانيا وألمانيا، فإن تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا وتعالي الأصوات الشعبوية يعد أمرا مستجدا في إسبانيا، فبعد انتهاء حقبة فرانكو ودخول البلاد لنادي الدول الديمقراطية، اختفت تقريبا كل التوجهات اليمينية المتطرفة، قبل أن تعود من جديد مع حزب “فوكس (VOX) الذي يبني مشروعه السياسي على محاربة ما يسميه “التهديد الإسلامي المتطرف”، وينادي هذا الحزب المؤسس حديثا بمنع أي شكل من أشكال الدعم المادي عن الجمعيات الإسلامية، وطرد كل الأئمة “المشتبه في تطرفهم”، وإغلاق أي مدرسة تلقن الأطفال تعاليم الإسلام، علما بأن عدد المسلمين في البلاد لا يتجاوز مليوني شخص ويعتبرون أقلية في البلاد إلا أن الحزب يبني كل مشروعه السياسي على معاداة المسلمين وتجييش مشاعر الكراهية ضدهم.
وعلى الرغم من أن نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في شهر أبريل/نيسان الماضي أظهرت أن الحزب اليميني المتطرف لم يغر الإسبانيين ولم يحصل على نتائج تذكر مقابل انتصار كبير للحزب الاشتراكي، فإن الحزب لم يظهر أي مراجعة لأفكاره، بل على العكس يقول إنه سيخوض حربا بغير هوادة ضد الهجرة السرية وتعهد أنه بمجرد نجاحه في دخول حكومة إقليم الأندلس، سيقوم بترحيل مباشر لكل مقيم بطريقة غير قانونية في الإقليم وأغلبهم من “المسلمين” حسب رؤية الحزب، وهو وعد شعبوي يتغاضى عن أن القانون الإسباني يفرض موافقة وزير الداخلية قبل ترحيل أي مهاجر.
ومثل العديد من الأحزاب الشعبوية في أوروبا، يعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ملهما لحزب “فوكس”، فالأخير يريد إقامة جدار إسمنتي في سبتة ومليلية المحتلتين لمنع وصول المهاجرين، على غرار الجدار الذي يخطط ترامب لبنائه على الحدود مع المكسيك.
مارين لوبان.. عنصرية تتدثر بالتقية
ورثت مارين لوبان عن والدها جون مارين لوبان الذي يعتبر عراب اليمين المتطرف في فرنسا؛ حزب الجبهة الوطنية، ونجحت بفضل خطابها المبهم وتلاعبها بالعبارات حسب السياق السياسي، من تحويل الجبهة من حزب منبوذ ترفض غرف الأخبار استقبال أعضائه، لحزب عادي كاد أن يتصدر الانتخابات الرئاسية الأخيرة لولا تحالف قوى اليمين واليسار والوسط خلف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ونجحت مارين لوبان بالفعل في تطبيع العلاقة بين حزبها والرأي العام الفرنسي بفضل ابتعادها عن منهج والدها المبني على الحدة في الخطاب العنصري.
وهكذا سنجد مثلا أن مارين لوبان تلتقط سورة سيلفي في أستونيا مع شاب من نشطاء اليمين المتطرف، مع إشارة باليدين يعتمدها العنصريون للدلالة على تفوق العنصر الأبيض، وبعد ذلك ستعود لتقول إنها لم تكن تعلم بدلالة هذه الإشارة، وهو مبرر من الصعب تصديقه من طرف سيدة ولدت في كنف أسرة يمينية شعبوية.
كما أنها ستنفي علمها بنظرية “الغزو الكبير” التي كتب عنها منفذ الهجوم الإرهابي على المسجدين في نيوزيلندا والتي تقول بأن أوروبا البيضاء تعرضت للغزو من طرف غير البيض ويجب إعادة هؤلاء لأوطانهم بالقوة. ونفي لوبين بمعرفة هذه النظرية تكذبه نتائج دراسة أجرتها المؤسسة الفرنسية للرأي العام (IFOP) التي تقول إن هذه النظرية معروفة لدى أعضاء حزب لوبان مرتين أكثر من أي حزب آخر، وهي متداولة بشكل كبير بينهم، بل إن منفذ الهجوم قال في الرسالة التي تركها إنه أُحبط لخسارة لوبان في الانتخابات الرئاسية.
أما عن العلاقة مع المسلمين فلوبان تقول إنها ليست ضد الإسلام ولا المسلمين ولكنها ضد “الإسلام المتطرف”، وتقول إنها ستحارب بكل قوتها مظاهر الصلاة في الشارع التي تضرب –حسبها- بعلمانية الدولة، وتدعم كل إجراءات إغلاق الجمعيات التي تنتمي للإخوان المسلمين.
ولا تجد لوبان حرجا في التعبير عن فكرة عنصرية استفزت الجزائريين على الخصوص عندما اعتبرت أن احتلال بلادها للجزائر كان مفيدا للأخيرة، وإمعانا في استفزاز الجزائريين طالبت لوبان بوقف منح التأشيرات للجزائريين عقب حراكهم الأخير لما فيه من خطر على أمن فرنسا.
وبينما تعادي لوبان الشعوب العربية والمسلمة تُظهر لوبان الكثير من الود للدكتاتوريات العربية حيث انتصبت مدافعة عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وطالبت الاتحاد الأوروبي بدعمه لأنه –حسبها- يحارب التطرف الإسلامي.
ترامب الإيطالي.. لا مساجد بعد اليوم
يلقبه الكثيرون بترامب إيطاليا وأوروبا، ويتعلق الأمر بماتيو سالفيني زعيم حزب رابطة الشمال المتطرف ووزير الداخلية الإيطالي، فالرجل لا يقل شعبوية عن ترامب في التعبير عن مواقفه السياسية، ولا يبدي أي احترام لعلاقات بلاده الخارجية حتى مع أقرب الحلفاء، كما حدث مع فرنسا عندما تسبب بأزمة دبلوماسية بين البلدين عقب تصريحاته المهاجمة لفرنسا التي وصفها بالنفاق في التعامل مع قضية المهاجرين.
أما عن العلاقة مع المسلمين فقد أعلن الوزير الإيطالي أنه لن تكون في البلاد مساجد جديدة، زاعما أن تخصيص أرض لهذا الغرض يثير “غضب” المواطنين الإيطاليين، وأنهم محقون في ذلك، وقال سالفيني في تغريدة بموقع تويتر “لن تكون في البلاد مساجد جديدة، سيكون منح أرض من البلديات لبناء مساجد جديدة ضربا من الجنون”، بل توعد بهدم بعض المساجد الموجودة.
وظهرت كراهية سالفينيي للمسلمين عقب الهجوم الإرهابي على المسجدين في نيوزيلندا، حيث لم يبد الرجل كبير تعاطف مع الضحايا رافضا الحديث عن خطورة العنصرية البيضاء وقال إن الخطر الوحيد الذي يجب الانتباه له هو التطرف الإسلامي.
ولا يرى سالفيني أنه يمكن التوفيق بين الإسلام ونمط العيش الأوروبي وكتب على صفحته في تويتر أنه “لا مجال للتوفيق بين التشريعات المدنية الإيطالية وأحكام الشريعة الإسلامية”، داعيا إلى “إعادة النظر في صيغة التعايش مع المعتقدات الدينية الأخرى في المجتمع الإيطالي” مما ينسف كل إمكانية للتعايش داخل مجتمع متنوع الثقافات.
ستيف بانون.. عرّاب الشعبويين في العالم
إذا كنت تعتقد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو حامل لواء الشعبوية في العالم، فما عليك سوى التعرف على الرجل الذي أخاف ترامب نفسه، ويتعلق الأمر بستيف بانون الذي أدار حملة ترامب الانتخابية وعينه بعد ذلك مستشارا قبل أن يتخلى عنه. ويعتبر بانون من أكثر الحاملين لأفكار عنصرية في العالم، حيث لا يُخفي انتماءه لجمعيات تؤمن بتفوق العرق الأبيض، وهو رئيس موقع “بريتبارت” الذي يعتبر من أكثر المواقع الإخبارية متابعة في أمريكا وأكثرها محافظة.
ويقول بانون عن الإسلام إنه “أكثر أديان العالم تطرفا”، وحذر من أن المسلمين يشكلون “طابورا خامسا هنا في الولايات المتحدة”، وتصفه صحيفة نيويورك تايمز بأنه “صوت العنصرية في العالم”. أما جون كاسيتش المرشح الجمهوري السابق للانتخابات التمهيدية الأمريكية فقد حذر من أن بانون هو “التجسيد الحقيقي لليمين المتطرف العنصري والفاشي، على أميركا أن تكون حذرة جدا”.
سمعة الرجل المتطرفة ونجاحه في إعادة أمجاد أنصار تفوق البيض في الولايات المتحدة جعلت منه محط ترحيب في أوروبا، بل إنه أعلن خلال جولته في القارة العجوز ولقائه بقادة اليمين المتطرف، عن تأسيس مركز باسمه الهدف منه –حسبه- هو إطلاق ما وصفها بـ “ثورة” شعبوية يمينية في القارة الأوروبية.
وبالنظر لحجم كراهية الرجل للمسلمين والمهاجرين وإيمانه الشديد بأفكار فاشية مثل تفوق العرق الأبيض، سيكون على العالم حبس أنفاسه ودق كل أجراس الخطر لمواجهة رجل يقول عن نفسه “أفضّل أن أحكم في الجحيم على أن أكون خادماً في الجنة”، وفعلا فالجحيم هو ما يسعى بانون لتأسيسه في العالم.